جدول المحتويات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم: (مجالس الفقه).
(مجالس الفقه) برنامجٌ يُذاع عبر أثير "إذاعة القرآن الكريم"، نتدارس فيه المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة مما يَحتاج إلى معرفتها كل مسلمٍ.
يصحبنا في هذا البرنامج فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين، فباسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم.
تتمة أصحاب الفروض
الشيخ: أهلًا وسهلًا، حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: أحسن الله إليكم.
بقية أصحاب السدس
شيخنا، كنا قد استعرضنا في الحلقة الماضية أصحاب السدس، وهو آخر فرضٍ معنا، وذكرنا الأم والجدة، وكذلك ولد الأم وبنت الابن، وتوقف بنا الحديث عند الصنف الخامس من أصحاب السدس، وهي الأخت لأبٍ، فلو بينتم لنا حكم ميراثها للسدس وشرط ذلك.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
الصنف الخامس: الأخت لأب
فالسدس أصنافه هي أكثر الفروض: هي سبعة أصنافٍ، وسبق في الحلقة السابقة أن تكلمنا عن ميراث الأم، وعن ميراث الجدة، وعن ميراث الإخوة لأمٍّ، وعن ميراث بنت الابن، وذكرنا شروط استحقاق كل واحدٍ منهم للسدس.
وننتقل بعد ذلك للصنف الخامس: وهو الأخت لأبٍ، وميراثها قريبٌ من ميراث بنت الابن، وتستحق الأخت لأبٍ السدس بشرطين:
- الشرط الأول: عدم المُعصِّب لها، وهو أخوها.
- والشرط الثاني: وجود أختٍ شقيقةٍ وارثةٍ للنصف فرضًا، فتأخذ الأخت لأبٍ معها السدس تكملة الثلثين.
وقولنا: "فرضًا"؛ احترازًا مما إذا كانت الأخت وارثةً للنصف تعصيبًا؛ فإن البنات مع الأخوات عَصَباتٌ مع الغير كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في باب التعصيب.
على هذا: لو أردنا أن نوضح هذا بمثال: هالكٌ عن أختٍ شقيقةٍ، وأختٍ لأبٍ، وعمٍّ، لعل الإخوة المستمعين يشاركوننا أيضًا في هذا: أختٍ شقيقةٍ، وأختٍ لأبٍ، وعمٍّ، لو أن الأخ المستمع يقسمها ويختبر نفسه هل أجاب إجابةً صحيحةً أم لا؟ أخت شقيقة، وأخت لأب، وعم.
الآن نأتي بالحل أو الجواب.
المقدم: نقول -أحسن الله إليك- الأخت الشقيقة هنا ستأخذ النصف.
الشيخ: تأخذ النصف؛ نظرًا لتحقق الشروط، شروط استحقاق الأخت الشقيقة للنصف.
المقدم: والأخت لأبٍ هنا ستأخذ السدس تكملة الثلثين.
الشيخ: أحسنت، الأخت لأبٍ هنا تأخذ السدس تكملة الثلثين؛ لتحقق الشرطين، وهما: عدم المُعصِّب لها، وهو أخوها، يعني الأخ لأبٍ، ووجود أختٍ شقيقةٍ وارثةٍ للنصف فرضًا، وقد وُجد في هذا المثال أختٌ شقيقةٌ وارثةٌ للنصف فرضًا، فتأخذ السدس تكملة الثلثين، والباقي يكون للعم.
لو أخذنا مثالًا على أخذ الأخت لأبٍ السدس؛ مثلًا: هالكةٌ عن أختٍ شقيقةٍ، وأختين لأبٍ، وابن عمٍّ، كيف نقسمها؟
المقدم: نعم، أحسن الله إليك، الأخت الشقيقة هنا ستأخذ النصف، والأختان لأبٍ تشتركان في السدس، وابن العم هنا سيأخذ الباقي.
الشيخ: أحسنت! إذنْ سواءٌ كانت أختًا لأبٍ أو أكثر، يشتركون في السدس المتبقي.
