logo
الرئيسية/برامج إذاعية/مجالس الفقه/(71) برنامج مجالس الفقه- أحكام الفرائض: الحجب، ومسألة المُشَرَّكة

(71) برنامج مجالس الفقه- أحكام الفرائض: الحجب، ومسألة المُشَرَّكة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم: (مجالس الفقه).

(مجالس الفقه) برنامجٌ يُذاع عبر أثير "إذاعة القرآن الكريم"، نتدارس فيه المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة مما يَحتاج إلى معرفتها كل مسلمٍ.

يصحبنا في هذا البرنامج فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين، فباسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم.

الشيخ: أهلًا وسهلًا، حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.

المقدم: أحسن الله إليكم.

الحجب

شيخنا، كنا في حلقاتٍ ماضيةٍ نتدارس المسائل المتعلقة بأبواب الفرائض، وتكلمنا فيما يتعلق بأصحاب الفروض، ثم تحدثنا عما يتعلق بالتعصيب، ولعلنا في هذه الحلقة نأخذ موضوعًا جديدًا مهمًّا في علم الفرائض؛ ألا وهو موضوع "الحَجْب"، وقد قيل: إنه لا يجوز أن يتكلم أحدٌ في الفرائض ولم يدرس باب الحجب، فلعلنا نبتدئ الحديث في هذا الباب المهم بتعريف "الحجب"، ما المقصود به؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

 أما بعد:

 فباب الحجب من أهم الأبواب، بل إن بعض أهل العلم قال: يحرم على من لم يعرف الحجب أن يُفتِي في الفرائض.

تعريف الحجب

 والحجب معناه في اللغة: المنع، يقال: حجبه، إذا منعه من الدخول؛ ولذلك يقال للبواب: حاجبٌ؛ لأنه يمنع من الدخول، فمادة (الحاء والجيم والباء) في اللغة العربية تدور حول معنى: المنع من الدخول.

 ومعناه اصطلاحًا: "منع من قام به سبب الإرث من الإرث بالكلية، أو مِن أوفر حَظَّيه".

 فقولنا في التعريف: "منع من قام به سبب الإرث"، أي: منع من وُجد فيه أحد أسباب الإرث الثلاثة التي سبق الكلام عنها، وهي: النكاح، والولاء، والنَّسَب.

أما من لم يقم به سبب الإرث: فلا يقال: إنه محجوبٌ من الميراث؛ لأنه لم يقم به سبب الإرث أصلًا.

 وقولنا في التعريف: "من الإرث بالكلية"، أي: أنه يُحجب حجب حرمانٍ.

 وقولنا: "أو مِن أوفر حظيه"، أي: حجب نقصانٍ.

المقدم: أحسن الله إليكم، هل يمكن أن نسلط الضوء شيخنا على أهمية العناية بمعرفة مسائل الحجب وما يتعلق بها؟

الشيخ: نعم، كما سبق أن هذا الباب من أهم أبواب الفرائض، وأن بعض أهل العلم قال: يَحرُم على من لا يعرف الحجب أن يُفتِي في الفرائض؛ وذلك لأن من لم يعرف أحكام الحجب ويُتقنه؛ قد يُفتِي في الفرائض بناءً على معلوماته العامة في الأنصباء، من دون معرفةٍ بوجود مانعٍ من موانع الإرث، ويترتب على ذلك: أنه يُعطي من لا يستحق، ويحرم المستحق؛ ولذلك فإن معرفة مسائل هذا الباب في غاية الأهمية، ولا يحل لأحدٍ أن يُفتي في الفرائض وهو لم يضبط مسائل الحجب.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

أشرتم -حفظكم الله- قبل قليلٍ في التعريف إلى ما يتعلق بأنواع الحجب حينما قيل في التعريف: "مِن أوفر حظيه أو من نصيبه بالكلية"، فهلَّا بينتم لنا أنواع الحجب؟

أقسام الحجب

الشيخ: الحجب ينقسم إلى قسمين عند الفرضيين:

  •  القسم الأول: حجب أوصافٍ، وهذا يكون فيمن اتصف بأحد موانع الإرث الثلاثة التي سبق الكلام عنها بالتفصيل في حلقةٍ سابقةٍ، وهي: الرق، والقتل، واختلاف الدين.
    فمن وُجد فيه واحدٌ من موانع الإرث؛ فهذا يُحجب حجب أوصافٍ، والمحجوب حجب أوصافٍ وجوده كعدمه، فلا يَحجب أحدًا؛ لا حرمانًا ولا نقصانًا.
  •  والقسم الثاني: حجب أشخاصٍ: وهو المنع من الإرث أو بعضه بسبب شخصٍ أو أشخاصٍ.

