logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(35) فصل من لا يجوز دفع الزكاة إليهم- من قوله: “ولا يجزئ دفع الزكاة..”

(35) فصل من لا يجوز دفع الزكاة إليهم- من قوله: “ولا يجزئ دفع الزكاة..”

مشاهدة من الموقع

النبي يقول: مَن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين[1]، إذا وجدت من نفسك حرصًا على التفقه في الدين، وحرصًا على طلب العلم، ومحبة لذلك، فهذه أمارة إن شاء الله على أنه أريد بك الخير، ومفهوم هذا الحديث: أن من لم يُرَد به الخير لا يُوفَّق للفقه في الدين.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

حياكم الله تعالى في هذا الدرس العلمي، في هذا اليوم الاثنين، العشرين من شهر صفر، من عام 1443 للهجرة.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا، اللهم إنا نسألك الفقه في دينك، رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف:10].

في هذا الدرس، سننتهي من المجلد أو الجزء الثالث في أحكام الزكاة، وسنبتدئ أيضًا في أحكام الحج في الجزء الرابع، وأما أحكام الصيام فكنا قد انتهينا منها قبل رمضان، ومن فاته الشرح أو شيء منه فهو موجود على الموقع على اليوتيوب، الصيام كاملًا وزكاة الفطر أيضًا كاملة.

فإن شاء الله في هذا الدرس نستكمل كتاب الزكاة، ثم ننتقل لأول كتاب الحج.

من لا يجوز دفع الزكاة إليهم

قال المصنف صاحب “دليل الطالب” رحمه الله:

الكافر

ولا يجزئ دفع الزكاة للكافر.

انتقل المؤلف للكلام عمن لا يجزئ دفع الزكاة إليه، وابتدأ أولًا بالكافر، فلا يجزئ دفع الزكاة إليه بالإجماع، حكاه ابن المنذر وابن قدامة وغيرهما إجماعًا.

ويدل لذلك قول النبي في حديث معاذ: فإن هم أطاعوك لذلك فأَعلِمْهم أن اللهَ قد افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم[2].

فترد على فقرائهم، يعني: على فقراء المسلمين، هذا دليل على أن الزكاة لا تُدفع لكافر، لكن استثنى الفقهاء من ذلك مسألة، وهي: أن يكون الكافر من المؤلفة قلوبهم، فهذه هي الحالة الوحيدة التي يجوز دفع الزكاة فيها للكافر، وهو أن يكون من المؤلفة قلوبهم، وإذا كان يرجى إسلامه، أو كَفُّ شره عن المسلمين على ما سبق تفصيله في الدرس السابق.

هل يجوز أن يُعطى الكافر من صدقة التطوع؟

طيب، هذا واضح بالنسبة للزكاة، هل يجوز أن يعطى الكافر من صدقة التطوع؟

الجواب: نعم يجوز، وحُكي إجماع العلماء على ذلك، كما لو أصابت بعض بلاد الكفار مثلًا فيضانات أو زلازل أو براكين، أو نحو ذلك، فيجوز للمسلمين أن يقدموا لهم تبرعات ومساعدات نقدية أو عينية من غير الزكاة.

وهذا له أدلة كثيرة، منها قول الله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان:8]، والأسير وقت نزول الآية لم يكن إلا كافرًا.

ولقول الله تعالى في سورة (البقرة): لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ [البقرة:272]. وهذه الآية سبب نزولها كما قال المفسرون: نزلت في أناس أسلموا وكان لهم أقارب فقراء، فكرهوا أن يتصدقوا عليهم أو أن يستمروا في الصدقة عليهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وجاء في قصة أسماء رضي الله عنها لَمَّا قَدِمَتْ عليها أُمُّها وهي مشركة، فاستفتت النبيَّ : هل تَصِل أمَّها؟ قال: نعم صِلِي أُمَّكِ[3].

وأيضًا عمر بن الخطاب كان له أخٌ مشرك، وقد كساه حُلَّة قبل أن يُسلم، وأيضًا في قول النبي عليه الصلاة والسلام: في كل كَبِدٍ رَطْبةٍ أجرٌ[4] إلى غير ذلك من الأدلة.

فيجوز إذن دفع الزكاة، فيجوز إذن دفع صدقة التطوع إلى الكفار، وهذا بإجماع العلماء.

الرقيق

قال:

ولا للرَّقيق.

يعني: لا تُدفَع الزكاةُ للرقيق؛ لأن الرقيق وما ملك لسيده، فنفقته على سيده، فلا يُعطى مِن الزكاة.

الغني

قال:

ولا للغنيِّ بمالٍ أو كَسْبٍ.

لا يجوز دَفْع الزكاة للغني بالإجماع، وهنا المؤلف قال: الغني إما أن يكون غنيًّا بماله أي يكون عنده أموال، أو يكون غنيًّا يعني قويًّا مكتسبًا.

ويدل لذلك قصة الرجلين الجَلْدين اللذين أتيا النبي يسألانه، فقال عليه الصلاة والسلام: إن شئتما أعطيتُكما، ولا حظَّ فيها لغنيٍّ ولا لقويٍّ مكتسب. وهذا الحديث أخرجه أحمد، وقال: ما أجوده من حديث، وأخرجه أيضًا أبو داود والنسائي[5].

وأيضًا في حديث ابن عباس، يقول عليه الصلاة والسلام في قصة بَعْث معاذٍ لليمن: فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم[6].

فإذن، الغني بالإجماع لا يجوز له أخذ الزكاة، ولا يُعطى من الزكاة، لكن هنا قلنا: إن الغني إما أن يكون غنيًّا بماله، أو أن يكون قويًّا مكتسبًا.

لكن هنا لا بد في القوي القادر المكتسب أن يكون مأذونًا له في العمل؛ لأنه مثلًا قد يكون بعض الناس قويًّا مكتسبًا، لكن أنظمة البلد الذي يعيش فيه تمنعه من العمل، فلا يكون غنيًّا.

فربما تجد بعض الناس شابًّا قويًّا، يستطيع أن يكتسب ويستطيع أن يعمل، لكن أنظمة البلد تمنع من أن يعمل، اللوائح النظامية تمنع من ذلك.

يكون مثلًا ليس عنده إقامة، أو ليس مصرحًا له بالعمل، ونحو ذلك، فهنا لا يكون في هذه الحالة، لا يعتبر غنيًّا، فالغني إما أن يكون غنيًّا بماله، أو غنيًّا ببدنه بأن يكون قويًّا مكتسبًا، مع أيضًا الإذن له في العمل.

طيب، يحرم على الغني أو القوي المكتسب الذي يجد عملًا، يحرم عليهما الأخذ من الزكاة، وإذا أخذا شيئًا يجب عليهما رده، وقد قال عليه الصلاة والسلام: من أخذ أموال الناس تكثُّرًا، فإنما يأخذ جمرًا، فَلْيستَقِلَّ أو ليستكثر[7].

فلا يجوز لمن كان غنيًّا أن يأخذ من الزكاة، ومع الأسف نجد أن بعض الأغنياء يزاحمون الفقراء ويأخذون من الزكاة؛ ويتأولون، بعضهم يتأول بأن عليه ديونًا.

وجود الدَّين على الإنسان لا يُبيح له الأخذ من الزكاة، إلا إذا كان هذا الدَّين حالًّا وهو عاجزٌ عن سداده. وأما إذا كان هذا الدين مؤجلًا، وممكن أن يجدوله على دخله، فهذا لا يبيح له أن يأخذ من الزكاة.

فيعني تمر بحالاتِ أناسٍ يأتون، دخولُهم دخولُ أغنياء، يستفتون: هل يجوز لهم أن يأخذوا من الزكاة بحجة أن عليهم ديونًا؟ نقول: لا، ليس لكم ذلك، الديون تُجَدْوَل على الدَّخل ما دام أن هذا الدخلَ دَخْلُ أغنياء، فالديون التي عليكم تجدول على هذا الدخل، لكن لا تزاحموا الفقراء والمساكين وأهل الزكاة في نصيبهم.

عندنا في المملكة العربية السعودية: الضمان الاجتماعي مَورِدُه الرئيسُ زكواتُ الشركات، وهذا قد نصت عليه وثيقة الضمان، ونبهت عليه وزارة الشؤون الاجتماعية، نبهت على هذا.

