عناصر المادة
- كتاب الحج
- شروط وجوب الحج
- شروط الوجوب والصحة
- شروط الوجوب والإجزاء
- حج الصبي والرقيق
- شرط الاستطاعة
- ﺣﺞ اﻟﻤﺪﻳﻦ
- أداء الحج من هبة الغير
- حج الإنسان عن غيره بأجرةٍ
- هل الأولى أن يحج تطوعًا، أم يتصدق على الفقراء؟
- حكم استئذان الوالدين في الذهاب إلى الحج
- هل الحج واجب على الفور أو التراخي؟
- النيابة في الحج وشروطها
- ثواب من حج عن غيره
- مَحرم المرأة في الحج
- حكم سفر المرأة للحج بصحبة رفقةٍ مأمونةٍ
- حكم حج المرأة بدون محرمٍ
- باب الإحرام
- الأسئلة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
حياكم الله في هذا الدرس السادس من هذا العام الهجري، في يوم الاثنين 27 من شهر صفرٍ من عام (1443هـ).
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا، ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
ننتقل بعد ذلك إلى التعليق على “السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد وصلنا إلى كتاب الحج، وكتابُ الصيام أخذناه العام الماضي قُبيل رمضان، وانتهينا الأسبوع الماضي من كتاب الزكاة، وكتابُ الصيام سبق أن أخذناه كاملًا.
فالآن ننتقل إلى كتاب الحج في الجزء الرابع:
كتاب الحج
قال المصنف رحمه الله تعالى:
كتاب الحج
تعريف الحج والعمرة لغةً واصطلاحًا
الحج معناه في اللغة: القصد.
ومعناه شرعًا: التعبد لله تعالى بأداء النسك على ما جاء في السنة، هذا هو أجود التعريفات، وهناك من عرفه بتعريفاتٍ أخرى: قصد مكة لعملٍ مخصوصٍ في زمنٍ مخصوصٍ، لكن هذا التعريف محل نظرٍ؛ فإن المسلم قد يقصد مكة لعملٍ مخصوصٍ ولا يقصد بذلك الحج، قد يقصد مكة لعملٍ مخصوصٍ في زمنٍ مخصوصٍ، لكن لا يريد بذلك الحج؛ ولهذا فهذا التعريف المذكور في “السلسبيل” هو أجود التعريفات؛ لأنه تضمن:
- أولًا: التعبد.
- ثانيًا: ورد فيه أداء النسك.
- ثالثًا: على ما ورد في السنة؛ حتى تكون هذه العبادة على الوجه المشروع.
وأيضًا العمرة تعريفها في اللغة: الزيارة.
وشرعًا: زيارة البيت الحرام على وجهٍ مخصوصٍ.
مشروعية الحج وفضله
والحج والعمرة شرعهما الله قبل الإسلام، فهما من الشرائع القديمة، والله تعالى أمر إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج، فقال: يا رب، ما يبلغ صوتي، قال: أذِّنْ وعلينا البلاغ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27]، فقام إلى أَكَمَةٍ مرتفعةٍ وقال: يا أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج فحُجوا.
الحج عبادةٌ من أفضل العبادات، بل إن ظاهر الأدلة: أن الحج يكفر جميع الذنوب، حتى الكبائر بعد التوبة منها، وأما الصلوات الخمس، وصيام رمضان، والجمعة إلى الجمعة: فهي تكفر الصغائر؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر [1]، لكن الحج ورد فيه ما يدل على أنه يكفر جميع الذنوب حتى الكبائر؛ ومن ذلك الآية الكريمة: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203]، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ يعني: أنه تحط عنه الآثام، وليس المعنى: لا حرج عليه، وإنما المعنى: أنها تحط عنه الآثام، يعني: من تعجل وقد اتقى الله في حجه؛ فإنه يرجع ولا إثم عليه، ومن تأخر وقد اتقى الله في حجه؛ فإنه يرجع ولا إثم عليه.
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه [2]، الحديث في “الصحيحين”، والذي ولدته أمه ليس عليه ذنوبٌ.
ويقول: الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة [3]، وفي قصة إسلام عمرو بن العاص يقول عليه الصلاة والسلام: أمَا علمتَ -يا عمرو- أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله [4]، وهذا في “صحيح مسلمٍ”، فالحج يهدم ما كان قبله من الذنوب والمعاصي.
لكن هل هذا التكفير وهدم الحج لما كان قبله من الذنوب يشمل جميع الذنوب، حتى ما كان متعلقًا بحقوق العباد؟
الجواب: لا، وإنما هذا خاصٌّ بحقوق الله تعالى، أما ما كان متعلقًا بحقوق المخلوقين: فلا يكفرها الحج ولا غير الحج، حتى الشهادة لا تكفرها، الشهيد الذي باع نفسه لله ، قُتل في سبيل الله، حقوق العباد تبقى لأصحابها؛ ولهذا لما سُئل النبي عن الرجل يُقتل في سبيل الله يدخل الجنة؟ قال: إذا قتل وهو صابرٌ مقبلٌ غير مدبرٍ، ثم قال: إلا الدَّين، فإن جبريل قال لي ذلك [5]، إلا الدَّين، فإذا كان الشهيد الذي باع نفسه لله تعالى لا يكفر عنه ما كان متعلقًا بحقوق العباد؛ فكيف بغيره؟! حقوق العباد أمرها عند الله عظيمٌ جدًّا، لا يكفرها لا الصلاة، ولا الزكاة، ولا الصيام، ولا الحج، ولا حتى الشهادة في سبيل الله، لا يكفرها شيءٌ، تبقى لأصحابها يوم القيامة؛ ولهذا عظَّم النبي شأنها في أعظم مجمعٍ، في خطبة عرفة، قال: أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد [6]، ولهذا ابن تيمية رحمه الله له مقولةٌ في هذا، قال: حقوق العباد من المظالم وغيرها لا تسقط بالحج باتفاق الأئمة، والحديث الذي يُروى في سقوط المظالم وغيرها بذلك في حديث عباس بن مرداسٍ حديثٌ ضعيفٌ.
مميزات الحج وخصائصه
الحج له مميزاتٌ وخصائص تميزه عن غيره من العبادات، نذكر بعض هذه الخصائص، سبحان الله! عبادة الحج تختلف عن غيرها، يعني تجد مثلًا هناك تقاربًا بين العبادات؛ من حيث النية، من حيث الشروط، لكن الحج له خصائص تميزه؛ من أبرز هذه الخصائص:
- أولًا: أن الحج يكون مكفرًا لجميع الذنوب، بخلاف بقية العبادات، لا تكفر الكبائر.
- أيضًا: أن الحج يصح من الصبي غير المميِّز، حتى لو كان عمره يومًا واحدًا؛ يصح منه الحج، بينما سائر العبادات لا تصح من الصبي غير المميز.
- أيضًا: في شأن النية؛ فإن الإنسان لو حج عن غيره ولم يحج عن نفسه؛ انقلب الحج عن نفسه، كذلك لو حج وأطلق النية؛ فإنه يَصرِفه لِمَا أراد من أنواع النسك، ولو أحرم بما أحرم به فلانٌ؛ صح ذلك، كذلك الولي ينوي عن نفسه وعن الصبي غير المميز، فهذا شأنٌ خاصٌّ بالحج.
- أيضًا: من شَرَع في الحج؛ وجب عليه الإتمام ولو كان نفلًا، بينما سائر نوافل العبادات لا يجب إتمامها بالشروع فيها.
وجوب الحج في العمر مرةً
طيب، ثم قال المصنف رحمه الله:
وهو واجبٌ مع العمرة في العمر مرةً.
وهذا مجمعٌ عليه؛ لقول الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وقول النبي عليه الصلاة والسلام: بُني الإسلام على خمسٍ..، وذكر منها: وحج البيت [7]؛ ولذلك من أنكر وجوب الحج؛ فإنه يكون كافرًا كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة.
وهو يجب في العمر مرةً واحدةً بإجماع العلماء؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: الحج مرةً، فما زاد فهو تطوعٌ [8].
من فرَّط ولم يحج مع استطاعته الحج، هل يكفر؟
الجواب: لا يكفر، وإنما يكون قد وقع في أمرٍ مفسِّقٍ؛ لأن جميع العبادات والأعمال لا يكفر صاحبها بتركها، إلا عبادةً واحدةً، وهي الصلاة، وقد نُقل إجماع الصحابة على ذلك، كما قال عبدالله بن شَقيقٍ العُقَيلي، التابعي الجليل: لم يكن أصحاب النبي يرون شيئًا من الأعمال تركه كفرٌ غيرَ الصلاة [9].
فإن قال قائلٌ: أليس الله يقول: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]؟ قوله: وَمَنْ كَفَرَ، ألا يدل ذلك على أن من ترك الحج مع قدرته عليه يكون كافرًا؟
الجواب: لا، ليس هذا هو المقصود، فإن الآية المقصود بالكفر فيها وَمَنْ كَفَرَ أي: بإنكار فريضة الحج، وَمَنْ كَفَرَ بإنكار فريضة الحج كما ورد ذلك عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، والنصوص يؤخذ من جميعها، لا يؤخذ طرفٌ من النصوص وتترك النصوص الأخرى، فمجموع النصوص يدل على أن ترك الحج لا يكفر صاحبه به، ولكنه يكون قد ارتكب أمرًا مفسقًا، كذلك ترك الزكاة بخلًا، لا يكفر بذلك، وإنما يكون قد ارتكب أمرًا مفسقًا، جميع الأعمال تركها لا يصل إلى درجة الكفر، إلا عبادةً واحدةً وعملًا واحدًا، وهو الصلاة، كما قال عبدالله بن شقيقٍ: لم يكن أصحاب النبي يرون شيئًا من الأعمال تركه كفرٌ غيرَ الصلاة.
حكم العمرة
العمرة: هل تجب العمرة أو لا تجب؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
- القول الأول: أنها واجبةٌ، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
- والقول الثاني: أنها مستحبةٌ، وهو مذهب الحنفية والمالكية.
القائلون بالوجوب استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، هل على النساء من جهادٍ؟ قال: نعم، عليهن جهادٌ لا قتال فيه: الحج والعمرة [10]، وأصله في “البخاري”.
فقوله : عليهن، هذا ظاهر الدلالة في الوجوب؛ لأن (على) من صيغ الوجوب، واستدلوا كذلك بحديث أبي رَزِينٍ العُقَيلي أنه أتى النبي فقال: يا رسول الله، إن أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظَّعْن -يعني الركوب على الراحلة- قال: حُجَّ عن أبيك واعتمِر [11]، فقوله: واعتمر، هذا أمرٌ بالعمرة، والأمر يقتضي الوجوب، وقد اختار هذا القول البخاري في “صحيحه”، حيث بوَّب عليه بقوله: “باب وجوب العمرة وفضلها”، ثم قال: “وقال ابن عمر: ليس أحدٌ إلا وعليه حجةٌ وعمرةٌ، وقال ابن عباسٍ: إنها -يعني العمرة- لقرينتها -يعني قرينة فريضة الحج- في كتاب الله تعالى، قال الله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]”، ثم ساق البخاري بسنده عن أبي هريرة أن النبي قال: العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة [12].