والفرق بين القسمين: القسم الأول، حجب الأوصاف، والقسم الثاني، حجب الأشخاص: أن المحجوب بوصفٍ لا أثر له في حجب بقية الورثة؛ ولهذا وجوده كعدمه، فلا يحجب أحدًا؛ لا حرمانًا ولا نقصانًا، بينما المحجوب بشخصٍ لا يحجب أحدًا حرمانًا، لكن قد يحجبه نقصانًا.

وأيضًا من الفروق: أن حجب الأوصاف قد يدخل على جميع الورثة، أما حجب الأشخاص فمنه ما يدخل على جميع الورثة، ومنه ما يدخل على بعضهم.

أنواع حجب الأشخاص

وحجب الأشخاص ينقسم إلى نوعين:

  • النوع الأول: حجب حرمانٍ؛ وهو منعُ مَن قام به سبب الإرث منعًا كاملًا؛ بحيث يُحرم من الميراث، وهذا يمكن أن يَرِد على جميع الورثة، ما عدا ستةً فهؤلاء لا يمكن أن يُحجبوا حجب حرمانٍ البتة، يعني هؤلاء الستة لا يمكن أن يُحجبوا ويخرجوا بدون ميراثٍ، لا بد من ميراثهم، يزيد أو ينقص، وهم: الزوجان، والأبوان، والوِلدان، يعني: الزوج والزوجة، والأب والأم، والابن والبنت، فهؤلاء الستة لا يمكن أن يُحجبوا حجب حرمانٍ أبدًا.
  •  والنوع الثاني: حجب نقصانٍ: وهو منع الشخص من أوفر حظَّيه؛ كالأم مثلًا، تُحجب من الثلث إلى السدس عند وجود الفرع الوارث للميت، أو عند وجود الجمع من الإخوة، الزوج يُحجب من النصف إلى الربع عند وجود الفرع الوارث، كذلك الزوجة تُحجب من الربع إلى الثمن عند وجود الفرع الوارث.

أقسام حجب الأشخاص

وهذا النوع ينقسم إلى سبعة أقسامٍ: أربعةٌ منها بسبب الانتقال، وثلاثةٌ بسبب الازدحام؛ فالتي بسبب الانتقال: انتقالٌ من فرضٍ إلى فرضٍ أقل منه، أو انتقال من تعصيبٍ إلى تعصيبٍ أقل، أو انتقال من فرضٍ إلى تعصيبٍ أقل منه، أو انتقال من تعصيبٍ إلى فرضٍ أقل.

وأما التي بسبب الازدحام: فكأن يكون ازدحامٌ في فرضٍ؛ كازدحام مثلًا الزوجات في الربع أو في الثمن، أو ازدحامٌ في تعصيبٍ أو ازدحامٌ بسبب العول، وهذه كلها تفاصيلها وأمثلتها موجودةٌ في كتب الفرائض، ونكتفي بهذه الإلماحة السريعة لها، وإلا فتفاصيلها موجودةٌ في كتب الفرائض.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

أبرز القواعد في باب الحجب

شيخنا، المسائل المتعلقة بالحجب ربما متشعِّبةٌ وكثيرةٌ، ولكن هل يمكن أن نستخلص قواعد يمكن أن يدور عليها "باب الحجب" وتختصر الكلام في هذا الموضوع؟

الشيخ: نعم، هناك قواعد ذكرها الفرضيون؛ أبرزها:

  • القاعدة الأولى: الأصول لا يحجبهم إلا أصولٌ، والفروع لا يحجبهم إلا فروعٌ، والحواشي يحجبهم أصولٌ وفروعٌ وحواشٍ؛ فالأجداد مثلًا إنما يُحجبون بالأب، وكل جدٍّ قريبٍ يُسقِط الجد البعيد، والجدات يَسقطن بالأم، وكل جدةٍ قريبةٍ تَسقط بها الجدة البعيدة، وأولاد البنين يَسقطون بالابن، وكل ابنٍ قريبٍ يُسقِط الابن البعيد، وبنات الابن يَسقطن بالابن، ويسقطن أيضًا باستكمال البنات الثلثين إذا لم يوجد مع بنات الابن معصِّبٌ، والإخوة الأشقاء يُسقطهم الأب، والجد، والابن، وابن الابن وإن نزل، وهكذا أيضًا الإخوة لأبٍ يُسقطهم الأب، والجد وإن علا، والابن، وابن الابن وإن نزل، وأيضًا الإخوة الأشقاء، والأخت الشقيقة إذا كانت عَصبةً مع الغير، وأيضًا الأخوات لأبٍ يُسقطهن الأب، والجد، والابن، وابن الابن وإن نزل، والإخوة الأشقاء والأخت الشقيقة إذا كانت عَصبةً مع الغير، وأيضًا يَسقطن باستكمال الأخوات الشقائق الثلثين إذا لم يوجد مع الأخوات لأبٍ من يُعصِّبهن، وهو الأخ لأبٍ.
    هذه هي القاعدة الأولى إذنْ: الأصول لا يحجبهم إلا أصولٌ، والفروع لا يحجبهم إلا فروعٌ، أما الحواشي -وإذا قلنا: الحواشي، فالمقصود بهم: الإخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم، إذا قيل في الفرائض: حواشٍ، هذا هو المقصود بهم- فقد يحجبهم أصولٌ، وقد يحجبهم فروعٌ، وقد يحجبهم أيضًا حواشٍ.
  • القاعدة الثانية: كل من أدلى بواسطةٍ؛ حجبته تلك الواسطة؛ فمثلًا: ابن الابن يُدلي للميت بواسطة الابن؛ فالابن يحجبه، وأم الأم تُدلي للميت بالأم؛ فالأم تحجبها، وأبو الميت يُدلي للميت بالأب؛ فالأب يحجبه.
    لكن هل هذه القاعدة مطردة؟ الجواب: لا، ليست مطردةً، وإنما استثنى الفرضيون منها مسألتين:
    •  المسألة الأولى: الإخوة لأمٍّ، فيُدلون بالأم، ومع ذلك يرثون معها ولا تحجبهم، فلم تنطبق عليها القاعدة: "كل ما أدلى بواسطةٍ؛ حجبته تلك الواسطة".
    •  والمسألة الثانية المستثناة: الجدة التي هي أم الأب، فتُدلي للميت بالأب وترث معه، وأم الجد تُدلي بالجد وترث معه، وطبعًا كونها ترث معه؛ هذا بناءً على المذهب عند الحنابلة، وإلا فالمسألة فيها خلافٌ بين الفقهاء.
  • القاعدة الثالثة: إذا اجتمع عاصبان فأكثر؛ قُدِّم الأسبق جهةً، فإن استويا؛ قُدِّم الأقرب درجةً، فإن استويا؛ قُدِّم الأقوى درجةً، يعني: يقدم الأسبق جهةً، وقد سبق الكلام عن جهات التعصيب في حلقةٍ سابقةٍ، فإن استويا في الجهة؛ قُدِّم الأقرب درجةً؛ فمثلًا: الابن أقرب درجةً من ابن الابن، فإن استويا؛ قُدِّم الأقوى درجةً؛ فمثلًا: الأخ الشقيق أقوى من الأخ لأبٍ، مع أنهما مستويان في الدرجة، لكن أحدهما أقوى من الآخر.
    فهذه هي القاعدة الثالثة: إذا اجتمع عاصبان فأكثر؛ قُدِّم الأسبق جهةً، فإن استويا؛ قُدِّم الأقرب درجةً، فإن استويا؛ قُدِّم الأقوى درجةً.
    ولذلك نستطيع أن نقول: إن الورثة بالنسبة لحجب الحرمان ينقسمون لأربعة أقسامٍ:

أقسام الورثة بحسب حجب الحرمان

  • الذين يَحجبون ولا يُحجبون: وهم الأبوان والوِلدان.
  • والذين يُحجبون ولا يَحجبون: وهم الإخوة لأمٍّ.
  • والذين لا يَحجبون ولا يُحجبون، يعني مسالمون، لا يَحجبون ولا يُحجبون: وهم الزوجات.
  • والذين يَحجبون ويُحجبون: وهم بقية الورثة.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم، وجزاكم عنا خير الجزاء.

الأمثلة على حجب الحرمان

شيخنا، هل يمكن أن نأخذ أيضًا شيئًا من الأمثلة لحجب الحرمان؟

الشيخ: نعم، الأمثلة كثيرةٌ، ابن الابن محجوبٌ بالابن؛ لأن الابن أقرب منه، فيَحجب ابن الابن، كذلك بنت الابن محجوبةٌ بالابن، ومحجوبةٌ أيضًا بالبنتين، إلا إذا وُجد مع بنت الابن مُعصِّبٌ، الجد يُحجب بالأب، وكل جدٍّ قريبٍ يَحجب الجد البعيد، والجدة تُحجب بالأم، إذا كانت الجدة -أم الأب- تُحجب بالأم، وكل جدةٍ قريبةٍ تَحجب البعيدة، والأخ لأمٍّ والأخت لأمٍّ يُحجبان بالفرع الوارث.