والآن، وزارة الموارد البشرية والشؤون الاجتماعية، نبهت على أن المورد الرئيسي له من الزكاة.

ولذلك؛ فلا يجوز أن يأخذ من الضمان الاجتماعي إلا من كان مستحقًّا للزكاة، أما من كان غير مستحقٍّ للزكاة فلا يجوز له أن يأخذ من الضمان الاجتماعي.

وإن كان هذا الضمان يُدعَّم من الدولة، لكن يبقى أن المورد الرئيسيَّ له زكواتُ الشركات، فلا يجوز لمن كان غنيًّا أن يأخذ من الضمان الاجتماعي.

من تجب عليه نفقته

قال:

ولا لمن تلزمه نفقته.

يعني: لا يجوز أن يُعطي زكاته لمن تلزمه نفقته، كزوجته ووالديه وأولاده؛ لأنه إذا دفع الزكاة إليهم عاد النفع إلى نفسه؛ لأن هذا سوف يُغنيهم عن النفقة، فيُسقط النفقةَ عن نفسه، فيعود النفع إليه، فكأنه دفع الزكاة إلى نفسه.

ولهذا؛ قال ابن المنذر: “أجمعوا على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يُجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم، وأجمعوا على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة؛ لأن نفقتها عليه”.

فإذا احتاج الوالدان أو الأولاد أو الزوجة مالًا فيعطيهم مِن حر ماله، وليس من زكاته.

ويستثنى من ذلك: ما إذا أعطى والديه وأولاده من الزكاة لسداد دَين حالٍّ مستحق عليهم، فيجوز؛ لأن الإنسان ليس ملزمًا بسداد الدَّين عن والديه، ولا بسداد الدين عن أولاده، فما دام أنه ليس ملزمًا بذلك فيجوز أن يعطيهم من الزكاة ما يسددون به ديونهم.

ولذلك؛ لو أن رجلًا لحقته الديون، فشكاه الدائن، هل الشرطة تلاحق أباه أو أمه؟ الجواب: لا، ما لهم علاقة، يَلْحقون الشخص المدين يطلبون منه أن يسدد، وربما أنه يُحبس بسبب ذلك، لكن بالنسبة لأبيه وأمه فليس لهم علاقة بهذا الدين، وليس عليهم أي مسؤولية.

ولذلك؛ يجوز للأب والأم أن يُعطي هذا الولد، سواء كان ابنًا أو بنتًا، من الزكاة؛ لسداد دَينه، وهكذا لو كانت المسألة بالعكس: لو أن رجلًا لحقته الديون وطالبه الدائن بالديون ورفع فيه شكاية؛ فهل يُطالب ابنُه أو ابنته بسداد الدين؟

الجواب: لا، ابنه وابنته ليس لهم علاقة بديون أبيهم أو بديون أمهم، فما دام أنه لا توجد مسؤولية على الأب بالنسبة لدين ولده ولا للابن بالنسبة لدين أبيه، فيجوز أن تسدد الزكاة، يسدد الأب، يعطي الأب الزكاة لولده لكي يسدد الدَّين الذي عليه، أو يعطي الولد الزكاة لأبيه لكي يسدد الدين الذي عليه.

حكم إعطاء الزوجة زكاتها لزوجها الفقير

قال:

ولا للزوج.

يعني: لا يجوز للمرأة أن تدفع الزكاة لزوجها إذا كان من أهل الزكاة، لأنها تنتفع بذلك؛ لأن الزوج سوف يعطيها من الزكاة لنفقتها، فكأنما دفعت الزكاة لنفسها. هذا هو القول الأول في المسألة.

والقول الثاني: أنه يجوز للزوجة أن تدفع الزكاة لزوجها إذا كان من أهل الزكاة. وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد، وقال المَرْداويُّ في “الإنصاف”: إنها هي المذهب. فيكون المؤلف قد خالف المذهب في هذه المسألة.

واستدل أصحاب هذا القول بما جاء في الصحيحين: أن زينب امرأة ابن مسعود قالت: كنتُ في المسجد، فرأيتُ النبي فقال: تصدَّقْنَ ولو مِن حُلِيِّكُنَّ[8].

وكانت زينب تُنفق على عبدالله بن مسعود وأيتامٍ في حَجْرها، فقالت لعبدالله: سَلْ رسول الله : أيجزئ عني أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة؟ فابن مسعود استحى من النبي عليه الصلاة والسلام أن يسأله، قال: بل سليه أنتِ. فانطلقت، فوجدتِ امرأةً من الأنصار على الباب تريد أن تسأل نفس السؤال، فمر بلال، فقلن: سل النبي عليه الصلاة والسلام: أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ ولا تُخبِر بنا. فدخل فسأل، فقال: مَن هما قال: زينب. قال: أيُّ الزيانب؟ قال: امرأة عبدالله. قال: نعم، لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة. متفق عليه[9].

فهنا، النبي عليه الصلاة والسلام أجاز لها أن تدفع الصدقة للأيتام، أيتام أولادها، وأيضًا أولادها من زوج آخر، وأيضًا لزوجها ابن مسعود.

ولهذا؛ بوَّب البخاري على هذ الحديث فقال: “باب: الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر”، وجاء في روايةٍ للبخاري عن أبي سعيد قال: قالت يا نبي الله، إنك أمرتَ بالصدقة، وكان عندي حُلِيٌّ، فأردتُ أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحقُّ مَن تصدقت به عليهم. فقال: صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم[10].

اعترض بعضهم على هذا الاستدلال، فقال: إن هذه القصة تدور على صدقة التطوع، ولم يَرِد فيها ذِكرٌ للزكاة.

وأجاب عن ذلك بعضهم كالحافظ ابن حجر، فقال: ترك الاستفصال يُنزَّل منزلة العموم في المقال، فلما ذُكرت الصدقة ولم يستفصلها عن تطوعٍ ولا واجب كأنه قال: تجزئ، فرضًا كانت أم تطوعًا.

وهذا القول هو القول الراجح: أنه يجوز للمرأة أن تدفع الزكاة لزوجها إذا كان من أهل الزكاة؛ لقصة امرأة ابن مسعود؛ ولأنه ليس هناك مانع يمنع، يعني ما المانع من أن تدفع الزوجةُ الزكاةَ لزوجها الفقير؟ ليس هناك مانع يمنع من هذا.

وأما ما ذكره أصحاب القول الأول بأنه مما تَنتفع فهذا غير صحيح؛ فالمرأة أصلًا غير مطالبة بالنفقة على زوجها، بل هو المطالب بالنفقة عليها، فهي تعطي هذا الزوج لفقره، فليس هناك مانع يمنع.

وامرأة ابن مسعود، وامرأة أيضًا من الأنصار، أتيتا إلى النبي عليه الصلاة والسلام تسألانه عن هذه المسألة، فلو كان لا يجوز للمرأة أن تدفع الزكاة لزوجها لَبيَّن هذا النبيُّ عليه الصلاة والسلام؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، بل كان كلامه عامًّا، قال: صدَق ابن مسعود؛ زوجك وولدك أحق من تصدَّقتِ به عليهم. وقال: نعم، لك أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة.

فلو كان لا يجوز للمرأة أن تدفع الزكاة لزوجها لَبيَّن هذا النبيُّ ، خاصة أنه قد ورد في مَعرِض الاستفتاء والسؤال والاستشكال مِن أكثرِ مِن امرأة: امرأة ابن مسعود، ومن امرأة أخرى من الأنصار.

وأما دفع الزكاة من الزوج لزوجته، فكما قلنا: بالإجماع أنه لا يجوز، كأنه دفعها لنفسه؛ لأنه هو أصلًا مطالب بالنفقة على زوجته.

حكم دفع الزكاة لبني هاشم

قال:

ولا لبني هاشم.

مَن هم بنو هاشم؟

هاشم هو الأب الثالث للنبي ؛ النبي عليه الصلاة والسلام اسمه: محمد بن عبدالله. هذا الأب الأول. ابن عبدالمطلب، الأب الثاني. ابن هاشم، الأب الثالث.

طيب، بنو هاشم، لا يجوز دفع الزكاة إليهم لقرابتهم للنبي ، وذُكر هذا إجماعًا، حكاه الموفق وغيره.

وعبد مناف له أربعة أبناء: هاشم، والمطلب، ونوفل، وعبد شمس.