الصنف السادس: الأب
ننتقل بعد ذلك للصنف السادس من أصناف السدس: وهو الأب، ويستحق الأب السدس بشرطٍ واحدٍ هو شرطٌ وجوديٌّ: وهو وجود الفرع الوارث للميت، والمراد به: الابن، أو البنت، أو ابن الابن، أو بنت الابن وإن نزل أبوها بمحض الذكور، فإذا كان الفرع الوارث أنثى؛ فللأب مع السدس الباقي تعصيبًا، ويدل على إرث الأب للسدس بالشرط المذكور: قول الله عز وجل: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ، وَلِأَبَوَيْهِ يعني: للأب وللأم، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]، إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فيه إشارةٌ للشرط: وهو وجود الفرع الوارث للميت، هذه المسألة منصوصٌ عليها، وهي أيضًا محل إجماعٍ.
طيب، لو قلنا مثلًا: هالكٌ عن ابنٍ وأبٍ.
المقدم: الابن هنا سيأخذ الباقي، والأب سيأخذ السدس؛ لوجود الفرع الوارث الذكر.
الشيخ: نعم، هنا قريبان للميت: أبوه وابنه، فأيهما أقوى قرابةً: الابن، أو الأب؟ في الميراث طبعًا، نتكلم عن الميراث.
المقدم: في الميراث: الابن.
الشيخ: الابن أقوى من الأب؛ بدليل أن الأب إنما يأخذ السدس فقط، بينما الابن يستحوذ على باقي التركة، وهذا يدل على أن الابن هو أقوى الورثة، الابن في المواريث هو أقوى الورثة، حتى إنه أقوى من الأب، يليه في القوة الأب، لكن إذا اجتمع الابن والأب؛ تجد أن الأب يأخذ فقط فرضه، وهو السدس، والباقي يكون للابن.
طيب، لو قلنا مثلًا: هالكٌ عن بنتٍ وأبٍ.
المقدم: البنت هنا ستأخذ -أحسن الله إليك- النصف، والأب هنا سيأخذ السدس + الباقي.
الشيخ: السدس والباقي، البنت تأخذ فرضها كاملًا: وهو النصف، الأب يأخذ السدس فرضًا ويأخذ الباقي تعصيبًا؛ معنى ذلك: أنه يرث بطريقتين: بطريقة الفرض؛ يأخذ السدس، وبطريقة التعصيب؛ يأخذ المتبقي في التركة.
الصنف السابع: الجد
طيب، ننتقل بعد ذلك للصنف السابع والأخير من أصناف السدس: وهو الجد، والجد يستحق السدس بشرطين:
- الشرط الأول: وجود الفرع الوارث للميت، يعني الشرط الذي ذكرناه في استحقاق الأب للسدس ننقله.
أيضًا لاستحقاق الجد للسدس: وجود الفرع الوارث للميت، فإذا وُجد للميت فرعٌ وارثٌ؛ فإن الجد يأخذ السدس؛ لقول الله عز وجل: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]، والجد أبٌ؛ فيدخل في عموم الآية.
- الشرط الثاني: عدم الأب؛ لأن الأب يحجب الجد بالإجماع، فلو أن هالكًا هلك عن أبٍ وجدٍّ، كيف تكون القسمة؟
المقدم: الأب هنا سيأخذ الباقي، والجد هنا لن يأخذ شيئًا.
الشيخ: لن يأخذ شيئًا؛ معنى ذلك: أن الأب إذا وُجد؛ فإنه يحجب الجد، كالابن إذا وُجد؛ يحجب ابن الابن.
وعلى هذا نقول: إن الجد يُخالف الأب في مسألتين:
- المسألة الأولى: أن الأب يحجب الإخوة بالإجماع، بينما الجد يحجب الإخوة أم لا؟ هذا محل خلافٍ، لعله يأتي الكلام عنه -إن شاء الله تعالى- في حلقةٍ قادمةٍ.
