logo
الرئيسية/برامج إذاعية/مجالس الفقه/(76) برنامج مجالس الفقه- أحكام الفرائض: الرد، وميراث ذوي الأرحام

(76) برنامج مجالس الفقه- أحكام الفرائض: الرد، وميراث ذوي الأرحام

مشاهدة من الموقع

المقدم: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم (مجالس الفقه).

(مجالس الفقه) برنامجٌ يُذاع عبر أثير (إذاعة القرآن الكريم)، نتدارس فيه المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة مما يحتاج إلى معرفتها كل مسلم. يصحبنا في هذا البرنامج فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين. فباسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.

الرد

المقدم: أحسن الله لكم، شيخنا كنا في حلقات ماضية نتجول في مسائل الفرائض والأحكام المتعلقة بذلك، ولا يزال الحديث في هذا الباب العظيم، ولعلنا نتكلم في هذه الحلقة عن موضوع في علم الفرائض يسمى بـ"الرَّدِّ"، وقبل الدخول في تفاصيل أحكامه أودُّ لو بينتم لنا ما معنى الرد في علم الفرائض.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

تعريف الرَّد

أما بعد:

فالرد عند الفَرْضيين يُفردونه بباب ويذكرون مسائله وأحكامه، ونبدأ أولًا ببيان معناه، فـ"الرَّدُّ" في اللغة يُطلق على معانٍ منها: الإرجاع والمنع والصرف. فمن معاني المنع تقول: رددت العدوان؛ إذا منعته، ومن معاني الإرجاع تقول: رددت المبيع؛ إذا أرجعته، ومن معاني الصرف تقول في الدعاء: اللهم رُدَّ كيدهم عني؛ أي اصرفه. فالرد في اللغة يرجع إلى هذه المعاني: المنع والإرجاع والصرف.

وأما معناه في اصطلاح الفرضيين فهو: "إرجاع ما يبقى في المسألة بعد أصحاب الفروض على من يستحقه منهم بنسبة فروضهم عند عدم العَصَبة". وهناك من يُعرفه بأنه: "الزيادة في الأنصباء والنقص في السهام".

يعني نوضح هذا بمثال: هالك عن بنت، وليس له عاصِب، ليس له في الدنيا إلا بنت، ليس له أبناء عم، ليس له إخوة، أبوه وأمه غير موجودين، ليس له قريب سوى بنته، فالبنت ستأخذ النصف فرضًا، النصف المتبقي إلى أين يذهب؟ عند القائلين بالرد يقولون: النصف المتبقي يُرّدُّ على البنت، فمعنى ذلك: أن هذه البنت تأخذ النصف فرضًا والباقي ردًّا.

العلاقة بين الرد والعول

المقدم: أحسن الله إليكم، إذًا شيخنا نلحظ أن هناك تشابهًا بين ما يُسمى بـ"الرد" في علم الفرائض، وهناك أيضًا موضوعٌ آخر في علم الفرائض يسمى بـ"العَوْل"، فهل بينهما علاقة؟

الشيخ: العلاقة بين الرد والعول علاقة عكسية، فـ"الرد" هو عكس "العول" تمامًا، فإن الرد هو الزيادة في الأنصباء والنقص في السهام، بينما العول النقص في الأنصباء والزيادة في السهام.

معنى العول: أن التركة تَضِيق، مثلًا: هالكة عن زوج وأختين شقيقتين، الزوج: النصف، والأختان: الثلثان، فإذا أخذ الزوج النصف لم يتبقَّ للأختين الثلثان، وإذا أخذت الأختان الثلثين لم يتبقَّ للزوج النصف، معنى ذلك: أنه يدخل النقص على الجميع. هذا هو العول.

الرد على العكس من ذلك، يكون التركة فيها فائض، يعني مثل ما ذكرنا: هالك عن بنت، هالك عن أم، وليس له أقارب، ليس له عصبة، المتبقي هذا يُرَدُّ على صاحب أو أصحاب الفرض.

وبهذا يتبين أن العلاقة بين الرد والعول علاقة عكسية.