بعض العلماء ألحق بني المطلب ببني هاشم، وأخذ هذا من قول النبي عليه الصلاة والسلام: إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد[11].

ولكن هذا محلُّ نظر؛ إذ إن بني المطلب وبني هاشم شيء واحد في النصرة فقط؛ ولهذا أعطاهم النبي عليه الصلاة والسلام من الخُمس، فبَنُو المطلب لما حاصرت قريش بني هاشم انضموا إلى بني هاشم، فقال عليه الصلاة والسلام: إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد.

فهذا في الخمس فقط؛ لأن الخمس مبنيٌّ على النصرة والمؤازرة، وأما بالنسبة للزكاة فهذا الحكم خاص ببني هاشم؛ لأنهم هم القرابة الأدنَوْنَ للنبي عليه الصلاة والسلام.

ولا يشمل ذلك بني المطلب؛ لأنهم ليسوا من آل النبي ؛ فعلى هذا يكونون قرابةَ النبي عليه الصلاة والسلام وآلَ البيت الذين لا يجوز لهم أَخْذ الزكاة.

هم بنو هاشم فقط، ولا يشمل ذلك بني المطلب، ولا بني عبد مناف، ولا بني عبد شمس.

طيب، آل البيت الذين هم بنو هاشم، قلنا: لا يجوز لهم أن يأخذوا من الزكاة، لكن لو كانوا فقراء أو مساكين، ولم يُعطَوا من الخُمُس، فهل يجوز لهم أن يأخذوا من الزكاة؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

  • القول الأول: أنه لا يجوز؛ لعموم الأدلة، والنبي قال: إنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس[12].
  • القول الثاني: أن آل البيت وهم بنو هاشم إذا كانوا فقراء ومساكين ولم يُعطَوا من الخمس ما يكفيهم، فيجوز لهم أن يأخذوا من الزكاة دفعًا لضرورتهم. وهذا هو القول الراجح، وقد اختاره الإمام ابن تيمية وجمع من المحققين من أهل العلم.

وإلا، لو قلنا: بأنهم لا يأخذون من الزكاة إذا كانوا فقراء أو مساكين، يعني كأننا قد عاقبناهم لقرابتهم من النبي عليه الصلاة والسلام؛ فإذا كان فقيرٌ أو مسكين فلا بد مِن سَدِّ حاجته، يفترض أنهم تُسد حاجتهم من الخمس.

طيب، إذا كان الخمس الآن غير موجود، فهنا يُعطَى من الزكاة. هذا هو القول الراجح؛ لأنهم لم يعطوا من الزكاة إكرامًا لهم؛ لأنهم آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام.

طيب، لا بد مِن سدِّ حاجتهم، في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كانت تسد حاجتهم من الخمس.

طيب، الخمس الآن غير موجود، فالقول الراجح: أنهم إذا كانوا فقراء أو مساكين يجوز إعطاؤهم من الزكاة.

وأما صدقة التطوع فتُدفع لآل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، لآل بني هاشم بالإجماع؛ لأنها ليست من أوساخ الناس، وإنما الممنوع عليهم الزكاة فقط، فالأحاديث الواردة إنما هي في الزكاة، لأن هذه الصدقات -يعني الزكوات- إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد[13]، وقد نُقل الإجماع على ذلك.

حكم من دفع الزكاة لغير مستحقيها

قال:

فإن دفعها لغير مستحقها وهو يجهل، ثم علم، لم يجزئه، ويستردها منه بنمائها.

إذا كان دَفَع الزكاة؛ يقول المؤلف: سواء كان عالمًا أو غير عالم، فهنا لا تجزئه، حتى لو دفعها وهو يجهل ثم علم فلا تجزئه ويستردها ممن دفعها منه بنمائها.

كما لو أعطى رجلًا يظنه غارمًا، يعني مدينًا، فتبين أنه ليس بغارم، قالوا: لأن العبرة بما في نفس الأمر، والزكاة لم تصل إلى مستحقيها.

واستثنى المؤلف، فقال:

وإن دفعها لمن يظنه فقيرًا فبان غنيًّا؛ أجزأ.

واستثنى هذه المسألة، وعللوا لذلك قالوا: لأن الفقر أمر خفي، وقد يدَّعي الفقر مَن ليس بفقير؛ ويدل لذلك حديث سنعود إليه.

لكن القول الثاني: أنه إذا دفع الإنسان الزكاة لمن يظنه أنه من أهل الزكاة، فتبين أنه ليس من أهلها، فإن ذلك يجزئ، سواء أكان فقيرًا أم غارمًا أم من أي صنف من أصناف الزكاة.

وهذا هو القول الراجح؛ لأنه قد اتقى الله تعالى ما استطاع، والله يقول: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

ولأن العبرة في العبادات -وهذه قاعدة- بما غلب على ظن المكلف، وليس بواقع الأمر، بخلاف المعاملات، فإن العبرة فيها بواقع الأمر، لكن العبادات العبرة فيها بما غلب على ظن المكلف. ولأنه يجوز دفع الزكاة لمَن قَبِلها ولم يظهر عليه غِنًى.

فالقول الراجح إذن: أنه إذا دفع الزكاة إلى من يظنه من أهلها فبان أنه ليس من أهلها، فإنه يجزئ ذلك.

ولهذا؛ فالمؤلف لمَّا ذكر أنه لا يُجزئ، اضطُر لاستثناء ما إذا دفع الزكاة لمن يظنه فقيرًا فبان غنيًّا، قال: هذه المسألة مستثناة، وهذا مما يُضعِّف هذا القول.

القول الراجح إذن: أنه إذا دفع الزكاة لمن يظنه من أهل الزكاة، ثم تبين أنه ليس من أهلها، فإن ذلك يجزئ.

ومما يدل لذلك حديث أبي هريرة في الصحيحين: أن النبي قال: قال رجل: لأتصدقن بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق على سارق. قال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدق الليلة على زانية. قال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدق على غني. قال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني. فأُتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعفَّ عن سرقته يعني قيل له: إن صدقته قد قُبلت وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله[14].

ولأنه لا فرق بين أن يُعطي الزكاة لفقير ظنه غنيًّا، أو لإنسان ظنه مثلًا مدينًا، فتبين أن الواقع بغير ذلك.

ولهذا؛ جاء في صحيح البخاري عن مَعْن بن يزيد، قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئتُ فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياكَ أردتُ. فخاصمتُه إلى رسول الله ، فقال: لك ما نويتَ يا يزيد، ولك ما أخذتَ يا معن[15]، وقد بوب البخاري عليه بقوله: “باب: إذا تصدَّق على ابنه وهو لا يشعر”.

فالحمد لله، الأمور مبناها على اليسر، العبرة في العبادات مما غلب على ظن المكلف، فمَن اجتهد في دفع زكاته ودفعها لمن يظنه أنه من أهلها، ثم تبين أنه قد أخطأ، وأنه دفعها لغير أهلها، فيُجزئ ذلك، وتبرأ ذمته على القول الراجح.

حكم إعطاء السائل الزكاة من غير بينة

طيب، هنا مسألة: إذا سأل الزكاةَ إنسانٌ، فهل يجب على الدافع أن يتحقق منه بالبينة، أو يعطيه من غير بينة؟

الجواب: أنه يعطيه من غير بينة إذا لم يظهر عليه غنى، فإنسان طلب الزكاة وقال: إني مستحق للزكاة، ولم يظهر عليه غنى، يجوز أن يُعطَى من الزكاة، ولا يجب مطالبته بالبينة؛ لأن النبي لما سأله رجلان جَلْدان، صَعَّد فيهما النظر، ثم قال: إن شئتما أعطيتكما، ولا حظَّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب[16].

وقوله: إن شئتما أعطيتكما يدل على أنه يجوز أن يُعطَى مِن الزكاة مَن سألها إذا لم يظهر عليه غنى، وقد قرَّر ذلك أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى، وعلل هذا فقال: لأن مطالبة الفقير بالبينة يُفضي إلى حرمان كثير من الفقراء من الزكاة؛ لأن كثيرًا من الفقراء يعجز عن إقامة البينة على فقره.

بينما إعطاء من سأل الزكاة، إعطاؤه إياها من غير بينة هذا أيضًا قد يترتب عليه مفسدة، وهي أن الزكاة يأخذها غير مستحقيها، لكن مفسدة حرمان الفقير المستحق أشد من مفسدة إعطاء الزكاة من لا يستحقها.