المقدم: مطلقًا ذكرًا كان أو أنثى؟

الشيخ: ذكرًا كان أو أنثى، وهذه من مواضع الخطأ عند بعض الطلبة عندما يقسمون، يجد في المسألة أخًا أو إخوةً لأمٍّ، ويجد فرعًا وارثًا أنثى؛ يظن أنها لا تُؤثِّر، وهذا غير صحيحٍ، إذا وُجد فرعٌ وارثٌ للميت ذكرًا كان أو أنثى؛ فيسقط الإخوة لأمٍّ، حتى لو وُجد بنت ابن؛ يسقط الإخوة لأمٍّ؛ لأن المسألة ليست كلالةً، ويُشترط لإرث الإخوة لأمٍّ أن تكون المسألة كلالةً، وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ، يعني لأمٍّ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12].

ما معنى كَلَالَةً؟

الكلالة: هو من لا ولد له ولا والد ذكرٌ، فاشترط الله ​​​​​​​ هنا، قال: وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً [النساء:12]، لا بد أن يُورث كلالةً؛ فمعنى ذلك: إذا وُجد فرعٌ وارثٌ للميت؛ فالمسألة ليست كلالةً، فلا يرث الإخوة لأمٍّ.

الأخ الشقيق والأخت الشقيقة يُحجبون بالابن وابن الابن، وكذلك أيضًا الأخ لأبٍ يُحجب بالأخ الشقيق وبالأخت الشقيقة إذا صارت عَصبةً مع الغير، وهكذا ابن الأخ الشقيق يُحجب بالأخ الشقيق، ويُحجب كذلك بالابن وابن الابن والبنت والأب والجد، وهكذا أيضًا يقال في ابن الأخ لأبٍ، وكذلك أيضًا المُعتِقة يحجبها كل عَصبةٍ بالنَّسَب.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

ونحن في هذا البرنامج (مجالس الفقه) نتدارس شيئًا من المسائل الفقهية، ولا نزال في الحقيقة نُبحر في مسائل الفرائض وما يتعلق بها.

مسألة المُشَرَّكة

 شيخنا، مما يتصل بهذا الباب: مسألةٌ هي في الحقيقة مسألةٌ ملقَّبةٌ، وربما المسائل في الفرائض الملقَّبة هي مسائل كثيرةٌ، فمن ذلك هذه المسألة التي تسمى بـ"المسألة المُشَرَّكة"، فما هي هذه المسألة؟ ما أركانها؟ وهل لها علاقةٌ بباب التعصيب، أو ليس لها علاقةٌ بذلك؟

الشيخ: نعم هذه المسألة تسمى "المُشرَّكة"، وتسمى "المشتركة"؛ لأن من أهل العلم قال بالتشريك بين الإخوة الأشقاء والأخوة لأمٍّ فيها، وتسمى "الحِمَاريَّة"، وتسمى "اليَمِّيَّة"، وتسمى "الحَجَرية"، وهي لها أربعة أركانٍ: زوجٌ، وذات سدسٍ (إما أمٌّ، أو جدةٌ)، وإخوةٌ لأمٍّ، وأخٌ شقيقٌ فأكثر، سواءٌ كان معه أخٌ شقيقٌ آخر أو أختٌ شقيقةٌ أو لم يكن، فلا بد من هذه الأركان الأربعة: زوجٌ، وذات سدسٍ (أمٌّ، أو جدةٌ) وإخوةٌ لأمٍّ، وأخٌ شقيقٌ فأكثر.

 وهذه المسألة أفردها الفرضيون بالذكر مع دخولها في قسمة المسائل؛ لأهميتها من جهةٍ، ولغرابتها من جهةٍ أخرى، وسيتضح وجه الغرابة فيها عندما نتكلم عنها، فهي مسألةٌ مرتبطةٌ بأحكام التعصيب على قولٍ فيها: وهو سقوط العَصبة؛ لاستغراق أصحاب الفروض التركة، وقد سبق في باب التعصيب أن من أحكام العَصَبة: سقوطهم عند استغراق الفروضِ التركةَ.

المقدم: أحسن الله إليكم.