حكم الرد

المقدم: أحسن الله إليكم، شيخنا. الرد ما حكمه؟ وهل هو معمولٌ به في الفرائض؟

الشيخ: الرد محل خلاف بين الفقهاء، على قولين:

  • فمنهم من قال بالرد، أي أنه يُرَدُّ على أصحاب الفروض بقَدْر فروضهم، وقد رُوي هذا القول عن عددٍ من الصحابة، رُوي عن عمر وعليٍّ وابن مسعود وابن عباس . وهذا القول هو المذهب عند الحنفية والحنابلة، وقال به الشافعية في بعض الأحوال.
  • والقول الثاني: القول بعدم الرد، وإنما يُصرف الباقي لبيت المال، وقد رُوي هذا القول عن زيد بن ثابت، وهو مذهب عند المالكية، وقال به الشافعية في بعض الأحوال.

القائلون بالرد استدلوا بعموم قول الله تعالى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفال:75]، قالوا: وأصحاب الفروض أخص ذوي الأرحام، فيكونون أولى بالباقي. وأيضًا استدلوا بقول النبي : من ترك مالًا فهو لورثته. الحديث أصله في الصحيحين[1]، وهذا عام في جميع المال، فيشمل المتبقي بعد الفروض فيكون للورثة دون بيت المال.

وأيضًا استدلوا بحديث سعد بن أبي وقاص في قصة مرضه، وفيه أنه قال: يا رسول الله، إنه لا يرثني إلا ابنةٌ لي، أفأوصي بمالي؟ قال: لا. قال: فالشطر. قال: لا. قال: فالثلث. قال: فالثلث، والثلث كثير؛ إنك أَنْ تَذَرَ ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكفَّفون الناس[2].

الشاهد قوله: "لا يرثني إلا ابنة لي"، فحَصَرَ الميراث على ابنته، وهذا لا يكون إلا بِرَدِّ النصف المتبقي بعد فرضها عليها، وقد أقره النبي على هذه المقولة وعلى هذا الفهم، وسعدٌ لما أتاه المرض وهو في مكة اعتقد أن هذا مرض الموت، ولكن قال له النبي عليه الصلاة والسلام: ولعلك أن تُخلَّف فينتفع بك أقوام ويُضَرُّ بك آخرون[3]. وبالفعل شفاه الله ​​​​​​​ وقاد المسلمين في معركة القادسية، وانتفع به المسلمون وضُرَّ به الفرس، وأيضًا رُزق بأولاد كثيرين. فهذا آيةٌ من آيات النبي عليه الصلاة والسلام: كيف أنه قال ذلك له وتحقق ما أخبر به!

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم، شيخنا. إذا قلنا بإعمال الرد في باب الفرائض، فهل يُرَدُّ على جميع أصحاب..

الشيخ: بقي فقط أدلة القول الثاني، نحن ذكرنا أدلة القول الأول، وذكرنا أدلةً من الكتاب والسنة. ومن المعنى: أن أصحاب الفروض يكونون أحق من بيت المال بما بقي بعد الفروض من مال مورِّثهم؛ لأن بيت المال يُصرف منه لعموم المسلمين، بينما أصحاب الفروض هم أولى بمال قريبهم من الأجانب.

تبقى أدلة القول الثاني وهم القائلون بعدم الرد، قالوا: إن الله قد فرض نصيبَ كلِّ واحدٍ من الورثة فلا يُزاد عليه، والقول بالرد يستلزم الزيادة على الفروض، وهذا خلاف القرآن.

وأُجيب عن ذلك؛ بأن تقدير الشارع للفروض إنما يدل على استحقاق أصحابها لها، لكنه لا يمنع من الزيادة عليها إذا وُجد مُقتضٍ للزيادة، بدليل أن الأب مثلًا فُرض له السدس كما في قول الله تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]، لكن ذلك لا يمنع من أن يأخذ الأب الباقي تعصيبًا. وكذلك الزوج فُرض له النصف أو الربع، ولا يمنع ذلك من أن يأخذ الباقي تعصيبًا إذا كان ابنَ عمٍّ، الأخُ لأمٍّ فُرض له السدس، ولا يمنع ذلك من أخذه للباقي تعصيبًا إذا كان ابن عمٍّ. فإذا كانت الفروض لا تمنع من الزيادة عليها بالتعصيب، فكذلك لا تمنع من الزيادة عليها بالرد.

