logo
الرئيسية/برامج إذاعية/مجالس الفقه/(73) برنامج مجالس الفقه- أحكام الفرائض: العَوْل، التصحيح، المناسَخات، الخُنْثَى

(73) برنامج مجالس الفقه- أحكام الفرائض: العَوْل، التصحيح، المناسَخات، الخُنْثَى

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم: (مجالس الفقه).

(مجالس الفقه) برنامجٌ يُذاع عبر أثير "إذاعة القرآن الكريم"، نتدارس فيه المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة مما يَحتاج إلى معرفتها كل مسلمٍ.

يصحبنا في هذا البرنامج فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين، فباسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم.

الشيخ: أهلًا وسهلًا، حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.

العَوْل

المقدم: شيخنا -سلمكم الله- لا يزال الحديث موصولًا في مسائل الفرائض، وكنا قد تكلمنا في اللقاء الماضي عما يتعلق بباب الحساب، وذكرنا جملةً من المسائل، وشرعنا في الحديث عن التأصيل، ولعل من المسائل التي تُذكر تحت هذا الباب أيضًا: ما يُعرف بالعول، فما هو العول في الفرائض؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهده واتبع سنته إلى يوم الدين.

تعريف العول لغةً واصطلاحًا

"العَوْل" في اللغة العربية يطلق على معانٍ؛ منها:

  • الزيادة والارتفاع، يقال: عالَ الماء، إذا زاد وارتفع.
  • ومنها: الميل، يقال: عالَ الميزان، إذا مال.
  • ومنها: الاشتداد، يقال: عالَ الأمر، إذا اشتد.
  • ومنها: الظلم والجور، ومنه قول الله ​​​​​​​: ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا [النساء:3]، يعني: ألا تظلموا وتجوروا، على تفسير الجمهور.
  • ومنها: كثرة العيال، بناءً على تفسير الشافعي للآية السابقة: ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا، يعني: ألا يكثر عيالكم.
  • ومن معانيه: الغَلَبَة أيضًا.
  • ومن معاني العول في اللغة: الفقر، ومنه قول الله : وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ [الضحى:8]، يعني: فقيرًا فأغناك الله.

معنى "العول" اصطلاحًا: "زيادة فروض المسألة على أصلها"؛ أي: الزيادة في السهام والنقص في الأنصباء؛ فمثلًا: هالكةٌ عن زوجٍ، وأختين شقيقتين، لو أعطينا الزوج النصف؛ لم تأخذ الأختان حقهما، وهو الثلثان، وإنما سينقص حقهما، لن تأخذا إلا النصف، ولو أعطينا الأختين الثلثين؛ ما أخذ الزوج حقه، وهو النصف؛ معنى ذلك: أن المسألة هنا عالت، عندنا نصفٌ، وعندنا ثلثان، يقال: إن المسألة عالت، هذا معنى العول: "زيادةٌ في فروض المسألة على أصلها".

المقدم: وهذا هو سببها أحسن الله إليك؟

الشيخ: نعم، سبب العول: هو الازدحام في الفروض، لما ازدحمت الفروض؛ فإنها تعول.

المقدم: أحسن الله إليكم، المسألة هذه موجودةٌ من قديمٍ، أو أنها من المسائل التي وقعت مؤخرًا؟