- والمسألة الثانية: التي يُخالف فيها الجد الأب في المسألتين العُمَرِيَّتين، حيث تأخذ الأم ثلث الباقي مع الأب، وتأخذ الثلث كاملًا مع الجد، في العمريتين اللتين سبق الكلام عنهما في الحلقة السابقة تأخذ الأم مع الأب ثلث الباقي، بينما لو كان بدل الأب جدٌّ؛ تأخذ الثلث كاملًا.
المقدم: يعني مع وجود الجد لا تُعتبر المسألة عمريةً؟
الشيخ: نعم، مع وجود الجد لا تُعتبر من المسألتين العمريتين.
بهذا نكون قد انتهينا من أصحاب النصف، وأيضًا انتهينا من الفروض المقدرة في كتاب الله .
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم، هنا شيخنا نكون قد انتهينا من الفروض المقدرة بتفاصيلها وما يتعلق بشروطها، وهذا أحد نوعي الميراث، أليس كذلك؟
الشيخ: بلى.
المقدم: الميراث بالفرض.
الشيخ: نعم.
الإرث بالتعصيب
المقدم: لعلنا نذهب الآن إلى الحديث عن الشق الثاني من أنواع الإرث: وهو الإرث بالتعصيب، فلو بينتم لنا: ما المراد بالتعصيب ابتداءً؟
الشيخ: التعصيب معناه في اللغة: مصدر عَصَبَ يَعصِب تعصيبًا فهو مُعصِّبٌ، مأخوذٌ من العَصْب: وهو الشد والإحاطة والتقوية.
واصطلاحًا: هو الإرث بلا تقديرٍ، إذا قيل: تعصيبٌ، فمعناه: الإرث بلا تقديرٍ، يُقابله الفرض، وهو الإرث بتقديرٍ؛ كالسدس مثلًا، والنصف، والربع.
والعَصَبة جمع عاصبٍ، واستعمل الفقه لفظ "العَصبة" في الواحد؛ لأنه قام مقام الجماعة في إحراز جميع المال، وعصبة الرجل أولياؤه الذكور من الورثة، وهم بنوه وقرابته من جهة أبيه، سُمُّوا "عصبةً"؛ لأنهم عَصَبوا به: أي أحاطوا، فالأب طَرَفٌ، والابن طرفٌ، والعم جانبٌ، والأخ جانبٌ، وكل شيءٍ استدار بشيءٍ فقد عُصِّب به؛ ولذلك تسمى العمائم "العصائب"؛ لإحاطتها بالرأس ولتقويتها له.
فإذنْ معنى العَصبة والتعصيب: الإرث بلا تقديرٍ، التعصيب معناه: الإرث بلا تقديرٍ، والعصبة: هم من يرث بلا تقديرٍ.
أقسام العصبة
المقدم: أحسن الله إليكم، هذا ما يتعلق ببيان المراد بالتعصيب، أيضًا التعصيب أو العصبة هل هي أقسامٌ؟ وما أقسامها؟
الشيخ: نعم، العَصبة تنقسم باعتبار موجبها إلى قسمين: عصبة بالسبب، وعصبة بالنَّسَب.
القسم الأول: العصبة بالنَّسَب
العصبة بالنَّسَب تنقسم إلى ثلاثة أنواعٍ:
- عَصبة بالنفس.
- وعَصبة بالغير.
- وعَصبة مع الغير.
النوع الأول: العصبة بالنفس
العَصبة بالنفس: هم من يرثوا بلا تقديرٍ دون الحاجة إلى غيرهم، وضابطهم: كل ذكرٍ ليس بينه وبين الميت أنثى، وهم جميع الوارثين من الرجال المجمع على إرثهم، ما عدا اثنين: الأخ لأمٍ، والزوج، فهذان ليسا من العَصبة بالنفس، ميراثهم بالفرض، وأما بقيتهم فهم من العصبة.