فعندنا أمران: إما أن نشدد في المسألة ونقول: لا تعطي الزكاة إلا من أتى ببينة تثبت فقره، وإما أن نقول: لا أعطي الزكاة من سألها إذا لم يظهر عليه غنى، ولا يحتاج إن تطالبه بالبينة.

إذا شددنا وقلنا: لا نعطي الزكاة إلا من أتى ببينة؛ يترتب عليه مفسدة، وهي حرمان كثير من الفقراء من الزكاة لعجزهم عن إقامة البينة.

لكن، إذا لم يشترط هذا الشرط نقول: نعطي الزكاة من سألها إذا لم يظهر عليه غنى، فهذا ربما يترتب عليه مفسدة أنه قد يأخذ الزكاة من لا يستحقها، لكن هذه المفسدة أقل من مفسدة حرمان الفقير المستحق.

فلذلك؛ الزكاة تُعطى لكل من سألها إذا لم يظهر عليه غنى.

وهذه مسألة تريح الإنسان كثيرًا؛ لأن الإنسان أحيانًا قد يُشكل عليه وضع هذا الذي يريد أن يعطيه من الزكاة: هذا الذي يريد أن يعطيه من الزكاة، يُظهر أنه فقير لكنه قد لا يكون صادقًا، فهو لا يعرفه جيدًا، يظهر عليه الفقر وقد طلب الزكاة.

فإذا قلنا، قررنا هذا المعنى، قلنا: يجوز أن تُعطى الزكاة لمن لم يظهر عليه غنى، فنقول: الأمر في هذا واسع.

لكن، ينبغي إذا كان هذا الذي تعطيه من الزكاة تشك في استحقاقه للزكاة، ينبغي لك أن تعظه بما وعظ به النبي الرجلين الجلدين، بأن تقول له: هذه زكاة، ولا حظَّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب.

فإذا وعظته بذلك وأخذها ففي ذمته، وهو الذي يتحمل المسؤولية أمام الله ، لكن ينبغي موعظته عند الشك في استحقاقه. وأما عند عدم الشك فلا يحتاج.

لكن، إنسان قوي مكتسب وقادر على العمل، وطلب منك الزكاة بحجة أنه لم يجد عملًا، فتعطيه من الزكاة، وتقول: هذه زكاة، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب.

قول المؤلف:

ويستردها منه بنمائها.

هذا بناء على القول المرجوح أنها لا تُجزئ، وقلنا: إن القول الراجح أنها تجزئ.

دفع الزكاة للأقارب الذين لا تلزمه نفقتهم

ثم قال المصنف رحمه الله:

وسُن أن يفرق الزكاة على أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم، وعلى قدر حاجتهم، وعلى ذوي أرحامه، كعمته وبنت أخيه.

السنة والأفضل أن يُعطي الزكاة لأقاربه المستحقين؛ لأنه إذا أعطاها لأقاربه المستحقين فقد جمع بين الزكاة وصلة الرحم؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: الصدقة على المسكين صدقة، والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة[17].

وأبو طلحة كان أحب أمواله إليه بَيْرحاء، فلما نزل قول الله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، قال: يا رسول الله، إن الله يقول: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وإن أحبَّ أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو بِرَّها وذُخرها عند الله، فضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال عليه الصلاة والسلام: بَخٍ بَخٍ، ذاك مالٌ رابح، قد سمعتُ ما قلتَ، وإني لأرى أن تجعلها في الأقربين. فجعلها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه[18].

هنا مسألة: ابن تيمية رحمه الله نبَّه إلى مسألة، وهي: أن دفع الزكاة إلى أقاربه أفضل إذا كانت حاجة القريب مثل حاجة الأجنبي يعني: البعيد، أما إذا كانت حاجة الأجنبي أشد فيُعطى الأجنبي ولا يُحابَى بها القريب.

فإذن، الصدقة أو الزكاة دَفْعها للقريب أفضل إذا كانت حاجة القريب مثل حاجة البعيد، فالقريب أولى، الأقربون أولى بالمعروف، لكن إذا كانت حاجة البعيد أشد من حاجة القريب، فيعطى البعيد، الأفضل أن يعطى البعيد ولا يحابى بها القريب.

وقول المؤلف: (على أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم) يفهم منه أن أقاربه الذين تلزمه نفقتهم لا يجوز دفع الزكاة إليهم، كعَمُودَيِ النسب: أولاده، ووالديه؛ لأنه مطالب بأن ينفق عليهم من حر ماله، وتكلمنا عن هذه، وقلنا: إن هذا بالإجماع.

طيب، دَفْع الزكاة للأقارب من غير عمودي النسب كالإخوة والأخوات، فإذا لم يكن بينهم توارث جاز دفع الزكاة إليهم، إذا كانوا من أهل الزكاة، أما إذا كان بينهم توارث فلا يجوز.

فمثلًا؛ لو كان أبوك موجودًا، وأخوك فقير، فيجوز أن تعطي أخاك الزكاة، بل إن هذا هو الأفضل؛ لأنها تكون زكاة وصلة رحم، وأنت لا ترث أخاك لو مات لوجود الأب.

لكن، لو كان أخوك هو الموجود، وأبوك غير موجود، وليس لأخيك أبناء، فمعنى ذلك أنه لو مات أخوك سترثه، لو مات أخوك ورثته؛ فيجب عليك أن تُنفق عليه من حر مالك، لا أن تعطيه من الزكاة.

فإذن، قاعدة في هذا: أن هذا القريب إذا كان لو مات ورثته، فيجب عليك أن تنفق عليه من حر مالك عند حاجته ولا تعطيه من الزكاة، إنما تعطيه من الزكاة إذا كنت لا ترثه لو مات.

فإذا كنت لا ترثه لو مات فتعطيه من الزكاة، وأما إذا كنت ترثه لو مات فأنت ملزم بنفقته؛ لقول الله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233].

فالوارث ملزم بنفقة من يرثه إذا كان محتاجًا، فهذا هو أصح الأقوال في هذه المسألة.

ولهذا، هنا في “السلسبيل” ذكرنا قاعدة: أنه إذا كان أحد القَرِيبِين يرث الآخر، فلا يجوز دفع الزكاة إليه، وأما إذا كان لا يرثه فيجوز دفع الزكاة إليه إذا كان من أهل الزكاة.

دفع الزكاة لمن تكفَّل بنفقته تبرعًا

وتُجزئ إن دَفَعها لمن تبرَّع بنفقته بضَمِّه إلى عياله.

يعني: لو تبرَّع إنسانٌ بنفقة أيتام، وضمَّ هؤلاء الأيتام إلى عياله في البيت، عنده أيتام في البيت، فيجوز أن يعطيهم من الزكاة لأجل فقرهم؛ ولقصة امرأة ابن مسعود؛ لأن امرأة ابن مسعود ضمت أيتامًا في حجرها، فالنبي عليه الصلاة والسلام لما سألَتْه: أعطيهم؟ قال: نعم، لها أجران: أجر الصدقة، وأجر القرابة[19]. وبوَّب على هذا البخاري بقوله: “باب: الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر”.

طيب، هنا ختمنا هذا الفصل في “السلسبيل” بفائدة، وهي: أن توزيع الزكاة فيه أجر عظيم، وأن الذي يوزع الزكاة، هذه المسألة يستفيد منها أكثر من يستفيد: الإخوة القائمون على الجمعيات الخيرية، فهذه بشرى لهم، ولكل من يتولى الأعمال الخيرية.

فأقول: الذي يوزع الزكاة يكون له من الأجر مثل أجر من يدفع الزكاة تمامًا، وليس هذا فقط في الزكاة، بل في جميع الصدقات والكفارات والتبرعات، يكون له مثل أجورهم.

ويدل لذلك قول النبي : الخازن الأمين الذي يؤدي ما أُمِر به طيبةً نفسُه، أحَدُ المتصدِّقِين. رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ: أحد المتصدِّقَيْن[20].

فلو أن أحدًا أعطاك مثلًا عشرين ألفًا، وقال: هذه زكاة، وزِّعها على الفقراء. كأنك تصدقتَ أو دفعت عشرين ألفًا للفقراء، يكون لك مثل أجر المزكي أو المتصدق، هذا فضل عظيم.