وأيضًا أصحاب هذا القول -وهم القائلون بعدم الرد- قالوا: إن التوريث بالرد قولٌ بالرأي، والمواريث لا تثبت بالرأي، وإنما مبناها على التوقيف.

ونُوقش ذلك بعدم التسليم بأن القول بالرد توريثٌ بالرأي، بل هو توريثٌ من مقتضى دلالة النصوص، كما سبق في أدلة القول الأول، وبهذا يتبين أن القول الراجح: هو القول الأول، وهو القول بالرد؛ وذلك لقوة أدلته؛ ولضعف أدلة القول الثاني. ولهذا؛ فإن بعض المتأخرين وفقهاء المالكية والشافعية يُفتون بالقول الأول مع أن المذهب عندهم عدم القول بالرد.

هل الرد خاص بفئة أو لجميع الوارثين؟

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم هذا البيان والإيضاح. إذا تقرر أن القول الراجح في المسألة هو العمل بالرد، فَيَرِدُ في الذهن سؤالٌ: هل يُرَدُّ على جميع الوارثين، أو أنه خاص بفئة معينة من الورثة؟

الشيخ: الرد إنما يكون على أصحاب الفروض فقط، على أصحاب الفروض، ما عدا الزوجين فلا يُرَدُّ عليهم؛ لأن سبب الرد هو القرابة، بينما سبب التوارث بين الزوجين هو عقد الزوجية لا القرابة؛ ولهذا قال الموفق ابن قدامة رحمه الله في "المغني": "لا يُرَدُّ على الزوجين باتفاق أهل العلم". هناك بعض العلماء المعاصرين قال بأنه يُرَدُّ على الزوجين؛ واستدلوا بما رُوي أن عثمان  رَدَّ على زوج، وأُجيب عن ذلك بأن هذا الأثر -وهو أن عثمان  رَدَّ على زوج- لا أصل له، لا يُعلم له أصل في دواوين السنة، إنما هو أثرٌ موجودٌ في بعض كتب الفقه، لكن ليس له أصلٌ معروف.

المقدم: غير مسند؟

الشيخ: غير مسند، وعلى تقدير صحته فهي واقعة عين، يحتمل أن عثمان  إنما أعطاه لكونه عَصَبة أو لكونه ذا رحم، أو أعطاه من بيت المال لا على سبيل الرد، فهذه واقعة عين، ووقائع الأعيان يتطرق إليها الاحتمال، فلا يصح الاستدلال بها.

وهناك من نَسَب هذا القول لأبي العباس ابن تيمية، وهذه النسبة لا تصح، ليس هذا القول قولًا لابن تيمية رحمه الله، ولم يُصرِّح بذلك، إنما قال به بعض المعاصرين، وقولهم هذا مسبوقٌ بالإجماع.

فالصحيح وما عليه عامة أهل العلم قديمًا وحديثًا: أنه لا يُرَدُّ على الزوجين، وأن هذا محل إجماع بين العلماء، وأن قول من قال من المعاصرين بالرد على الزوجين قولٌ مسبوق بالإجماع.

المقدم: أحسن الله إليكم. إذًا مِن أين أتى الغلط على ابن تيمية في نِسبة هذا القول له؟

الشيخ: يعني في كلام محتمل له، فهم بعض المعاصرين أنه يرى الرد على الزوجين، لكن هذا غير صحيح؛ لأن له كلامًا في موضع آخر صرَّح فيه بعدم الرد على الزوجين، وكلام العالِم يُرَدُّ المتشابه فيه إلى المحكم، فلا تصح النِّسبة لابن تيمية في القول بالرد على الزوجين.