وأقسام العصبة بالنفس اثنا عشر صنفًا: الابن، وابن الابن وإن نزل، والأب، والجد وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ لأبٍ، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ لأبٍ، والعم الشقيق، والعم لأبٍ، وابن العم الشقيق، وابن العم لأبٍ، ويسمَّون "عَصبةً بالنفس"؛ لكونهم عَصبةً بأنفسهم، ولا يحتاجون إلى من يُعصِّبهم.
وأبرز أحكامهم:
أولًا: من انفرد من العَصبة بالنفس فلم يوجد معه وارثٌ آخر؛ حاز جميع المال بالإجماع؛ لقول الله تعالى: وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ [النساء:176]، ففي هذه الآية المقصود -وهو الأخ- ورث جميع تركة الأخت إن لم يكن لها ولدٌ؛ فكذلك أيضًا الابن، والأب، والجد من باب أولى.
والحكم الثاني: إذا اجتمع العاصب بالنفس مع أصحاب الفروض؛ أخذ ما أبقت الفروض بالإجماع؛ لقول النبي : ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأَولى رجلٍ ذكرٍ [1].
والحكم الثالث: إذا استغرقت الفروض التركة؛ سقط العاصب، إلا الأب، والجد، والابن، وابن الابن؛ فالابن، وابن الابن، لا يُحجبان بحالٍ، والأب والجد ينتقلان من الإرث بالتعصيب إلى الإرث بالفرض.
وعلى ذلك نقول: إن ستةً من الورثة لا يمكن سقوطهم بأي حالٍ من الأحوال، وهم كما ذكرنا: الأب، والأم، والابن، والبنت، والزوج، والزوجة، هؤلاء لا يمكن حجبهم حجب حرمانٍ، لا يمكن أن يسقطوا.
والعَصبة بالنفس اختلف العلماء في ترتيب جهاتهم، والقول الراجح: إن جهات العَصبة بالنفس خمس جهاتٍ: البنوة، ثم الأبوة، ثم الأخوة، ثم العمومة، ثم الولاء، هذا هو مذهب الحنفية، وقولٌ عند الحنابلة؛ فعلى هذا نقول: إن جهات العَصبة خمس جهاتٍ: البنوة، ثم الأبوة، ثم الأخوة، ثم العمومة، ثم الولاء، فإذا تزاحم العَصبات في المسألة؛ فيُقدَّمون على الترتيب السابق: تُقدَّم جهة البنوة على الأبوة، وجهة الأبوة على الأخوة، وجهة الأخوة على العمومة؛ فمثلًا لو طرحنا سؤالًا: هالكٌ عن ابن أخٍ لأبٍ، وعمٍّ شقيقٍ؟
المقدم: هنا المقدَّم: ابن الأخ.
الشيخ: وإن كان لأبٍ؟
المقدم: وإن كان لأبٍ؛ لأنه في جهة الأخوة.
الشيخ: نعم؛ لأنه في جهة الأخوة، وجهة الأخوة أسبق من جهة العمومة، ولذلك ضبطُ ترتيب هذه الجهات مهمٌّ.
المقدم: يعني الدرجة تأتي بعد الجهة؟
الشيخ: الدرجة تأتي بعد الجهة، نعم.
حالات اجتماع العصبة
طيب، إذا اجتمع في المسألة عاصبان أو أكثر، فإما أن تتحد الجهة والدرجة والقوة فيشتركون في الميراث؛ كابنين أو أبناءٍ، فهنا اتحدوا في الجهة (جهة البنوة)، واتحدوا في الدرجة نفسها، فيُقسَّم بينهم المال بالتساوي، كما لو: هالكٌ عن ابنين، فلكل ابنٍ النصف.
الحال الثانية: أن تختلف الجهة، فيُقدَّم الأسبق جهةً كما في المثال السابق: هالكٌ مثلًا عن ابن أخٍ، وابن أخٍ لأبٍ، أو ابن أخٍ شقيقٍ، وعمٍّ شقيقٍ، فابن الأخ يُقدَّم؛ لأن جهة الأخوة مقدمةٌ على جهة العمومة.