القول الثاني: أن العمرة مستحبةٌ؛ قالوا: لأنه لم يرد في الأدلة دليلٌ صحيحٌ صريحٌ يدل على وجوبها.
والقول الراجح: هو القول الأول، وهو أن العمرة واجبةٌ؛ لقوة أدلته.
وقولهم: لم يرد أدلةٌ صحيحةٌ صريحةٌ هذا غير مسلَّمٍ؛ فحديث أبي رَزينٍ وحديث عائشة، صريحان في وجوب العمرة، والآثار عن بعض الصحابة؛ كابن عمر وابن عباسٍ تدل على وجوب العمرة، ثم إن العمرة قرينة الحج، لا يُذكر الحج إلا ومعه العمرة؛ كما أن الزكاة قرينة الصلاة، وإن كان وجوب العمرة أدنى من وجوب الحج.
والقول الراجح: هو القول الأول، وهو وجوب العمرة، وهو الذي يُفتِي به مشايخنا: الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ، ومحمد بن عثيمين، رحمهما الله تعالى.
طيب، إذنْ يجب على المسلم أن يأتي بعمرةٍ مرةً واحدةً في عمره، ولو أن يأتي بالعمرة متمتعًا بها إلى الحج، فهذا يكفي في إسقاط الوجوب عنه، أو أن يأتي بالعمرة قارنًا بها مع الحج، يعني يحج قارنًا بين العمرة والحج، أو متمتعًا بالعمرة إلى الحج، فهذا كله يُسقط عنه وجوب العمرة، وإن كان الأفضل أن يأتي بعمرةٍ مستقلةٍ.
النبي اعتمر أربع عُمَرٍ كلُّهن في ذي القعدة، وابن عمر رضي الله عنهما لما سئل: كم اعتمر النبي ؟ قال: “أربع عمرٍ، إحداهن في رجبٍ”، ولكن عائشة رضي الله عنها قالت: “يرحم الله أبا عبدالرحمن! -تعني عبدالله بن عمر رضي الله عنهما- ما اعتمر رسول الله إلا وهو معه، وما اعتمر في رجبٍ قط” [13]، وهذا هو المحفوظ: أن جميع عمر النبي عليه الصلاة والسلام كلها كانت في ذي القعدة، واعتمر العمرة الأولى -عمرة القَضِيَّة سنة سبعٍ- لمَّا صُدَّ عن البيت في سنة ستٍّ في الحديبية؛ اعتمر عمرة القضية في السنة السابعة، والعمرة الثانية في السنة الثامنة من الجِعْرانة، والعمرة الثالثة كانت مع حجة الوداع؛ لأنه كان قارنًا عليه الصلاة والسلام، والعمرة الرابعة التي كانت في السنة السادسة، سنة الحديبية، التي صد عنها؛ لأنه قد أحرم بها، فتعتبر عمرةً، وإن كان لم يأتِ بأفعالها، لكنها تعتبر عمرةً.
أيهما أفضل العمرة في رمضان أو في أشهر الحج؟
فيها قولان لأهل العلم:
فإذا نظرنا إلى فعل النبي عليه الصلاة والسلام: عُمَرُه كلها في شهر ذي القعدة، وهو من أشهُر الحج.
وإذا نظرنا إلى قوله: فقد قال عليه الصلاة والسلام: عمرةٌ في رمضان تَعدل حجةً [14]، فلو افترضنا التعارض بين القول والفعل؛ فعند الأصوليين: أن دلالة القول أقوى وأصرح من دلالة الفعل فتُقدَّم؛ ولذلك نقول: إن العمرة في رمضان أفضل من العمرة في أشهر الحج؛ لأن فضل العمرة في رمضان جاء من قول النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: عمرةٌ في رمضان تعدل حجةً، أو حجةً معي، بينما فضل العمرة في أشهر الحج إنما جاء من فعل النبي عليه الصلاة والسلام، ودلالة القول أقوى من دلالة الفعل.
ولعل النبي عليه الصلاة والسلام إنما خص شهر ذي القعدة بالعمرة؛ لكي يُبطل اعتقادًا كان موجودًا عند قريشٍ، فإن قريشًا في الجاهلية كانت ترى أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يُبطِل هذا المعتقد، وقد كان هذا المعتقد راسخًا عند الصحابة ؛ ولهذا لما أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع بالعمرة؛ ترددوا حتى أمرهم أمرًا لازمًا، وقال: افعلوا ما آمركم به [15]، وتحاوروا مع النبي عليه الصلاة والسلام: كيف هذا؟! كيف نأتي بعمرةٍ في أشهر الحج؟! فقال عليه الصلاة والسلام: افعلوا ما آمركم به، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يبطل هذا الاعتقاد؛ لأن إبطال اعتقاد الناس الذي قد اعتقدوه وأَلِفوه لسنواتٍ طويلةٍ ليس بالأمر الهين، فلعله عليه الصلاة والسلام جاءت عُمَرُه كلها في شهر ذي القعدة؛ لإبطال هذا المعتقد.
وبكل حالٍ: قوله عليه الصلاة والسلام: عمرةٌ في رمضان تعدل حجةً، أو حجةً معي، هذا صريحٌ في تفضيل العمرة في رمضان.
وأما قول من قال: إنها خاصةٌ بامرأةٍ، فهذا غير مسلَّمٍ؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالعمرة في رمضان إذنْ لها مزيةٌ، وأجرها أجر حجٍّ، عمرةٌ في رمضان تعدل حجةً، وهذا من فضل الله ورحمته بالمؤمنين، أن جعل ثواب العمرة في رمضان يعدل ثواب الحج.
شروط وجوب الحج
طيب ننتقل بعد ذلك إلى شروط وجوب الحج:
والمؤلف يقول:
وشرط الوجوب خمسة أشياء:
والفقهاء يُقسِّمون شروط وجوب الحج إلى ثلاثة أقسامٍ:
- شروط وجوبٍ وصحةٍ.
- وشروط وجوبٍ وإجزاءٍ.
- وشرط وجوبٍ فقط.
إذنْ شروط وجوبٍ وصحةٍ، وشروط وجوبٍ وإجزاءٍ، وشرط وجوبٍ فقط.
شروط الوجوب والصحة هي:
الإسلام والعقل.
وشروط الوجوب والإجزاء هي:
البلوغ وكمال الحرية.
وشرط الوجوب فقط هو: الاستطاعة.
طيب، نأتي لها على وجه التفصيل:
شروط الوجوب والصحة
شروط الوجوب والصحة: الإسلام والعقل، معناها: أنه لا يجب الحج على غير المسلم، ولا على المجنون، ولا يصح منهما لو حجا.
أما كونه لا يجب الحج على الكافر: فلأن الكافر لا تصح منه عبادةٌ حتى يصحح الأصل، وهو التوحيد؛ لقول الله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54]، وإذا لم تُقبل نفقاتهم؛ لم يقبل صيامهم ولا حجهم ولا سائر أعمالهم.
ولكن مع ذلك، الكافر يعاقب على ترك الحج؛ لقول الله تعالى عن المشركين: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:42-46]، هذا يدل على أنهم كفارٌ؛ لأن التكذيب بيوم الدين كفرٌ، ومع ذلك عوقبوا على ترك الصلاة، لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ؛ فدل ذلك على أن الكافر يعاقب على ترك الصلاة، يعاقب على ترك الزكاة، يعاقب على ترك الصيام، يعاقب على ترك الحج؛ ولأن المسلم إذا كان يعاقب على ذلك؛ فالكافر كذلك أو من باب أولى.
وأما شرط العقل: فلأن المجنون مرفوعٌ عنه القلم، والمجنون لا يعقل النية، والحج عبادة تحتاج إلى نيةٍ وإلى قصدٍ.
شروط الوجوب والإجزاء
القسم الثاني: شروط الوجوب والإجزاء دون الصحة، وهما شرطان: البلوغ وكمال الحرية، ومعنى كونهما شروطًا للوجوب والإجزاء: يعني لا يجب الحج على غير البالغ، ولا يجب الحج على الرقيق، ولا يجزئهما عن حجة الإسلام؛ ولهذا قلنا: والإجزاء، دون الصحة، لكن لو حجا؛ صح حجهما، فلو حج غير البالغ -حج الصبي- صح حجه، حج الرقيق؛ صح حجه، لكنه لا يجزئ عن حجة الإسلام.
فالحج لا يجب على الصبي؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: رفع القلم عن ثلاثةٍ..، وذكر منهم: الصبي حتى يبلغ [16].
الرقيق أيضًا لا يجب عليه الحج؛ لأنه مالٌ، وهو مالٌ لسيده؛ فيكون غير مستطيعٍ، والحج إنما يجب على المستطيع، والحج عبادةٌ تطول مدتها في الغالب، والعبد مشغولٌ بحقوق سيده.
وأما كون حج الصبي والرقيق لا يجزئ عن حجة الإسلام؛ فلقول النبي عليه الصلاة والسلام: أيما صبيٍّ حج ثم بلغ؛ فعليه أن يحج حجةً أخرى، وأيما عبدٍ حج ثم عَتَق -وفي لفظٍ: أُعتِق– فعليه حجةٌ أخرى [17]، هذا الحديث أخرجه الشافعي والبيهقي بسندٍ فيه مقالٌ، لكن له طرقٌ متعددةٌ يقوي بعضها بعضًا، فيرتقي إلى درجة الحسن إن شاء الله؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله بعدما ذكر هذا الحديث: “والمرسل إذا عَمل به الصحابة حُجةٌ وِفَاقًا، وهذا مجمَعٌ عليه”، ولأنه يصح الحج منه؛ لأنه أهلٌ للعبادات، ولا يجزئه؛ لأنه فعله قبل أن يصير من أهل وجوبه.
إذنْ الحج لا يجب على الصبي، لكنه لو حج؛ صح حجه، ولم يجزئه ذلك عن حجة الإسلام.