شروط الرد على أصحاب الفروض

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم. إذا تقرر هذا بأن الرد يكون على أصحاب الفروض ما عدا الزوجين، فهل هناك شروطٌ لا بد من توافرها للعمل في الرد؟

الشيخ: نعم، يُشترط للقول بالرد على أصحاب الفروض ثلاثة شروط:

  •  الشرط الأول: وجود صاحب فرض يُرَدُّ عليه.
  • والشرط الثاني: ألا يوجد في المسألة عاصبٌ؛ لأنه إذا وُجد عاصبٌ أخذ الباقي، وحينئذ لا يكون في المسألة رَدٌّ.
  • والشرط الثالث: ألا تستغرق الفروضُ التركةَ؛ لأنها إذا استغرقت التركة لم يوجد باقٍ، وحينئذ لا يكون هناك رَدٌّ.

أصناف أهل الرد

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم. قبل قليل -شيخنا- ذكرنا أن الرد يكون على أصحاب الفروض ما عدا الزوجين، وهذا قد يكون فيه إجمال، إذا أردنا التفصيل في أصحاب الرد أو أصناف أهل الرد من هم على وجه التفصيل؟

الشيخ: نعم، أصناف أهل الرد، أولًا نستبعد الزوجين كما ذكرنا، فلا يُرَدُّ عليهما بالإجماع، فمعنى ذلك: أن أصناف أهل الرد هم أصحاب الفروض ما عدا الزوجين، وهم البنت واحدة فأكثر، وبنت الابن واحدة فأكثر، والأم والجدة واحدة فأكثر، والأخت الشقيقة واحدة فأكثر، والأخت لأب واحدة فأكثر، وولد الأم ذكرًا أو أنثى، يعني الأخ لأم سواءٌ كان ذكرًا أو أنثى واحدًا فأكثر، هؤلاء فقط هم أصحاب الرد.

كيفية الرَّدِّ في المسألة الفرضية

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم. نأتي إلى لُبِّ هذا الموضوع وهو ما يتعلق بكيفية الرَّدِّ في المسألة الفرضية؟

الشيخ: القائلون بالرد -وقلنا إن هذا هو القول الراجح- يقولون في صفة العمل في مسائل الرَّدِّ بأن المسائل تنقسم إلى قسمين:

  •  القسم الأول: ألا يكون مع أهل الرَّدِّ أحدُ الزوجين، ولا يخلو الأمر حينئذٍ من ثلاث حالات:
    • الحال الأولى: أن يكون من يُرَدُّ عليه شخصًا واحدًا، كبنتٍ مثلًا، كأم، فله جميع المال فرضًا ورَدًّا.

المقدم: لا يوجد إلا شخصٌ واحد في المسألة.

الشيخ: شخصٌ واحد من أصحاب الفروض. مثلًا: هالك عن أم، ليس له في الدنيا إلا أم، فلها جميع المال فرضًا ورَدًّا، الثلث فرضًا، والباقي ردًّا.

    •  الحال الثانية: أن يكون من يُرَدُّ عليهم صنفًا واحدًا، فأصل المسألة من عدد رؤوسهم؛ لكونهم قد استووا في موجب الميراث. مثال ذلك: هالك مثلًا عن أربع أخوات، فتكون المسألة من أربعة، معنى ذلك: أن كل واحدة تأخذ الربع. هالك عن ثلاث بنات، المسألة من ثلاثة، لكل واحدة واحد، وهكذا.
    •  الحال الثالثة: أن يكون من يُرَدُّ عليهم أكثر من صنف؛ إما صنفين أو ثلاثة أصناف، ولا يتجاوز من يُرَدُّ عليهم ثلاثة أصناف، لماذا؟ لأنهم إذا تجاوزوا الثلاثة؛ فالمسألة إما أن تكون مُستغرِقةً أو عائلةً.