الشيخ: لم يقع العول في زمن النبي ، ولا في زمن أبي بكرٍ الصديق ، وكان أول وقوعه في زمن عمر بن الخطاب ، حين رُفعت له مسألةٌ فيها زوجٌ، وأختان لغير أمٍّ، يعني أختان شقيقتان أو لأبٍ، فقال عمر : "فَرَضَ الله للزوج النصف، وللأختين الثلثين، فإن بدأتُ بالزوج؛ لم يَبق للأختين حقهما، وإن بدأت بالأختين؛ لم يبق للزوج حقه"، فاستشار عمر الصحابة فأشاروا عليه بالعول؛ قياسًا على حقوق الغرماء إذا ضاقت التركة عنها؛ وبذلك يُعلم: أن العول أول ما ظهر: في زمن عمر ، ولم يظهر مخالفٌ لهذا الرأي في زمن عمر، وبعد وفاة عمر أظهر ابن عباسٍ خلافًا في ذلك؛ ولهذا قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: "ولا نعلم اليوم قائلًا" -طبعًا الموفق تُوفي سنة (620 هـ)- قال: "ولا نعلم اليوم قائلًا بمذهب ابن عباسٍ رضي الله عنهما، ولا نعلم خلافًا بين فقهاء الأمصار في القول بالعول بحمد الله ومنته"، أي أنه انعقد الإجماع على العول في زمن عمر، وأيضًا بعد ابن عباسٍ، رضي الله تعالى عنهم.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

الأصول العائلة

شيخنا، مما يتصل بهذا الباب أيضًا: ما هي الأصول التي يمكن أن يكون فيها عولٌ؟

الشيخ: الأصول العائلة، أو الأصول التي تعول تنقسم إلى قسمين، أو الأصول عمومًا تنقسم إلى قسمين بالنسبة للعول:

  • أصولٌ تعول، وهي ثلاثة أصولٍ فقط: (6)، و(12)، و(24)، هذه هي الأصول التي تعول: (6)، و(12)، و(24).
  • والباقي أصولٌ لا تعول، وهي: (2)، و(3)، و(4)، و(8)، و(18)، و(36).

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

الشيخ: لو أخذنا أمثلةً مثلًا على (6)؛ مثلًا: هالكةٌ عن زوجٍ، وأختين شقيقتين.

الزوج هنا له النصف، والأختان لهما الثلثان، فتكون المسألة عندنا: (2) و(3)، أصل المسألة من (6)، النصف (3)، والثلثان (4)؛ معنى ذلك: تعول من (6) إلى (7)، وقد تعول إلى (8)، وقد تعول إلى (9)، وقد تعول إلى (10).

فإذنْ أصل (6): يعول إلى (7)، و(8)، و(9)، و(10).

أما أصل (12): فيعول ثلاث مراتٍ وترًا؛ يعول إلى (13)، وإلى (15)، وإلى (17).

وأما أصل (24): فيعول مرةً واحدةً؛ ولذلك يسمى "البخيل"؛ لقلة عَوْله، يعول إلى (27).

أقسام الأصول بحسب العول والعدل والنقص

وأقسام الأصول بالنسبة إلى العول والعدل والنقص، تنقسم إلى أربعة أقسامٍ:

  • القسم الأول: ما يمكن أن يجتمع فيه العول والعدل والنقص: وهو الأصل (6).
  • والقسم الثاني: ما لا يكون إلا ناقصًا، وهي: الأصول (4) و(8)، وأيضًا على القول بتوريث الإخوة مع الجد: (18) و(36)، وكل مسألةٍ فيها معصِّبٌ له باقٍ؛ فهي ناقصةٌ.
  • والقسم الثالث: ما يكون عادلًا وناقصًا، ولا يكون عائلًا، وهو: الأصلان (2) و(3).
  • والقسم الرابع: ما يكون عائلًا وناقصًا، ولا يكون عادلًا، وهو: الأصلان (12) و(24).

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

التصحيح والانكسار

شيخنا، أيضًا من المسائل المتعلقة بباب الحساب: ما يتعلق بالتصحيح، أو ما يُعرف بـ"التصحيح والانكسار"، فما المقصود بالتصحيح، وما داعيه في المسألة؟

الشيخ: بعد معرفة سهام كل وارثٍ، يحدث أن بعض السهام قد لا تقبل القسمة على مستحقيها إلا بكسرٍ؛ بسبب تعدد الرءوس، والفرضيون لا يُحبِّذون وجود الكسور؛ فيقومون بالتصحيح، والتصحيح معناه: تحصيل أقل عددٍ ينقسم على الورثة بلا كسرٍ.