لكن، هنا النبي عليه الصلاة والسلام اشترط شرطًا ليكون له مثل أجر الدافع، ما هو هذا الشرط؟ طيِّبةً نفسُه يدفعها بطيبة نفس بدون مِنَّة، بدون أذًى.

فلذلك؛ ينبغي لمن يَلِيَ العملَ الخيري أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة، وأن يتحمل ما قد يجده من أذيةٍ من بعض الفقراء وتذمُّرهم أو تسخُّطهم ونحو ذلك.

فعليه أن يحرص على أن تكون طيبة نفسه بهذا الدفع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام اشترط هذا الشرط، قال: طيِّبةً نفسُه، أَحَدُ المتصدقين.

فهذه بشرى لمن يَلُونَ الأعمالَ الخيرية، بأنهم مع النية الصادقة وطيبة النفس عند الدفع، يكون لهم من الأجور مثل أجور المتصدقين.

صدقة التطوع

وختم المؤلف رحمه الله كتاب الزكاة بفصلٍ في بيان فضل صدقة التطوع، فقال رحمه الله:

وتُسن صدقة التطوع في كل وقت.

فضل صدقة التطوع

صدقة التطوع ورد فيها نصوص كثيرة جدًّا في القرآن وفي السنة، ومن ذلك قول الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة:261]؛ يعني: سنبلة أنبتت سبع سنابل، طيب في كل سنبلة مائة حبة، نضرب سبعة في مائة، النتيجة سبعمائة، فإذا تصدقت بريال واحد، كأنك تصدقت بسبعمائة ريال، وهذا الحد الأدنى: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261].

انظر إلى فضل الصدقة وعظيم أجرها وثوابها: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245]، وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39].

عندما يقول رب العالمين في كتابه الذي يتلوه الناس جيلًا بعد جيل وقرنًا بعد قرن: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ فلا بد أن يُخلِف عليك في الدنيا، فلا بد أن يتحقق هذا الخلف، لا بد من أن يخلف الله على المنفق إما بزيادة حسية: دراهم، أو معنوية، أو بحلول البركة، أو بحفظ المال، أو بدفع الآفات عن المال.

فالصدقة تحفظ المال من الآفات، وتنميه، وسبب لحلول البركة فيه، بل سبب لزيادته الحسية بأن يفتح الله على الإنسان أبوابًا من الرزق من حيث لا يحتسب، بسبب هذه الصدقة.

وفي السنة أحاديث كثيرة، منها قول النبي عليه الصلاة والسلام: من تصدق بعَدْل تمرة من كَسْبٍ طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإنَّ اللهَ يتقبَّلها بيمينه، ثم يُربِّيها لصاحبه كما يُربِّي أحدُكم فَلُوَّه. والفَلُوُّ: هو المُهْر ولد الفرس؛ حتى تكون مثل الجبل[21].

تنمو هذه الصدقة ويربيها الله حتى تكون مثل الجبل، وهذا يدل على عظيم الأجر، وأن الله تعالى يُنمي هذا الأجر للمتصدق.

وجاء في الصحيحين عن أبي هريرة : أن النبي قال: ما من يوم يُصبح العباد فيه إلا وينزل ملكان من السماء، يقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا[22].

يوميًّا ينزل هذان الملكان من السماء، ويدعوان بهذا الدعاء: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا.

ولذلك يا أخي المسلم، احرِص على أن تتصدق ولو بمبلغ يسير، ولو بريال واحد، حتى تنال دعوة الملك لك بالخلف، الملك كل يوم ينزل يقول: اللهم أعط منفقًا خلفًا، إذا أنفقت حتى ولو ريالًا واحدًا، ولو وجدت فقيرًا في الطريق أعطيته ريالًا؛ تدخل في دعوة الملك، والملك الآخر يقول: اللهم أعط ممسكًا يعني: عما يجب بذله كالزكاة مثلًا، يدعو عليه الملك بالتلف.

وهذا التلف إما أن يكون تلفًا حسيًّا بأن يُتلف الله ماله، أو أن يتلف صحته، أو أن يتلف استقراره، أو أن يتلف البركة في ماله، فلا بد أن يتحقق التلف في حقِّ مَن بخل بما أوجب الله عليه.

ويقول عليه الصلاة والسلام: اتقوا النار ولو بشق تمرة[23]. والأحاديث كثيرة، فالصدقة لها شأن عظيم في دفع البلاء، وفي عظيم الأجر والثواب.

وجاء في “صحيح مسلم” قصة عجيبة، وهي قصة المرأة المسكينة التي أتت ومعها ابنتان، تقول عائشة رضي الله عنها: تستطعمني، تريد أن أعطيها أي شيء، فأعطيتها ثلاث تمرات، فأخذت تمرة وأعطت كل واحدة من ابنتيها تمرة، ثم إن ابنتيها طلبتا منها أن تعطيهما هذه التمرة، يعني أكلت كلُّ واحدةٍ التمرةَ بسرعة ثم طلبن من الأم أن تعطيهما هذه التمرة، فأخذت هذه التمرة وشقتها نصفين وأعطت كل واحدة من ابنتيها تمرة، وبقيت هي لم تأكل شيئًا، قالت: فأعجبني شأنها، فذكرت ذلك للنبي ، أتدرون ماذا قال؟ قال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة[24].

سبحان الله! أوجب الله لها الجنة بسبب إعطائها تمرةً لابنتيها، ما أعظم فضل الله ! وما أعظم رحمته بعباده!

هذه المرأة عطفت على ابنتيها، وأعطت كل واحدة من ابنتيها تمرة، وأعطت كل واحدة من ابنتيها ليس تمرة، نصف تمرة، وبقيت لم تأكل شيئًا.

هذا العمل يظنه بعض الناس عملًا يسيرًا، أعطت هذه التمرة ولم تأكلها، شقتها وأعطت كل واحدة من ابنتيها نصف تمرة، يعني يعتقد بعض الناس أن هذا عمل يسير، لكنه عند الله ليس يسيرًا، عند الله عظيم؛ يقول عليه الصلاة والسلام: أوجَب الله لها بها الجنة.

فالإنسان لا يدري أين يقع العمل الصالح عند الله ؟ رُبَّ عمل صالح تظنه يسيرًا لكنه يقع عند الله تعالى موقعًا عظيمًا، ويكتب الله تعالى لك به أجرًا جزيلًا، بل قد يوجب الله تعالى لك الجنة بسبب هذا العمل.

وهنا قصة أحد التابعين كان لا يمر عليه يوم إلا تصدق فيه لله بصدقةٍ، وذات يوم بحث وما وجد إلا بصلًا، فأخذ هذا البصل وحمله على رأسه يريد أن يتصدق به، فلقيه أحد الناس، فقال له: رحمك الله، لَمْ يكلفك الله بهذا، هي صدقة تطوع. فقال: لا، إني أردت ألا يمضي عليَّ يومٌ إلا تصدقت فيه لله بصدقة، إنه بلغني عن رسول الله أنه قال: إن المؤمن يكون في ظل صدقته يوم القيامة[25].
فهو التزم بأن يتصدق كل يوم بصدقة حتى ينال هذا الفضل المذكور في هذا الحديث، فينبغي للمسلم أن يُعوِّد نفسه على الصدقة وعلى البذل وعلى الإنفاق.

جاء في قصة أزواج النبي عليه الصلاة والسلام لمَّا سألَنْه: أيُّنا أسرعُ لُحُوقًا بك؟ قال: أطولكن يدًا. فأَتَيْن بقصب وذَرَعْن أيديَهن ووجدن أن أطولهن يدًا أنها سودة، فاعتقدن أن سودة أسرع أزواج النبي عليه الصلاة والسلام لحوقًا، ثم إنه تبين أن أسرعهن لحوقًا زينب[26]، فعرفن أن مقصود النبي عليه الصلاة والسلام بطول اليد كثرة الصدقة، وليس طول اليد الحسي، وكانت زينب رضي الله عنها كثيرة الصدقة، كانت لها أعمال يدوية منزلية تقوم بها، وتبيعها وتتصدق، فكانت كثيرة الصدقة.

ثم أيضًا الصدقة إحسان، والله تعالى يقول: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].