طيب، هذه المسألة هل هي محل خلافٍ بين الفقهاء؟ وما هو الخلاف الفقهي في هذه المسألة؟

الشيخ: نعم، أولًا قلنا: إن هذه المسألة مكونةٌ من زوجٍ، وذات سدسٍ (أمٍّ أو جدةٍ)، وإخوةٍ لأمٍّ، وأخٍ شقيقٍ فأكثر، وتسمى "الحمارية"؛ لما رُوي أن زيد بن ثابت قال: "هب أن أباهم كان حمارًا، ما زادهم الأب إلا قربًا"، وأشرك بينهم في الثلث، وتسمى أيضًا "اليَمِّيَّة" و"الحَجَرية"، نُقل عن بعض الفرضيين أن الأشقاء قالوا: هب أن أبانا كان حجرًا ملقًى في اليم، وتسمى "المشتركة"، وتسمى "المُشَرَّكة"، إذنْ هذه كلها أسماؤها: المشتركة، المشركة، الحمارية، اليمية، الحجرية.

وهذه للفقهاء فيها قولان مشهوران:

  • القول الأول: إن الإخوة الأشقاء يسقطون في هذه المسألة؛ فمعنى ذلك: أن الزوج يأخذ النصف، والأم أو الجدة تأخذ السدس، والإخوة لأمٍّ يأخذون الثلث، وبذلك لا يبقى شيءٌ للإخوة الأشقاء فيسقطون، فأصحاب هذا القول يرون أن الإخوة لأمٍّ يرثون، والإخوة الأشقاء يَسقطون، مع أن الإخوة الأشقاء أقوى في النَّسَب، وهذا هو مذهب الحنفية والحنابلة، واستدلوا بعموم قول النبي : أَلحِقوا الفرائض بأهلها، فما بقي؛ فلأولى رجلٍ ذكرٍ [1]، قالوا: فإذا ألحقنا الفرائض بأهلها في هذه المسألة لم يبقَ شيءٌ للإخوة الأشقاء، وقالوا: إن قواعد الميراث تقتضي أن العاصب يسقط عند استغراق الفروضِ التركةَ، وهنا استغرقت الفروض التركة؛ فيسقط الإخوة الأشقاء؛ لكونهم عَصبةً.
  •  والقول الثاني في المسألة: أن الإخوة الأشقاء يُشرَّكون مع الإخوة لأمٍّ، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية، وقد رُوي ذلك عن عمر بن الخطاب وعن ابن مسعودٍ، رضي الله عنهما، وأنهما قالا: "لم يزدهم الأب إلا قربًا"، ورُوي أيضًا عن زيد بن ثابتٍ وعثمان بن عفان وابن عباسٍ ، بل إن هذا القول -وهو القول بالتشريك بين الإخوة الأشقاء والإخوة لأمٍّ- هو المنقول عن جميع من حُفظت فتاواهم في هذه المسألة من الصحابة ، جميع الصحابة قالوا بالتشريك في هذه المسألة، ما عدا ما رُوي عن عليٍّ ، فقد رُوي عنه القول بعدم التشريك بسندٍ فيه مقالٌ، ثم إن القول بالتشريك هو المأثور عن عامة التابعين، بل حُكي الإجماع عليه؛ وعلى هذا: عندما ننظر لهذه المسألة من جهة الأثر؛ نجد أن القول بالتشريك هو المأثور عن عامة الصحابة والتابعين، وعلَّل أصحاب هذا القول -وهم القائلون بتشريك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأمٍّ- بأن الإخوة الأشقاء هم إخوةٌ للميت من أمه وأبيه، والإخوة لأمٍّ إخوةٌ للميت لأمه، فكلهم إخوةٌ للميت لأمه، ويزيد الإخوةُ الأشقاءُ بأنهم إخوته من أبيه كذلك، وذلك لا يزيدهم إلا قربًا، وهذا تعليلٌ وجيهٌ، ثم إن الإخوة الأشقاء أقرب للميت من الإخوة لأمٍّ، وتوريث الإخوة لأمٍّ وإسقاط الإخوة الأشقاء لا يتفق مع ما هو مقررٌ في الشريعة من أن الوارث كلما كان أكثر قربًا من الميت؛ كان أحق بالإرث ممن هو أبعد منه، وهذا القول -وهو القول بالتشريك بين الإخوة الأشقاء والإخوة لأمٍّ- هو القول الراجح في هذه المسألة والله تعالى أعلم؛ لأنه هو المأثور عن عامة الصحابة، وعن عامة التابعين، بل حُكي عنهم الإجماع عليه، ولا شك أن الصحابة أعلم الناس بشريعة الله وبقواعد الميراث وأصوله.