الحالة الثالثة: أن يتحدا في الجهة ويختلفا في الدرجة، فيُقدَّم الأقرب درجةً.
هالكٌ عن ابن ابنٍ، وابن ابن ابنٍ؟ فيُقدَّم ابن الابن القريب، يكون له جميع المال.
هالكٌ عن أخٍ شقيقٍ، وابن أخٍ شقيقٍ؟ يُقدَّم الأخ الشقيق على ابن الأخ الشقيق.
الحالة الرابعة: أن يتحدا في الجهة والدرجة، ويختلفا في القوة، فيُقدَّم الأقوى، هذا إنما يَرِد في الإخوة والأعمام؛ يعني مثلًا: هالكٌ عن أخٍ شقيقٍ، وأخٍ لأبٍ؟ يُقدَّم الأخ الشقيق؛ لأنه أقوى، مع أن الجهة واحدةٌ، وهي جهة الأخوة، والدرجة أيضًا واحدةٌ، لكن اختلفا في القوة.
طيب، عم شقيق، وعم لأبٍ؟ العم الشقيق هو المقدَّم مع أن الجهة واحدةٌ والدرجة واحدةٌ، لكن اختلفا في القوة.
النوع الثاني: العصبة بالغير
المقدم: أحسن الله إليكم، شيخنا هذا ما يتعلق بالقسم الأول: وهو العَصبة بالنفس، القسم الثاني: وهو العَصبة بالغير، ما المراد بها؟
الشيخ: العَصبة بالغير، المراد بها: كل أنثى فرضُها النصف أو الثلثان، عَصَّبها ذكرٌ من جهتها، وسميت بذلك؛ لأنهن لا يكن عصبةً بأنفسهن، بل لا بد من مُعصِّبٍ يُعصِّبهن، وأصناف العصبة بالغير أربعةٌ:
- الصنف الأول: البنت (واحدةً فأكثر) مع الابن (واحدًا فأكثر).
- الصنف الثاني: بنت الابن (واحدةً فأكثر) مع ابن الابن (واحدًا فأكثر).
- الصنف الثالث: الأخت الشقيقة (واحدةً فأكثر) مع الأخ الشقيق (واحدًا فأكثر).
- الصنف الرابع: الأخت لأبٍ (واحدةً فأكثر) مع الأخ لأبٍ (واحدًا فأكثر).
فنجد أن أربعةً من الذكور يُعصِّبون أخواتهم، فيمنعونهن من الإرث بالفرض، ويقتسمون معهن الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا يُسمِّيه الفرضيون "العَصبة بالغير"، وهو منحصرٌ في هذه الأصناف الأربعة.
"القريب المبارك" في باب المواريث
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم، هناك في العَصبة بالغير، يذكرها الفقهاء اصطلاحًا، لو بينتم لنا ما المراد به: وهو يتعلق بـ"القريب المبارَك"، ويذكرون أحيانًا "القريب المشؤوم".
الشيخ: نعم، بعض الورثة يكون مبارَكًا، وبعضهم يكون مشؤومًا، والله تعالى يقول: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا [النساء:11]، وهذا حتى في غير الورثة، تجد بعض الناس -سبحان الله!- رجلًا مباركًا لا ترى منه إلا النفع، يُفيدك عندما تلتقي معه، يُفيدك إما برأيٍ، يُهدي لك هديةً، لا تجد منه إلا كل خيرٍ، فهذا رجلٌ مباركٌ، وبعض الناس على العكس من ذلك، لا تنتفع منه، بل قد تتضرر، حتى لو أشار عليك؛ يُشير بمشورةٍ غير مناسبةٍ، فهذا جعله الله تعالى في البشر؛ منهم من هو مباركٌ، ومنهم من هو ليس كذلك، والنبي قال: إن كان الشؤم في شيءٍ؛ ففي ثلاثةٍ: المرأة، والدار، والدابة [2].