وسببه: هو وجود الانكسار؛ فإن سهام الورثة عندما نقسمها على مستحقيها، أو على بعضهم؛ يكون هناك كسرٌ، فيُلجأ للتصحيح؛ للتخلص من هذا الانكسار.

المقدم: أحسن الله إليكم، كيف يكون التعامل مع هذا الانكسار بالتصحيح؟

الشيخ: نعم، هناك طرقٌ لكيفية التصحيح، وطرقٌ مطولةٌ، ويُفرِّقون بين ما إذا كان الانكسار على فريقٍ واحدٍ، وبين ما إذا كان الانكسار على أكثر من فريقٍ، ولكل حالةٍ طريقةٍ، لا نريد الدخول في تفاصيلها، كما ذكرنا في الحلقة السابقة أن الدخول في ذلك يستدعي عرضًا وشرحًا، ونحن الآن في برنامجٍ إذاعيٍّ نَذكر فقط إلماحةً.

والانكسار يقع على فريقٍ، وعلى فريقين، وعلى ثلاث فرقٍ باتفاقٍ، ولا يُتصور وقوعه على خمسةٍ فصاعدًا، لكن في وقوعه على أربع فرقٍ خلافٌ، ومنشأ الخلاف راجعٌ إلى الخلاف في عدد من يرث من الجدات، فمن لم يُورِّث إلا جدتين -وهم المالكية- قالوا: لا يقع الانكسار على أكثر من أربع فرقٍ، ومن ورَّث أكثر من جدتين -وهم الجمهور- قالوا: إن الانكسار يقع على أربع فرقٍ.

أقسام الأصول للانكسار:

  • القسم الأول: ما لا يُتصور فيه الانكسار إلا على فريقٍ واحدٍ، وهو: (2).
  • والقسم الثاني: ما يتصور فيه الانكسار على فريقٍ وفريقين، وهي: الأصول (3)، (14)، (8)، وأيضًا (18)، و(36) على القول بتوريث الإخوة مع الجد.
  • والقسم الثالث: ما يتصور فيه الانكسار على ثلاث فرقٍ فما دونها، وهو: الأصل (6)، وأيضًا (36).
  • والقسم الرابع: ما يتصور فيه الانكسار على أربع فرقٍ، وهو: الأصلان (12)، و(24).

ولا يُتصور الانكسار على أكثر من أربع فرقٍ اتفاقًا.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم، هنا مسألةٌ تُطرح كثيرًا، وأحيانًا يَسأل عنها بعض المهتمين بهذا العلم: التصحيح والانكسار، هل يمكن الاستغناء عنهما في هذا العلم؟

الشيخ: الحقيقة أنه يمكن الاستغناء عن التصحيح في جميع المسائل، ما عدا بعض مسائل الحمل والمفقود، فلا يمكن الاستغناء عن التصحيح فيها، وإمكانية الاستغناء عن التصحيح مشروطةٌ بمعرفة مقدار التركة، وقد وضحت هذا في كتابي "تسهيل حساب الفرائض" بالتفصيل، وذكرت لهذا أمثلةً كثيرةً.

قسمة التركات

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم، هناك أيضًا من المسائل التي تندرج تحت باب الحساب: ما يتعلق بقسمة التركات، وهي في الحقيقة أشبه ما تكون بالثمرة النهائية لهذه المسألة الفرضية التي يتصدى لها الفقيه، فقسمة التركات ما المقصود بها؟

الشيخ: قسمة التركات -كما أشرتم- هي الثمرة والغاية المقصودة من علم الفرائض؛ لأنه من خلالها نستطيع أن نعرف نصيب كل وارثٍ من التركة، وعندما نقول: قسمة التركات، القسمة: هي حل المقسوم إلى أجزاءٍ متساويةٍ، عِدَّتها كعدة آحاد المقسوم عليه.

وأما التركات: فهي جمع تركةٍ، وهي ما يُخلِّفه الميت من مالٍ أو حقٍّ، فهذه هي التركة.