وأما ما رُوي عن عمر أنه أسقطهم أولًا، ثم جاءوا إليه وقالوا: "هب أن أبانا كان حمارًا"، وأن عمر  رجع عن ذلك وشرَّكهم، فهذا لا يثبت عن عمر ، رواه ابن أبي شيبة بسندٍ لا يصح، بسندٍ ضعيفٍ، والمحفوظ عن عمر بن الخطاب أنه في هذه المسألة شرَّك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأمٍّ.

 وبناءً على هذا القول، وهو القول بالتشريك: يشترك الإخوة لأمٍّ والإخوة الأشقاء في الثلث، ذَكَرُهم وأنثاهم سواءٌ، كأنهم كلهم إخوةٌ لأمٍّ، يعني هذا حتى أقرب للعدل، كيف يُورَّث الإخوة لأمٍّ ويُحجب الإخوة الأشقاء؟! قواعد الشريعة تقتضي أن من كان أقرب للميت؛ فهو الذي يحوز أكثر من الميراث، والقول بأن الإخوة لأمٍّ يَسقطون، والإخوة الأشقاء يُورَّثون، يتعارض مع هذا، خاصةً أن الآثار عن الصحابة والتابعين على القول بالتشريك، بل -كما ذكرت- لم يُعرف عن أحدٍ من الصحابة أو التابعين أنه قال بعدم التشريك، سوى ما رُوي عن عليٍّ  بسندٍ فيه مقالٌ.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

بناءً على ما ذكرت من الترجيح شيخنا: كيف ستكون قسمة المسألة المشرَّكة على الخلاف؟

الشيخ: نعم، قسمة المسألة المشرَّكة بناءً على القول الأول، وهو القول بعدم التشريك: يكون للزوج النصف، وللأم السدس، وللإخوة لأمٍّ الثلث، ولا يبقى شيءٌ للإخوة الأشقاء؛ لأننا إذا جمعنا الثلث مع السدس؛ صار نصفًا، ونصفٌ ونصفٌ استُغرقت التركة، لا يبقى شيءٌ للإخوة الأشقاء، هذا بناءً على القول الأول، وهو مذهب الحنفية والحنابلة.

وبناءً على القول الثاني، وهو مذهب المالكية والشافية، وقلنا: إنه القول الراجح، وأنه المأثور عن الصحابة والتابعين، وهو القول بالتشريك: يكون للزوج النصف، وللأم السدس -للأم طبعًا أو الجدة- والإخوة لأمٍ والإخوة الأشقاء يشتركون في الثلث، يشترك الإخوة لأمٍّ والإخوة الأشقاء في الثلث.

المقدم: أحسن الله إليكم، هل يقال هنا: هذه المسألة هي المسألة الوحيدة التي تساوى فيها نصيب الأخ الشقيق مع الأخت الشقيقة؟

الشيخ: نعم، صحيحٌ، أحسنت! نعم، هذه يتساوون فيها، ويتساوون أيضًا مع الإخوة لأمٍّ، وكما ذكرت: أن هذه المسألة فيها شيءٌ من الغرابة، حتى في الآراء الفقهية، ولكن مثل هذه المسائل ينبغي أن نرجع فيها لفهم الصحابة والتابعين، كيف فهموها، فالصحابة هم أعلم الناس بشريعة الله تعالى، وأعلم الناس بمراد الله تعالى ومراد رسوله ، فعندما نُحقِّق هذه المسألة من جهة الأثر؛ نجد أن الصحابة والتابعين اتجهوا للقول بالتشريك، مع أنه في الوقت الحاضر كثيرٌ من العلماء المعاصرين اتجهوا للقول بعدم التشريك، لكن عند التحقيق؛ نجد أن الأقرب -والله أعلم- هو القول الذي اتجه له عامة الصحابة والتابعين، وهو القول بالتشريك، وهو الأقرب أيضًا للعدالة، والأقرب لقواعد الميراث.

المقدم: جميلٌ! أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم شيخنا.

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام هذه الحلقة، فأسأل الله أن يجزي شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان خير الجزاء، شكر الله لكم شيخنا.

الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.

المقدم: إلى أن ألتقيكم في حلقةٍ قادمةٍ -بإذن الله ​​​​​​​- أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

^1 رواه البخاري: 6737، ومسلم: 1615.
مواد ذات صلة
zh