logo

(39) من: كتاب الاعتكاف – زكاة الفطر

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

حياكم الله جميعًا في هذا الدرس، وهو الدرس الأخير في هذا الفصل الدراسي، وفي هذا العام 1442 للهجرة، وبه إن شاء الله نختم ما تبقى من كتاب الصيام، وهو الدرس السادس والعشرون من هذا العام في هذا اليوم الاثنين الثالث والعشرين من شهر شعبان من عام 1442 للهجرة.

تم ولله الحمد في هذا العام من بداية 1442 ستة وعشرون درسًا، فلله تعالى الحمد والمنة، ونسأل الله تعالى أن يبارك في هذه الدروس، وأن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.

ننتقل بعد ذلك للتعليق على السلسبيل، وبقي معنا في كتاب الصيام كتاب الاعتكاف، سنأخذ في هذا الدرس الاعتكاف، وسنأخذ أيضًا زكاة الفطر حتى نكمل كل ما يتعلق برمضان.

ونبدأ أولًا بكتاب الاعتكاف:

والاعتكاف فيه مسائل مهمة، خاصة مع هذه الجائحة، جائحة كورونا، وطرح بعض الناس أسئلة يعني مع عدم إتاحة الاعتكاف في المساجد بسبب هذه الجائحة، وبعض الدول أيضًا ربما أغلقت فيها المساجد أيضًا بسبب هذه الجائحة جائحة كورونا، وهل يصح الاعتكاف في البيت؟ أو ماذا؟

هذا، إن شاء الله الجواب عن هذا سنجيب عنه بالتفصيل في ثنايا الشرح لهذا الكتاب بإذن الله ​​​​​​​.

كتاب الاعتكاف

قال المصنف رحمه الله:

كتاب الاعتكاف.

تعريف الاعتكاف لغة وشرعًا

الاعتكاف: افتعال، من “عكف على الشيء” يعكِف ويعكُف. وهذه المادة العين والكاف والفاء تدل على الحبس والإقامة، ويكون لازمًا ومتعديًا، فاللازم مصدره العَكْف والعُكُوف، والمُتعدي مصدره العَكْفُ، ويأتي بمعنى الحبس والمنع.

وتعريفه شرعًا: عُرِّف بعدة تعريفات، من أحسنها: لُزُومُ مسجدٍ لعبادة الله من شخص مخصوص على صفة مخصوصة.

يعني: يلزم المسجد للتعبد لله .

ويسمى جِوَارًا؛ ولذلك جاءت في تسميته في بعض الأحاديث بالجوار؛ كما في حديث عائشة: كان النبي يُصغي إليَّ رأسَه وهو مجاور -يعني: معتكف، في المسجد- وأُرجِّله وأنا حائض[1].

وفي حديث أبي سعيد: أن النبي قال: كنت أجاور هذه العشر، ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن اعتكف معي فَلْيَثْبُتْ في مُعتكَفِه[2]. قوله: أجاور يعني: أعتكف.

وتجد في سير بعض العلماء “قد جاور مثلًا في كذا”، فالمقصود بالجوار والمجاورة يعني: الاعتكاف.

مشروعية الاعتكاف

والأصل في مشروعيته: الكتاب، والسنة، والإجماع.

الكتاب: ورد ذكر الاعتكاف في عدة مواضع من القرآن، منها قول الله تعالى: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، وقوله سبحانه: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125].

وأما السنة: ففيها أحاديث كثيرة في أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان.

ولكن الاعتكاف لا يُخص بالعشر الأواخر، وإنما يكون في جميع أيام وليالي السنة.

والنبي عليه الصلاة والسلام في إحدى السنوات اعتكف العشر الأول من شهر شوال؛ وذلك لأنه لما أراد أن يعتكف في العشر الأواخر أتت إحدى زوجاته بخِبَاء، ثم أتت كلُّ واحدةٍ من زوجاته بأخبية، فلما دخل المسجد وجد كل واحدة لها خباء، قال: آلْبِرَّ أردتن؟ ثم أمر بنزع هذه الأخبية كلها، وقال: لن أعتكف هذه السَّنة. واعتكف بدلًا من ذلك في العشر الأول من شهر شوال[3].

كأنه عليه الصلاة والسلام لاحَظ التنافس بين زوجاته، كل واحدة أتت بخباء، فقرر عليه الصلاة والسلام أنه لا يعتكف تلك السنة العشر الأواخر من رمضان، واعتكف بدلًا عنها العشر الأُوَل من شهر شوال.

وقد أجمع العلماء على مشروعية الاعتكاف، ونقل الإجماعَ غيرُ واحد من أهل العلم، وهو من الشرائع القديمة، وقد ذكره الله تعالى عن إبراهيم وإسماعيل وعن مريم؛ فقال عن إبراهيم وإسماعيل: أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ [البقرة:125]، وعن مريم: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا [آل عمران:37] كانت معتكفة في المسجد.

وكان معروفًا الاعتكاف في الجاهلية، كما في حديث عمر: إني نذرتُ في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام. قال له النبي : أوفِ بنذرك[4] فهو من الشرائع القديمة.

الحكمة من الاعتكاف

والحكمة منه أن يتفرغ المسلم لعبادة الله ​​​​​​​ خاصة في الأوقات الفاضلة مثل العشر الأواخر من رمضان؛ لأن الإنسان في هذه الدنيا ربما ينشغل بمشاغلها التي لا تنقضي، فإذا أتت مثل هذه المواسم الكريمة شُرع له أن يعتكف، وأن يتفرغ للمسجد، ويتفرغ للعبادة في المسجد.

والنبي عليه الصلاة والسلام كان هو قائد دولة الإسلام، ومفتي الأنام، وكان هو النبي والرسول والموجه والمفتي، وكل شيء بالنسبة للصحابة، ومع ذلك كان إذا دخلت العشر الأواخر انعزل عن الدنيا، وانعزل عن الأزواج، أو انعزل عن الناس، واعتكف في المسجد طلبًا لليلة القدر[5].

فالإنسان ينبغي أن يجعل له وقتًا يعتكف فيه في المسجد، خاصة في المواسم الفاضلة، ويتفرغ فيه لعبادة الله ؛ إلى متى يظل الإنسان يلهث وراء حطام الدنيا ومشاغلها التي لا تنقضي؟!

فالحكمة من مشروعية الاعتكاف كما يقول ابن القيم رحمه الله: “هو عكوف القلب على الله “.

ولهذا؛ ينبغي أن يستقر هذا المعنى في ذهن المعتكفين؛ لأن بعض المعتكفين يُمضون كثيرًا من وقت الاعتكاف في الأحاديث الجانبية والاتصال بالهاتف ونحو ذلك، ولا تتحقق الحكمة من اعتكافهم.

وإن كان لا بأس أن يتحدث الإنسان مع بعض المعتكفين قليلًا كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام مع زوجته صفية[6]، لكن ينبغي ألا يُكثر ذلك.

حكم الاعتكاف

وهو سنة.

الأصل في الاعتكاف أنه سنة، وأنه مستحب، لكن يجب في حالة واحدة، ما هي؟

ويجب بالنذر.

وقد نقل ابنُ المنذرِ الإجماعَ على ذلك.

شروط الاعتكاف

وشرط صحته ستة أشياء.

يُشترط لصحة الاعتكاف ستة شروط.

الأول: النية.

لقوله عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى[7].

 الثاني: الإسلام.

فلا يصح الاعتكاف من الكافر؛ لأنه عبادة، والعبادة لا تصح من كافر.

والثالث: العقل.

فغير العاقل غير مكلف، ومرفوع عنه القلم.

وهذه الشروط الثلاثة: النية والإسلام والعقل، شروطٌ لجميع العبادات.

الرابع: التمييز.

وهنا لم يقل المؤلف: البلوغ؛ لأن الاعتكاف يصح من الصبي إذا كان مُميَّزًا، الصبي المميز تصح صلاته، وتَصِحُّ مصافَّتُه، وتصح إمامته أيضًا، على القول الراجح، وكذلك يصح اعتكافه.

وعدم ما يوجب الغسل.

لما يُروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: لا أُحِل المسجدَ لحائضٍ ولا جنب[8]. هذا الحديث ضعيف، لكن له طرق متعددة، يُقوِّي بعضها بعضًا.

وكونه بمسجد.

وهذا شرط مهم، تأتي أهميته في هذه الأيام مع جائحة كورونا، ومع عدم إتاحة المجال للاعتكاف في المسجد؛ بسبب هذه الجائحة.

فبعض الناس يسأل: هل يصح أن أعتكف في بيتي؟ نقول: الجواب: لا يصح؛ من شروط صحة الاعتكاف أن يكون في المسجد.

ولذلك؛ قال المصنف هنا: (وكونه بمسجد)؛ أي: يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون بمسجد.

وقد أجمع العلماء على ذلك، هذا محل إجماع، ليس بين العلماء خلاف في هذه المسألة؛ قال ابن القطان: أجمعوا على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد. وقال الموفق ابن قدامة: لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافًا. ونقل القرطبي الإجماع على ذلك.

فالمسألة مسألة إجماع، لا يصح الاعتكاف في غير المسجد، لا بد من أن يكون الاعتكاف في المسجد.

فإذا قال الإنسان: أريد أن أعتكف في بيتي؟ نقول: ليس لك ذلك، الاعتكاف إنما يكون في المسجد؛ والدليلُ لهذا الشرطِ، بالإضافة للإجماع: قولُ الله : وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، فلو صح الاعتكاف في غير المسجد لم يختص تحريم المباشرة بالاعتكاف في المسجد.

وأيضًا النبي عليه الصلاة والسلام وأزواجه وأصحابه إنما كانوا يعتكفون في المسجد.

ولذلك: نقول: إن من شروط صحة الاعتكاف أن يكون في المسجد. فإذا لم يتيسر الاعتكاف مثل -مثلًا- هذا العام، قد لا يتيسر بسبب ظروف جائحة كورونا.

فمَن كان مِن عادته الاعتكاف في السنوات الماضية، فيكتب له الأجر كاملًا كما لو اعتكف هذا العام، أما من لم يكن من عادته فلا يُكتب له ذلك.

مَن كان مِن عادته أنه كل عام يعتكف لكن بسبب ظروف جائحة كورونا لم يعتكف فأجره تام، يكتب له الأجر كاملًا، أما مَن لم يكن مِن عادته فلا يُكتب له الأجر، لكن بإمكانه أن يتعبَّد لله في بيته بما يتعبَّد به في المسجد، لكن من غير اعتكاف، يعني: لا ينوي اعتكافًا.

يعني مثلًا: في الليالي العشر الأواخر من رمضان، يجلس في البيت، ويتعبد بالصلاة وبالذكر وبتلاوة القرآن وبالاستغفار ونحو ذلك، لكن لا ينويه اعتكافًا، يكون تعبدًا في بيته من غير اعتكاف؛ لأن الاعتكاف عبادة، ويشترط لصحة هذه العبادة أن تكون في المسجد، وهذا محل إجماع.

وما يذكره بعضُهم مِن أنه يمكن أن يقال: بجواز الاعتكاف في غير المسجد، هذا خلاف الإجماع، نحن نقلنا إجماعات، حكى العلماءُ الإجماعَ، نحن نقلنا عن ابن القطان وابن قدامة والقرطبي، وكذلك عن غيرهم أنهم حكوا الإجماع في هذا: أنه يُشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في المسجد.