فلا بد أن الميت يموت فتُقسم تركته، وبهذا يُعلم خطأ بعض الناس عندما يتصرفون في مال الكبير في السن إذا خفَّ الضبط عنده، أو مثلًا كان في غيبوبةٍ، فيتصرفون في ماله وهو حيٌّ، ربما يقتسمون ماله أو جزءًا من ماله، وربما يتصدقون من ماله، هذا كله لا يجوز؛ لأنهم لم يرثوه بعد، لا زال حيًّا، لا زال المال له، فبعض الناس يرثون مورِّثهم وهو حيٌّ، وهذا من الأخطاء الشائعة عند بعض الناس، فالكبير في السن -سواءٌ كان في غيبوبةٍ، أو خفَّ الضبط عنده- لا يجوز التعرض لماله، إلا في حدود النفقة عليه وعلى من تلزمه نفقته، وأيضًا يُزكَّى هذا المال، ويمكن استثماره في مجالاتٍ قليلة المخاطر، ما عدا ذلك لا يجوز؛ لا يجوز أن يُتصدق منه، لا يجوز أن يُعطى بعض الورثة منه، إلا من تلزمه نفقته فقط، أما أن يأتي بعض الورثة ويضع يده على مال هذا الكبير ويوزعه، ويقول: إنه كان في صحته يفعل كذا، هذا ليس مبرِّرًا، بأي صفةٍ تُوزِّع مال هذا الإنسان؟! بأي صفةٍ؟! لست الآن وارثًا، لا زال هو حيٌّ، فلم ترثه بعد، ربما يكون الأمر بالعكس، ربما هو الذي يرثك، ربما تموت قبله، فإذنْ هذا يُبيِّن لنا أهمية هذا التعريف، تعريف التركة.

المقدم: لكن -أحسن الله إليك- في مثل هذه المسائل هل يقال: إن التصرف لا بد أن يكون مُناطًا بحكمٍ قضائيٍّ؛ حتى ينضبط الأمر، أو يرجع إلى اجتهاد الورثة في هذا الباب حتى في التصرفات اليسيرة التي تفضلتم بها؟

الشيخ: لا يتصرف في مال الإنسان إلا في النفقة عليه، أو فيما تلزم نفقته، لا يجوز لأحدٍ أن يتصرف فيه حتى لو رُفع للقضاء، القاضي لا يتصرف في مال كبير السن، إنما يحفظ ماله له؛ لأنه ليس هناك صفةٌ للتصرف في ماله، لا توضع اليد على مال هذا الإنسان بحجة أنه كان في غيبوبةٍ، أو أنه كبيرٌ في السن، إلا أن يُنفَق عليه منه، أو على من تلزمه نفقته، لكن يمكن أن يُستثمر في مجالاتٍ قليلة المخاطر، أيضًًا تجب زكاته، ما عدا ذلك فلا يجوز، هذا مالٌ يجب احترامه، والقائم على الكبير في السن هنا كوَلِيِّ اليتيم تمامًا، الله ​​​​​​​ يقول: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152].

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

طرق قسمة التركة

طيب شيخنا، كيف تكون قسمة التركات؟ أو ما طريقة قسمة التركة؟

الشيخ: أولًا أقسام التركة تنقسم إلى:

  • ما يمكن قسمته -يعني فرزه بالعد، أو الوزن، أو الذرع، أو الكيل- لكونه مستوي الأجزاء.
  • والقسم الثاني: ما لا يمكن قسمته؛ لكونه غير مستوي الأجزاء؛ مثل: السيارة، والعقار الصغير، ونحو ذلك.

ولقسمة التركات عدة طرقٍ؛ من أبرزها: ما يسمى بـ"طريق النِّسبة"، وهو أفضل الطرق؛ لكونها صالحة لقِسمَي التركة، وبيان طريق النِّسبة: أن تُنسب سهام كل وارثٍ من المسألة إليه، ثم نُعطيه من التركة بمثل تلك النِّسبة، وتُحسب بهذه القاعدة السهام على المسألة في التركة، السهام على المسألة مضروبةً في التركة؛ يخرج نصيب الوارث.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

المناسخات

شيخنا، لعلي أيضًا أنتقل إلى موضوعٍ آخر، وهو من المواضيع المهمة كذلك: وهو ما يُعرف بـ"باب المناسخَات"، فما المقصود بهذا الباب (باب المناسخات)؟

الشيخ: المناسخات نوعٌ من تصحيح المسائل، ولكنه بالنسبة إلى مَيِّتَين فأكثر؛ لأن باب التصحيح الذي سبق الكلام عنه، هو تصحيحٌ بالنسبة إلى ميتٍ واحدٍ.