فينبغي أن يعود المسلم نفسه على الصدقة، بعض الناس غير موفق، تجد أنه يبخل ويأمر الناس بالبخل، وإذا وجد الناس سيتصدقون على فقير قام يشكك: ما تدري عن هذا الفقير، ما تدري أنه كذا. فيُثبِّط الناس، لا هو الذي تصدق، ولا ترك الناس يتصدقون على هذا الفقير.

فإذا كنت غير مقتنع أنك تعطي هذا الفقير، دع الناس تتصدق عليه، لكن لا تكن من الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل.

ما نقص مال من صدقة

طيب، هنا تساؤل: كيف نجمع بين قول النبي عليه الصلاة والسلام: ما نقص مال عبد من صدقة[27] وبين الواقع المحسوس بأنَّ مَن تصدق نقص ماله؟

أولًا: قول النبي عليه الصلاة والسلام: ما نقص مال عبد من صدقة نَفْيُ النقص في هذا الحديث هو نفي النقص المعنوي، وليس للنقص الحسي؛ لأن الواقع أنه حسًّا ينقص المال، حسًّا ينقص المال، ولكن المقصود بذلك النقص المعنوي؛ وذلك بأن يبارك الله تعالى في هذا المال، أو أن الله تعالى يُخلِف عليه بما هو خير منه.

ولهذا؛ كان عليه الصلاة والسلام يقول: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا[28]، أو يسوق له رزقه من حيث لا يحتسب، فلا بد من الخلف، لكن كيف يكون؟ الله أعلم، فقد يجعل الله تعالى البركة في هذا المال بسبب هذه الصدقة، قد يفتح الله لك أبوابًا من الرزق من حيث لا تحتسب، قد يكون ذلك بدفع بلاء، ودفع مصيبة، يدفع الله عنك حادثة مثلًا كانت ستسبب في خسائر، في خسائر مالية كبيرة، فدفع الله تعالى عنك بسبب هذه الصدقة هذا الحادث.

فبعض الناس لا يفهم زيادة الرزق إلا الزيادة الحسية، هناك أنواع أخرى من الرزق؛ مثلًا: إذا دفع الله عنك بلاءً، هذا البلاء مثلًا حادث سيارة سيكلفك آلاف الريالات. هذه زيادة بطريقة غير مباشرة. أو دفع الله عنك مرضًا، بلاء هذا المرض، ربما تذهب إلى المستشفيات وتدفع أموالًا باهظة لأجل أن تُشفَى، لأجل أن تتعالج حتى تُشفَى، فهذا نوعٌ آخر من الرزق، يجعل الله البركة في هذا المال، يحفظ الله هذا المال من الآفات.

فهذه أنواع من الرزق، فبعض الناس لا يفهم من زيادة الرزق إلا الزيادة الحسية، هناك أنواع من زيادة الرزق غير الزيادة الحسية المُشاهَدة؛ ولذلك عند العامة إذا ضاع مال يقولون: إن هذا المال سيرجع؛ لأنه مال مزكى.

فعند العامة اعتقاد، يقولون: مال مزكى ما يضيع. فإذا قالوا: ضاع مال فلان، يقولون: المال المزكى ما يضيع.

وهذا المعنى معنى صحيح: أن المال المزكى لا يضيع، يحفظه الله من الآفات.

صدقة السر

قال:

لا سيما سرًّا.

لقول الله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271]، فبيَّن الله أن إخفاء الصدقات أفضل من إبدائها.

وفي حديث السبعة الذين يُظلهم الله تعالى تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، ذَكَر منهم: رجلًا تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه[29].

يعني: هنا وقفة مع هذا الحديث، من أصناف السبعة الذين يظلهم الله تعالى تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجل تصدق بصدقة. هذه الصدقة لا يلزم أن تكون بمبلغ كبير، ربما تكون بمبلغ يسير، ربما تكون بعشرة ريالات مثلًا، لكن هذه الصدقة اقترن بها إخلاص عظيم، بحيث إن هذا المتصدق لا يريد من الفقير جزاء ولا شُكُورًا، ولا يريد من أحد أن يطَّلع عليه، حتى لو قُدِّر أن اليد الشمال تُبصر ما استطاعت أن ترى اليدَ اليمين من شدة الإخفاء.

يعني: هذه صدقة اقترن بها هذا الإخلاص العظيم، فجزاؤه أن يكون من الذين يظلهم الله تعالى تحت ظله، يوم لا ظل إلا ظله. هذا العمل ربما يكون عملًا يسيرًا، لكن اقترن به هذا الإخلاص العظيم، فكان من الذين يظلهم الله تعالى تحت ظله، يوم لا ظل إلا ظله.

لكن، قد تكون الصدقة علانية أفضل إذا ترتب على ذلك مصلحة راجحة، كما لو كان هذا الإنسان لو تصدق علانية اقتدى به غيره، كأن يُدعَى الناس مثلًا للصدقة في مشروع من المشروعات، فيقوم أحد الناس ويعلن أنه سيتصدق بكذا، فيقتدي به الناس. فهنا إعلان الصدقة وإبداؤها أفضل من إخفائها.

فهي من حيث الأصل الإسرار بالصدقة وإخفاؤها أفضل، إلا إذا ترتب على إعلان الصدقة مصلحة راجحة.

وهذا ليس فقط في الصدقات، بل في جميع الأعمال الصالحة، حتى في الصيام، حتى في صيام النافلة، الأفضل أنك لا تخبر أحدًا أنك تصوم صيام النافلة. لكن لو علمت بأنك لو أخبرت بأنك تصوم صيام النافلة: أن غيرك يتشجع ويقتدي بك ويصوم مثلك، فالأفضل أنك تخبر بأنك صائم.

الصدقة في الزمان والمكان الفاضل

قال:

وفي الزمان والمكان الفاضل.

أي: أن الصدقة تَفضُل ويعظم أجرها في الزمان والمكان الفاضل: في الزمان؛ كشهر رمضان، أو عشر من ذي الحجة. وفي المكان؛ كالحرمين مثلًا.

فإذن، الصدقة، بل الأعمال الصالحة كلها ليس فقط الصدقة، تَفضُل ويعظم أجرها بشرف الزمان وبشرف المكان.

الصدقة على الجار

قال:

وعلى جاره.

لقول الله تعالى: وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء:36]؛ ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: ما زال جبريل يُوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيُورِّثه[30].

فحق الجار على جاره عظيم جدًّا لدرجة أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن جبريل كثيرًا ما يوصي النبي عليه الصلاة والسلام بالجار، يقول عليه الصلاة والسلام: حتى ظننت أنه سيورثه سيجعل له نصيبًا في الإرث. من الذي أوصى جبريل؟ الذي أوصاه هو الله .

وهذا يدل على عظيم حق الجار، فإذا كان عندك جار قريب فالأفضل أنك تتصدق عليه، وهذه الصدقة أفضل من الصدقة على البعيد؛ لأن هذا فيه إحسان للجار، وفيه صدقة.

الصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة

قال:

وذوي رحمه، فهي صدقة وصلة.

تكلمنا عن هذا، وقلنا: إنَّ الزكاة والصدقة على القريب أفضل من الزكاة والصدقة على البعيد؛ لأن الزكاة والصدقة على القريب صدقة وصلة، بينما على البعيد صدقة.

حكم التصدق بما ينقص مؤونة تلزمه

قال:

ومن تَصدَّق بما يَنقُص مؤونةً تَلْزمُه.. أَثِمَ.

إذا كان المال الذي عنده لا يكفي إلا لنفسه، ومن تلزمه نفقته، فلا يجوز له أن يتصدق؛ لأنه لو تصدق لتسبب ذلك في نقصان النفقة على من تلزمه نفقتهم؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت[31]، وقال: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول[32].

أو أَضَرَّ بنفسه.

يعني: تصدَّق بصدقة فتسبَّب في إلحاق الضرر بنفسه، فإنه يأثم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: لا ضرر ولا ضرار[33].

حكم من يتصدق وعليه دين

أو غريمِه؛ أَثِم بذلك.

يعني: مَن كان عليه دَين في ذمته ليس له أن يتصدق، وإنما يبدأ بسداد الدين.

إنسان عليه ديون، ويذهب ويتصدق على الفقراء والمساكين، ليس له ذلك؛ لأنه مُطالَب بسداد هذا الدَّين.