والأصل في العبادات التوقيف، هذه العبادة إنما وردت بهذه الصفة؛ ولذلك لو كان يُسوَّغ الاعتكاف في غير المسجد لساغ للمرأة، والمرأة لا بد أن تعتكف في المسجد، وأزواج النبي عليه الصلاة والسلام كُنَّ يعتكفن في المسجد.

فهذا يدل على أن كون الاعتكاف في المسجد أنه شرط من شروط صحة الاعتكاف، ولكن مع اتفاق العلماء على هذا الشرط اختلفوا في ضابطه للرجل والمرأة.

شرط الاعتكاف في المسجد

أما بالنسبة للرجل، قال المصنف:

ويُزاد في حق من تلزمه الجماعة أن يكون المسجد مما تقام فيه.

يعني: بالنسبة للرجل يُشترط أن يكون في مسجدٍ تقام فيه الجماعة، وهذا أحد الأقوال في المسألة، وهو أيضًا مذهب الحنابلة والحنفية، وقال ابن تيمية: وهو قول عامة التابعين، ولم يُنقل عن صحابي خلافُه، إلا مَن خص الاعتكاف في المساجد الثلاثة، وبمسجد النبي.

القول الثاني: أنه يصح الاعتكاف في كل مسجد، وهو مذهب المالكية والشافعية، إلا أن المالكية يرون أنه إذا نوى الاعتكاف مدة يتخللها جمعة فلا يصح إلا في المسجد الجامع.

طيب، ما الفرق بين القول الأول والثاني؟

الفرق بينهما: أن القول الأول أن يكون المسجد تقام فيه الجماعة، والقول الثاني أن يكون في مسجد وإن لم تُقَم فيه الجماعة، كأن يكون مثلًا مسجدًا مهجورًا، أو أن يكون مسجدًا على الطرقات.

القول الثالث: لا يصح الاعتكاف إلا في المسجد الجامع، وهذا القول مَرْوي عن الزُّهْري، وعن الحكم وحماد، وهو مذهب المالكية إذا كانت مدة الاعتكاف أسبوعًا فأكثر.

القول الرابع: أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، وهذا مروي عن حذيفة، وقد كان هذا القول مهجورًا، لكن لما تبناه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله وبعض طلابه أحيوا هذا القول.

أدلة كل قول:

أصحاب القول الأول القائلون: بأنه يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في مسجد الجماعة، استدلوا بعموم الأدلة، ومنها قول الله تعالى: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، فهذا يشمل جميع المساجد، لكن يخص مسجد الجماعة؛ لأن الجماعة واجبة، فاعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يُفضي إما إلى ترك الجماعة وهي واجبة، وإما إلى الخروج المتكرر مع إمكان التحرز منه.

وأيضًا قالوا: إن هذا هو هدي النبي ؛ واستدلوا أيضًا بما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة[9]، وفي رواية: إلا في مسجد جامع[10].

قالوا: فقد صَدَّرت قولها هذا بقولها: “وأن السنة للمعتكف كذا وكذا، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة”. والسنة تنصرف عند الإطلاق لسنة النبي .

لكن هذا مدرج من قول الزُّهري وليس من كلام عائشة، كما أشار إلى ذلك الدارقطني؛ ولذلك قال ابن القيم: ولهذا -والله أعلم- ذكر صاحب “الصحيح” يعني البخاري أوَّله وأعرَض عن هذه الزيادة، فمِن قوله: “وأن السنة للمعتكف ألا يخرج… إلخ” هذا مدرج من قول الزهري، فالصحيح عن عائشة فقط أوله الذي رواه البخاري ومسلم: أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده[11].

وأما زيادة: “وأن السنة للمعتكف ألا يخرج… إلخ” فهذا مدرج من قول الزهري.

وهذا القول الذي ذكرناه أنه يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في مسجدِ جماعة، هو المأثور عن الصحابة والتابعين.

وأما أصحاب القول الثاني، فقالوا: إن هذه الأدلة عامة، ولا تُخَص بمسجد جماعة، لكن يقال: بأن اعتكاف الرجل في مسجدٍ لا تقام فيه الجماعة يُفضي: إما إلى ترك الجماعة الواجبة عليه، أو إلى الخروج المتكرر مع إمكان التحرز منه.

واستدلوا بحديث حذيفة: كل مسجد له مُؤذن وإمام، فالاعتكاف فيه يصلح[12]، لكن هذا الحديث ضعيف.

وأما أصحاب القول الثالث القائلون: بأنه لا يصح الاعتكاف إلا في المسجد الجامع، استدلوا بحديث عائشة السابق: لا اعتكاف إلا في مسجد جامع، وسبق القول بأنه مدرج من قول الزهري وليس من كلام عائشة.

وقالوا: إن الاعتكاف في غير الجامع يُفضي إلى خروج المُعتكِف من مُعتكَفِه.

لكن يُجاب عن ذلك: بأنه خروجٌ قليل مرة واحدة في الأسبوع، وخروج لحاجة؛ فلا يضر.

وأما أصحاب القول الرابع القائلون: بأنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة؛ فقد استدلوا بحديث حذيفة: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام ومسجد النبي ومسجد بيت المقدس[13]، ولكن هذا الحديث حديث ضعيف لا يصح، ولو صح فالمراد: لا اعتكاف كامل؛ جمعًا بين النصوص.

ولو كان هذا الحديث ثابتًا لاشتُهر بين الصحابة؛ لأنه مما تتوافر الدواعي لنقله واشتهاره، وقد كان أكابر الصحابة يُفتون بخلافه.

وعلى هذا؛ فالقول الراجح -والله أعلم- هو القول الأول، وهو القول الذي أقره المؤلف، وهو أن الضابط في المسجد الذي يصح الاعتكاف فيه أن يكون المسجد تقام فيه الجماعة، ولا يشترط أن تقام فيه الجمعة.

وعلى ذلك، إذا اعتكف الإنسان في مسجد تُقام فيه الجماعة، يسميه بعض الناس “مسجد أوقات”، فإذا أتت صلاة الجمعة يخرج ويصلي الجمعة في المسجد الجامع ثم يرجع إلى مُعتكَفِه.

ضابط المسجد الذي يُشرع للمرأة الاعتكاف فيه

وأما بالنسبة للمرأة، فمعلوم أن المرأة لا تجب عليها الجماعة؛ ولهذا اختلف العلماء في ضابط المسجد الذي يشرع للمرأة الاعتكاف فيه على قولين:

  • القول الأول: أنه يشترط لصحة اعتكاف المرأة أن تعتكف في المسجد حتى وإن لم تُقَم فيه الجماعة، وأنه ليس لها أن تعتكف في بيتها. وإلى هذا ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.
  • والقول الثاني: أنه يصح أن تعتكف في مسجد بيتها، ومعنى مسجد بيتها يعني: تجعل لها في البيت مكانًا تصلي فيه يسميه الفقهاء: مسجد بيتها، وهذا هو مذهب الحنفية، واستدل الجمهور بعموم الأدلة، ومنها قول الله تعالى: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187].

وأيضًا قالوا: إن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام كُنَّ يعتكفن معه في المسجد، ولو كان يصح اعتكافُ المرأة في بيتها لأرشدهن عليه الصلاة والسلام إلى الاعتكاف في البيت؛ لأنه أيسر.

وقالوا أيضًا: إن الاعتكاف عبادة وقُرْبة يُشترط لها المسجد في حقِّ الرجل، فكذا المرأة؛ كالطواف.

وقالوا: إن مسجد بيت المرأة، وإن سُمي مسجدًا لغة، إلا أنه ليس بمسجد شرعًا، ولا تترتب عليه أحكام المساجد؛ بدليل جواز تغييره، وجواز مكث الجنب فيه.

وأما أصحاب القول الثاني، الحنفية القائلون: بأن المرأة لها أن تعتكف  في مسجد بيتها، فاستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها السابق في أن إحدى زوجات النبي وضعت له خباء، فوضع أزواجه أخبية، فقال عليه الصلاة والسلام: آلبِرَّ أردتن؟ فأمر بنزع الأخبية، ولم يعتكف في العشر الأواخر، واعتكف بدلًا منها في العشر الأُوَل من شوال[14].

قالوا: دل هذا على أن النبي ترك الاعتكاف في المسجد لمَّا رأى أخبية أزواجه، فدل ذلك على أن المرأة ممنوعة من الاعتكاف في المسجد.

لكن هذا الاستدلال ضعيف، فلا نسلم بأن ترك النبي الاعتكاف لما رأى أخبية أزواجه، وأنه يكره الاعتكاف فيه لأجل أن المرأة ممنوعة من الاعتكاف في المسجد؛ إذ لو كان الأمر كذلك لَمَا أذِنَ لَهُنَّ أصلًا، لكن كراهيته عليه الصلاة والسلام لِمَا رأى مِن تنافسهن الذي يخشى معه سوء القصد والنية؛ ولذلك أمر بنزع الأخبية، ولم يأمرهن بأن يعتكفن في بيوتهن.

فهذا القول: إن المرأة تعتكف في مسجد بيتها، قول ضعيف، والصواب في هذه المسألة هو قول الجمهور: وهو أن الاعتكاف يشترط له المسجد للرجل وللمرأة، لكن المرأة إذا أرادت أن تعتكف في المسجد فلا بد من أمن الفتنة، فإذا كانت الفتنة لا تُؤمَن فليس لها أن تعتكف؛ لأن الاعتكاف مستحب، وترك ما لا يؤمن معه الفتنة واجب، فلا تأتي بأمر مستحب وتُخل بالأمر الواجب.

فلا بد مِن أن يكون المسجد؛ مثلًا إذا أرادت المرأة أن تعتكف فيه: أن يكون فيه مكان مخصص للنساء، وأن تكون الفتنة معه مأمونة، لا بد من ذلك، وإلا تبقى المرأة في بيتها لا تعتكف.

الاعتكاف في ملحق المسجد

ومن المسجد ما زيد فيه.

أي: ما زِيد في المسجد يأخذ حكم المسجد، فالزيادة لها حكم المزيد؛ ولذلك فالزيادة في المسجد الحرام تأخذ حكم المسجد الحرام، المسجد الحرام في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان هو هذا الفناء المحيط بالكعبة فقط، ولم يكن هناك جدران، وفي عهد عمر أحيط بجدار قصير، ثم بعد ذلك توسع عمران المسجد الحرام، حتى وصل إلى ما وصل إليه كما نراه الآن من هذه السعة العظيمة له.

وكذلك المسجد النبوي زيد فيه كثيرًا، والزيادة لها حكم المزيد.

وعلى ذلك؛ فلا بأس بالاعتكاف في هذه الزيادة، فلو أن مسجدًا من المساجد وسع فلا بأس بالاعتكاف في هذه التوسعة.

ومنه سطحه.

سطح المسجد يأخذ حكم المسجد.

ورَحْبَتُه المَحُوطةُ.

الرحبة: هي ساحة المسجد الخارجية. واشترط المؤلف أن تكون “محوطة”، يعني: بسور المسجد، فتأخذ حكم المسجد، أما إذا لم تكن محوطة بسور المسجد فلا تأخذ حكمه، ولا يصح الاعتكاف فيها.