وصفة العمل في هذه الحال -إذا كان من يُرَدُّ عليهم صنفين أو ثلاثة- أن يُعطى كل وارث سهمه مُقتطَعًا من أصل ستة، يعني دائمًا أصل المسألة ستة، دائمًا، فيُعطى كل وارثٍ سهمه مقتطعًا من أصلِ ستةٍ، ويكون مجموع السهام هو أصل مسألة أهل الرَّدِّ، فنوضح هذا بالمثال، ولعلنا نسألك يا شيخ فهد: هالك عن أخ لأم وجدة؟

المقدم: نعم، الأخ لأم هنا سيأخذ السدس، والجدة ستأخذ السدس.

الشيخ: السدس، سدس وسدس، نحن قلنا دائمًا: إن الأصل ستة، ستة تُرَدُّ إلى كم؟

المقدم: ستُرَدُّ إلى اثنين.

الشيخ: إلى اثنين، معنى ذلك: أن الأخ لأم سيكون له النصف، والجدة يكون لها النصف.

طيب، لو أخذنا مثالًا على الثلاثة أصناف، هالك عن بنت وبنت ابن وأم، البنت كم نصيبها؟

المقدم: البنت هنا لها النصف.

الشيخ: النصف، وبنت الابن؟

المقدم: لها السدس.

الشيخ: السدس تكملة الثلثين، والأم؟

المقدم: والأم هنا لها السدس.

الشيخ: لوجود الفرع الوارث، نحن قلنا: دائمًا إن الأصل ستة، فنصف الستة كم؟

المقدم: ثلاثة.

الشيخ: وسدس الستة؟

المقدم: واحد.

الشيخ: واحد، وسدس الستة؟

المقدم: واحد.

الشيخ: يعني ثلاثة زائد واحد زائد واحد.

المقدم: ستُرد إلى خمسة.

الشيخ: خمسة، فترد من ستة إلى خمسة، هذا هو القسم الأول.

  • القسم الثاني: أن يكون مع أهل الرَّدِّ أحد الزوجين، ولا يخلو ذلك من حالين:
    • الحال الأولى: أن يكون موجودًا مع أحد الزوجين شخصٌ أو صنفٌ، فصفة العمل أن يُعطى أحد الزوجين فرضه من مخرجه، والباقي لأهل الرَّدِّ، وتُصحَّح المسألة إن احتاجت إلى تصحيح.
    • والحال الثانية: أن يكون من يُرَدُّ عليه مع الزوجين أكثر من صنف؛ بأن يكون معه صنفان أو ثلاثة، وصفة العمل أن يُعطى الزوج أو الزوجة نصيبه كاملًا، وبقية التركة تُقسَّم على أهل الرد، وتكون صفة العمل فيها كصفة العمل في القسم الأول تمامًا.

ومعنى ذلك: أنه إذا كان هناك زوجان فيسلك بها طريقة المناسخات في الجداول، لكن يمكن بطريقة مبسطة أن يُعطى الزوج أو الزوجة فرضه، ثم بعد ذلك تُقسم المسألة على أهل الرَّدِّ كما ذكرنا في القسم الأول.

المقدم: يعني يُعطى الزوج أو الزوجة فرضه مستقلًّا، ثم المتبقي يُقسم على أهل الرَّدِّ؟

الشيخ: والمتبقي يُقسم على أهل الرَّدِّ، وبذلك لا نحتاج لصفة العمل في القسم الثاني، وهذا ذكرته في كتابي "تسهيل حساب الفرائض"، والنتيجة واحدة، فهذا من التسهيل، ومن أحب مزيدًا من الأمثلة والتوضيح فليرجع إلى الكتاب؛ ففيه أمثلةٌ وتطبيقاتٌ كثيرة.

ميراث ذوي الأرحام

المقدم: لعلنا نأخذ موضوعًا جديدًا آخر في علم الفرائض كذلك: وهو ما يتعلق بميراث ذوي الأرحام. ونحن في هذا البرنامج (مجالس الفقه) نستعرض مسائل فقهية مع شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، ولا يزال الحديث في مسائل الفرائض وأحكامها، ومعنا موضوع جديد: وهو ما يتعلق بميراث ذوي الأرحام. ابتداءً شيخنا: ما المقصود بذوي الأرحام في باب الفرائض هنا؟

الشيخ: نعم، هذا الباب هو آخر باب معنا في مسائل الفرائض، وبالانتهاء من هذا الباب ننتهي مما أردنا شرحه في هذا البرنامج من مسائل الفرائض إن شاء الله.