والمناسخات: جمع مناسخةٍ، مشتقةٌ من النَّسْخ، والنسخ يُطلق على عدة معانٍ؛ منها: النقل، يقول: نسخت الكتاب؛ أي: نقلت ما فيه، ومنه قول الله ​​​​​​​: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:29]، ويُطلق على التغيير، وعلى الإزالة.

ومعنى المناسخات في اصطلاح الفرضيين: "أن يموت شخصٌ فلا تٌقسم تركته حتى يموت ورثته أو بعضهم"، هذا معنى المناسخات، إذا قيل: المناسخات؛ معناها: أن يموت شخصٌ فلا تُقسَّم تركته حتى يموت ورثته أو بعضهم.

وسميت "المناسخات"؛ لأن الأيدي تناسخت المال، أي: تناقلته.

المقدم: أحسن الله إليكم، شيخنا المناسخات كيف تكون طريقة قسمتها؟

الشيخ: عندما نقرأ في كتب الفرائض؛ نجد أنهم ذكروا لها طرقًا، وفصَّلوا في ذلك، وذكروا لها ثلاث حالاتٍ:

  • الحالة الأولى: أن يكون ورثة الميت الثاني فمن بعده هم بقية ورثة الميت الأول، وإرثهم من الثاني فمن بعده كإرثهم من الأول.
  • الحالة الثانية: أن يكون ورثة كل ميتٍ لا يرثون غيره.
  • الحالة الثالثة: أن يكون ورثة الميت الثاني فمن بعده هم بقية ورثة الأول، لكن اختلف إرثهم، أو وَرِث معهم غيرهم.

وعمل المناسخات الموجودة في كتب الفرائض من أصعب علم الفرائض وأحوجها إلى معرفةٍ تامةٍ بعلم حسابها، ويَذكر كثيرٌ من الفرضيين طريقة الشُّبَّاك لتسهيل عمل المناسخات، والواقع أن كثيرًا من الناس تُشكل عليهم هذه الطريقة، خاصةً مع تعدُّد الأموات، ثم إن هذه الطريقة تحتاج إلى مزيد تمرُّسٍ وعنايةٍ تامةٍ.

طريقة قسمة التركة بالتتابع

وهناك طريقةٌ أخرى ذكرتها في كتابي "تسهيل حساب الفرائض"، هي أيسر وأسلم من الوقوع في الخطأ، ويمكن أن نسميها طريقة "قسمة التركة بالتتابع"، وحاصلها: أن تُقسم تركة الميت الأول على جميع ورثته الأحياء ومن مات منهم بعد ذلك، ثم تُؤخذ تركة الأموات من ورثته فتُقسم على ورثتهم.. وهكذا، وتفصيل ذلك موجودٌ في هذا الكتاب، وأيضًا موجودٌ في غيره من كتب الفرائض.

وبهذه المناسبة أنصح من أراد أن يُتقن علم الفرائض بأن يُكثر من حل الأمثلة والتطبيقات، فالأمثلة والتطبيقات تجعل المتعلِّم يتمرَّس في كيفية القسمة وفي ضبط القسمة وفي قلة الأخطاء، فحساب الفرائض في الحقيقة له اتصالٌ وثيقٌ بعلم الرياضيات، ولا يستطيع المتعلِّم علم الرياضيات أن يضبطه إلا بأن يُكثر من التمارين وحل المسائل، هكذا أيضًا نقول بالنسبة لقسمة مسائل المواريث، ومنها المناسخات، لا بد من التمرين بالتطبيقات وحل المسائل، وإلا فمن يستمع لهذا البرنامج وهذه الحلقات المتوالية سيستفيد إن شاء الله، لكن لن يُتقن الفرائض إلا إذا أخذ الورقة والقلم وحل أمثلةً محلولةً أولًا، ثم بعد ذلك يختبر نفسه في أمثلةٍ أخرى، وأكثرَ من ذلك، أكثر من هذه التطبيقات ومن قسمة المسائل، فمع مرور الوقت يتمرس ويضبط قسمة المواريث.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم شيخنا.