هنا الذي يهمنا: هو القريب المبارك، في باب المواريث يُعرفه الفرضيون بأنه: "مَن لَوْلاه؛ لسقطت الأنثى التي يُعصِّبها"، هذا هو ضابطه: من لولاه لسقطت الأنثى التي يُعصِّبها، يعني: لولا وجوده؛ لم ترث الأنثى شيئًا.
مثال ذلك: هالكٌ عن ثلاث بناتٍ، وبنت ابنٍ وابن ابنٍ، فالبنات يأخذن الثلثين، وبنت الابن وابن الابن يأخذون الباقي، لولا وجود ابن الابن؛ لم تأخذ بنت الابن شيئًا.
المقدم: لو افترضنا أنه غير موجودٍ؛ فبنت الابن لن تأخذ شيئًا، ستسقط.
الشيخ: ستسقط لماذا؟ لأن الأصل: أن البنات استكملوا الثلثين، لا يزيد نصيبهن عن الثلثين، لكن قد يرثن بالتعصيب إذا وُجد معهن ذكر يُعصِّبهن، فلاحِظ هنا: أن ابن الابن يُعتبر في هذا المثال "قريبًا مباركًا"؛ لأنه لولاه؛ لما ورثت بنت الابن شيئًا.
مثال آخر: هالكٌ عن أختين شقيقتين، وأخٍ لأبٍ وأختٍ لأبٍ.
فالأختان لهما؟
المقدم: الأختان هنا لهما الثلثان.
الشيخ: والأخ لأبٍ، والأخت لأبٍ؟
المقدم: سيأخذون الباقي.
الشيخ: الباقي، طيب، لو كان الأخ لأبٍ غير موجودٍ؛ لم تأخذ الأخت لأبٍ، ستسقط، لو كانت المسألة مثلًا: أختين شقيقتين، وأختٍ لأبٍ، وعمٍّ، فللأختين الثلثان، تأخذان الثلثين، والأخت لأبٍ لن تأخذ شيئًا، لكن وجود الأخ لأبٍ هنا أصبح بركةً عليها، فأصبحت ترث الباقي مع الأخ لأبٍ، فالأخ لأبٍ هنا يُسميه الفرضيون "قريبًا مباركًا"، فهو مَن لولاه؛ لسقطت الأنثى التي يُعصِّبها.
المقدم: هذا "المبارك"؟
"القريب المشؤوم" في باب المواريث
الشيخ: يُقابل هذا "القريب المبارك" من يسميه الفقهاء: "القريب المشؤوم"، وتعريفه عكس تعريف "القريب المبارك"، فهو: من لولاه؛ لورثت الأنثى التي يُعصِّبها.
لو أخذنا لهذا مثالًا: هالكةٌ عن أمٍّ، وأبٍ، وزوجٍ، وبنتٍ، وبنت ابنٍ وابن ابنٍ.
طيب، الزوج كم يأخذ هنا؟
المقدم: الزوج هنا سيأخذ الربع.
الشيخ: الربع؛ لوجود الفرع الوارث، والأم؟
المقدم: والأم ستأخذ السدس.
الشيخ: والأب؟
المقدم: والأب سيأخذ السدس.
الشيخ: والبنت؟
المقدم: البنت قلنا: ستأخذ النصف.
الشيخ: النصف، وبنت الابن وابن الابن؟
المقدم: هنا لهم الباقي، ولكن لا يوجد باقٍ.
الشيخ: لا يوجد باقٍ، فبنت الابن وابن الابن، لا يأخذون شيئًا، لولا وجود ابن الابن؛ لورثت بنت الابن.
المقدم: أخذت السدس.
الشيخ: نعم، تأخذ السدس تكملة الثلثين، فوجود ابن الابن هنا أسقطها، فيُسمي الفرضيون ابن الابن في هذا المثال "قريبًا مشؤومًا".
النوع الثالث: العصبة مع الغير
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم، هذا ما يتعلق بالقسم الثاني: وهو العَصبة بالغير.