ولهذا؛ تجد أن الدائن إذا علم بأن فلانًا يتصدق وما سدَّده الدين يحنق عليه، يقول: فلان يتصدق للفقراء، وما سدد الدين الذي نطلبه. فالحكمة تقتضي أن يبدأ بسداد الدين، ثم بعد ذلك إذا سدد الدين يتصدق.

لكن، اختلف العلماء في الصَّدقة بالشيء اليسير، فرخَّص فيها بعضُهم، ككِسرة خبز ونحو ذلك، رُوي هذا عن الإمام أحمد، وقال بعض العلماء: ليس له أن يتصدق حتى بالشيء اليسير، ورجَّحه الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله، وقالوا: إنَّ القليلَ مع القليل يكون كثيرًا؛ ولأننا لو ألزمنا هذا الإنسان بألا يتصدق بالشيء اليسير، فإن هذا يكون حافزًا له لكي يسدد ما في ذمته من الديون.

فبعض الناس يكون عليه ديون كثيرة، وعنده كرمٌ في دعوة الناس، ويقيم الولائم الكبيرة، ويتبرع أيضًا تبرعات، ولم يسدد الديون التي عليه، فهذا لا يحل له.

تكره الصدقة إذا نَقَصت المرء عن كفايته التامة

وكُره لمن لا صَبْر له، أو لا عادة له على الضِّيق، أن يَنقُص نفسه عن الكفاية التامة.

وعللوا ذلك بأن هذا نوعُ إضرار؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: إنك إن تدع ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالَةً يتكففون الناس[34].

فإذا كان هذا من شأن الورثة، ففي شأن النفس من بابٍ أولى.

لكن، قول المؤلف: (لمن لا صبر له) يُفهم منه أنَّ مَن كان عنده صبر وقوةُ إيمان ويقينٌ، فيجوز له ذلك.

وهنا أيضًا تَرِد مسألة الصدقة بجميع المال؛ فهو مكروه، لكنْ من كان عنده قوة إيمان ويقين وصبر فلا يكره، ويدل لذلك قصة عمر مع أبي بكر، لمَّا أمر النبيُّ عليه الصلاة والسلام الصحابةَ يومًا بالصدقة، فقال عمر: اليومَ أَسبِقُ أبا بكر. فجئت بنصف مالي، فقلت للنبي عليه الصلاة والسلام: هذا نصف مالي، صدقة. قال: ما أبقيتَ لهم؟ قلت له: أبقيت لهم مثله. قال: وأتى أبو بكر بجميع ماله، فقال له النبي : ما أبقيت لأهلك قال: أبقيتُ لهم الله ورسوله. قال عمر: والله لا أسابقك بعدها أبدًا[35].

فدل ذلك على أن مَن كانت حاله مثل حال أبي بكر، جاز له أن يتصدق بجميع المال، لكن هذا نادر؛ يندر أن يوجد إنسان عنده من قوة اليقين والإيمان مثل حال أبي بكر، حال عامة الناس كحالنا، أو حال أكثر الناس، هؤلاء نقول: يكره لهم أن يتصدقوا بجميع مالهم.

حكم المَنِّ بالصدقة

ثم ختم المصنف هذا الكتاب بقوله:

والمَن بالصدقة كبيرة، ويَبطُل به الثواب.

المن معناه: تعداد النعمة أو المعروف على مَن أسداه إليه، فيقول: أنا أعطيتك كذا، أنا فعلت لك كذا، أنا أعطيتك معروفًا، أنا فعلت معك كذا. هذا هو المن.

وهو من كبائر الذنوب؛ لقول النبي : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم وذكر منهم المنان الذي لا يعطي شيئًا إلا منة[36].

والمَنُّ يُبطل الأجر تمامًا، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة:264]، ثم إن الله تعالى مثَّل بمثال عجيب لإبطال الصدقة بالمن، فقال: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا [البقرة:264].

الصفوان: هو الحجر الأملس. عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ: يعني: نزل عليه مطر غزير. “وابل”: هو المطر الغزير.

تصوَّر! حجر أملس عليه تراب، ونزل عليه مطر غزير، هل سيبقى شيء من هذا التراب مع هذا المطر الغزير؟ لن يبقى شيء؛ لأن -أصلًا- هذا التراب على حجر أملس، ثم نزل عليه مطر غزير، فتركه صلدًا ناعمًا أملس ما عليه تراب.

فكما أن هذا المطر الغزير أذهب هذا التراب الذي على الحجر الأملس، هكذا المَنُّ يُذهِب أجر المتصدق تمامًا، يبطله تمامًا.

ولذلك؛ فالذي يريد أن يفعل المعروف ويمتن به، نقول: أَحْسَنُ ألا تفعل المعروف، لا تتصدق ولا تفعل المعروف، وإنما قل قولًا معروفًا، كما قال الله تعالى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263].

فالذي يريد أن يتصدق وأن يعمل المعروف، عليه أولًا أن يحفظ كرامة من يريد أن يتصدق عليهم أو أن يفعل معه المعروف، وأما إذا كان يريد أن يجرحه ولا يريد أن يحفظ كرامته، بالمنة والأذى، فخير له ألا يتصدق ولا يفعل معروفًا: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى.

فبعض النفوس نفوس دنيئة، ما إن يعمل معروفًا إلا ويمتن به، ويُؤْذي مَن عمل معه هذا المعروف بطريق مباشر أو غير مباشر، وأَعْجَبُ مِن ذلك مَن يتصدق بصدقة يُخلص فيها لله ، ثم إنه بعد مدة يبدأ يمتن على هذا الفقير بهذه الصدقة. فهذه المنة تبطل الأجر، حتى لو كان قد أخلص لله فيها، فالمنة تبطل أجر المتصدق تمامًا.

ولهذا؛ ينبغي لمن تصدق أو عمل معروفًا أن ينسى هذه الصدقة وهذا المعروف، ينساه؛ ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: لا حسد أي: لا غبطة إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على ماذا هَلَكَتِه في الحق[37].

تأمَّل قول: هلكته كأنه أهلك هذا المال، انقطعت صلته به، انقطعت علاقته به؛ لأنه نسي هذه الصدقة، فلم يمتن بها على الفقير، لا بطريق مباشر، ولا بغير مباشر.

فينبغي أن يُعوِّد المسلمُ نفسه إذا عمل معروفًا أو تصدق بصدقة، أن يَحْذر ثم يحذر من المنة بتلك الصدقة أو بذلك المعروف، وإلا فالأحسن ألا يفعل المعروف ولا يتصدق، ما دام أنه يريد أن يمتن: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263].

بل حتى بعض الفقهاء يقول: إذا أعطيتَ فقيرًا صدقة، ورأيت أن سلامك عليه ربما يُؤذيه؛ فلا تُسلِّم عليه.

وكانت عائشة رضي الله عنها إذا أَرْسلت إلى قومٍ صدقةً تقول لغلامها: انظر إلى ما يَدْعون لنا به فادعُ لهم بمثله، فإذا قالوا: بارك الله فيكم. فقل: وفيكم بارك. حتى يكون الأجر كاملًا: لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان:9].

ولهذا؛ فالأفضل ألا تقول للفقير: ادْعُ لي، أو حتى من تسدي إليه معروفًا، فبعض الناس إذا أسدى معروفًا قال: ما أريد منك إلا الدعاء. لا، لا تقل هذا؛ لأن هذا ينقص من الأجر. أعطه الصدقة، أو افعل معه معروفًا، وتنقطع علاقتك بهذا المعروف، لا تذكره مستقبلًا، لا تطلب الدعاء لأجله، لا تقل للفقير “ادع لي”؛ حتى يكون أجرك كاملًا: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان:9].

وبهذا نكون قد انتهينا من التعليق على كتاب الزكاة، ونعتذر عن الانتقال لكتاب الحج؛ لأني متعب قليلًا بسبب الحساسية الآن.

فنكتفي بهذا القدر، و(الحج) إن شاء الله نعدل الخطة تعديلًا يسيرًا، بحيث يكون بداية الدرس القادم من بداية (كتاب: الحج).

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

نجيب عما تيسر من الأسئلة.