والأفضل في وقتنا الحاضر: ألا يُحَج بالصبي؛ وذلك لأن الحج بالصبي يتسبب في إلحاق الحرج بالصبي وبوليه وبغيره أيضًا من الحجاج، إذا كان الآن عدد المسلمين ما يقارب مليارًا ونصفًا، والحُجَّاج أقل من نصف (1%)، يعني: مليارٌ ونصفٌ، و(1%)=15 مليونًا، نصف (1%)=7 ملايين ونصفٌ، الذين يحجون أقل من نصف (1%)، فينبغي أن تتاح الفرصة للكبار، كيف يؤتى بصبيٍّ لا يجب عليه الحج ولا يجزئه عن حجة الإسلام ويُحَجَّج ويترك الكبار؟! الكبار أولى بأن يحجوا؛ ولذلك فالذي أرى في وقتنا الحاضر: ألا يُحَج بالصبي، وإن كان ذلك من حيث الحكم الشرعي أنه يصح، لكن ينبغي أن تتاح الفرصة لغيره من الكبار؛ ولئلا يلحقه الحرج ويلحق الحرج بِوَلِيِّه، وكذلك أيضًا بغيره من الحجاج، خاصةً في المطاف وفي المسعى ونحو ذلك.
حج الصبي والرقيق
قال:
لكن يصحان من الصغير والرقيق، ولا يجزئان عن حجة الإسلام وعمرته.
لحديث ابن عباسٍ السابق، وصحة الحج من الصبي؛ لقصة المرأة التي رفعت صبيًّا للنبي فقالت: يا رسول الله، ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم، ولك أجرٌ [18]، رواه مسلمٌ.
والرقيق يصح منه؛ لأنه إنسانٌ بالغٌ عاقلٌ، فيصح منه الحج.
قال المصنف رحمه الله:
فإن بلغ الصغير أو عتق الرقيق قبل الوقوف أو بعده إن عاد فوقف في وقته؛ أجزأه عن حجة الإسلام.
لمَّا بيَّن المؤلف أن حج الصبي والرقيق لا يجزئهما عن حجة الإسلام؛ استثنى من ذلك، قال: إذا بلغ قبل الوقوف بعرفة، أو أنه بلغ بعد الوقوف بعرفة لكنه رجع قبل طلوع فجر يوم النحر ووقف بعرفة؛ فيجزئه ذلك عن حجة الإسلام.
وهذه المسألة يظن بعض الناس أنها افتراضيةٌ لكنها ليست افتراضيةً، خاصةً في وقتنا الحاضر؛ لأنه في وقتنا الحاضر أصبح يُضبط عمر الإنسان عن طريق شهادة الميلاد، فيكتب وُلِدَ في اليوم الفلاني، في الساعة الفلانية، في الدقيقة الفلانية، وإحدى علامات البلوغ: بلوغ تمام خمس عشرة سنةً، فربما مثلًا بعض الناس يبلغ تمام خمس عشرة سنةً يوم عرفة، فتَرِد هذه المسألة، أو مثلًا يحصل منه احتلامٌ مثلًا، أو نحو ذلك، أو أن مثلًا سيد هذا الرقيق لمَّا رأى اجتماع الحجيج في عرفة، وفي هذا المقام العظيم؛ رق لهذا الرقيق وأعتقه.
فالمقصود: أنه إذا بلغ الصبي، أو عتق الرقيق، وبلغ الوقوف بعرفة؛ أجزأه ذلك عن حجة الإسلام، ولو كان أيضًا قد دفع من عرفة ثم رجع ووقف بعرفة ولو لحظةً قبل طلوع الفجر؛ فيجزئه ذلك عن حجة الإسلام.
واستثنى المؤلف من هذا فقال:
ما لم يكن أحرم مُفرِدًا أو قارنًا وسعى بعد طواف القدوم.
يعني: لا يجزئ ذلك عن حجة الإسلام حتى لو وقف بعرفة؛ قالوا: لأن السعي لا يُشرَع مجاوزةُ عددِه ولا تكراره، ولكن هذا القول قولٌ ضعيفٌ لا دليل عليه، والصواب: أنه يجزئه؛ وعلى هذا: يعيد السعي، ويجزئه ذلك عن حجة الإسلام، أما القول بأنه لا يجزئه: فهذا غير مسلَّمٍ.
والتعليل الذي ذكروه: أنه لا يشرع تكراره، هذا لا يُسلَّم، في هذه الحال يشرع تكراره.
قال المصنف رحمه الله:
وكذا تجزئ العمرة إن بلغ أو عتق قبل طوافها.
الطواف بالنسبة للعمرة كالوقوف بعرفة بالنسبة للحج، فإذا بلغ الصبي أو عتق الرقيق قبل طواف العمرة؛ فتجزئه تلك العمرة عن عمرة الإسلام؛ وعلى هذا: يطوف ويسعى بعد البلوغ وبعد العتق.
شرط الاستطاعة
القسم الثالث: شرط الوجوب فقط، وهو شرط الاستطاعة.
قال المصنف:
الخامس: الاستطاعة.
وهذا الشرط قد جاء النص عليه في القرآن في قول الله : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وهنا وقفةٌ ذكرها بعض أهل العلم، يقولون: الاستطاعة شرطٌ لوجوب جميع العبادات، يعني شرطٌ لوجوب الصلاة، لوجوب الصيام، لوجوب الزكاة، فلماذا خُص الحج بذكر الاستطاعة مع أنها شرطٌ لوجوب جميع العبادات؟
الجواب كما قال الموفق بن قدامة في “المغني”: إن الحج خُص بذلك؛ لأن الحاج يلحقه مشقةٌ كبيرةٌ ونفقاتٌ وتعبٌ، خاصةً في الأزمنة السابقة؛ فإنه في الأزمنة السابقة كان الناس يتعبون كثيرًا حتى يصلوا إلى مكة، واقرءوا كتب الرحلات في الحج، بعضهم يمكث أشهرًا حتى يصل إلى مكة، اقرءوا -على سبيل المثال- كتاب “رحلة الصِّدِِّيق إلى البيت العتيق”، بقي عدة أشهرٍ في الطريق من الهند إلى مكة حتى وصل إلى مكة، فكان الناس حتى مجرد الوصول يأخذ منهم زمنًا طويلًا وجهدًا ونفقاتٍ، وكذلك أيضًا حتى التنقل بين المشاعر كان الناس يتنقلون إما على أرجلهم أو على الإبل، فيلحق الحاج بهذا نفقاتٌ ومشقاتٌ كثيرةٌ؛ فنبَّه على هذا الشرط، وأن غير المستطيع لا يجب عليه الحج، فهذا من باب التوضيح والتأكيد على أن الوجوب إنما يكون على المستطيع.
مفهوم الاستطاعة في الحج
ما معنى الاستطاعة؟ ما المراد بالاستطاعة التي هي شرطٌ لوجوب الحج؟
فسر المؤلف الاستطاعة بقوله:
وهي مِلك زادٍ وراحلة تصلح لمثله، أو ملك ما يقدر به على تحصيل ذلك.
فالاستطاعة عند كثيرٍ من الفقهاء معناها: ملك الزاد والراحلة، وقد جاء هذا في حديثٍ مرفوعٍ إلى النبي عليه الصلاة والسلام أنه قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة [19]، أخرجه الدارقطني والحاكم، لكن هذا الحديث ضعيفٌ، لا يصح مرفوعًا، وإنما هو مأثورٌ عن بعض الصحابة، لكن عليه العمل عند أهل العلم.
الزاد: ما يحتاج إليه في ذهابه ورجوعه من مأكولٍ ومشروبٍ وكسوةٍ.
الراحلة: أن تكون صالحةً لمثله -إما بشراءٍ أو باستئجارٍ- في ذهابه ورجوعه؛ فمثلًا: الراحلة كانت في أزمنةٍ سابقةٍ هي الإبل، وفي وقتنا الحاضر: الراحلة: إما السيارة أو الطائرة أو السفينة.
طيب الأمور الآن في الوقت الحاضر تغيرت بالنسبة للحج، فهل نفسر الاستطاعة بأنها ملك الزاد والراحلة؟
نقول: الجواب: لا، الاستطاعة في وقتنا الحاضر تفسر بأنها القدرة على تحصيل أجرة الحج مع حملةٍ أو مؤسسةٍ أو شركةٍ من شركات الحج، هذه هي الاستطاعة.
فإذا كانت حملة الحج أو شركة الحج أجرتها مثلًا خمسة آلافٍ؛ فتكون الاستطاعة هي أن يستطيع أن يحصل هذا المبلغ، وهذه الشركة أو الحملة هي التي ستوفر له الزاد والراحلة والمركوب، لكن هذا الوجوب مقيدٌ بما ذكره المؤلف بقوله:
بشرط كونه فاضلًا عما يحتاجه من كتبٍ ومسكنٍ وخادمٍ.
بشرط أن يكون فاضلًا عما يحتاجه، يعني ملك الزاد والراحلة، وفي وقتنا الحاضر أجرة الحج مع حملةٍ أو شركة حجٍّ يُشترط أن يكون ذلك فاضلًا عما يحتاجه من كتبٍ إذا كان طالب علمٍ ويحتاج لكتبٍ؛ لأن الكتاب بالنسبة لطالب العلم يعتبر من الحوائج الأساسية، فلا بد أن يحصل أجرةً تزيد على ما يحتاجه من الكتب.
طيب، لو كان عنده مكتبةٌ، هل يلزمه أن يبيعها لكي يحج؟ الجواب: لا، لا يلزمه ذلك.
ومسكنٍ: لو كان عنده بيتٌ، حتى لو كان عنده بيتٌ ملكٌ لا يلزمه أن يبيعه لكي يحج، بل لا بد أن تكون الأجرة فاضلةً عن تحصيل المسكن.
وخادمٍ: إذا كان مثله يُخدم، أما إذا كان مثله لا يخدم؛ فلا يعتبر ذلك من الحوائج الأصلية؛ لأن بعض الناس مثله يُخدم، فلا نقول له: يلزمك الاستغناء عن الخادم لكي تحج، فإذا كان مثله يخدم؛ يعتبر هذا من الحوائج الأصلية.
وأن يكون فاضلًا عن مؤنته ومؤنة عياله.
يعني: أيضًا يكون تحصيل الأجرة زائدًا عما يحتاج إليه من نفقته ونفقة عياله.
على الدوام.
وقال بعض العلماء: يشترط أن يكون فاضلًا عما ذكره المؤلف إلى أن يعود، وليس على الدوام، وهذا هو القول الراجح.
ﺣﺞ اﻟﻤﺪﻳﻦ
مسألة: أثر الدَّين على الحج.