فمثلًا: المسجد النبوي، الرحبة المحاطة بسور المسجد النبوي يصح الاعتكاف فيها، لكن الساحات التي هي خارج السور فلا يصح الاعتكاف فيها.

وهكذا بالنسبة للمسجد الحرام، وكذلك أيضًا أيُّ مسجدٍ ساحاتُه المحاطة بسور المسجد، تأخذ حكم المسجد، ويصح الاعتكاف فيها.

أما الساحات التي هي خارج سور المسجد، فهذه لا يصح الاعتكاف فيها.

الغرف التي تكون بجانب المسجد إذا كانت محاطة بسور المسجد وأبوابها مفتوحة على المسجد من الداخل تأخذ حكم المسجد، أما إذا كانت أبوابها تفتح على الخارج، أو على الطريق، أو ليست محوطة بسور المسجد، فلا تأخذ حكم المسجد.

المسعى حاليًّا محاط بسور المسجد الحرام، لكنه لا يأخذ حكم المسجد الحرام، صدر بهذا قرار من المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي؛ لأنه مَشْعَرٌ مستقل، وإلا لو طبقنا القاعدة لقلنا بأنه يأخذ حكم المسجد؛ لأنه محاط بسور المسجد، وقد قال بهذا بعض العلماء المعاصرين، لكنَّ كثيرًا من أهل العلم يرون أن المسعى أنه مشعر مستقل خارج المسجد؛ ولذلك يجوز للحائض أن تسعى فيه وهي حائض بناء على هذا.

ومَنَارَتُه التي هي، أو بابها فيه.

يظهر أنه في زمن المؤلف كانت منائر المساجد تكون داخل المسجد، فيقول: إذا كانت المنارة في المسجد أو بابها فيه، تأخذ حكم المسجد، وأما إذا كانت المنارة خارج المسجد كما هي عليه الحال الآن في وقتنا الحاضر، كثير من المنائر خارج المسجد، فهذه لا تأخذ حكم المسجد إلا إذا كانت محاطة بسور المسجد.

تعيين الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

ومن عيَّن الاعتكاف بمسجد غير الثلاثة لم يتعين.

لأن الله تعالى لم يعين لعبادته مكانًا غير المساجد الثلاثة، فمَن نذر صلاة بغير المساجد الثلاثة فلا يتعيَّن النذر فيما عَيَّن، وله أن يعتكف في أي مسجد.

مثلًا: إنسان نذر أن يعتكف في جامع الملك خالد بالرياض مثلًا، فله أن يعتكف في جامع الراجحي، لا يلزم هذا التحديد. هذا يعني مراد المؤلف رحمه الله.

لكن لو نذر أن يعتكف في المسجد النبوي، أو في المسجد الأقصى، هل له أن يعتكف في المسجد الحرام؟

الجواب: نعم؛ لأنه ينتقل من المفضول إلى الفاضل؛ من نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى، له أن يعتكف في المسجد النبوي والمسجد الحرام، ومن نذر أن يعتكف في المسجد النبوي له أن يعتكف في المسجد الحرام.

والقاعدة في هذا: أنه يجوز الانتقال من المفضول إلى الفاضل، لا العكس.

وقد جاء في “سنن أبي داود” عن جابر : أن رجلًا قام يوم الفتح، فقال: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين. فقال له النبي : صَلِّ هاهنا يعني: في المسجد الحرام، فأعاد عليه، قال: صلِّ هاهنا فأعاد عليه، قال: صلِّ هاهنا فأعاد عليه، قال: شأنك إذن[15].

فأمره عليه الصلاة والسلام بأن يفي بنذره في المسجد الحرام؛ لأن المسجد الحرام أفضل من المسجد الأقصى، وهذا يدل على جواز الانتقال من المفضول إلى الفاضل.

مبطلات الاعتكاف

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك لمبحث مهم، وهو مبطلات الاعتكاف.

ويبطل الاعتكاف: أولًا بالخروج من المسجد لغير عذر.

وهذا باتفاق العلماء؛ كأن يخرج من المسجد للنزهة، أو للبيع، أو للشراء، ونحو ذلك.

هل يدخل في هذا خروج الموظف من المسجد لوظيفته ثم رجوعه للمسجد؟ الجواب: نعم، هذا يُعتبَر مُبطِلًا للاعتكاف؛ لأنه يخرج عدة ساعات، فخروجه هذا يُنافي الاعتكاف.

لكن نقول: إنه في هذه الحال إذا كان موظفًا يريد أن يعتكف، فيعتكف إلى وقت خروجه، ثم بعد ذلك ينوي إنهاء اعتكافه، ويخرج لوظيفته، ثم بعد رجوعه من وظيفته يستأنف اعتكافًا جديدًا، وهكذا، وهو يحقق المقصود من الاعتكاف، وهو التفرغ للعبادة.

وبنية الخروج ولو لم يخرج.

يعني: بمجرد أن ينوي الخروج يبطل اعتكافه حتى لو لم يخرج؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى[16].

وبالوطء في الفرج.

وهذا قد جاء منصوصًا عليه في قوله سبحانه: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187].

وبالإنزال بالمباشرة دون الفرج.

لعموم الآية.

وبالردة.

يعني: اعتكف وارتدَّ نسأل الله العافية، يعني الفقهاء يذكرون مسائل نادرة الوقوع، لكن هذا قد يحصل، قد يكون معتكفًا فيتكلم بكلمة كفرية، فهذا يبطل اعتكافه؛ لقول الله : لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65].

وبالسُّكر.

يعني: يُريد أن يعتكف وهو سكران، فيبطل اعتكافه.

إذا بطل الاعتكاف وجب استئناف النذر المتتابع

وحيث بطل الاعتكاف، وجب استئناف النذر المتتابع غير المُقيَّد بزمنٍ ولا كفارة.

يعني: إذا بطل الاعتكاف بمبطل من المبطلات السابقة، وجب استئناف النذر المتتابع، كأن يكون قد نذر أن يعتكف مثلًا خمسة أيام إذا بطل الاعتكاف بأي مبطل فيستأنف هذا النذر من جديد، ما دام أنه قد اشترط فيه التتابع ولم يقيده بزمن معين، ولا كفارة في ذلك.

أما إذا قيده بزمن معين، فقال المؤلف:

وإن كان مقيدًا بزمن معين استأنفه، وعليه كفارة يمين؛ لفوات محله.

مثلًا: قال: لله عليَّ نذرٌ أن أعتكف العشر الأواخر من رمضان، ثم لما اعتكف خمسة أيام بطل اعتكافه بأي مبطل، فعليه أن يستأنف الاعتكاف من جديد، وأيضًا عليه كفارة يمين؛ لأنه لم يَفِ بنذره بسبب الزمن الذي حدده.

هنا مسألة أضيفت لـ”السلسبيل” ليست مذكورة في “الدليل” في أقل الاعتكاف وأكثره.

وأكثر الاعتكاف ليس له حد، أما أقله فاختلف العلماء في أقل الاعتكاف، فمنهم من قال: أقل الاعتكاف يوم وليلة، ولكن هذا محل نظر؛ فإنه قد جاء في الصحيحين عن عمر أنه قال: يا رسول الله، إني نذرت أن أعتكف في الجاهلية ليلة في المسجد الحرام. فقال له النبي : أوف بنذرك[17]، فأقره عليه الصلاة والسلام على الاعتكاف ليلة، والليلة أقل من اليوم والليلة.

القول الثاني: أنه لا حد لأقل الاعتكاف، ويصح الاعتكاف بكل ما يسمى اعتكافًا عُرفًا، وهذا هو القول الراجح؛ إذ إن القاعدة الشرعية: أن ما ورد مطلقًا ولم يحدد بالشرع ولا باللغة، فالمرجع فيه للعرف.

فأقل ما يسمى اعتكافًا عرفًا يعني مثلًا: الخمس الدقائق، العشر الدقائق، الربع ساعة، هذه لا تسمى اعتكافًا، لكن لو بقي مثلًا أربع ساعات، خمس ساعات مثلًا فأكثر، فهذه تسمى اعتكافًا.

وبناء على ذلك؛ فبعض الناس في العشر الأواخر قد لا يتيسر له أن يعتكف جميع العشر لظروفه، أو ارتباطاته الأسرية، ونحو ذلك، فنقول: ولو أن تعتكف الليالي فقط وفي النهار تذهب للبيت، لا بأس، إذا لم يتيسر هذا تعتكف في ليالي الوتر، وإذا لم يتيسر هذا على الأقل تعتكف في أرجى الليالي موافقةً لليلة القدر، وهي ليلة سبع عشرين.

فلا بأس إذن بأن يعتكف ليلة، أو يعتكف بما يسمى اعتكافًا عرفًا.

وانتظار الصلاة بعد الصلاة لا يسمى اعتكافًا؛ لكنه إذا نواه اعتكافًا صحَّ.

خروج المعتكف من المسجد والاشتراط فيه

ولا يبطل الاعتكاف إن خرج من المسجد لبول أو غائط أو طهارة واجبة، أو لإزالة نجاسة، أو لجمعة تلزمه، ولا إن خرج للإتيان بمأكل ومشرب لعدم خادم، وله المشي على عادته.

هذه مسألة “خروج المعتكف من معتكفه والاشتراط فيه”، وهذه قد تكلمت عنها في بحث منشور، وصدر في كتيب بعنوان: “خروج المعتكف من المسجد والاشتراط فيه”، وقد حُكِّم هذا البحث، وتكلمت فيه كلامًا موسعًا عن هذه المسائل، لكن هنا نذكر خلاصة ما قيل.

فالأصل في المُعتكِف مُقَامُه في المسجد وعدمُ خروجه منه، هذا هو الأصل، وخروجه من اعتكافه له أحوال:

  • الأول: الخروج لأمر لا بد له منه طبعًا أو شرعًا.
  • والثاني: الخروج لغير حاجة، أو لأمر ينافي الاعتكاف.
  • والثالث: الخروج لأمر طاعة لا تجب عليه.

أما الأول وهو الخروج لأمر لا بد له منه طبعًا أو شرعًا، فيجوز ذلك باتفاق العلماء، كأن يخرج لقضاء حاجة البول أو الغائط، أو يخرج للإتيان بطعامه وشرابه إذا لم يوجد من يأتيه به، فهذا لا بأس به.

إنسان اعتكف في المسجد، وأراد أن يذهب لدورة المياه لقضاء حاجته؛ لا بأس، أو أراد أن يذهب لبيته أو للمطعم ليأتي بطعام وشراب؛ لا بأس، لكن إذا وجد من يأتي له بالطعام والشراب، هل له الخروج؟

قولان للفقهاء: منهم من قال: ليس له الخروج، وإليه ذهب الجمهور. القول الثاني: أن له الخروج.

والقول الراجح: أنه ليس له الخروج ما دام أنه يتيسر من يأتيه بطعامه وشرابه في المسجد، فليس له الخروج منه.