"الأرحام" جمع رحم، وهو في الأصل موضع تكوين الجنين، ثم أصبح يُطلق على القرابة مطلقًا.

ومعنى "الأرحام" في الشرع: القرابة مطلقًا، سواءٌ أكانوا وارثين أو غير وارثين.

أما عند الفَرْضيين فالمعنى أخصُّ، وهو: "كل قريب لا يرث بفرض ولا تعصيب"؛ كالخال مثلًا، الخال من ذوي الأرحام، الخالة من ذوي الأرحام، أبو الأم من ذوي الأرحام، ابن البنت من ذوي الأرحام، ابن الأخت من ذوي الأرحام، العمة من ذوي الأرحام.

لاحِظ هنا الفرق بين تعريف ذوي الأرحام شرعًا وتعريف ذوي الأرحام عند الفَرْضيين، شرعًا: جميع الأقارب، لكن عند الفرضيين أخصُّ، كُلُّ قريبٍ لا يرث بفرض ولا تعصيب، فمثل ما ذكرنا من الخال والخالة، العمة، ابن الأخت، ابن البنت، هؤلاء يُسَمَّون "ذوي الأرحام".

هل ذوو الأرحام يرثون؟

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم. ذوو الأرحام -شيخنا- هل يرثون؟

الشيخ: اختلف الفقهاء في توريث ذوي الأرحام، والخلاف بتوريثهم قريبٌ من الخلاف في الرَّدِّ الذي أشرنا له قبل قليل، القائلون بالرَّدِّ قالوا أيضًا بتوريث ذوي الأرحام، وهم الحنفية والحنابلة، وهو قول عند الشافعية في بعض الأحوال، فيقولون: إنهم يرثون، ورُوي هذا القول عن عمر وعليٍّ من الصحابة .

والقول الثاني وهو مذهب المالكية: إنهم لا يرثون، ويكون المال أو ما تبقى بعد أحد الزوجين لبيت المال مطلقًا، قلنا: هذا هو مذهب المالكية، وهو أيضًا قولٌ عند الشافعية في بعض الأحوال.

القائلون بأن ذوي الأرحام يرثون استدلوا بعموم قول الله ​​​​​​​: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفال:75]، قالوا: فهذه الآية عامة في جميع الأقارب، فيدخل فيها ذوو الأرحام بالمعنى الاصطلاحي.

واستدلوا كذلك بدليل هو في الحقيقة أقوى أدلتهم: وهو حديث عمر  أن النبي قال: الخال وارثُ من لا وارثَ له. وهذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والترمذي قال عنه: "إنه حديث حسن صحيح"، وكذلك أيضًا الحافظ ابن حجر حسَّنه، فهو بمجموع طرقه وشواهده حديثٌ ثابتٌ[4]، وهو صريح الدلالة، فالنبي جعل الخال وارثًا لمن ليس له وارث. والخال من ذوي الأرحام فيُقاس عليه سائرهم.

وأيضًا استدل أصحاب هذا القول بقول النبي : ابن أخت القوم منهم. والحديث في الصحيحين[5]. وابن الأخت من ذوي الأرحام، وإذا كان منهم فهو أولى بالمال من بيت المال.

أما القائلون بأن ذوي الأرحام لا يرثون فاستدلوا بقول النبي : إن الله أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث[6]. قالوا: ذوو الأرحام لو كان لهم حقٌّ لكان لهم فرضٌ في كتاب الله، فلما لم يُفرَض لهم لم يكونوا وارثين.

وأُجيب عن ذلك بعدم التسليم بأن الله لم يُعطهم حقًّا، بل أعطاهم حقًّا كما في أدلة أصحاب القول الأول، ومنها قول النبي عليه الصلاة والسلام: الخال وارثُ من لا وارثَ له[7].