إذا كان على الإنسان دينٌ؛ فيلزمه أن يسدده قبل أن يحج؛ لأن قضاء الدين مقدمٌ على الحج، ولكن بشرط أن يكون هذا الدين حالًّا، هذا رجلٌ عليه دينٌ حالٌّ، ليس له أن يحج حتى يسدد هذا الدين، لماذا؟ لأن هذا المبلغ الذي سيحج به هو في الحقيقة مستحَقٌّ للدائن؛ ولذلك تجد أن الدائن إذا علم بأن فلانًا قد حج وهو يطالبه بسداد الدين؛ يجد في نفسه عليه: فلانٌ كيف تحج وأنا أطلبك دينًا؟ والحج غير واجبٍ عليك، والدين واجبٌ عليك أن تسدده، إلا إذا استأذن المدينُ من الدائن، ذهب المدين للدائن، وقال: يا فلان، أنا أريد أن أحج، فأرغب منك أن تسمح لي وتأذن لي، وسأسددك -إن شاء الله- بعد الحج، إذا أذن له بذلك بطيبةٍ من نفسه؛ فلا بأس، أما إذا لم يأذن له بذلك؛ فسداد الدين مقدمٌ على الحج.
وهذا إذا كان الدين حالًّا، أما إذا كان مؤجلًا ويغلب على ظنه سداد الدين إذا حل الأجل؛ فلا بأس أن يحج ولو كان مدينًا، خاصةً إذا كان له مصدر دخلٍ.
أداء الحج من هبة الغير
طيب هنا مسألةٌ: لو كان الإنسان لا يستطيع الحج، لكن وجد من يتكفل له ببذل الأجرة، فهل يجب عليه الحج؟ لا يجب عليه حتى لو بذلت له الأجرة؛ لأن هذا البذل يعتبر هبةً وهذه الهبة قد يَلحقه بسببها المنة، والإنسان لا يلزم أن يكون تحت منة غيره، لكن لو أنه قبل هذا المال وحج به؛ صح حجه؛ وهذا يدل على أن الإسلام يَبني في المسلم معاني العزة؛ ففي الحج إذا لم يكن معه ما يحج به، ووجد له من يهب له أجرة الحج؛ لم يلزمه أن يقبلها، كذلك في التيمم إذا وجد من يهب له ماءً لكي يتوضأ به؛ لم يلزمه أن يقبله، ويجوز له أن يعدل للتيمم؛ لأن الإنسان لا يلزم أن يكون تحت منة غيره، هذا الذي قد وَهب أجرة الحج، أو هذا الذي وَهب الماء للوضوء قد يمتن به على الموهوب يومًا من الأيام، والمنة أذًى نفسيٌّ شديدٌ، والإنسان لا يلزم أن يكون تحت منة غيره.
طيب، لكن ما هو الأفضل؟ هل الأفضل إذا وهبت له أو بذلت له أجرة الحج أن يحج، أو ألا يحج؟
نقول: إذا كان متيقنًا من أن هذا الإنسان لن يمتن عليه؛ فالأولى أن يقبل؛ كأن يكون مثلًا الذي وهب له هذا المال أباه أو أمه، أو نحو ذلك؛ لأنه يكسب بذلك أعمالًا صالحةً وأجورًا وثوابًا.
أما إذا كان يخشى من أن هذا الذي بذل له أجرة الحج قد يمتن عليه يومًا من الأيام؛ فالأولى ألا يقبله، وأن ينتظر حتى ييسر الله له مالًا يحج به.
حج الإنسان عن غيره بأجرةٍ
هنا مسألةٌ: هل يجوز أن يحج الإنسان عن غيره بأجرةٍ؟
نقول: لا بأس بذلك، لكن يجعل نيته ليس المال، وإنما نيته من أجل أن يحج، وأن يصل للمشاعر، ويتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: إن كان قصده الحج أو نفع الميت؛ كان له في ذلك أجرٌ وثوابٌ، وإن كان ليس له مقصدٌ إلا أخذ الأجرة؛ فما له في الآخرة من خلاقٍ.
فهذا الذي يحج عن غيره ينبغي أن يصحح النية، وألا يجعل مقصده الحصول على المال فقط، وإنما يريد بذلك التقرب إلى الله بهذا الحج، ونفع أخيه المسلم، وأيضًا ما قد يعمله من طاعاتٍ وعباداتٍ في المشاعر، خاصةً في عرفة في يوم عرفة ونحو ذلك.
هل الأولى أن يحج تطوعًا، أم يتصدق على الفقراء؟
هنا مسألةٌ: بعض الناس يقول: إن من سبق أن حج؛ فالأفضل أن يتصدق بأجرة الحج، أن هذا أفضل من الحج، هل هذا صحيحٌ؟
الجواب: هذا غير صحيحٍ، فحج التطوع أفضل من أن يتصدق بأجرة الحج على الفقراء والمساكين، كيف يستوي في الأجر من يتكبد المشقة ويذهب للمشاعر، وربما عانى من الزحام، وعانى أيضًا من التعب في التنقل، وبذل جهدًا كبيرًا ومالًا ونفقاتٍ، كيف يستوي هذا ومن يأخذ مالًا ويعطيه إلى فقيرٍ؟! بل يقولون: إن إعطاء هذا الفقير أفضل، هذا كلامٌ غير صحيحٍ، فهذا الذي قد حج لا شك أنه أعظم أجرًا وثوابًا عند الله من هذا الذي تصدق بمثل هذا المبلغ على فقيرٍ، وبعضهم يستدل بقصة ابن المبارك، قصة ابن المبارك هذه واقعة عينٍ، رأى ابن المبارك أناسًا مضطرين للمال، فأعطاهم هذا المال لأجل سد ضرورتهم وسد حاجتهم، وهو اجتهادٌ منه، لكن من حيث الأصل: الأصل أن حج التطوع أفضل من الصدقة بأجرة الحج.
حكم استئذان الوالدين في الذهاب إلى الحج
من وجب عليه الحج هل يشترط له أن يستأذن والديه؟ إذا كان حج فريضةٍ؛ فلا يشترط، وأما إذا كان حج نافلةٍ؛ فلا بد من إذن الوالدين، لكن إذا منعه الوالدان وكان هذا المنع لغرضٍ صحيحٍ؛ كأن يحتاج الوالدان أو أحدهما إليه؛ فطاعة الوالدين مقدمةٌ على الحج؛ لأن النبي لما سئل عن أحب العمل إلى الله قال: الصلاة على وقتها قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله [20]، والحج نوعٌ من الجهاد.
لكن إذا كان منع الوالد أو الوالدة لولدهما من الحج ليس لغرضٍ صحيحٍ، وإنما مجرد تعنتٍ، وبعضهم أيضًا يمنع ابنه أو ابنته؛ لأنه يكره التدين ويكره المتدينين، ولا يريد لابنه أو ابنته أن يستقيم على طاعة الله تعالى، فتجد أنه يمنعه، ويريد أن يمنعه من الحج، ويريد أن يمنعه من صيام النافلة، ويريد أن يمنعه من بعض الأعمال الصالحة؛ لأنه يجد في نفسه كراهيةً للتدين والمتدينين؛ فهذا لا تجب طاعة والده أو والدته في ذلك، ولكن مع ذلك يصاحبهما في الدنيا معروفًا؛ فإن الله لما ذكر الوالدين اللذَين يأمران ولدهما بأعظم الذنوب، وهو الشرك، ماذا قال ربنا سبحانه؟ قال: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15].
فنقول: لا تطعهما في ذلك، لكن صاحبهما في الدنيا معروفًا.
هل الحج واجب على الفور أو التراخي؟
قال:
فمن كَمَلت له هذه الشروط.
وقد بقي شرطٌ سيذكره المؤلف: وهو وجوب المحرم للمرأة، قال:
لزمه السعي فورًا إن كان في الطريق أمنٌ.
قوله: “لزمه السعي فورًا”، يشير إلى مسألة: هل الحج واجبٌ على الفور أو التراخي؟ وهذا يرجع إلى مسألةٍ مذكورةٍ في كتب أصول الفقه، مسألةٍ أصوليةٍ: هل الأصل في الأمر أنه يقتضي الفورية، أو على التراخي؟
فالجمهور على أنه يقتضي الفورية.
والشافعية على أنه يقتضي التراخي.
والصواب: هو قول الجمهور، وهو أنه يقتضي الفورية؛ وعلى ذلك: فالأصل هو وجوب الحج على الفورية.
فإن قال قائلٌ: كيف يكون الحج واجبًا على الفور والنبي عليه الصلاة والسلام لم يحج إلا في السنة العاشرة، في آخر عمره عليه الصلاة والسلام، والحج فُرِض في السنة السادسة؟
فالجواب: أولًا القول بأن الحج فرض في السنة السادسة، محل نظرٍ، والأقرب -والله أعلم- أن الحج إنما فرض في السنة التاسعة، وليس في السنة السادسة، وإنما الذي نزل في السنة السادسة: قول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، والحج إنما فرض في السنة التاسعة بقول الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران:97]، وهذه إنما نزلت في عام الوفود في السنة التاسعة، ويبعد جدًّا أن يُفرض الحج على المسلمين ومكة ليست بدار إسلامٍ في ذلك الوقت، كانت بأيدي المشركين، فكيف يفرض الحج على المسلمين، ولا تزال مكة ليست بدار إسلامٍ؟! فهذا بعيدٌ جدًّا! ولهذا الصواب: أن الحج إنما فرض في السنة التاسعة.
طيب، حتى لو قلنا: إن الحج فرض في السنة التاسعة؛ لماذا لم يبادر النبي عليه الصلاة والسلام ويحج في السنة التاسعة، وأخر الحج إلى السنة العاشرة؟
الجواب: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في ذلك العام منشغلًا باستقبال الوفود التي كانت تفد إليه من أنحاء الجزيرة العربية؛ لتعلن إسلامها؛ لأنه لما فتح مكة وظهر على قريشٍ؛ أذعنت له العرب، فأصبحت تأتيه الوفود من كل ناحيةٍ من أنحاء الجزيرة العربية وتعلن إسلامها، فكان عليه الصلاة والسلام منشغلًا باستقبال تلك الوفود.
وأيضًا هناك سببٌ آخر: وهو أنه لا زالت بقايا المشركين وآثار الشرك في الحج، فكان المشركون يطوفون بالبيت عراةً، ولا تزال بعض اعتقاداتهم قائمةً، فكانت مثلًا قريشٌ لا يقفون بعرفة، وإنما يقفون في مزدلفة، يقولون: نحن أهل الحرم، فلا نخرج منه؛ لأن عرفة ليست من الحرم، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام ألا يحج إلا وقد طَهُر الحج من آثار الشرك والمشركين، ففي تلك السنة -السنة التاسعة- بعث أبا بكرٍ أميرًا على الحج، ونادى في الناس: ألَّا يحج بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عريانٌ.
النيابة في الحج وشروطها
قال المصنف رحمه الله:
فإن عجز عن السعي لعذرٍ، ككِبَرٍ أو مرضٍ لا يرجى برؤه؛ لزمه أن يقيم نائبًا.