ننتقل بعد ذلك إلى القسم الثالث: وهو العصبة مع الغير، ما المقصود بهم؟
الشيخ: العَصبة مع الغير صنفان:
- الأخت الشقيقة (واحدةً فأكثر) مع البنت (واحدةً فأكثر)، أو بنت الابن (واحدةً فأكثر)، يعني الأخوات الشقيقات مع البنات أو بنات الابن.
- والقسم الثاني: الأخت لأبٍ (واحدةً فأكثر) مع البنت (واحدةً فأكثر)، أو بنت الابن (واحدةً فأكثر).
يمكن أن يقال اختصارًا لهذا: إن العَصبة مع الغير: هن الأخوات الشقائق أو الأخوات لأبٍ، مع البنات أو بنات الابن، ويدل لهذا: ما جاء في "صحيح البخاري" عن هُزَيل بن شُرَحبيل، قال: سُئل أبو موسى عن بنتٍ، وبنت ابنٍ، وأختٍ، فقال: للبنت النصف، وللأخت النصف، وائتِ ابن مسعودٍ فسيُتابعني، فسُئل ابن مسعودٍ -وأُخبر بقول أبي موسى- فقال ابن مسعودٍ: لقد ضللتُ إذنْ وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي : للابنة النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت، قال: فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعودٍ، فقال أبو موسى: لا تسألوني ما دام هذا الحَبْر فيكم"، يعني ابن مسعودٍ [3].
وموضع الشاهد من هذه القصة: قوله: "وما بقي فللأخت"، وهو بهذا يُشير إلى العَصبة مع الغير، فالأخوات الشقائق أو لأبٍ مع البنات، أو مع بنات الابن عَصبةٌ، وهذا يسميه الفرضيون "عَصبة مع الغير"، والمرأة لا تكون عاصبةً بنفسها إلا في حالٍ واحدةٍ: وهي حال العتق، كما قال الناظم:
وليس في النساء طُرًّا عَصبةْ | إلا التي منَّت بعتق الرقبةْ |
وهذا سبق الكلام عنه في حلقةٍ سابقةٍ، هذا هو القسم الأول: وهو العَصبة بالنَّسَب.
المقدم: هذا ما يتعلق بالتقسيم الرئيسي: العَصبة بالنَّسب.
الشيخ: نعم.
القسم الثاني: العصبة بالسبب
المقدم: التقسيم، أو القسم الثاني: العَصبة بالسبب.
الشيخ: العَصبة بالسبب، هذا هو القسم الثاني، المراد بهم: الذين اكتسبوا التعصيب بسبب الاعتاق، وليس لأجل قُربهم نَسَبًا من الميت، فيرثون بالولاء؛ لإنعامهم على العتيق بالعتق؛ لقول النبي : إنما الولاء لمن أعتق [4]، متفقٌ عليه.
وهما صنفان:
- المعتق، سواءٌ أكان ذكرًا أو أنثى.
- وعَصبة المعتِق بالنفس، فلا تدخل العَصبة بالغير، ولا العصبة مع الغير.
وترتيبهم كترتيب العَصبة، ويُشترط لإرث المعتِق شرطان:
- الأول: ألا يوجد أصحاب فرضٍ يستغرقون التركة.
- والثاني: ألا توجد عَصبة بالنَّسَب، أو توجد لكن يقوم بها مانعٌ من موانع الإرث.
والآن في وقتنا الحاضر انقطع الرق وانقرض، وأصبح ممنوعًا في جميع دول العالم ومجرَّمًا؛ ولذلك فذِكْرُه هنا كناحيةٍ نظريةٍ، وإلا فليس له وجودٌ.
المقدم: أحسن الله إليكم.
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام هذه الحلقة، فأسأل الله أن يجزي شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان خير الجزاء، فشكر الله لكم شيخنا.
الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
المقدم: الشكر أيضًا موصولٌ لمن قام بتسجيل هذه الحلقة.
إلى أن ألتقيكم في حلقةٍ قادمةٍ -بإذن الله - أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.