وأيضًا استدل أصحاب هذا القول بما رُوي أن النبي ركب إلى قباء يستخير في ميراث العمة والخالة، فأُنزل عليه: "لا ميراث لهما". وهذا الحديث لو صح لكان صريحًا في عدم توريث ذوي الأرحام، لكنه ضعيفٌ لا يصح، أخرجه الدارقطني في "سننه"، هو حديث ضعيفٌ لا تقوم به حجة، ضعيفٌ ضعفًا شديدًا[8].

وبهذا يتبين أن القول الراجح -والله أعلم- هو القول الأول: وهو القول بتوريث ذوي الأرحام؛ لقوة دليله، خاصة حديث: الخال وارثُ من لا وارثَ له[9]، فإنه حديثٌ صحيحٌ -كما سبق- وصريحٌ في توريث ذوي الأرحام؛ ولضعف أدلة القائلين بعدم التوريث.

ولهذا؛ كما ذكرنا في الرَّدِّ: المتأخرون من فقهاء المالكية والشافعية يُفتون بتوريث ذوي الأرحام، مع أن المذهب عندهم هو القول بعدم التوريث؛ وذلك لقوة دليل القول بتوريثهم.

شروط توريث ذوي الأرحام

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم. شيخنا، شروط التوريث لذوي الأرحام ما هي؟

الشيخ: يُشترط لتوريث ذوي الأرحام شرطان فقط:

  •  الشرط الأول: ألا يُوجد صاحب فرضٍ يُرَدُّ عليه؛ لأنه إذا وُجد صاحب فرض فسيُرد عليه، وبالتالي لا يرث ذوو الأرحام.
  •  والشرط الثاني: ألا يوجد عاصب.

أصناف ذوي الأرحام

المقدم: أحسن الله إليكم، أصناف ذوي الأرحام من هم إذا أردنا أن نُعرِّفهم على وجه التفصيل؟

الشيخ: أصناف ذوي الأرحام أحد عشر صنفًا، وهم:

  • أولاد البنات، وأولاد بنات الابن.
  • وأولاد الأخوات مطلقًا، سواءٌ كُنَّ شقائق أو لأب أو لأم.
  • وبنات الإخوة الذكور لغير أم، يعني الشقائق أو لأب، وبنات بنيهم.

لاحِظ أن بنات الإخوة الأشقاء أو الإخوة لأب: من ذوي الأرحام، بينما أبناء الإخوة الأشقاء أو أبناء الإخوة لأم أو أبناء الإخوة لأب؛ هؤلاء عَصَبة، فرقٌ. ولذلك؛ لو فيه مسألةٌ: هالك عن: ابن أخ شقيق وبنت أخ شقيق، كيف تكون القسمة؟

المقدم: المال كله لابن الأخ.

الشيخ: أحسنت. المال كله لابن الأخ الشقيق، وبنت الأخ الشقيق لا تأخذ شيئًا، لماذا؟ لأن ابن الأخ الشقيق عاصبٌ، وبنت الأخ الشقيق من ذوي الأرحام.

  • وأيضًا بنات الإخوة الذكور لغير أم، وبنات بنيهم.
  • وأولاد الإخوة لأم.
  • والأعمام لأم مطلقًا، سواءٌ كانوا أعمام الميت أو أعمام أبيه أو أعمام جده.
  • وكذلك أيضًا من أصناف ذوي الأرحام: العمات مطلقًا، سواءٌ كُنَّ عمات شقيقات أو لأبٍ أو لأم.
  • وأيضًا: بنات الأعمام وبنات بنيهم.
  • والأخوال والخالات مطلقًا، سواءٌ أكن أشقاء أو لأب أو لأم.
  • وأيضًا: الأجداد غير الوارثين، من جهة الأب أو من جهة الأم؛ كأبي أم الأب، أو أبي الأم؛ هؤلاء يُعتبرون من ذوي الأرحام.
  • وهكذا الجدات اللاتي لا يرثن من جهة الأب أو الأم؛ كأم أبي الأم مثلًا، أو أم أبي الأب، أو أم أبي الأم. فيعني الجدات غير الوارثات -سواءٌ من جهة الأب أو من جهة الأم- يُعتبرن من ذوي الأرحام.