إذا كان مريضًا مرضًا يرجى برؤه؛ فإنه لا يقيم من يحج عنه، وإنما ينتظر حتى يشفى، لكن إذا كان مريضًا مرضًا لا يرجى برؤه، أو أنه عجز عن الحج لكبر سنه، وكان قادرًا على الحج بماله؛ فيلزمه أن يقيم من يحج عنه، ويشترط في هذا النائب أن يكون أولًا:
حرًا.
لا يكون رقيقًا.
ولو امرأةً.
يعني: يصح أن تحج المرأة عن الرجل، والرجل عن المرأة.
يحج ويعتمر عنه.
كما جاء في “الصحيحين”: أن امرأةً خثعميةً أتت النبي فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة؛ فهل يُجزئ أن أحج عنه؟ قال: نعم [21]؛ فدل هذا على أن من كان مستطيعًا للحج بماله دون بدنه؛ يلزمه أن يُنيب من يحج عنه؛ لأن هذه المرأة قالت: “إن فريضة الله أدركت أبي”، فقولها: “فريضة الله أدركت أبي”، يدل على أن من كان قادرًا بماله دون بدنه؛ يجب عليه أن ينيب من يحج عنه؛ إذ لو كان الحج لا يجب على أبيها؛ لقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن أباكِ لا يجب عليه الحج، لكنه أقرها على هذا الفهم، وأن فريضة الله أدركت أباها؛ فوجب عليه الحج.
هنا المؤلف قيد أن يكون النائب من بلده، فقال:
من بلده.
أي: من المكان الذي وجب على المستنيب أن يحج عنه؛ مثلًا: لو كان المستنيب في الرياض؛ فعلى كلام المؤلف يجب أن يكون النائب من الرياض، فلو أن النائب حج من جدة أو من مكة؛ لم يصح؛ قالوا: لأن المنيب لو أراد أن يحج لنفسه؛ لحج من مكانه؛ فكذا نائبه.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يلزم النائب أن يحج من مكان المنيب؛ وإنما له أن يحج من أي مكانٍ؛ لأن السعي لمكة ليس مقصودًا لذاته؛ وإنما هو مقصود لغيره، وهذا هو القول الراجح: أنه لا يلزم أن يكون النائب من بلد المنيب؛ ولهذا لو أن هذا المنيب كان ذهب لمكة لأي غرضٍ من الأغراض، ثم بدا له أن يحج؛ فإنه يحج عند جميع العلماء من مكة، ولا يلزمه أن يرجع لبلده فيحج منه؛ فكذلك أيضًا النائب عنه، والقول بأنه يلزم النائب أن يحج من بلد المنيب، هذا قولٌ ضعيفٌ.
قال:
ويجزئه ذلك ما لم يَزُلِ العذر قبل إحرام نائبه.
يعني: تجزئه هذه النيابة، إلا إذا زال العذر قبل أن يحرم نائبه؛ لقدرته على المُبْدَل قبل الشروع في البَدَل، يعني: لو كان مثلًا مريضًا مرضًا لا يرجى برؤه، وأناب من يحج عنه، ثم إن الله تعالى قدَّر في يوم التروية -في اليوم الثامن من ذي الحجة- أن الله تعالى شفاه -شفى هذا المريض- فيلزم هذا المريض أن يحج بنفسه، ولا يجزئ أن ينيب من يحج عنه.
وقوله: “قبل إحرام نائبه”، يُفهم منه: أنه لو زال العذر بعد إحرام نائبه؛ أجزأه الحج عنه، يعني هذا مريضٌ مرضًا لا يرجى برؤه، وعنده قدرةٌ ماليةٌ، فقلنا: يجب عليك أن تنيب من يحج عنك، فأناب من يحج عنه، وحج عنه، ثم بعد أشهرٍ مثلًا أو بعد سنةٍ أو سنتين شفاه الله تعالى، هل يلزم هذا المنيبَ أن يحج؟ نقول: لا، ذمتك قد برئت؛ لكونك لما أنبت من يحج عنك؛ أنبته وأنت عاجزٌ عن الحج، فذمتك قد برئت؛ لأنك قد اتقيت الله تعالى ما استطعت.
قال:
فلو مات قبل أن يستنيب؛ وجب أن يدفع من تركته لمن يحج ويعتمر عنه.
يعني: لو أن القادر على الحج بماله دون بدنه لم يُنِب من يحج عنه حتى مات؛ فإنه يُحَجَّج عنه، ويُعتمَر عنه من تركته؛ لأن الحج والعمرة يعتبران دينًا لله على الإنسان، فيدخل ذلك في قول الله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11]، فالدين إما أن يكون دينًا لله، أو دينًا للآدميين، فالحج والعمرة يعتبران دينًا لله ، فهما مقدمان في الميراث على قسمة التركة.
لكن إن لم يجد العاجز عن الحج مالًا لكي يحج به حتى مات؛ فإنه يسقط عنه وجوب الحج، ولا يجب أن يُحَجَّج عنه من تركته، هذا رجلٌ فقيرٌ لم يستطع أن يحج، واستمر فقره معه إلى أن مات؛ فالحج غير واجبٍ عليه، ولا يَلزم ورثتَه أن يحججوا عنه.
قال:
ولا يصح ممن لم يحج عن نفسه حجٌّ عن غيره.
أي: أنه يشترط لمن أراد أن يحج عن غيره أن يكون قد حج عن نفسه؛ وذلك للحديث المشهور، حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن النبي سمع رجلًا يقول: لبيك عن شُبْرمة، قال: من شبرمة؟ قال: أخٌ أو قريبٌ لي، قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة [22]، هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة، واختلف في رفعه ووقفه، والصواب أنه موقوفٌ، ولا يصح مرفوعًا عن النبي ؛ ولهذا الإمام أحمد قال: رفعه خطأٌ، وقال ابن المنذر: لا يثبت رفعه، لكن هذا الحديث العمل عليه عند أهل العلم، يعني: معناه صحيحٌ.
فليس للإنسان أن يحج عن غيره وهو لم يحج عن نفسه؛ لأن الحج واجبٌ على الفور، ولو حج عن غيره وهو لم يحج عن نفسه؛ انقلب حجه عن غيره حجًّا عن نفسه.
ثواب من حج عن غيره
طيب هنا مسألة: من حج عن غيره، هل الثواب يكون لمن حج عنه؟ وأيضًا الحاج النائب يكون له مثل أجر من حج عنه؟
الجواب: الظاهر -والله أعلم- أن أجر الحج يكون للمنوب عنه؛ لأن النائب قد صرف الأجر للمنوب عنه، فكأنه يقول: يا رب، ثواب هذا الحج اجعله لفلانٍ، لكن يؤجر هذا النائب على نيته وعلى الأعمال التي تخصه؛ كالصلاة والدعاء ونحو ذلك، وأما قول بعض العلماء: إن أجر الحج يشمل النائب والمنوب عنه، فهذا ليس عليه دليلٌ، بل ظاهر الأدلة يدل على أن الأجر إنما يكون للمنوب عنه، وأن النائب إنما يؤجر على نيته وعلى الأعمال التي تخصه؛ كالصلاة والدعاء ونحو ذلك.
مَحرم المرأة في الحج
قال المصنف رحمه الله:
وتزيد الأنثى شرطًا سادسًا.
بعضهم يعتبره شرطًا سادسًا، وبعضهم لا يعتبره شرطًا سادسًا، وإنما يدخلونه في الشرط الخامس -في شرط الاستطاعة- وهذا هو الأقرب.
وهو أن تجد لها زوجًا أو محرمًا.
يعني: لو قال المؤلف: أن تجد محرمًا، لشمل الزوج، فلا داعي لأن يقول: “زوجًا أو محرمًا”؛ فإن محرم المرأة يُعرِّفه الفقهاء بأنه هو زوجها ومن تَحرم عليه على التأبيد بنسبٍ أو سببٍ مباحٍ؛ وعلى هذا: فمحارم المرأة حتى من الرضاع يجوز أن تحج معهم.
قال:
مكلفًا.
يعني: يكون هذا المحرم مكلفًا، أي: عاقلًا بالغًا، فلا يكون مجنونًا، وهذا ظاهرٌ، أما كونه بالغًا؛ فهذا محل خلافٍ.
هل يشترط في المحرم أن يكون بالغًا؟ فلو كان صبيًّا عمره أربع عشرة سنةً، هل يصح أن يكون محرمًا؟
ذهب الجمهور إلى اشتراط البلوغ؛ وعللوا لذلك بأن الكفاية إنما تحصل بمن كان بالغًا.
وذهب المالكية إلى أنه لا يشترط البلوغ، وإنما يشترط حصول الكفاية، فإذا كانت الكفاية تحصل بمن كان قريبًا من البلوغ؛ فإن ذلك يكفي في المحرمية، وهذا هو الأقرب، والله أعلم.
قال:
وتَقدِر على أجرته وعلى الزاد والراحلة لها وله.
أي: أنه يشترط في المرأة التي تريد الحج: أن تقدر على أجرة الحج لنفسها ولمحرمها، وفي وقتنا الحاضر تقدر على أجرة الحج مع حملة حجٍّ، أو مع شركة حجٍّ لشخصين: لنفسها ولمحرمها.
طيب، هل يلزم الزوج أن يحج مع امرأته؟ الجواب: لا يلزمه ذلك؛ لأننا لو ألزمناه بذلك؛ لأوجبنا عليه الحج في العمر أكثر من مرةٍ، والله تعالى إنما أوجب الحج في العمر مرةً واحدةً، لكنه يستحب له ذلك، ويدخل هذا في حسن المعاشرة، وفي الوفاء، وفي كريم الأخلاق، لكنه غير واجبٍ عليه.
طيب، هل يجب على أبي المرأة أو أخيها أن يحج بها؟
الجواب: لا يجب ذلك؛ لأننا لو أوجبنا ذلك؛ لأوجبنا على كل منهما الحج في العمر أكثر من مرةٍ، وهذا خلاف الإجماع، لكن هذا من الإحسان إليها، أن يحج مع هذه المرأة أبوها أو أخوها.
حكم سفر المرأة للحج بصحبة رفقةٍ مأمونةٍ
إذا لم تجد المرأة محرمًا لم يجب عليها الحج، لكن إذا لم تجد المرأة محرمًا، ووجدت رفقةً مأمونةً، فهل يجب عليها أن تحج مع هذه الرفقة؟
في هذه المسألة قولان لأهل العلم:
طبعًا هذه المسألة المقصود: هل يجب على المرأة الحج مع الرفقة المأمونة، وستأتي مسألةٌ أخرى، انتبه، وهي: إذا حجت المرأة مع رفقةٍ مأمونةٍ بدون محرمٍ هل تأثم أم لا؟ فهما مسألتان.