طيب، هناك مسألة مهمة، وهي أن بعض الناس يحتشم من استخدام دورات المياه في المسجد والاغتسال فيها، ويقول: أريد أن أذهب لبيتي؛ لأن البيت يقول: فيه المنشفة الخاصة بي، وفيه المنظفات الخاصة بي، وآخذ راحتي فيه، أما في دورات المياه في المسجد، فإنني أحتشم من ذلك ولا أرتاح. فهل له الخروج لأجل استخدام دورة مياه بيته مثلًا؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

  • القول الأول: ليس له الخروج في هذه الحال، ويلزمه أن يتطهر في دورات مياه المسجد.
  • القول الثاني: أن له الخروج.
  • والقول الثالث: وهو قول الحنابلة: التفصيل: فإن كان لا يحتشم من دخول سقاية المسجد التي تسمى الآن دورة مياه المسجد؛ فليس له الخروج من المسجد إلى منزله. أما إن كان يحتشم من دخولها فله الخروج من المسجد إلى منزله والتطهر فيه.

القائلون: بأنه ليس له الخروج قالوا: لأن خروجه منافٍ للاعتكاف. أما الذين أجازوا ذلك، قالوا: هذا يعتبر حاجة. وأما أصحاب القول الثالث فقالوا: إنه إذا كان لا يحتشم من دخول دورات مياه المسجد، فلا حاجة لخروجه في هذه الحال. وأما إذا كان يحتشم ولا يرتاح، ويحتاج إلى أن يذهب لدورة مياه المسجد، فيعتبر هذا حاجة، وهذا هو القول الراجح.

وأنا أعرف أناسًا تركوا الاعتكاف لأجل هذا الموضوع، تقول: لماذا لا تعتكف يا فلان؟ يقول: والله يصعب عليَّ استخدام دورة مياه المسجد، أنا لي طريقة -يعني- في التنظف في كذا. فذكرت لأحدهم هذا القول، القول الثالث وأنه القول الراجح، فأصبح مِن بعدها يعتكف. فيعني هنا انظر إلى دقة الفقهاء في هذه المسائل.

القول الراجح في هذه المسألة، وهو القول الثالث قول الحنابلة: وهو أن المعتكف إذا كان لا يحتشم من دخول دورات مياه المسجد، فليس له الخروج إلى منزله، وأما إذا كان يحتشم فله الخروج من المسجد إلى منزله، والتطهر في منزله.

وهذا قد نص عليه فقهاء الحنابلة، وذكر هنا كلام الموفق ابن قدامة رحمه الله.

خروج المعتكف لأمر طاعة

ننتقل للقسم الثالث وهو خروج المعتكف لأمر طاعة، كأن يريد مثلًا الخروج لعيادة مريض، أو لاتباع جنازة، ونحو ذلك، فهل له أن يشترط؟ يعني: هذه المسألة ترجع لمسألة اشتراط المعتكف: هل يصح الاشتراط أو لا يصح؟ للفقهاء في ذلك قولان:

  • القول الأول: جواز الاشتراط وصحته، وهو قول الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة.
  • والقول الثاني: عدم صحة الاعتكاف، وهذا هو مذهب المالكية.

الجمهور: استدلوا بحديث ضُبَاعة بنت الزُّبَير، وقول النبي لها: حُجِّي واشترطي أن مَحِلِّي حيث حَبَسْتَنِي[18]. قالوا: فإذا كان الإحرام يجوز مخالفته بالشرط؛ فالاعتكاف من باب أولى.

وحاصل هذا الاستدلال في الحقيقة هو قياس الاشتراط في الاعتكاف على الاشتراط في الحج، وهذا القياس قياس مع الفارق؛ لأن الاشتراط في الحج الذي دلت السنة على مشروعيته إنما هو في حق مَن حصل له مانع من إتمام الحج؛ ولهذا لا يصح أن يشترط في الحج شروطًا أخرى، كترك بعض الأركان أو الواجبات، أو فعل بعض المحظورات.

ويلزم مِن هذا القياس أن يقتصر المعتكف في شرطه على المانع الذي يمنعه من إتمام الاعتكاف، كما في الحج، فالمشترط في الحج يشترط أنه إذا حصل له مانع فله التحلل، بينما هم اشترطوا في الاعتكاف، اشترطوا أمرًا ينافي الاعتكاف، وهو الخروج، أي أن هذا القياس قياس الاشتراط في الاعتكاف على الاشتراط في الحج قياس مع الفارق.

واستدلوا بحديث: المسلمون على شروطهم[19]، لكن هذا اعتُرض على هذا: بأن هذا ورد في غير العبادات مما يقبل الاشتراط.

أما القائلون: بأن الاشتراط في الاعتكاف لا يصح، قالوا: لأنه لا أصل له، لا دليل يدل عليه، ولم يرد عن الصحابة ، لم يرد عن صحابي واحد أنه قال بالاشتراط في الاعتكاف. والأصل في العبادات التوقيف.

ولهذا قال الإمام مالك: لم أسمع أحدًا من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطًا، إنما الاعتكاف عمل من الأعمال، مثل: الصلاة والصيام والحج، وما أشبه ذلك من الأعمال.

والقول الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، وهو أنه لا يصح الاشتراط، وهو مذهب المالكية؛ لعدم الدليل الدال على صحة الاشتراط؛ ولأنه لم يُؤثَر عن أحد من الصحابة .

الجمهور القائلون بالاشتراط يقولون: فائدة هذا الاشتراط أن الاعتكاف إذا كان مستحبًّا، فإنه لا يَبطل بالخروج لأجل هذا الاشتراط، أما إذا كان واجبًا ففائدته تكون بالاعتكاف المتتابع لا يلزمه تدارك ما فاته.

طيب، إذا قلنا: إن الاشتراط في الاعتكاف لا أصل له، ولا يصح. طيب، إذا أراد المعتكف أن يخرج لأمرِ طاعةٍ؛ كعيادة مريض، أو شُهُود جنازة، إن كان اعتكافه تطوعًا فيجوز له الخروج، لكن إذا كان اعتكافه واجبًا كأن يكون نذرًا، فهل يجوز له الخروج؟ ثلاثة أقوال للفقهاء:

  • القول الأول: أنه لا يجوز له الخروج مطلقًا إذا لم يشترط، وهو قول الجمهور.
  • القول الثاني: له الخروج من غير اشتراط، ولا يبطل اعتكافه، وهو قول بعض الفقهاء.
  • القول الثالث: التفصيل: فإن كان للمريض أو للميت حق متأكد على المعتكف فله الخروج وإلا فلا، وهو قول عند الشافعية، وهو القول الراجح.

فإذا كان المريض مثلًا أبوه أو أمه أو ابنه أو ابنته أو زوجته أو أخوه أو أخته، فله أن يخرج من معتكفه، وأن يعود هذا المريض ويتبع جنازته، ولا يبطل اعتكافه، سواء كان هذا الاعتكاف مسنونًا أو واجبًا.

أما إذا لم يكن لهذا الذي يريد عيادته أو اتباع جنازته عليه حق واجب، ويريد ذلك كسبًا للأجر والثواب، والتواصل مع هذا المريض، ونحو ذلك، فليس له هذا، وإذا خرج فإنه يبطل اعتكافه. هذا هو القول الراجح في هذه المسألة، والله أعلم.

نية الاعتكاف

طيب، قال المصنف رحمه الله:

وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الاعتكاف مدةَ لُبْثه فيه، لا سيما إن كان صائمًا.

يعني: يقولون: إذا دخلتَ المسجد انوِ الاعتكاف إلى أن تخرج منه.

ولهذا؛ في بعض المساجد، في بعض دول العالم الإسلامي توجد لوحة عند باب المسجد مكتوب فيها: نويتُ أن أعتكف في هذا المسجد ما دمتُ فيه، ويلقنونها الناس.

وهذا وإن كان قد قال به بعض الفقهاء، إلا أن القول الراجح أن هذا غير مشروع، كما حقق ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله؛ لأن هذا لم يَرِد.

والأصل في العبادات التوقيف، ولم يرد مثل هذا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن تابعيهم، فهذا أمر محدث، أنه كلما دخل المسجد يقول: نويت أن أعتكف في المسجد ما دمت فيه، يعني هذا يتعبد لله بعبادة، ما الدليل عليها؟ لا أصل لهذا العمل.

فالقول الراجح: أن هذا العمل لا أصل له، أما إذا كان ذلك بصفة عارضة كأن يكون مثلًا أتى لصلاة التراويح ونوى الاعتكاف حتى يخرج منها فلا بأس، لكن كلما دخل المسجد قال: نويت أن أعتكف في هذا المسجد ما دمت فيه، هذا هو الذي قلنا: إنه لا أصل له.

وبهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن أحكام ومسائل الاعتكاف.

زكاة الفطر

وننتقل بعد ذلك لزكاة الفطر.

أحب أن تكتمل هذه المعلومات بحيث يكون طالب العلم قد أخذ جميع المسائل التي يمكن أن تَعرِض له في شهر رمضان.

نرجع أيها الإخوة الطلاب والطالبات المتابعون لنا، للجزء الثالث؛ لأننا كنا في الجزء الرابع، وانتهينا من كتاب الصيام، نرجع للجزء الثالث: باب زكاة الفطر، صفحة 355.

باب زكاة الفطر:

قال المصنف رحمه الله:

باب زكاة الفطر.

هنا أضاف الزكاة إلى الفطر؛ لأن الفطر هو سبب وجوبها، وقال ابن عباس : وفرض رسول الله زكاة الفطر طُهْرة للصائم من اللغو والرَّفَث، وطُعْمة للمساكين، فمَن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات[20].

الحكمة من زكاة الفطر

أشار ابن عباس إلى الحكمة من مشروعيتها:

الأولى: طهرة للصائم من اللغو والرفث؛ الصائم قد يعتري صيامه ما يعتريه من اللغو والرفث والنقص، فتكون زكاة الفطر بمثابة الجبران لهذا النقص والخلل.

ولكن قد يرد على هذا إشكال، وهو أن زكاة الفطر تُخرَج حتى عن الطفل غير المُميِّز، حتى لو كان عمره شهرًا أو شهرين أو سنة أو سنتين، ومعلوم أن هذا لا يصلح منه الصوم، فكيف تكون زكاة الفطر طهرة من اللغو والرفث عن هذا الطفل، وهو مرفوع عنه القلم؟!

الجواب: أن هذا خرج مخرج الغالب، وإلا فالأطفال غير المميزين لا يجب عليهم الصيام، ولا يصح منهم أصلًا.

الحكمة الثانية من مشروعية زكاة الفطر: أنها طعمة للمساكين؛ لأن يوم العيد يوم فرح وسرور، وحتى يشارك الفقراء والمساكين الأغنياء فرحتهم بالعيد؛ شرعت زكاة الفطر حتى يكون هذا العيد يوم عيد للجميع.

وأضاف بعض العلماء أمرًا ثالثًا في الحكمة: وهو الشكر لنعمة الله على المسلم بإتمام شهر رمضان بصيامه وقيامه، وفِعل ما تيسر من الأعمال الصالحة.

فتكون الحكمة من مشروعية زكاة الفطر ترجع إلى هذه الأمور الثلاثة: أنها جبر للنقص والخلل الذي قد يقع من الصائم، وأنها طعمة للمساكين حتى يشاركوا الأغنياء فرحتهم بالعيد ويكون يوم العيد يوم عيد للجميع، وأيضًا أنها من باب شكر نعمة الله على أن الله سبحانه يسَّر للمسلم صيام رمضان وقيامه وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة.

وقت وجوب زكاة الفطر

تجب بأول ليلة العيد.