الأسئلة

السؤال يقول: تمولت من أحد البنوك، وضاربت به في سوق الأسهم، فعند مرور الحول: هل أزكي كامل المحفظة أو أخصم المتبقي من أقساط التمويل البنكي؟

الجواب: لك أن تخصم القسط المستحق عليك، مثلًا إذا كان في المحفظة، قيمة الأسهم التي في المحفظة التي يضارب فيها مائة ألف وعليك قسط بعشرة آلاف، فمعنى ذلك أنك تزكي تسعين ألفًا ولا تزكي مائة ألف، فتخصم الدين المستحق عليك.

وهذه قاعدة ليست فقط في الأسهم، في جميع الأموال: فإذا كان عندك مال وجَبَتْ فيه الزكاة، وعليك دَين مستحق، فلك أن تخصم مقدار هذا الدين من المال الذي تريد أن تزكيه، إذا كان المال عندك مائة ألف، ومال المُزكِّي مائة ألف، والدَّين عشرة آلاف، إذن تزكي تسعين ألفًا فقط.

السؤال: مَن صلى صلوات كثيرة وعليه حائل يمنع الوضوء، لكنه كان يجهل ذلك، ما حكم صلاته؟

الجواب: صلاته صحيحة؛ لأنه عمل عبادة لله متأولًا، والقول الراجح: أنَّ مَن أتى بعبادة متأولًا يعتقد صحتها، ومضى على ذلك مدة طويلة: أنه لا يُطالَب بالقضاء، وأن عبادته صحيحة.

وقد أقر هذا المعنى الإمام ابن تيمية وابن القيم وجمعٌ من المحققين من أهل العلم، وله أدلة كثيرة، منها قصة المسيء صلاته، كان يصلي بطريقة لا تصح معها الصلاة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ارجِعْ فصَلِّ، فإنك لم تُصَلِّ[38]. “لم تصل” النفي مقصود به نفي الصحة، ومع ذلك لم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام بقضاء الصلوات عن الفترة الماضية.

وكذلك في قصة عدي بن حاتم، وضع خيطًا أسود، عقالًا أسود وعقالًا أبيض، وكان يأكل ويشرب حتى يتبين له الخيط الأسود الحسي من الخيط الأبيض الحسي، فمعنى ذلك أنه كان يأكل ويشرب بعد طلوع الفجر، ومع ذلك عَذَره النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل[39]؛ فعذره لأنه كان متأولًا.

إلى غير ذلك من الأدلة، فمَن كان يعمل العبادة متأولًا يعتقد صحتها، ومضى على ذلك مدة طويلة، فلا يُطالَب بالقضاء.

فنقول للأخ الكريم الذي كان عليه صلوات كثيرة وعليه حائل جهل بوجوده: صلاتك صحيحة إن شاء الله تعالى، ولا تُطالَب بالقضاء.

السؤال: ما هي أسباب دفع البلاء؟

الجواب: أولًا: الدعاء، النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من جَهْدِ البلاء، ودَرَكِ الشَّقَاء، وسُوء القضاء، وشماتة الأعداء[40]، فكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله تعالى من جهد البلاء.

وجهد البلاء هو نوع من البلاء، لكنه مُجْهِد، مثَّل له بعض السلف بقلة المال وكثرة العيال، هذا نوع من جهد البلاء، مثلًا أن تكون وظيفة الإنسان وظيفة مرهقة تستغرق جل وقته، بحيث ما يبقى له وقت للعبادة وطلب العلم، ونحو ذلك. فهذا نوع من جهد البلاء.

ومن الأدعية العظيمة أن تقول: اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.

وكذلك أيضًا من أسباب دفع البلاء: الصدقة، فالصدقة تدفع البلاء، ورُبَّ صدقةٍ بمبلغ يسير تدفع عنك أنواعًا عظيمة من البلاء، وكذلك أيضًا من الأمور التي تدفع البلاء: الإحسان للناس: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60].

إذا أحسنت للآخرين؛ أحسنت للفقراء والمساكين، وأحسنت للجيران، وأحسنت للأرحام؛ فإن الله تعالى يحسن إليك، ويدفع عنك أنواعًا وصروفًا من البلاء.

السؤال: هل يجوز رَشُّ الأرض أو السيارة أو المكان الذي فيه سحر بماء الرقية؟

الجواب: أولًا: كيف عرفتَ بأن فيه سِحرًا؟ بعض الناس يجزم بأن هذا المكان فيه سحر، وأن فلانًا مسحور، لكن من غير دليل، ومن غير بينة، وإنما تهيؤات نفسية أحيانًا، هذا الإنسان عنده مرض نفسي، وليس عنده سحر.

لكن عمومًا الرقية فيها بركة، القرآن كله مبارك، والرقية لها عدة صور:

  • إما تكون بالنفث المباشر.
  • أو تكون بأن ينفث في الماء ثم يشرب منه المريض ويتمسح به.
  • أو تكون أيضًا بأن يؤخذ هذا الماء الذي رُقي فيه، وأن يوضع على هذه الأماكن.
  • أو تكون بما يُسمى بالعزائم، بأن تكتب مثلًا آية الكرسي، أو سورة الفاتحة، أو بعض سور القرآن، تُكتب بالزعفران، ثم بعد ذلك تُبَل بماء ويُرش بها هذا المكان، أو يمسح بها هذا المريض.

كل هذه أنواع من الرقية، المهم أنها تكون بالقرآن الكريم، تكون هذه الرقية بالقرآن الكريم، وبالأدعية النبوية، لكن أكملها تكون من الراقي مباشرة.

السؤال: ما حكم زكاة الذهب الذي تشتريه المرأة بنية اللُّبس في المناسبات، لكن لها سنوات لم تلبسه؛ لعدم وجود مناسبة؟

الجواب: هذا الحلي لا زكاة فيه، وهذا قول أكثر أهل العلم، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، والمأثور عن أكثر الصحابة أنه لا زكاة فيه، ولم يوجب الزكاة فيه سوى الحنفية، واستدلوا بأدلة إما صحيحة لكنها غير صريحة، أو صريحة لكنها غير صحيحة، فلا يثبت في هذا الباب شيء.

والإمام الترمذي رحمه الله يقول: لا يثبت في هذا الباب شيء، وقاعدة الشريعة: أن ما كان معدًّا للاستعمال والقُنية لا زكاة فيه.

فعلى هذا نقول: إن هذا الحُلِيَّ ما دام أن الغرض الأساسي منه اللُّبس وليس الادخار والمتاجرة به، فلا زكاة فيه.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 71، ومسلم: 1037.
^2 رواه البخاري: 1495، ومسلم: 19.
^3 رواه البخاري: 2620، ومسلم: 1003.
^4 رواه البخاري: 2363، ومسلم: 2244.
^5 رواه أحمد: 17972، وأبو داود: 1633، والنسائي: 2598.
^6, ^13, ^16, ^19, ^28 سبق تخريجه.
^7 رواه مسلم: 1041.
^8, ^9 رواه البخاري: 1466، ومسلم: 1000.
^10 رواه البخاري: 1462.
^11 رواه البخاري: 3140.
^12 رواه مسلم: 1072.
^14 رواه البخاري: 1421، ومسلم: 1022.
^15 رواه البخاري: 1422.
^17 رواه أحمد: 16227، والترمذي: 658، والنسائي: 2582، وابن ماجه: 1844.
^18 رواه البخاري: 1461، ومسلم: 998.
^20 رواه البخاري: 1438، ومسلم: 1023.
^21 رواه البخاري: 1410، ومسلم: 1014.
^22 رواه البخاري: 1442، ومسلم: 1010.
^23 رواه البخاري: 1413، ومسلم: 1016.
^24 رواه مسلم: 2630.
^25 رواه أحمد: 17333.
^26 رواه البخاري: 1420، ومسلم: 2452.
^27 رواه أحمد: 18031، والترمذي: 2325.
^29 رواه البخاري: 6806، ومسلم: 1031.
^30 رواه البخاري: 6014، ومسلم: 2625.
^31 رواه أحمد: 6495، وأبو داود: 1692.
^32 رواه مسلم: 997.
^33 رواه مالك: 31، وأحمد: 22778، وابن ماجه: 2341.
^34 رواه البخاري: 1295، ومسلم: 1628.
^35 رواه أبو داود: 1678، والترمذي: 3675.
^36 رواه مسلم: 106.
^37 رواه البخاري: 73، ومسلم: 816.
^38 رواه البخاري: 757، ومسلم: 397.
^39 رواه مسلم: 1090.
^40 رواه البخاري: 6347، ومسلم: 2707.
zh