نبدأ بالمسألة الأولى: هذه امرأةٌ لم تجد محرمًا، لكنها وجدت رفقةً مأمونةً، فهل يجب عليها الحج أو لا يجب؟ هل نقول: إنها معذورةٌ؛ لكونها لم تجد محرمًا وغير مستطيعةٍ؟ أو نقول: لا، ما دام أنها قادرةٌ ماليًّا ووجدت رفقةً مأمونةً، وجدت مثلًا شركة حجٍّ أو حملة حجٍّ مأمونةً، فيجب عليها أن تحج.
في هذه المسألة قولان لأهل العلم:
- القول الأول: أن المرأة إذا لم تجد محرمًا؛ لم يجب عليها الحج ولو وجدت رفقةً مأمونةً، وهذا هو مذهب الحنفية والحنابلة، واستدلوا لذلك بعموم الأدلة الدالة على عدم جواز سفر المرأة بغير محرمٍ؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: لا تسافرن امرأةٌ إلا ومعها محرمٌ فقال رجلٌ: يا رسول الله، إني قد اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: اذهب فحُجَّ مع امرأتك [23].
- القول الثاني: أن المرأة إذا وجدت الرفقة المأمونة؛ يجب عليها الحج ولو لم يكن معها محرمٌ، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية.
واستدلوا لذلك بما جاء في “صحيح البخاري” أن زوجات النبي عليه الصلاة والسلام حججن بعد موته بدون محرمٍ، وكان القائم عليهن عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف في خلافة عمر [24]، واستدلوا أيضًا بحديث عدي بن حاتمٍ أن النبي قال له: إن طالت بك حياةٌ؛ لتَرَيَنَّ الظَّعِينة ترتحل من الحِيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله [25].
فقوله: الظَّعِينة، يقصد المرأة، يعني: تسير من الحِيرة بالعراق إلى مكة، وهي مسافة سفرٍ بدون محرمٍ.
والأقرب -والله أعلم- هو القول الأول، وهو أن المرأة إذا لم تجد محرمًا؛ لم يجب عليها الحج حتى لو وجدت الرفقة المأمونة؛ لقوة أدلته؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام أمر ذلك الرجل أن يترك الجهاد الذي قد أصبح في حقه فرض عينٍ؛ لكونه قد اكتتب، ومع ذلك أَمَرَه أن يتركه؛ لكي يكون محرمًا لزوجته، فلو لم يكن وجود المحرم واجبًا؛ لما أمره بترك الجهاد الواجب عليه.
أما حج نساء النبي عليه الصلاة والسلام: فهذا غاية ما يدل على الجواز، لكنه لا يدل على وجوب الحج عند وجود الرفقة المأمونة.
أما حديث عدي بن حاتمٍ : إن طالت بك حياةٌ؛ لترينَّ الظعينة..، فهذا إخبارٌ عما سيقع، وهذه الإخبارات لا يلزم منها الجواز؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر عن أمورٍ كثيرةٍ ستقع، بعضها محرمٌ، وبعضها جائزٌ؛ فمثلًا قال: ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِرَ -يعني الزنا- والحرير والخمر والمعازف [26]، فأخبر عن أمورٍ محرمةٍ، فالإخبار لا يقتضي الجواز، ولا يقتضي التحريم، وإنما يؤخذ الجواز والتحريم من أدلةٍ أخرى.
حكم حج المرأة بدون محرمٍ
قوله:
فإن حجت بلا محرمٍ؛ حَرُم وأجزأها.
هذه هي المسألة الثانية: إذا حجت المرأة بدون محرمٍ؛ أجزأها الحج بالإجماع، لكن هل تأثم المرأة؟ إذا حجت مع رفقةٍ مأمونةٍ بدون محرمٍ؛ فهذه أيضًا فيها قولان للعلماء:
- القول الأول: أنها تأثم، وهو قول الحنفية والحنابلة.
- والقول الثاني: أنها لا تأثم، وهو قول المالكية والشافعية.
والقول الراجح والله أعلم: أن المرأة إذا وجدت رفقةً مأمونةً؛ جاز لها أن تحج معها ولو بدون محرمٍ، وهذا هو الذي فعله زوجات النبي عليه الصلاة والسلام بعد وفاته، حججن بدون محرمٍ، وكان ذلك بمحضرٍ من الصحابة ، فكان كالإجماع، وهذا اختيار جمعٍ من المحققين من أهل العلم؛ كابن تيمية رحمه الله تعالى؛ ولأن المقصود من المحرم هو حفظ وصيانة المرأة، وهذا يتحقق مع الرفقة المأمونة؛ وعلى هذا فالقول الراجح: أن من لم تجد محرمًا؛ لا يجب عليها الحج، لكن لو وجدت رفقةً مأمونةً؛ جاز لها أن تحج مع الرفقة المأمونة ولا تأثم بذلك.
فعلى هذا: مثلًا بعض الخادمات في الوقت الحاضر لا يجدن محارم، ولو ذهبت لبلدها فاحتمالية أن يأتيها الدور في الحج احتمالٌ ضعيفٌ، فتريد أن تغتنم وجودها هنا فتحج مع الرفقة المأمونة، نقول: لا بأس بذلك على القول الراجح؛ لأنها تأتي بركنٍ من أركان الإسلام وعملٍ صالحٍ، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة، فنقول: لا بأس، تحج هذه الخادمة مع رفقةٍ مأمونةٍ في حملةٍ من حملات الحج، أيضًا بعض النساء قد لا يتيسر لها المحرم؛ ولهذا عائشة استدركت على ابن عمر ، قالت: “يرحم الله أبا عبدالرحمن! وهل كل امرأةٍ تجد محرمًا؟”، بعض النساء قد لا يتيسر لها المحرم، إما أنه ليس لها محرمٌ، أو عندها محرمٌ لكنه يرفض أن يحج معها، فإذا وجدت مثلًا حملة حجٍّ أو شركة حجٍ مأمونةً؛ فلا بأس أن تحج معهم على القول الراجح.
باب الإحرام
قال المصنف رحمه الله تعالى:
باب الإحرام
الإحرام: هو نية الدخول في النسك، انتبه لهذا التعريف؛ لأن بعض العامة يفهم من معنى الإحرام أنه مجرد لبس ملابس الإحرام، وهذا غير صحيحٍ، فالإحرام لا يتعلق باللباس، وإنما يتعلق بالنية.
فمثلًا: إذا أردت أن تأتي بعمرةٍ عن طريق الطائرة؛ تغتسل وأنت في بيتك، وتلبس ملابس الإحرام، ولا تعتبر محرمًا؛ لأن الإحرام هو نية الدخول في النسك، ما دمت لم تنوِ الدخول في النسك؛ لست بمُحرِمٍ حتى ولو لبست ملابس الإحرام، فتلبس ملابس الإحرام وأنت في بيتك ولا تعتبر مُحرِمًا، وتذهب للمطار وتركب الطائرة ولا تعتبر محرمًا، متى تعتبر محرمًا؟ تعتبر محرمًا متى ما نويت الدخول في النسك، يعني: عندما تحاذي الميقات وتقول: اللهم لبيك عمرةً، هنا تعتبر مُحرمًا، فإذا نويت الدخول في النسك: اللهم لبيك عمرةً، أو اللهم لبيك حجًّا، هنا تعتبر مُحرمًا، أما قبل ذلك فلا تعتبر محرمًا، حتى لو لبست ملابس الإحرام؛ لأن حقيقة الإحرام: هي نية الدخول في النسك.
قال:
حكم الإحرام
وهو واجبٌ.
يعني: الإحرام واجبٌ، وهو من أركان الحج والعمرة كما سيأتي.
مواقيت الحج
من الميقات.
يعني: يجب أن يكون الإحرام من الميقات.
وصاحب “دليل الطالب” لم يذكر المواقيت، مع أن عامة فقهاء الحنابلة يذكرونها، فلا أدري هل نسي ذلك أو أنه أراد الاختصار؟ ولكن استدركنا ذكرها في “السلسبيل”.
- الميقات الأول: “ذو الحليفة”، وهو ميقات أهل المدينة، وهو أبعد المواقيت، يبعد عن مكة عشر مراحل، يعني (400 كيلو)، وهو قريبٌ من المدينة، هو الآن دخل في عُمران المدينة، والنبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع هو وأصحابه أحرموا منه، وبقوا عشرة أيامٍ في الطريق من المدينة إلى مكة، عشرة أيامٍ، وهذه المسافة الآن نقطعها في أربع ساعاتٍ أو أقل؛ فينبغي أن نحمد الله على هذه النعم العظيمة التي أنعم الله تعالى بها علينا.
لاحِظ: النبي عليه الصلاة والسلام بقي عشرة أيامٍ لكي يقطع المسافة من المدينة إلى مكة، ونحن الآن نقطعها بالسيارة في أربع ساعاتٍ أو أقل، فهذا من نعم الله تعالى علينا.
- الميقات الثاني: ميقات أهل الشام ومصر والمغرب: “الجُحْفة”، وكان الفقهاء في السابق يقولون: ميقات أهل الشام ومصر والمغرب؛ أما الشام فواضحٌ أنها مما تلي الجحفة، لكن مصر والمغرب كان الفقهاء السابقون يقولون ذلك؛ لأن الناس كانوا يأتون من مصر والمغرب عن طريق البر، ولم تكن قناة السويس موجودةً في ذلك الوقت، فكان أهل مصر والمغرب يحرمون من الجحفة.
الجحفة: قريةٌ خربةٌ، قد دعا النبي عليه الصلاة والسلام بنقل وباء المدينة إليها، وكان بها يهودٌ فانتقل الوباء من المدينة إلى الجحفة، فهجرها الناس فخربت، فأصبحت قريةً خربةً، وأصبح الناس يحرمون من رابغ، وهي محاذيةٌ لها في الوقت الحاضر، الآن وُضع مسجدٌ ودورات مياهٍ في الجحفة نفسها، فأصبح كثيرٌ من الناس يحرمون الآن من الجحفة، ويحرمون أيضًا من رابغ.
- الميقات الثالث: “يَلَمْلَم”، وهو ميقات أهل اليمن، وهو وادٍ متسعٌ كبيرٌ، وهو ميقاتٌ لمن أتى من الجنوب، سواءٌ كان من اليمن، أو أتى من منطقة عَسِيرٍ والمنطقة الجنوبية عمومًا.
- الميقات الرابع: ميقات أهل نجدٍ، وهو “قَرْن المنازل”، ويسمى: “السيل الكبير”، وهو وادٍ متسعٌ كبيرٌ، وفي أعلاه “وادي مَحْرَمٍ”، ووادي محرمٍ وُضع فيه مكانٌ يُحرِم منه الناس، وهو الذي في منطقة (الهَدَا) في الطائف.