وكل من أدْلَى بصنفٍ من هذه الأصناف العشرة؛ كابن الخال وعمة العمة وخالة الخالة ونحو ذلك. فهؤلاء هم أصناف ذوي الأرحام.

كيفية توريث ذوي الأرحام

المقدم: أحسن الله إليكم. آخر مسألة معنا متعلقة بكيفية التوريث؟

الشيخ: نعم، كيفية توريث ذوي الأرحام محل خلاف، فمنهم من قال: إنهم يرثون بطريقة القرابة؛ بأن يُقدَّم الأقرب فالأقرب من ذوي الأرحام كالعَصَبات. وهذا هو مذهب الحنفية وروايةٌ عن أحمد.

ومنهم من قال: إنهم يرثون بطريقة التنزيل؛ بأن يُنزَّل كلُّ أحدٍ من ذوي الأرحام منزلةَ مَن أدْلَى به حتى يصل إلى الوارث فيأخذ حكمه إرثًا وحجبًا. وهذا هو مذهب الحنابلة، وهو القول الراجح: أنهم يرثون بطريقة التنزيل.

مثلًا: ابن البنت يُنزَّل منزلة البنت، أبو الأم ينزل منزلة الأم. فإذا كان في مسألةٍ: ابن بنت وأبو أم، كأننا نقول فيها: بنت، وأم؛ فالبنت لها النصف والأم لها السدس، ثم تُرَدُّ المسألة إلى أربعة.

فكل واحد يُنزَّل بمنزلة من أدْلَى به، فمثلًا: العمات يُنزَّلن منزلة الأب، الأخوال ينزلون منزلة الأم، الخالات منزلة الأم، أبو الأم ينزل منزلة الأم، بنات أبناء الإخوة بمنزلة أبناء الإخوة، وهكذا. فكل واحد يُنزَّل بمنزلة من أدْلَى به.

هذه هي كيفية التوريث، وللفرضيين فيها تفاصيل كثيرةٌ موجودةٌ في كتب الفرائض، لكن باختصار: أن توريث ذوي الأرحام إنما يكون بطريقة التنزيل؛ بأن يُنزَّل كل واحد منهم منزلة من أدْلَى به.

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم هذا البيان والإيضاح. وبهذا الموضوع نكون قد مررنا على مسائل وأحكام الفرائض في هذا البرنامج بحمد الله تعالى. ونسأل الله أن يجزي شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، خير الجزاء. فشكر الله لكم.

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختم هذه الحلقة، فأسأل الله أن يجزي شيخنا الأستاذ: الدكتور سعد بن تركي الخثلان، خير الجزاء. فشكر الله لكم.

الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.

المقدم: الشكر موصول لمن قام بتسجيل هذه الحلقة: أخي عثمان بن عبدالكريم الجويبر.

إلى أن ألتقيكم في حلقة قادمة -بإذن الله ​​​​​​​-، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

كان معكم في إدارة هذه الحلقة: فهد بن عبدالعزيز الكثيري، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

^1 رواه البخاري: 2399، ومسلم: 1619.
^2 رواه البخاري: 1295، ومسلم: 1628.
^3 رواه البخاري: 3936، ومسلم: 1628.
^4 رواه أحمد: 17175، وأبو داود: 2899، والترمذي: 2104، وابن ماجه: 2634.
^5 رواه البخاري: 6762، ومسلم: 1059.
^6 رواه أحمد: 17666، وأبو داود: 3565، والترمذي: 2120، والنسائي 3643، وابن ماجه: 2713.
^7, ^9 سبق تخريجه.
^8 رواه سعيد بن منصور في "سننه": 2713، وابن أبي شيبة في "المصنف": 31125، وأبو داود في "المراسيل": 31125، والدارقطني في "سننه": 4156.
مواد ذات صلة
zh