زكاة الفطر واجبة، وهذا بالإجماع، ووقت وجوبها أول ليلة العيد، والليل يبدأ بغروب الشمس، أي: أنها تجب بغروب شمس يوم الثلاثين من رمضان إن كان الشهر تامًّا، واليوم التاسع والعشرين من رمضان إن كان الشهر ناقصًا.

والدليل لهذا أن الزكاة تضاف للفطر في الأحاديث، والفطر يكون بأول ليلة العيد.

فإذن؛ وقت وجوب زكاة الفطر هو غروب شمس ليلة العيد. وعلى ذلك تتفرع عدة مسائل:

حكم الزكاة ممن مات قبل الغروب

المسألة الأولى، قال:

من مات قبل الغروب فلا زكاة عليه.

يعني: من مات قبل غروب الشمس ولو بدقيقة واحدة لم يجب إخراج زكاة الفطر عنه، ولو مات بعد غروب الشمس ولو بدقيقة واحدة فيجب إخراج زكاة الفطر عنه.

حكم الزكاة من المعسر قبل غروب الشمس

المسألة الثانية:

أو أعسر.

إذا أعسر قبل غروب الشمس، فلا تجب عليه زكاة الفطر، ومَن أعسر بعد غروب الشمس، فيجب عليه إخراج زكاة الفطر؛ لأنها استقرت في ذمته.

وأيضًا من المسائل: مَن عَقَد على امرأةٍ بعد غروب شمس ليلة العيد لم يجب عليه إخراج فطرتها، أما إن عقد عليها قبل غروب الشمس ليلة العيد، فإن كان قد دخل بها فعليه فطرتها، أما إذا لم يكن قد دخل بها فلا تجب عليه فطرتها؛ لأنه لا تجب عليه نفقتها حتى يتسلمها، والفطرة تابعة للنفقة، ما دامت عند أهلها، فلا نفقة لها عليه.

ومن المسائل أيضًا المترتبة على هذا: لو وُلِد إنسان بعد غروب الشمس ليلة العيد لم يجب إخراج زكاة الفطر عنه، لكن يستحب كما سيأتي، أما لو وُلد قبل غروب الشمس ليلة العيد ولو بدقيقة واحدة، وجب إخراج زكاة الفطرة عنه.

هذه خمس مسائل مترتبة على قولنا: إن وقت وجوب زكاة الفطر هو غروب شمس ليلة العيد.

حكم زكاة الفطر على المسلمين

وهي واجبة على كل مسلم.

شروط زكاة الفطر

الإسلام

زكاة الفطر تجب على المسلمين، أما غير المسلمين فلا تجب؛ ولهذا جاء في حديث ابن عمر قال: على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين[21].

وبناء على ذلك: فالعمال من الخدم والسائقين وغيرهم من غير المسلمين لا تُخرَج عنهم زكاة الفطر، فلو كان مثلًا عند الإنسان سائق غير مسلم، أو خادمة غير مسلمة، فهؤلاء لا تخرج عنهم زكاة الفطر.

اليسار يوم العيد وليلته

يجد ما يَفضُل عن قوته وقوت عياله.

يعني: إنما تجب زكاة الفطر على مَن كان يجد قدرًا زائدًا عن قُوتِه وقوت عياله.

يومَ العيد وليلتَه.

وبناء على ذلك: فإن كثيرًا من الفقراء والمساكين اليوم يجب عليهم أن يدفعوا زكاة الفطر، ويجوز لهم في الوقت نفسه أن يأخذوا زكاة الفطر، لا مانع من أن يأخذوا زكاة الفطر باعتبارهم فقراء أو مساكين، وأن يخرجوها عن أنفسهم باعتبارهم يملكون زائدًا عن قوت يوم العيد وليلته، ولا مانع من ذلك؛ الجهة مُنْفكَّة.

بعد ما يحتاجه من مسكن وخادم ودابة وثياب بِذْلةٍ، وكتب علم.

يعني: إنما تجب زكاة الفطر على مَن يجد فاضلًا عن قوت يوم العيد وليلته، وأيضًا يجد فاضلًا عما يحتاجه من مسكن، فالمسكن من الحوائج الأصلية، والخادم إذا كان مثله يُخدَم، ودابة يعني مركوب، وهو في وقتنا الحاضر السيارة، وثياب بذلة، يعني الثياب التي يلبسها، وكتب علم إذا كان طالب علم.

فعلى كلام المؤلف لا تجب الزكاة إلا بعدما يجد فاضلًا عن هذه الحوائج التي ذكرها.

وقال بعض الفقهاء: يجب إخراج زكاة الفطر على من ملك فاضلًا عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته مطلقًا، من غير تقييد بالتقييدات التي أشار إليها المؤلف.

وهذا هو القول الراجح، ونقله المَرْداوي في “الإنصاف”، وذكر أن ابن حمدان في “الرعايتين” قدمه، وكذلك صاحب “الفائق”.

لأننا لو قلنا بقول المؤلف لأسقطنا زكاة الفطر عن كثير من الناس اليوم، إذا قلنا: لا بد من أن يُحصِّل أجرة المسكن، ولا بد من أن يحصل أيضًا أجرة الخادم، ولا بد من أن يحصل سيارة، ولا بد من أن يحصل الثياب والكسوة التي يحتاج إليها، وإن كان طالب علم لا بد من أن يحصل كتب علم. إذن تسقط زكاة الفطر عن كثير من الناس.

ولذلك؛ فالصواب هو القول الثاني: أن زكاة الفطر تجب بمجرد أن يملك فاضلًا عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته.

إخراج الزكاة عمن تلزمه نفقته

وتلزمه عن نفسه.

وهذا باتفاق العلماء.

وعمن يمونه من المسلمين.

يعني: عمن تلزمه نفقته من المسلمين، كالزوجة والأولاد، فيجب عليه أن يُخرج زكاة الفطر عنهم بالإجماع، وقد نقل الإجماعَ ابنُ المنذر وابن بطَّال، ورُوي هذا عن ابن عمر.

 وقال بعض العلماء: إن زكاة الفطر واجبة على الإنسان بنفسه، ولا يجب على غيره أن يُخرج زكاة الفطر عنه، ولو كان ممن تلزمه نفقته. وعلى هذا؛ فالزوجة تُخرج زكاة الفطر عن نفسها، والولد يخرج زكاة الفطر عن نفسه، والابن يخرج زكاة الفطر عن نفسه، والبنت تخرج زكاة الفطر عن نفسها. هذا القول رجحه الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله.

واستدلوا بحديث ابن عمر: “فرض رسول الله زكاة الفطر”[22]؛ قالوا: الأصل في الفرض أنه يجب على كل واحد بعينه.

وأيضًا بقوله سبحانه: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] قالوا: لا يجب على الإنسان أن يخرج زكاة الفطر عن غيره.

والقول الراجح هو قول الجمهور، وهو قول أكثر أهل العلم، وهو أن زكاة الفطر تجب على المسلم عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من الزوجة والأولاد؛ لما ذكرنا من الإجماعات التي نُقلت كإجماع ابن المنذر، وإجماع ابن بطال، وغيرهم، وأيضًا أثر ابن عمر؛ ولأن زكاة الفطر تابعة للنفقة، ما دام يجب عليه أن ينفق على زوجته وأولاده، فيجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عنهم.

وأما القول بأن الأصل في الفرض أنه يجب على كل واحد بعينه، نقول: هذا في الواجبات الشرعية من غير النفقات، وأما النفقات فهذه لها شأن آخر، الرجل قد يجب عليه أن ينفق على زوجته ولو كانت غنية، وكذلك يجب عليه أن ينفق على أولاده، وعلى أبيه وعلى أمه إذا احتاجا إليه، فالنفقة لها باب آخر غير الواجبات الشرعية.

ثم أيضًا يرد على هذا القول: ما إذا كان أولاده صغارًا، أطفالًا، كيف يُخرِجون الزكاة عن أنفسهم؟

أصحاب هذا القول استثنوا هذه المسألة، فقالوا: الأطفال الذين لا مال لهم يجب على آبائهم أن يخرجوا زكاة الفطر عنهم. وهذا مما يُضعف هذا القول، فكما ذكرنا في دروس سابقةٍ: مِن علامات القول المرجوح ورودُ الاستثناءات عليه، ومن علاماتِ القولِ الراجحِ قلةُ الاستثناءات الواردة عليه.

فالقول الراجح إذن أن زكاة الفطر تجب على الإنسان وعلى مَن تلزمه نفقته: من زوجة، ومن أولاد، ومن وَالِدَيْن وغيرهم ممن تلزمه نفقته، يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عنهم.

إذا عجز عن إخراج زكاة الفطر عن بعض أفراد أسرته

فإن لم يجد لجميعهم.

يعني: إنسان فقير ما يستطيع أن يخرج الزكاة عن نفسه، وعن زوجته وأولاده مثلًا، وهذه يعني قد تكون في بعض الأحوال التي يكون فيها فقر شديد، وهذا قد مر، يعني يوجد في بعض بلدان العالم الإسلامي، وأيضًا مر في بعض الأزمنة، يعني أصحاب السير والتراجم ذكروا أنه أصاب مصرَ مجاعةٌ شديدة حتى أصبح الناس يأكل بعضهم بعضًا، ذكر هذا ابن كثير في “البداية والنهاية” وغيره.

فهنا يَبدأ بنفسه، إذا لم يجد فِطْرَةً تكفي الجميع يبدأ بنفسه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ابدأ بنفسك[23].

فزوجتِه.

الزوجة تَلِيه، وهي مُقدَّمة هنا على الأم والأب؛ لأن الإنفاقَ عليها على سبيل المعاوَضة، يعني مقابل الاستمتاع، تقول: إما أن تنفق أو تُطلِّق؛ ولذلك إذا كانت ناشزًا تسقط نفقتها، وتجب نفقتها في حال اليسار والإعسار، بخلاف نفقة الوالدين فهي إنما تجب في حال اليسار.

فرقيقِه.

يعني: يلي الزوجةَ الرقيقُ المملوك؛ لأنها تجب في حال اليسار والإعسار.

فأمه فأبيه.

يعني: بعد زوجتِه ورقيقه الوالدان، وقدَّم المؤلف الأمَّ على الأب لأن الأم أعظم حقًّا من الأب.

فولدِه.

بعدهم الولد.

فهنا المؤلف قدَّم الأم والأب على الولد، وهذا هو المذهب؛ لأن الأم والأب آكَد حقًّا، وإن كان الولد الأقرب في الميراث، لكن كما ذكرنا باب النفقات لها شأن آخر.

ثم الأقرب فالأقرب في الميراث؛ ولهذا قال المؤلف:

فأقرب في الميراث.

هذا إذا كان يجب عليه الإنفاق عليهم، وأما إذا كان لا يجب عليه الإنفاق عليهم فلا يلزمه إخراج زكاة الفطر عنهم.

إخراج زكاة الفطر عن الأخ والأخت

الجواب: إذا كان يلزمه النفقة عليهم وجب عليه أن يُخرج زكاة الفطر عنهم، أما إذا كان لا يجب عليه النفقة عليهم، فلا يجب عليه إخراج زكاة الفطر عنهم.