وادي محرمٍ ليس ميقاتًا مستقلًّا، وإنما هو أعلى السيل، أعلى السيل هو وادي مَحرَمٍ، فهذه تعتبر ميقاتًا واحدًا، يعني سواءٌ أحرمت من السيل، أو أحرمت من وادي محرمٍ، أنت أحرمت من ميقاتٍ واحدٍ، وهو ميقات أهل نجدٍ، الذي هو قرن المنازل، فأنت بالخيار؛ إن شئت أحرمت من السيل، وإن شئت أحرمت من وادي محرمٍ الذي هو في (الهَدَا) في الطائف.
هذه المواقيت الأربعة قد جاءت منصوصًا عليها في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي وقت لأهل المدينة ذا الحُلَيفة، ولأهل الشام الجُحْفة، ولأهل نجدٍ قرن المنازل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم، هُنَّ لهنَّ ولِمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك؛ فمِن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة [27].
- الميقات الخامس: ميقات أهل العراق: “ذات عِرْقٍ”.
وهذا اختلف فيه العلماء: هل وقته النبي ، أو أن الذي وقته عمر بن الخطاب ؟
فالذي جاء في “صحيح البخاري”: أن أهل العراق أتوا إلى عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله حد لأهل نجدٍ قرنًا، وهو جَورٌ عن طريقنا، فقال عمر: “انظروا حَذْوَها من طريقكم”، فحد لهم ذات عِرْقٍ [28]، لكن جاء عن عائشة رضي الله عنها -كما عند أبي داود والنسائي بسندٍ جيدٍ- أن النبي وقَّت لأهل العراق ذات عرقٍ [29].
والأقرب -والله أعلم- في الجمع بينهما أن يقال: إن عمر لم يبلغه توقيت النبي فاجتهد، فوافق اجتهاده توقيت النبي ، وهذا ليس بغريبٍ على عمر، المحدَّث الملهم، فإنه قد وافق الوحي في عدة مسائل.
“ذات عرقٍ” كان شِعبًا مهجورًا لا يأتيه أحدٌ؛ لأنه لم يكن له طريقٌ معبَّدٌ للسيارات، فكان لا يأتيه أحدٌ يحرم منه، لكن في السنوات الأخيرة وُضع إليه طريقٌ معبدٌ، ووُضع فيه مصلًى ومغتسَلٌ، فأصبح بعض الناس يحرمون منه، خاصةً ممن يأتي من جهة القصيم من طريق القصيم إلى مكة يمر بذات عرقٍ.
هذه المواقيت لا يجوز تجاوزها بدون إحرامٍ لمن أراد النسك.
هنا أنبه إلى مسألةٍ مهمةٍ: وهي أن من أراد أن يحرم في الطائرة؛ فعليه أن يستحضر أن الطائرة تسير بسرعةٍ كبيرةٍ جدًّا تصل إلى (800 كيلومترٍ) أو أكثر، وأن المواقيت مساحتها ليست كبيرةً، الميقات أحيانًا يكون واديًا، أو يكون مساحةً ليست كبيرةً، فالدقيقة الواحدة في سير الطائرة مؤثرةٌ، ربما يتأخر الإنسان دقيقةً واحدةً تكون الطائرة قد تجاوزت الميقات؛ ولذلك ينبغي التنبه لهذه المسألة لمن أراد أن يحرم وهو في الطائرة، فعليه أن يتوخى الدقة في إحرامه عند محاذاة الميقات، وإذا خشي من ألا يكون دقيقًا في المحاذاة؛ فلا بأس أن يتقدم على محاذاة الميقات بقليلٍ احتياطًا؛ لأن الطائرة -كما ذكرت- تسير بسرعةٍ كبيرةٍ جدًّا، والميقات مساحته صغيرةٌ، فلو تقدم مثلًا بدقيقةٍ أو دقيقتين أو نحو ذلك احتياطًا؛ كان ذلك حسنًا.
هنا مسألةٌ تَرِد: وهي أن بعض الناس يلبس ملابس الإحرام وينوي الإهلال بالنسك عند محاذاة الميقات، لكنه ينام في الطائرة ولا يستيقظ إلا عند هبوط الطائرة في مطار جدة، فإن أحرم من جدة؛ يكون قد تجاوز الميقات بدون إحرامٍ، فيكون عليه دمٌ، لكن إن أراد أن يصحح أمره؛ فيلزمه أن يرجع للميقات ويحرم منه، وبذلك لا يكون عليه شيءٌ، لكن إن أحرم من جدة فيلزمه الدم؛ لأنه قد تجاوز الميقات بدون إحرامٍ، وكونه قد لبس ملابس الإحرام، هذا لا يفيده شيئًا؛ لأن هذا لا يعتبر إحرامًا، الإحرام: هو نية الدخول في النسك.
ولذلك ينبغي لمن أراد النسك من عمرةٍ أو حجٍّ أن يهتم بهذه العبادة، يعني كيف يركب الطائرة وينام، وهو يعرف أنه قد يغلبه النوم ولا يستيقظ إلا عند هبوط الطائرة، فينبغي أن يرفع مستوى الاهتمام بهذه العبادة، ويفعل من الأسباب ما يعينه على أن يكون مستيقظًا متأهبًا عند محاذاة الطائرة الميقات؛ حتى يحرم عند محاذاة الميقات.
ميقات مَن منزله دون المواقيت
قال:
ومَن منزلُه دون الميقات: فميقاته منزله.
“مَن منزله دون الميقات” يعني: كمن كان مثلًا من أهل مكة، أو من أهل بحرة مثلًا، أو من أهل الشرائع، أو نحو ذلك، أو مثلًا من أهل الجموم، فيحرم من بيته كذلك أيضًا من كان من أهل جدة، جدة دون الميقات، يُحرِم من بيته؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ومن كان دون ذلك؛ فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة [30]، وهذا بالنسبة للحج والعمرة.
لكن ميقات العمرة لأهل مكة: هو الحِلُّ، يعني: أهل مكة إذا أرادوا العمرة؛ فلا بد أن يخرجوا خارج حدود الحرم ويحرموا من الحل، وأقرب الحل وأدنى الحل: هو التنعيم؛ وذلك لأن العمرة تعني: الزيارة، ولا يَصدق عليه أنه زائرٌ حتى يجمع بين الحل والحرم، ويأتي من الحل ويدخل الحرم؛ فلذلك إذا أراد أن يحرم؛ لا بد أن يخرج خارج حدود الحرم، فأهل مكة إذا أرادوا العمرة؛ لا بد أن يخرجوا خارج حدود الحرم فيحرموا من الحل، ولا يَرِد هذا بالنسبة للحج بالنسبة لأهل مكة، أهل مكة بالنسبة للحج يحرمون من بيوتهم؛ لأن الحاج هو أصلًا سيجمع بين الحل والحرم، فإن عرفة من الحل فهو سيجمع بينها وبين الحرم، لكن العمرة إذا لم يخرج ويحرم من الحل؛ فلن يجمع بين الحل والحرم.
والنبي أمر عائشة رضي الله عنها -لمَّا أرادت أن تعتمر- بأن تخرج إلى التنعيم وتحرم منه.
هل مدينة جدة ميقاتٌ للإحرام؟
طيب هنا مسألةٌ: هل تعتبر جدة ميقاتًا، أو أنها دون المواقيت؟
ذكر بعض المعاصرين: أن من أحرم من جدة؛ فقد أحرم من الميقات، والواقع أنك إذا أتيت إلى جدة من أي جهةٍ من الجهات؛ فلا بد أن تحاذي أحد المواقيت، لو أتيتها من جهة الشمال، أو من جهة الجنوب، أو من جهة الشرق، أو من جهة الشمال الشرقي، أو من جهة الجنوب الغربي، أو من أي جهةٍ؛ فلا بد أن تحاذي أحد المواقيت، لا بد من محاذاة أحد المواقيت، إلا جهةً واحدةً يمكن أن تصل فيها إلى جدة من غير أن تحاذي أي ميقاتٍ، وهذه ذكرها الفقهاء السابقون، وهي جهة الغرب، من أتى من (سواكن) بالسودان إلى جدة، يمكن أن يصل إلى جدة من غير أن يحاذي أيًّا من المواقيت، وهذه الحال مستثناةٌ، يعني أهل سواكن بالسودان لهم أن يحرموا من جدة، أهل سواكن بالسودان فقط لهم أن يحرموا من جدة، لماذا؟ لأنهم يمكن أن يصلوا إلى جدة من غير أن يحاذوا أيًّا من المواقيت، أما غيرهم فلا بد أن يحاذي أحد المواقيت؛ ولذلك أتعجب من الإخوة الذين يقولون: إن جدة تحاذي بعض المواقيت، أو أنها ميقاتٌ! هذا قولٌ بعيدٌ؛ لأنك لو أتيت الآن بالطائرة من أي جهةٍ من الجهات؛ فلا بد أن تحاذي أحد المواقيت، فكيف تكون جدة ميقاتًا؟! لا بد أن تمر بأحد المواقيت قبل أن تهبط الطائرة في مطار جدة، إلا حالةٍ واحدةٍ، وهي: من أتى من سواكن بالسودان، هذا هو الذي يمكن أن يصل إلى جدة من غير أن يحاذي أيًّا من المواقيت.
وعلى ذلك: فجدة ليست ميقاتًا، وليس للحاج ولا للمعتمر أن يؤخر إحرامه حتى يصل إلى جدة، إلا أهل سواكن بالسودان فقط، وأما من عداهم فهؤلاء لا بد أن يمروا بأحد المواقيت، ولا بد أن يحاذوا بأحد المواقيت، فيلزمهم الإحرام بالنسك عند محاذاة الميقات.
لا ينعقد الإحرام مع وجود الجنون أو الإغماء أو السكر
قال:
ولا ينعقد الإحرام مع وجود الجنون أو الإغماء أو السُّكْر.
لأن الحج عبادةٌ تفتقر إلى نيةٍ؛ والنية لا تصح من هؤلاء.
إذا انعقد الحج لا يبطله شيءٌ إلا الردة
وإذا انعقد لم يبطل إلا بالردة.
يعني: إذا انعقد الحج لا يبطله شيءٌ إلا الردة؛ لقول الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، وبهذا يشير المؤلف إلى قاعدةٍ مهمةٍ: وهي أن الإحرام لا يَرتفِض برفضه، فإذا أحرمت لزمك الإتمام، وليس لك أن تتحلل من النسك إلا إن كنت قد اشترطت، بعض الناس يحرم مثلًا بالعمرة، وإذا أتى ووجد المكان مزدحمًا، وجد الحرم مزدحمًا؛ لبس ثيابه ورجع، ليس لك ذلك، الإحرام لا يَرتفِض برفضه، يلزمك أن تكمل النسك، فالإحرام لا يرتفض برفضه إلا أن يكون الحاج قد اشترط، فإذا كان قد اشترط؛ فله شرطه إذا حصل عائقٌ يعيقه عن إتمام النسك، أما إذا لم يشترط؛ فيلزمه أن يُتم النسك.