ونحن في هذا البرنامج (مجالس الفقه) نتدارس المسائل الفقهية، ولا يزال الحديث في مسائل الفرائض والأحكام المتعلقة بذلك.

ميراث الخُنثى المُشكِل

أيضًا شيخنا من الأبواب المتعلقة بعلم الفرائض: ما يتعلق بميراث أشخاصٍ لهم حالاتٌ واعتباراتٌ معينةٌ، وكيف يكون التعامل معهم؛ من ذلك: ما يُعرف بميراث "الخنثى المُشكِل"، فأولًا ما المقصود بـ"الخنثى المشكل" في هذا الباب؟

الشيخ: الخنثى: هو من له آلة ذكرٍ وآلة أنثى، أو له ثقبٌ لا يُشبه واحدًا منهما، ويقسمونه إلى خنثى غير مُشكِلٍ، وخنثى مُشكِلٍ.

خنثى غير مُشكلٍ: وهو من ظهرت فيه علاماتٌ تُميِّز ذكوريته فيُعتبر حينئذٍ ذكرًا، أو علاماتٌ تُميِّز أنوثته فيُعتبر حينئذٍ أنثى.

والخنثى المُشكِل: من لا يوجد فيه علاماتٌ تُميِّز ذكوريته من أنوثته، وله حالتان:

  • الحال الأولى: الخنثى المُشكِل الذي يُرجى اتضاح حاله، وهو الصغير الذي لم يبلغ.
  • والحال الثانية: الخنثى المُشكِل الذي لا يُرجى اتضاح حاله، وهو من مات صغيرًا، أو بلغ -يعني وصل سِنَّ البلوغ- ولم يتضح أمره، هذا الخنثى المُشكِل عند الفقهاء السابقين.

أما الأطباء في الوقت الحاضر فلهم تعريفٌ آخر للخنثى المُشكِل غير هذا التعريف، يُعرِّفون الخنثى المُشكِل يقولون: "هو الإنسان الذي يجمع بين الخُصية والمِبيض معًا".

هذا هو تعريف الأطباء في الوقت الحاضر للخنثى المُشكِل: الذي يجمع بين الخصية والمبيض معًا، وهذه حالةٌ نادرةٌ جدًّا، ولا ينظر الأطباء للأعضاء التناسلية الظاهرية، وإنما ينظرون إلى وجود الخصية أو المبيض، فإذا كان يوجد به خصيةٌ -والغالب أنها تكون غير بارزةٍ- فهو ذكرٌ ولو كانت آلته الظاهرية أنثويةً، وإن كان يوجد به مبيضٌ فهو أنثى وإن بدا في الظاهر أن آلته ذكريةٌ، أما إن كان يجمع بين الخصية والمبيض؛ فهذا هو الخنثى المُشكِل.