طيب، متى يجب عليه أن ينفق على أخيه أو أخته؟

الجواب: إذا كان وارثًا لهم، كما قال الله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]؛ يعني: لو مات أخوه لورثه، أو لو ماتت أخته ورثها، هنا يجب عليه أن ينفق عليها، ويجب عليه أن ينفق على أخيه، ويجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عنهما.

زكاة الفطر على من تبرع بمؤونة شخصٍ شهرَ رمضان

وتجب على من تبرع بمؤونة شخص شهر رمضان.

هذا قد رُوي عن الإمام أحمد؛ لو أن أحدًا تكفل بنفقة شخصٍ طيلة شهر رمضان، أو نزل عليه ضيفٌ مثلًا، يقولون: إنه عليه أن يؤدي زكاة الفطر عنه.

واستدلوا بحديث: أَمَر رسول الله بصدقة الفطر عن الصغير والكبير، والحر والعبد ممن تمونون. رواه البيهقي[24]، لكنه ضعيف.

والقول الثاني: لا يجب عليه إخراج زكاة الفطر في هذه الحال، وهو قول أكثر أهل العلم، وهو القول الراجح؛ لأنه لا تلزمه نفقته، فلا يلزمه إخراج زكاة الفطر عنه، فهو متبرع أصلًا بنفقته، فكيف نوجب عليه فطرته!

لا على من استأجر أجيرًا بطعامه.

هذا ظاهرٌ أنه لا يجب عليه إخراج زكاة الفطر عنه.

طيب، هل يجب عليه أن يُخرج زكاة الفطر عن الخادمة وعن السائق؟

الجواب: لا، لا يجب، ولكن يستحب، لكنه إذا أراد أن يخرج زكاة الفطر عنهما فلا بد أن يخبرهما ويستأذن منهما؛ لأن بعضهم قد لا يرضى، قد يقول: لا، أنا أخرج زكاة الفطر عن نفسي، أو أوكل أهلي بإخراج زكاة الفطر عني في بلدي.

زكاة الفطر عن الجنين

وتسن عن الجنين.

لما رُوي عن عثمان[25]: أنه كان يُعطي صدقة الفطر عن الحَبَل. أخرجه عبدالرزاق في “المصنف”[26]، وهذا الأثر ضعيف لا يصح عن عثمان مع شهرته.

لكن رُوي عن أبي قلابة أنه قال: كانوا يعطون صدقة الفطر حتى يُعْطُونَ عن الحَبَل[27]، يعني: عن الحمل.

ومثله عن سليمان بن يسار[28].

وهذا يدل على أن إخراج زكاة الفطر عن الجنين أنها من عمل السلف؛ ولهذا نقول: إنه يستحب إخراج زكاة الفطر عن الجنين.

ونقل هذا ابن المنذر، فقال: أجمعوا على أنه لا زكاة على الجنين في بطن أمه.

وقال الموفق ابن قدامة: المذهب أن الفِطْرة غير واجبة على الجنين، وهو قول أكثر أهل العلم.

لكن يستحب إخراجها عنه؛ والمقصود بالجنين الذي يستحب إخراج زكاة الفطر عنه هو من كان عمره أربعة أشهر فأكثر؛ لأن الرُّوح إنما تُنفخ في الإنسان إذا بلغ أربعة أشهر فأكثر، أما قبل أربعة أشهر فليس بإنسان، ما زال نطفة أو علقة أو مضغة، وإنما يصبح إنسانًا مُركَّبًا من جسد وروح بعد أربعة أشهر وهو في بطن أمه.

وعلى هذا؛ فزكاة الفطر يستحب إخراجها عن الجنين إذا كان عمره أربعة أشهر فأكثر، أما إذا كان عمر الحمل في البطن أقل من أربعة أشهر فلا يستحب إخراج زكاة الفطر عنه.

أفضل وقت لإخراج زكاة الفطر

ثم قال المصنف رحمه الله:

فصل: والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة.

لحديث ابن عمر: “فرض رسول الله زكاة الفطر” إلى أن قال: “وأمر بها أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة[29]؛ ولأن المقصود منها إغناء الفقراء يوم العيد عن السؤال من أجل أن يشاركوا الأغنياء فرحتهم.

لكن يعني كان هذا لما كانت أمور الناس ميسورة، ولم يكن عددهم كبيرًا، وبإمكان الإنسان أن يوزع زكاة الفطر بعد صلاة الفجر بكل يسر وسهولة.

أما في وقتنا الحاضر، فإنه لو انشغل بتوزيع زكاة الفطر قبل خروجه لصلاة العيد، ربما فاتته صلاة العيد، وربما أصلًا لا يجد الفقراء والمساكين، فكثير منهم يكون قد ذهب للمصلى، وربما يجد زحامًا، وقد يجد صعوبة.

ولذلك؛ نقول: إن الأفضل في وقتنا الحاضر في زكاة الفطر إخراجها ليلة العيد؛ لأن إخراجها يوم العيد قبل الصلاة قد يُفضي إلى تفويت صلاة العيد، لكن لو كان يغلب على ظنه أنه لن يؤدي هذا إلى تفويت صلاة العيد، وأنه يستطيع أن يصل للفقراء والمساكين قبل صلاة العيد، يعني بعد صلاة الفجر وقبل صلاة العيد، فلا شك أن هذا هو الأكمل والأفضل.

حكم إخراج زكاة الفطر بعد صلاة العيد

وتكره بعدها.

يعني: يكره إخراج زكاة الفطر بعد صلاة العيد، هذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو قول الجمهور؛ لأنه يَفُوت به المقصود، وهو إغناء الفقراء عن السؤال يوم العيد، فإن الفقير إذا وصلت إليه قبل الصلاة انتفع بها أكثر، وشارك الغني فرحته بالعيد، بخلاف ما إذا وصلت إليه بعد صلاة العيد.

وقال بعض أهل العلم: إنه يحرم تأخير إخراجها إلى ما بعد صلاة العيد. وهو قولٌ عند الحنابلة، واختاره ابن تيمية رحمه الله، وهو القول الراجح؛ لأن النبي أمر بها أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة.

فإذا أخرها حتى يَخرج الناس من الصلاة، فقد عمل عملًا ليس عليه أمر الله ورسوله.

فالقول الراجح إذن: أن زكاة الفطر يجب إخراجها قبل صلاة العيد، وأن إخراجها بعد صلاة العيد غير مجزئ، وتصبح صدقةً من الصدقات.

وهذا نظير تعليق الأضحية في العيد بصلاة العيد، وأن من ذبح قبل الصلاة لم تكن ذبيحته أضحية، وإنما شاة لحم، ومن ذبح بعد الصلاة كانت أضحية.

ويحرم تأخيرها عن يوم العيد مع القدرة.

للأدلة السابقة.

قضاء زكاة الفطر

ويقضيها.

يعني: لو أخرها عن يوم العيد وجب عليه أن يقضيها مع التوبة، لكن إذا أخرها عن يوم العيد أو عن صلاة العيد نسيانًا أو خطأ، وهذا يحصل من بعض الناس؛ يوكل غيره ثم ينسى الوكيل، فمتى ما علم أو ذكر فإنه يقضيها ولو بعد يوم العيد، ولا يأثم بالنسيان.

مثال ذلك: مثلًا في رمضان العام الماضي، رجل وكَّل شخصًا بأن يخرج عنه زكاة الفطر، ثم هذه الأيام لقي فلانًا، قال: يا فلان أنت أخرجتَ عني زكاة الفطر؟ قال: لا، والله نسيت. فنقول: أَخْرِجْها الآن، أَخرِجْ زكاة الفطر الآن قضاءً، ولا شيء عليك؛ لأنك معذور في هذا.

حكم إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيومين

وتجزئ قبل العيد بيومين.

لما جاء في “صحيح البخاري” عن نافع قال: وكان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين[30].

قال الموفق ابن قدامة: وهذا إشارة إلى جميعهم، فيكون إجماعًا.

لأن تعجيلها بهذا القدر لا يُخل بالمقصود منها، والظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد، وأيضًا لقصة أبي هريرة لما وكَّله النبي عليه الصلاة والسلام بحفظ زكاة الفطر، فأتاه الشيطان في المرة الأولى على صورة رجل فقير، يعني وجد شيطانًا على صورة رجل، فأراد أن يمسكه، فادعى حاجة وفقرًا، ثم أطلقه، وفي اليوم الثاني كذلك، وفي اليوم الثالث قال: لأرفعنك إلى رسول الله . فقال: لَأُخْبِرُك بشيءٍ ينفعك الله به.

يعني: كان الصحابة يحرصون على العلم أكثر من حرصهم على المال.

قال: بلى. قال: إذا أَوَيْتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فذكر ذلك أبو هريرة للنبي عليه الصلاة والسلام، فقال: صدقك وهو كذوب[31].

فأبو هريرة كان يجمع زكاة الفطر، يعني قبل العيد بيوم أو يومين، وحتى أيضًا من بعض الروايات ثلاثة أيام، فدل هذا على أنه يجوز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين.

على أنه قد يقال في قصة أبي هريرة: إن هذا مجرد وكالة، وإن الإخراج شيء آخر، والوكالة تصح ولو كانت قبل رمضان، لك من الآن أن توكل شخصًا، تقول: “إذا أتى وقت إخراج زكاة الفطر أَخرِجْ عني زكاة الفطر”، فقد لا يستقيم هذا الاستدلال، لكن ذكره بعض أهل العلم، فأحببت الإشارة إليه.

طيب، إذن تجزئ قبل العيد بيوم أو بيومين، إذا أردنا أن نضبط الوقت الدقيق لبداية وقت إخراج زكاة الفطر، فنقول:

إنه يبتدئ وقت إخراج زكاة الفطر بغروب الشمس من اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان، ولو أخرجها في اليوم الثامن والعشرين نفسه، أو أخرجها في ليلة الثامن والعشرين، فإن تم الشهر ثلاثين يومًا، فإنها لا تجزئ؛ لأنه يكون قد أخرجها قبل العيد بثلاثة أيام. أما إذا كان الشهر ناقصًا، فإنها تجزئ.

أنواع الأطعمة التي تُخرَج في زكاة الفطر

والواجب عن كل شخصٍ: صاعُ تمرٍ أو زبيبٍ أو بُرٍّ أو شعيرٍ أو أَقِطٍ.

لحديث أبي سعيد: كنا نُخرِج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب[32].

ويجزئ دقيق البُرِّ والشعير إذا كانا وَزْنَ الحَبِّ.

يعني: إذا طُحن البُرُّ فيُجزئ في زكاة الفطر، وقد جاء في حديث أبي سعيد السابق: “أو صاعًا من دقيق”، لكن هذه الزيادة غير محفوظة.

لكن من حيث المعنى: الدقيق هو أجزاء للحَبِّ، يمكن كيله وادخاره وطحنه، فإذا أخرجه يجزئ في زكاة الفطر، بشرط أنه يكون بمقدار وزن الحب؛ لأن الحب إذا طُحن انتشرت أجزاؤه فينقص وزنه، لكن لو قسنا هذا الصاع ووجدناه قدر الحب فيجزئ.

ولذلك نقول: لا بأس بإخراج زكاة الفطر دقيقًا، بشرط أن يكون صاعًا، يزنه صاعًا من دقيق، ولا يزنه صاعًا من الحب قبل طحنه.