الوطء قبل التحلل الأول يفسد الحج
لكن يَفسد بالوطء في الفرج قبل التحلل الأول ولا يَبطل، بل يلزمه إتمامه والقضاء.
الوطء قبل التحلل الأول يفسد الحج، وسيأتي الكلام عن هذه المسألة بالتفصيل في درس قادمٍ بإذن الله تعالى.
قال:
ويُخيَّر من يريد الإحرام بين أن ينوي التمتع.
يعني: بين الأنساك الثلاثة، وهذه نرجئ الحديث عنها إلى الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
ونكتفي بهذا القدر.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
الآن نجيب عما تيسر من الأسئلة:
الأسئلة
السؤال: زوجٌ وَكَّل زوجته بزكاة ماله لتوصلها إلى أختها المستحقة للزكاة، وهذه الزوجة لا ينفق عليها زوجها، ومحتاجةٌ حاجةً ضروريةً للمال، هل يجوز أن تأخذ من زكاة مال زوجها بدون علمه لسد حاجتها؟ علمًا أنها لا تستطيع أن تأخذ من ماله بدون علمه ما يكفيها؟
الجواب: ليس لها ذلك، الزوجة يجب على الزوج أن ينفق عليها، ولا يجوز له أن يدفع زكاته إليها؛ لأنه إذا دفع زكاته إليها؛ فإنه سيوفر بذلك النفقة عليها، فلا يجوز للزوج أن يدفع زكاته لزوجته، ولكن يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها لزوجها إذا كان من أهل الزكاة كما مر معنا ذلك في الدرس السابق بالتفصيل.
فنقول للأخت الكريمة: ليس لكِ أن تأخذي من زكاة زوجك، وإنما تطالبينه بالنفقة، لكن إذا كنت محتاجةً واستطعت أن تحصلي على شيءٍ من مال الزوج بغير علمه؛ فيجوز لك أن تأخذي منه؛ لما جاء في “الصحيحين” أن امرأة أبي سفيان أتت النبي عليه الصلاة والسلام فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ، لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فقال لها النبي : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف [31].
فيجوز للمرأة التي يقصر عليها زوجها في النفقة أن تأخذ من ماله بغير علمه، لكن بالمعروف، يعني بقدر الكفاية بقدر ما يكفيها هي وأولادها.
السؤال: إذا شرعتُ في السفر قُبيل الظهر، وعندما خرجت من البلد مسافة (20 كيلومترٍ)؛ قصرت الظهر والعصر، ثم عرض عارضٌ وألغيت السفر، فهل يجب علي أداء صلاة العصر في المسجد عند دخول الوقت؟
الجواب: لا يجب عليك ذلك؛ لأنك قد صليت العصر وأنت ممن يجوز لك الترخص برخص السفر، فجمعت العصر مع الظهر وأنت ممن يحق له الجمع، فذمتك قد برأت، ولا يلزمك أن تصلي العصر مع الجماعة في المسجد في هذه الحال.
السؤال: هل يأتي المسافر بالرواتب إذا صلى في المسجد خلف إمامٍ مقيمٍ؟
الجواب: لا، المسافر لا يأتي بالرواتب، ما عدا سنة الفجر؛ لأن هذا هو هدي النبي ، حتى لو أتم الصلاة؛ لكونه قد ائتم بمقيمٍ؛ لأن إتمامه الصلاة لأجل المتابعة فقط.
فالسنن: السُّنة تَرْكُها، السنن الرواتب: السُّنة تَرْكُها في السفر، ما عدا سنة الفجر.
السؤال: شخصٌ من سكان المدينة يريد العمرة، سافر إلى بيت والده الذي يقع بين ميقات ذي الحليفة وميقات الجحفة، ومكث يومين دون أن يحرم، هل عليه أن يعود إلى ميقات ذي الحليفة، أو يحرم من مكانه، أو يحرم من ميقات الجحفة؟
الجواب: لا بد أن يحرم من الميقات، فإما أن يعود ويحرم من ميقات ذي الحليفة، وهذا هو الأحوط، لكن يجوز له -على القول الراجح- أن يحرم من الجحفة؛ لعموم قول النبي : هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة [32].
السؤال: لدي زميلةٌ في العمل تقول: إنها تعرف أناسًا محتاجين، فأعطيتها من الزكاة، هل يجزئ، أم أني مفرطةٌ؟
الجواب: إذا كنت تثقين في هذه الزميلة، وأنها ستعطي الزكاة من يستحقها؛ فذمتك بريئة.
السؤال: أريد إحصاء أسماء الله تعالى التسعة والتسعين الواردة في الحديث، ما أفضل مرجعٍ؟
الجواب: أفضل مرجعٍ: هو كتاب الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله “القواعد المثلى في أسماء الله الحسنى”، حيث ذكر الشيخ تسعة وتسعين اسمًا اجتهد في جمعها، والشيخ معروفٌ، إمامٌ من أئمة العصر، وضليعٌ في أبواب العقيدة، فأفضل من جمع هذه الأسماء التسعة والتسعين: هو الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
السؤال: قول: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، مئة مرةٍ، هل ورد أن الأفضل أن يؤتى بذلك في أول النهار؟
الجواب: نعم الحديث الوارد في “الصحيحين” يأتي بها مع أذكار الصباح: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، مئة مرةٍ؛ كانت له عدل عشر رقابٍ -يعني كأنه أعتق عشرة عبيدٍ- وكتبت له مئة حسنةٍ، ومحيت عنه مئة سيئةٍ، وكانت حرزًا له من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل منه، إلا رجلٌ عمل مثلما عمل أو زاد [33]؛ ولهذا ينبغي أن تجعل ذلك مع أذكار الصباح، أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، مئة مرةٍ.
السؤال: متى يبدأ وقت أذكار الصباح؟
الجواب: يبدأ وقت أذكار الصباح من طلوع الفجر، فإن شئت أتيت بها قبل صلاة الفجر، وإن شئت أتيت بها بعد صلاة الفجر، وهذا هو الأفضل؛ حتى يَصدق عليها أنها قبل طلوع الشمس، والله تعالى يقول: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39]، وقال: وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:42]، والبكرة هي أول النهار، فالأفضل أن تجعل أذكار الصباح بعد صلاة الفجر.
السؤال: هل يعتبر بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس مِن مَواطن إجابة الدعاء، أم هو خاصٌّ بالذكر؟
الجواب: هذا الوقت الأفضل أن يشغل بالذكر، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39]، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:42].
فنجد أن النصوص جاء فيها الإرشاد والتوجيه بذكر الله ، ولم ترد بالدعاء، إن دعا فلا بأس، لكن الأفضل أن يشغل هذا الوقت بالذكر؛ ومن ذلك أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، مئة مرةٍ، وأن يقول: سبحان الله وبحمده مئة مرةٍ، وأن يقرأ فيه ما تيسر من القرآن الكريم، وأن يأتي بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وجميع ما هو ذكرٌ لله ، فالأفضل أن يَشغل هذا الوقت بذكر الله سبحانه.
السؤال: هل تجوز العمرة عن حيٍّ لكنه مصاب بالزهايمر؟
الجواب: لا بأس بذلك، العمرة تجوز عن الميت وعن المعضوب، معنى المعضوب: يعني العاجز عن أن يعتمر بنفسه، فما دام أن هذا الشخص قد أصيب بهذا المرض، وعاجزٌ عن أن يعتمر بنفسه؛ فلا بأس بأن يعتمر عنه، وهكذا كل عاجزٍ عن أن يعتمر أو يحج بنفسه، يجوز أن ينيب من يحج عنه أو يعتمر عنه.
لعلنا نختم بهذا السؤال:
السؤال: ما حكم شراء الذهب بالبطاقات البنكية؟
الجواب: أما ببطاقة الصَّرَّاف الآلي؛ فلا بأس بذلك؛ لأن هذا في معنى التقابض يدًا بيدٍ، فتعطي صاحب الذهب بطاقة الصرَّاف الآلي ويخصم المبلغ المستحق وتستلم الذهب، لا بأس بذلك، أما شراء الذهب ببطاقة الـ(فيزا) والـ(ماستر كارد)، بالبطاقات الائتمانية، فهذا محل خلافٍ قويٍّ بين العلماء المعاصرين؛ فمنهم من أجاز ذلك، وقال: إنه في قوة التقابض يدًا بيدٍ، ومنهم من قال: إن فيه تأجيلًا، وهذا هو رأي “مجمع الفقه”، فالأحوط ألا يكون ذلك بالبطاقات الائتمانية، وإنما يكون ذلك ببطاقة الصراف الفوري.
ونكتفي بهذا القدر.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 233. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 1521، ومسلم: 1350. |
^3, ^12 | رواه البخاري: 1773، ومسلم: 1349. |
^4 | رواه مسلم: 121. |
^5 | رواه مسلم: 1885. |
^6 | رواه البخاري: 67، ومسلم: 1679. |
^7 | رواه البخاري: 8، ومسلم: 16. |
^8 | رواه أبو داود: 1721. |
^9 | رواه الترمذي: 2622. |
^10 | رواه ابن ماجه: 2901، وأصله في البخاري: 2875. |
^11 | رواه الترمذي: 930، والنسائي: 2637، وابن ماجه: 2906، وأحمد: 16184، وقال الترمذي: حسن صحيح. |
^13 | رواه البخاري: 1776، ومسلم: 1255. |
^14 | رواه مسلم: 1256. |
^15 | رواه مسلم: 1216. |
^16 | رواه أبو داود: 4402، والنسائي: 7307. |
^17 | رواه الطبراني في المعجم الأوسط: 2731، والبيهقي في السنن الكبرى: 8613. |
^18 | رواه مسلم: 1336. |
^19 | رواه الدارقطني: 2413، والحاكم: 1613، والبيهقي في السنن الكبرى: 8623. |
^20 | رواه البخاري: 527، ومسلم: 85. |
^21 | رواه البخاري: 1513، ومسلم: 1334. |
^22 | رواه أبو داود: 1811، وابن ماجه: 2903، وابن خزيمة: 3039. |
^23 | رواه البخاري: 1862، ومسلم: 1341. |
^24 | رواه البخاري: 1860. |
^25 | رواه البخاري: 3595. |
^26 | رواه البخاري: 5590. |
^27 | رواه البخاري: 1524، ومسلم: 1181. |
^28 | رواه البخاري: 1531. |
^29 | رواه أبو داود: 1739، والنسائي: 3619. |
^30, ^32 | سبق تخريجه. |
^31 | رواه البخاري: 5364، ومسلم: 1714. |
^33 | رواه البخاري: 3293، ومسلم: 2691. |