ومع تقدم الطب في الوقت الحاضر تقدُّمًا كبيرًا، ووجود أجهزة الأشعة بأنواعها المختلفة، والتي يمكن من خلالها التمييز الدقيق لآلة الذكر أو الأنثى، الآن الأشعة ليست فقط تُميِّز بين آلة الذكر والأنثى، بل حتى أصبحت قادرةً على تمييز الخلايا والأجزاء الدقيقة في الإنسان؛ ولهذا فعلى الفقهاء المعاصرين مراعاة هذا؛ وبناءً على ذلك: يمكن أن نعتمد على تعريف الأطباء فنقول: إن الخنثى المُشكِل في الوقت الحاضر هو من يجمع بين الخصية والمبيض جميعًا، يعني في السابق كان يقال: إن هذا خنثى، والواقع أنه ليس بخنثى مُشكِلٍ، إنما هو ذكرٌ، لكن ربما انضمرت عنده الآلة، أصبح فيها ضمورٌ، أو العكس؛ أنثى وأصبحت الآلة فيها بروزٌ، فيقولون: هو خنثى، وهو في الحقيقة ليس خنثى، هو ذكرٌ أو أنثى، في الوقت الحاضر مع تقدُّم الطب، مع وجود الأشعة، أصبح الأطباء مباشرةً يعرفون هل هذا ذكر أو أنثى بالأشعة، إن وجدوا عنده خصيةً قالوا: ذكرٌ، إن وجدوا عنده مبيضٌ قالوا: أنثى.

هل يمكن أن يجتمع الخصية والمبيض جميعًا؟

الجواب: ممكنٌ، لكن حالاتٌ نادرةٌ جدًّا، حتى إن بعضهم قدَّرها، قال: في كل مئة مليونٍ حالةٌ، فحالاتٌ نادرةٌ جدًّا؛ ولذلك عندما أُدرِّس هذا الباب؛ أسأل الطلاب، أقول: هل أحدٌ منكم رأى خنثى مُشكِلًا؟ كلهم يقولون: لا أحد منا رأى خنثى مُشكلًا؛ لأنها حالاتٌ نادرةٌ جدًّا بهذا التعريف الذي ذكرت.

وتكلم الفقهاء عن طريقة القسمة، وتفاصيل ذلك مذكورةٌ في كتب الفرائض، وأرى أننا لسنا بحاجةٍ لها مع نُدرة هذه الحالات، كما ذكرنا في الوقت الحاضر في كل مئة مليونٍ حالةٌ واحدةٌ، هذه حالاتٌ نادرةٌ، ولو حصلت؛ فالقسمة موجودةٌ مفصَّلةٌ في كتب الفرائض.

المقدم: أحسن الله إليكم، إذنْ الأخبار التي ربما سمعنا بها تخرج بين حينٍ وآخر في تحول شخصٍ مثلًا من أنه ذكرٌ إلى امرأةٍ، أو من امرأةٍ إلى ذكرٍ، هل هي من هذا القبيل، أو أنه في الحقيقة هو معروفٌ جنسه، لكن لم يعرفه الأطباء إلى الآن؟

الشيخ: بالنسبة للأشياء غير المتعمدة، لأن الآن يوجد أيضًا تغيير الجنس، هذا موجودٌ في البيئات غير المسلمة على وجه الخصوص، ذكرٌ يريد تغيير جنسه لأنثى، وأنثى تُريد تغيير جنسها لذكرٍ، هذا موجودٌ، وهذا منكرٌ في الشريعة، لكن نحن نتكلم عمن اشتبه أمره؛ كأن يُظَنُّ أنه ذكرٌ فتبيَّن أنها أثنى، أو أنثى وتبيَّن أنه ذكرٌ، يكون هناك تقصيرٌ من أهل هذا الإنسان في الكشف عليه، وإلا لو كشفوا عليه بالأشعة؛ لعرفوا مباشرةً أنه ذكرٌ أو أنثى وليس بخنثى، الخنثى -كما ذكرت- حالاتٌ نادرةٌ جدًّا، يجتمع الخصية والمبيض جميعًا، وحالاتٌ نادرةٌ، ربما في كل مئة مليونٍ حالةٌ واحدةٌ، يعني هكذا قدروها، فهي من الحالات النادرة جدًّا.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم شيخنا.

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام هذه الحلقة، فأسأل الله أن يجزي شيخنا الأستاذ: الدكتور سعد بن تركي الخثلان خير الجزاء، فشكر الله لكم.

الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.

المقدم: إلى أن ألتقيكم في حلقةٍ قادمةٍ -بإذن الله ​​​​​​​- أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مواد ذات صلة
zh