ويُخرِج مع عدم ذلك ما يَقوم مقامه مِن حبٍّ يُقْتات، كذُرَة ودُخْنٍ وباقِلَاء.

يعني: إذا عَدِمَ هذه الخمسةَ، فيُخرج ما يقوم مقامها، (ويُخرج مع عدم ذلك)، يعني: إذا عدمت هذه الأشياء الخمسة (ما يقوم مقامه من حب يقتات كذرة ودخن وباقلاء)؛ أي: إذا عدم هذه الخمسة فيخرج ما يقوم مقامها من الحبوب التي تقتات كالذرة والدخن ونحوها.

وقال بعض أهل العلم: إن الواجب في زكاة الفطر هو إخراجها طعامًا مما يقتاته أهل البلد، سواء أكان من هذه الأصناف الخمسة أو من غيرها. وهذا هو القول الراجح.

وعلى هذا؛ فلا بأس بإخراجها من الأرز في وقتنا الحاضر؛ لأنه طعام طيب يقتاته الناس؛ ولقول أبي سعيد: “كنا نخرج في عهد رسول الله يوم الفطر صاعًا من طعام”، قال أبو سعيد: وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر[33].

حكم إخراج زكاة الفطر من الشعير في الوقت الحاضر

الجواب: لا يجزئ؛ لأن الشعير في عهد النبي كان طعامًا للآدميين، أما في وقتنا الحاضر عندنا هنا في المملكة العربية السعودية وفي دول الخليج العربي، فلم يعد طعامًا للآدميين وإنما أصبح علفًا للبهائم، إلا في البلدان التي لا يزال الشعير فيها طعامًا للآدميين، فيجزئ إخراجه في زكاة الفطر، أما عندنا في المملكة وفي دول الخليج العربي فالشعير إنما أصبح طعامًا للبهائم، وعلفًا للبهائم.

ولذلك؛ لو أنك أعطيت فقيرًا شعيرًا فإنه لا يقبل، أعطيته يوم العيد شعيرًا، تقول: هذه هي زكاة الفطر، لا يَقبل، بل ويغضب عليك، ويرى أنك تسخر به، وتستهزئ به، كيف تعطيه شعيرًا؟! والشعير الآن هو علف للبهائم.

ومثل ذلك الأَقِط أيضًا، يقال في الشعير ما يقال في الأَقِط.

فإن قال قائل: أليس الشعير منصوصًا عليه؟

الجواب: ليس منصوصًا عليه، يكون منصوصًا عليه لو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال للأمة: أَخرِجوا زكاةَ الفطر من التمر، ومن البُرِّ، ومن الشعير، وما قال النبي عليه الصلاة والسلام هكذا، إنما أمر الصحابة بأن يُخرجوا زكاة الفطر من طعامهم، وكان طعامهم هو هذه الأصناف الخمسة: التمر والبر والشعير والزبيب والأَقِط، هذه الأصناف الخمسة.

فيعني لم يرد هذا من كلام النبي عليه الصلاة والسلام حتى نقول: إنه منصوص عليه.

بعض طلبة العلم يقول: كيف تقول: إنه لا يجزئ إخراج الشعير، وهو منصوص عليه؟!

نقول: لا نُسلِّم أصلًا أنه منصوص عليه، إنما المنصوص عليه أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر الصحابة بأن يخرجوا زكاة الفطر من طعامهم، وكان طعامهم من هذه الأصناف الخمسة.

فهذه مسألة دقيقة ينبغي أن تفهم على وجهها الصحيح؛ ويعني كما ذكرت أيضًا تربط مقاصد الشريعة؛ مقصود الشريعة من زكاة الفطر: يعني هل يليق أن نقول: “أعط هذا الفقير زكاة الفطر من الشعير” وأنت ترى أنه إنما هو طعام للبهائم؟ الفقير يرى أنك أسأت له بذلك؛ ولذلك يغضب عليك، كيف تعطيه شعيرًا وهو في البلد يعتبر علفًا للبهائم وليس للآدميين.

ولهذا؛ نُقل عن الإمام مالك، وكذلك أيضًا عن الإمام الشافعي، أنهما قالا: إذا كان أهل البلد لا يأكلون الشعير، فإنه لا يجزئ إخراج زكاة الفطر من الشعير. وهذا قد ذكره المالكية، ونقلوه عن الإمام مالك، وهو أيضًا قول عند الشافعية.

مقدار زكاة الفطر

مقدار زكاة الفطر يعني صاعًا من طعام، ويعني هذا ورد بالكيل، والكيل أدق من الوزن.

الكيل هو تقدير الشيء بالحجم، والوزن هو تقدير الشيء بالثِّقْل.

ولذلك؛ في زكاة الفطر، إذا أردنا أن نقدرها فلا بد من أن نحولها من الكيل إلى الوزن.

الناس الآن لو قلتَ لهم: أَخرِجوا صاعًا من أرز مثلًا، ما يعرفون مقدار الصاع، مع أنه يفترض وجود صاع، يعني يقال: هذا هو الصاع النبوي، وأن مقداره كذا يكون بالحجم، هذا هو الأفضل والأحسن، لكن نحن الآن أمام الأمر الواقع، الناس يقولون: كم مقدار زكاة الفطر بالكيلو جرامات؟ فنريد أن نعرف كم مقدار زكاة الفطر بالكيلو جرامات.

العلماء المعاصرون اختلفوا في تقدير الصاع بالكيلو جرامات، وأكثر ما قيل ثلاثة كيلو جرامات، وأقل ما قيل كيلوان وأربعون جرامًا.

والفقهاء السابقون لم يتركوا هذه المسألة، بحثوها وذكروا تقديرها تقديرًا دقيقًا.

فجمهور الفقهاء يرون أن الصاع يزن بالبر الجيد خمسة أرطال عراقية وثلث رطل، والرطل يزن 128 درهمًا وثلاثة أسباع الدرهم، والدرهم يزن 2,97 جرامًا.

فتكون النتيجة: الصاع: خمسة وثلث × مائة وثمانية وعشرين وثلاثة أسباع × اثنين فاصلة سبعة وتسعين.

تكون النتيجة: 2035 أو 2036 جرام، يعني كيلوان وستة وثلاثون جرامًا، وهو قريب من تقدير الشيخ ابن عثيمين بكيلوين وربع.

وإذا أردنا أن نحتاط لاختلاف أوزان ما يوضع في هذا الصاع نجعله كيلوين وربع.

فعلى هذا نقول: إن الصاع يعادل تقريبًا بالأرز كيلوين وربع.

لكن لو أراد الإنسان أن يحتاط خروجًا من الخلاف وقال: أنا أخرجها ثلاثة كيلو جرامات فلا بأس، وينوي الزائد صدقة.

ويجوز أن تُعطي الجماعةُ فِطْرتَهم لواحدٍ.

يعني: يجوز لأكثر من شخص أن يعطي زكاة الفطر لفقير واحد باتفاق العلماء.

وأن يعطي الواحدُ فِطْرتَه لجماعةٍ.

لأن النبيَّ قدَّر المُعطَى ولم يُقدِّر الآخذ.

إخراج القيمة في زكاة الفطر

ولا يجزئ إخراج القيمة في زكاة الفطر.

وهذه المسألة فيها قولان للفقهاء:

  • القول الأول: أنه لا يجزئ إخراج القيمة في زكاة الفطر، وإليه ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.
  • والقول الثاني: أنه يجزئ إخراجها نقدًا، وهو مذهب الحنفية.

والراجح هو قول الجمهور، وهو أنه لا يجزئ إخراج زكاة الفطر نقدًا، وإنما يجب إخراجها طعامًا؛ لأن السنة إنما وردت بإخراجها طعامًا، وقد كانت النقود موجودة في عهد النبي .

وما يقوله بعض الناس: إن النقود أنفع للفقير من الطعام، يقال أيضًا: حتى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام النقود أنفع للفقير من الطعام، فلماذا لم يأمر النبي بإخراجها نقدًا؟

ثم أيضًا هناك أمر آخر: وهو أن زكاة الفطر شعيرة، وهذه الشعيرة لا بد أن تُخرَج وتبرز في المجتمع، ويراها الصغير والكبير، والذكر والأنثى، يراها الجميع، وحتى تبرز هذه الشعيرة لا بد أن تكون طعامًا، لو كانت نقودًا لأصبحت من جنس زكاة المال، ومن جنس الصدقات، وأصبحت خفية، ولم تظهر هذه الشعيرة.

فالقول الراجح هو إخراجها طعامًا، وأما القائلون بإخراجها نقدًا فقط، عللوا بأن هذا أنفع للفقير، وقد ناقشنا هذه المسألة.

فالصواب إذن قول الجمهور: وهو أن زكاة الفطر لا بد أن تكون طعامًا، ولا يجزئ أن تُخرَج نقدًا.

 حكم شراء الزكاة والصدقة

ثم المؤلف رحمه الله ختم باب زكاة الفطر بمسألة ليس لها علاقة بزكاة الفطر، يعني ما أدري ما الباعث على إقحام هذه المسألة هنا! قال:

ويحرم على الشخصِ شراءُ زكاته وصدقته، ولو اشتراها مِن غيرِ مَن أخذها منه.

يحتمل أن المؤلف رأى أن بعض الناس قد يبيع زكاة الفطر مثلًا، إذا كان فقيرًا، قد يبيع زكاة الفطر، قد يخرج زكاة الفطر عن نفسه؛ لكونه يملك فاضلًا عن قوت يوم العيد وليلته، ثم يريد أن يشتريها، فيحتمل أن هذا هو مراد المؤلف.

على كل حال، نحن نبحث هذه المسألة سواء كان هذا هو مراد المؤلف أو لم يكن.

 ويحرم على الشخص شراء زكاته وصدقته ولو اشتراها من غير من أخذها منه.

ويدل لذلك حديث عمر، قال: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنه يبيعه برُخْص، فسألت النبي فقال: لا تشتره، ولا تَعُد في صدقتك وإن أعطاكَهُ بدرهم، فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه متفق عليه[34].

فالإنسان إذا تصدق لا يجوز له أن يشتري صدقته، ولا يجوز له أن يرجع في هبته.

فإن قال قائل: المنة ظاهرة في العائد في هبته، لكن من يريد أن يشتري صدقته أو زكاته فأين المنة؟

الجواب: أن هذا الفقير في الغالب سوف يتحرج من هذا المتصدق، ويبيع السلعة عليه بأقل من قيمتها، وربما لحقه شيء من المنة؛ ولهذا حسم النبي هذه المسألة، فمنع الإنسان من شرائه صدقته.

فإذا كان لك زكاة أو صدقة فلا يجوز لك أن تشتريها من هذا الفقير، يعني تصدقت على إنسانٍ دفعتَ له زكاة، لا يجوز لك أن تشتريها منه، حتى ولو كان الشراء بطريق غير مباشر، حتى لو اشتراها مِن غير مَن أخذها منه، فلا يجوز ذلك حسمًا لهذا الباب؛ لأنه قد يتحرج هذا البائع وقد يلحقه شيء من المنة والأذى.

وبهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن أحكام زكاة الفطر.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

الأسئلة

طيب، نجيب عما تيسر من الأسئلة:

السؤال: ما حكم المرأة التي كانت حاملًا في رمضان العام الماضي ولم تقضِ، وفي رمضان هذه السنة ما زالت تُرضع، هل يجوز الإطعام؟ لأن رمضان قد تراكم عليها.

الجواب: هذه يجب عليها القضاء، وليس لها أن تطعم وهي قادرة على القضاء، والله تعالى يقول: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ [البقرة:185]، وكان ينبغي لها أن تقضي؛ لأن الرضاعة في الوقت الحاضر لا تمنع من القضاء، فالرضاعة أصبحت ميسورة.

والآن، مع وجود الحليب المجفف، أصبح لا يشق على المرضعِ الصيامُ، فكان ينبغي لها أن تقضي، خاصة في أيام الشتاء التي يقصر فيها النهار، لكن ما دام الآن أدركها رمضان وهي لم تقض، فعليها أن تقضي بعد رمضان، يلزمها أن تقضي بعد رمضان.

السؤال: هل يجب على المريض الذي لديه كيس الإخراج في البطن: الاستنجاء عند كل صلاة؟

الجواب: لا يجب عليه ذلك، وإنما يستحب له، وهذا يسميه العلماء “صاحب الحدث الدائم”؛ لأن الذي معه كيس الإخراج يخرج منه، هذا الحدث بصفة مستمرة، فهنا يتوضأ ولا يضره ما يخرج في هذا الكيس، ويستحب له أن يتوضأ عند دخول وقت كل صلاة، ولا يجب على القول الراجح؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على الوجوب.

وأما حديث: ثم توضئي لكل صلاة[35]، فهذا مُدرَج من قول عروة وليس من كلام النبي ؛ ولهذا فهذه الزيادة لم يخرجها الإمام مسلم، وأشار الحافظ ابن رجب إلى أنها غير محفوظة.

فالقول الراجح هو ما اختاره ابن تيمية وجمع من المحققين من أهل العلم من أن صاحب الحدث الدائم يستحب له أن يتوضأ لوقت كل صلاة، ولا يجب عليه ذلك.

وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال للفقهاء:

القول الأول: أنه يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة، وهذا هو مذهب الشافعية.

القول الثاني: أنه يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة. لاحظ الفرق: القول الأول: لكل صلاة، والثاني: لوقت كل صلاة، وهو مذهب الحنابلة والحنفية.

الفرق بين القول الأول والثاني: أن الأول لكل صلاة؛ يعني لو جمع بين صلاتين يتوضأ للأولى ثم الثانية، والقول الثاني لا، لوقت كل صلاة، الوقت كله.

القول الثالث: أنه يستحب أن يتوضأ لوقت كل صلاة ولا يجب، وهو مذهب المالكية، وهو القول الراجح.

السؤال: ما حكم التعطر في نهار رمضان؟

الجواب: لا بأس به، ولا يؤثر على الصيام، بعض العامة يعتقد أن العطر يؤثر على الصيام، هذا غير صحيح، فالتعطر للصائم لا بأس به، الصائم وغير الصائم في ذلك سواء.

السؤال: ما حكم شراء بيت عن طريق بنك الراجحي؟

الجواب: لا بأس بذلك؛ لأن البنك عندما تحدد له البيت يُقيِّم هذا البيت ثم يشتريه من مالكه، ثم يبيعه عليك بثمن مقسط، أو يؤجره عليك تأجيرًا منتهيًا بالتمليك، وهذا كله لا بأس به، المهم أن تكون علاقتك أنت بالبنك.

وليست علاقتك بالمالك؛ لأن بعض الناس يذهب للمالك ويعطيه عربونًا، وهذا لا يجوز؛ لأنك لا تشتري أنت من المالك، إنما تشتري من البنك، تقول للبنك: اشترِ هذا البيت وبِعْه عليَّ.

فإذن، تكون علاقتك بالبنك، ولا يجوز لك أن تدفع العربون، لا لصاحب مكتب العقار، ولا للمالك، وإنما تقول للبنك: اشتروا لي هذا البيت. فالبنك يشتري هذا البيت، ثم يبيعه عليك بثمن مؤجل، أو يؤجره عليك تأجيرًا منتهيًا بالتمليك، فلا بأس بذلك.

السؤال: هل الدعاء بعد الأذان وعند السجود له استفتاح؟

الجواب: أما بعد الأذان فيكفي متابعة المؤذن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: قل مثل ما يقول[36]، ثم سل تعطه، تتابع المؤذن، ومتابعة المؤذن هي يعني مقدمة بين يدي الدعاء إلا في الحيعلتين، تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم إذا فرغ المؤذن تصلي على النبي عليه الصلاة والسلام، ثم تأتي بالذكر الوارد: اللهم رب هذه الدعوة التامة إلخ[37]، ثم تدعو الدعاء، فهذا الموطن حَرِيٌّ بالإجابة.

الدعاء عند السجود، الأفضل أنك تقدم بين يدي الدعاءِ الثناءَ على الله ثم الصلاة على رسوله؛ لأن النبي لمَّا سمع رجلًا يدعو ولم يُثن على الله ولم يُصَلِّ على رسوله، قال: عَجِلَ هذا[38].

فإذا أردت أن تدعو في السجود ينبغي أن تقدم بين يدي الدعاءِ الثناءَ على الله سبحانه، والله تعالى قد علمنا هذا في سورة الفاتحة، فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] هذا كله ثناء وتمجيد لله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، ثم بعد ذلك أتى الدعاء: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6].

السؤال: هل الثلث الأخير من الليل كله موضع إجابة، أو قبيل أذان الفجر أرجى؟

الجواب: الثلث الأخير من الليل هو وقت نزول الرب جل جلاله إلى السماء الدنيا، يقول عليه الصلاة والسلام: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟[39] وهذا يدل على أن ثلث الليل الأخير كله من أوقات الإجابة.

لكن صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: إن في الليل ساعة يعني لحظات لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه[40] وهذه الساعة ساعة الإجابة في الليل، أُخفيت كما أخفيت ساعة الإجابة في يوم الجمعة.

وأقرب ما قيل: إنها آخر الليل، يعني اللحظات التي تسبق أذان الفجر.

وعلى هذا؛ فالثلث الأخير من الليل كله وقت دعاء، والدعاء فيه حَرِيٌّ بالإجابة، يتأكد من ذلك آخره.

السؤال: دخلت إلى مصلى الجامعة مع دخول وقت الصلاة، فصليت لوحدي، وأنا أقول في نفسي: إذا أتى أحد سأجعل صلاتي سنة، وإذا لم يأت أحد سأكملها، هل يجوز؟

الجواب: نعم، يجوز، لا بأس بذلك، إذا لم تجد أحدًا تنوي أنك تصليها فرضًا، لكن لو قُدر أنك سمعت بجماعة أقيمت فتقلب هذه الفريضة إلى نافلة وتدخل معهم حتى تحوز على أجر الجماعة.

وكونك تقول هذا في نفسك، هذا لا يؤثر على صحة الصلاة، صلاتك صحيحة.

السؤال: أخذتُ قرضًا من البنك، وسوف يكمل سنة في شهر ذي القعدة، هل عليه زكاة؟

الجواب: أولًا تسميته بقرضٍ تسميةٌ غير دقيقة، يعني الأحسن أن تقول: أخذت تمويلًا من البنك، يعني التمويل بطريق المرابحة، وبطريق التورق، كثير من الناس يسمونه قرضًا، وهو ليس قرضًا، هو تمويل.

إذا بقي عندك مبلغ التمويل سنة كاملة، فتجب فيه الزكاة؛ لأن هذا المال الذي بقي عندك سنة، ما حركته، تعلق به حق الفقراء والمساكين وأصحاب الزكاة، لكن إذا كان عليك ديون حالَّة، فتخصمها من هذا المبلغ؛ يعني أخذت تمويلًا بمائة ألف مثلًا وبقي عندك سنة، طيب عند تمام السنة عليك قسط بعشرة آلاف، تخصم العشرة آلاف من المائة ألف، يعني أنك تزكي تسعين ألفًا، فالديون الحالَّة تُخصم من المبلغ الذي تريد أن تزكيه، أما الديون المؤجلة فلا أثر لها.

ونكتفي بهذا القدر، وهذا هو الدرس الأخير في هذا العام الهجري، وإن شاء الله نستأنف الدرس العام القادم بإذن الله .

جرت العادة أننا نتوقف فترة رمضان والإجازة الصيفية؛ لأن كثيرًا من طلابنا يرغبون في ذلك، ويرون أن وقت الإجازة يعني غير مستقر، وتكون فرصة أيضًا لمراجعة الدروس السابقة.

فنتوقف هذه الفترة، فترة رمضان وشوال وذي القعدة وذي الحجة، ونستأنف إن شاء الله الدرس في الثاني والعشرين من شهر محرم من عام 1443 للهجرة إن شاء الله تعالى.

خلال هذه المدة في رمضان وما بعده سيكون إن شاء الله تعالى هناك محاضرات ودورات ولقاءات علمية، يعلن عنها عبر حسابي على تويتر، وعلى حساب مؤسسة منارات الهدى إن شاء الله تعالى.

فعلى من أراد المتابعة معنا، لكن هذا الدرس سيتوقف هذه الفترة، ويُستأنف إن شاء الله في 22 من شهر محرم من عام 1443 للهجرة، فإلى ذلك الحين أستودعكم الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 2028.
^2 رواه البخاري: 2018، ومسلم: 1167.
^3 رواه البخاري: 2033، ومسلم: 1172.
^4 رواه البخاري: 2043، ومسلم: 1656.
^5 رواه البخاري: 2024، ومسلم: 1174.
^6 رواه البخاري: 3101، ومسلم: 2175.
^7 رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907.
^8 رواه أبو داود: 232.
^9 رواه البيهقي في “الكبرى”: 8571.
^10 رواه أبو داود: 2473.
^11 رواه البخاري: 2026، ومسلم: 1172.
^12 رواه الدارقطني: 2357.
^13 رواه البيهقي في “الكبرى”: 8574.
^14, ^16, ^17, ^29 سبق تخريجه.
^15 رواه أبو داود: 3305.
^18 رواه البخاري: 5089، ومسلم: 1207.
^19 رواه أبو داود: 3594، والترمذي: 1352.
^20 رواه أبو داود: 1609، وابن ماجه: 1827.
^21, ^22 رواه البخاري: 1503، ومسلم: 984.
^23 رواه مسلم: 997.
^24 رواه البيهقي في “الكبرى”: 7685، والدارقطني في “السنن”: 2077.
^25 رواه ابن أبي شيبة في “المصنف”: 11047.
^26 رواه عبدالرزاق في “المصنف”: 5788.
^27 رواه عبدالرزاق في “المصنف”: 5788، وابن أبي شيبة في “المصنف”: 10654.
^28 رواه عبدالرزاق في “المصنف”: 5790.
^30 رواه البخاري: 1511.
^31 رواه البخاري: 2311.
^32 رواه البخاري: 1506، ومسلم: 985.
^33 رواه البخاري: 1510.
^34 رواه البخاري: 1490، ومسلم: 1620.
^35 رواه البخاري: 228.
^36 رواه البخاري: 611، ومسلم: 383.
^37 رواه البخاري: 614.
^38 رواه أحمد: 23937، وأبو داود: 1481، والترمذي: 3477.
^39 رواه مسلم: 758.
^40 رواه مسلم: 757.
zh