عناصر المادة
ننتقل بعد ذلك للتعليق على السلسبيل في شرح الدليل، وكنا قد وصلنا إلى شروط وجوب الزكاة، وأخذنا مقدمة في تعريف الزكاة وحُكمها وحُكم مَن جحدها ونحو ذلك، ووقفنا عند شروط الوجوب.
شروط وجوب الزكاة
قال المصنف رحمه الله:
شرط وجوبها خمسة أشياء: أحدها الإسلام؛ فلا تجب على الكافر.
الشرط الأول: الإسلام
الشرط الأول من شروط وجوب الزكاة: الإسلام، فلا تجب الزكاة على الكافر بالإجماع؛ لقول الله : وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه [التوبة:54]، ولحديث ابن عباس لمَّا بعث النبيُّ معاذًا إلى اليمن، وجاء فيه: فإن هُمْ أطاعوا لذلك؛ فأَعْلِمهم أن الله افترض عليهم يعني: على المسلمين صدقةً في أموالهم؛ تؤخذ من أغنيائهم وتُرَدُّ على فقرائهم[1]؛ فجعل النبيُّ الإسلامَ شرطًا لوجوب الزكاة، والإجماع قائم على هذه المسألة -كما ذكرنا-.
قال:
ولو مرتدًّا.
يعني: لو كان مرتدًّا لا تجب عليه الزكاة؛ لأن المرتد كافر.
يتفرع عن هذه المسألة من المسائل المعاصرة؛ وهي مسألة الشركات غير المسلمة التي تَستثمر في بلاد المسلمين -كما هو الحاصل عندنا في المملكة أو في غيرها-، والدولة تجبي الزكوات من جميع الشركات المساهمة؛ فهل تُلزَم الشركات غير المسلمة بدفع الزكوات أسوةً بالشركات المسلمة، أو تُعفى باعتبار أن الكافر لا تجب عليه الزكاة؟
لا تُلزَم الشركات غير المسلمة بدفع الزكاة؛ لأن الزكاة لا تجب على الكافر ولا تقبل منه، ولكن يرى بعض أهل العلم أن لولي الأمر أن يُلزِم الشركات غير المسلمة بدفع ضريبة للدولة، وأن هذا لا بأس به من باب المعاملة بالمثل؛ لأن الشركات المسلمة لو ذهبت إلى البلاد غير المسلمة لتستثمر فيها لأُخذ منها ضرائب كثيرة، فعلى الأقل من باب المعاملة بالمثل يؤخذ من الشركات غير المسلمة الضرائب وتُدفَع للدولة المسلمة؛ وهذا يدخل في باب “السياسة الشرعية”. وأيضًا ورد هذا عن بعض الخلفاء؛ جاء عن عمر أنه أمر بتعشير أموال تجار أهل الذمة إذا مروا بها على العاشر، فكان هذا معمولًا به في العصور الماضية. ثم أيضًا ليس من العدل أن الشركات المسلمة يؤخذ منها زكوات، وأن الشركات غير المسلمة تُعفى من كل شيء، ما يؤخذ منها أي شيء! فعلى الأقل لو أُخذ من الشركات المسلمة الزكوات يؤخذ من غيرها هذه الضرائب مقابل ما يؤخذ من الشركات المسلمة من الزكوات.
وعدم مطالبة الكافر بالزكاة لا يعني أنه غير محاسب على تركها، بل هو محاسب على ترك جميع الواجبات الشرعية؛ كما قال الله تعالى عن المشركين: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:41-42]، ثم في آخر الآيات: وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:46] وهذا يدل على أنهم كفار؛ لأن التكذيب بيوم الدِّين كفر، ومع ذلك حوسبوا على ترك الصلاة، وإذا حوسبوا على ترك الصلاة يحاسبون أيضًا على ترك الزكاة، وترك الصيام، وترك الحج، وترك سائر الواجبات الشرعية؛ وقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود أن رجلًا قال: يا رسول الله، أنؤاخَذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: مَن أحسنَ في الإسلام لم يؤاخَذ بما عمل في الجاهلية، ومَن أساء في الإسلام أُخذ بالأول والآخر[2] متفق عليه.
الشرط الثاني: الحرية.
قال:
الشرط الثاني: الحرية
الثاني: الحرية؛ فلا تجب على الرقيق ولو مَكاتَبًا، ولكن تجب على المُبَعَّض بقدر مِلكه.
الرق عند الفقهاء يعرِّفونه بأنه “عجزٌ حُكميٌّ يقوم بالإنسان بسبب كفره بالله تعالى”؛ ومعنى ذلك أنه لا يجوز أن يُسترَقَّ المسلم، لكن قد يستمر الرق بالتوالد، والرق الآن انقطع وانقرض في العالم، وأصبح مُجرَّمًا دوليًّا في جميع دول العالم، والمنظمات الدولية الآن تجرِّم الرق ومَن يتعاطى الرق، ويعتبرونه منافيًا لحقوق الإنسان، فهو قد انقرض الآن من العالم كله.
والدليل على عدم وجوب الزكاة على الرقيق قول النبي عليه الصلاة والسلام: مَن ابتاع عبدًا وله مال، فمالُه للذي باعه إلا أن يشترطه المُبْتَاع[3]؛ فدل على أن الرقيق لا مِلك له، وأن ماله لسيده فلا تجب عليه الزكاة.
وقول المؤلف: “ولو مُكاتَبًا”؛ المُكاتَب عند الفقهاء “رقيقٌ ما بقي عليه درهم”، وقد جاء هذا في حديثٍ مرفوع إلى النبي ، وأيضًا ورد هذا عن الصحابة، ونقل ابن عبدالبر الإجماع على هذا المعنى. ولكن تجب على المُبَعَّض بقدر مِلكه؛ “المُبَعَّض” هو الذي بعضه حُرٌّ وبعضه عبدٌ، فيزكي بقدر ما فيه من الحرية؛ وقد رُوي هذا في حديثٍ عن النبي ، وفي سنده مقال.
الشرط الثالث من شروط وجوب الزكاة؛ قال:
الشرط الثالث: مِلك النصاب
الثالث: مِلك النصاب، تقريبًا في الأثمان وتحديدًا في غيرها.
“مِلك النصاب”؛ وهو على سبيل التقريب في الأثمان (يعني: في الذهب والفضة)، وعلى سبيل التحديد في غير الذهب والفضة. والنصاب هو: القدر الذي رتَّب الشارعُ وجوب الزكاة على بلوغه، إذا كان هناك شخص فقير وليس عنده شيء، أو عنده مال لكنه دون النصاب؛ لا زكاة فيه.
وقول المؤلف: “تقريبًا في الأثمان”؛ الأثمان هي: الذهب والفضة. وقوله: “وتحديدًا في غيرها”؛ يعني: تحديدًا في الإبل والبقر والغنم والحبوب والثمار ونحو ذلك، وأما كونه تحديدًا في غيرها فهذا محل اتفاق، وأما كونه تقريبًا في الأثمان فهذا محل خلاف؛ يعني مثلًا نصاب الذهب خمسة وثمانون جرامًا، لو كان عنده أربعة وثمانون جرامًا هل تجب عليه الزكاة؟
على قول المؤلف نعم، تجب عليه الزكاة؛ لأن النصاب على سبيل التقريب، وليس على سبيل التحديد.
وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم:
القول الأول: هو القول الذي اعتمده المصنف رحمه الله، وهو أن النصاب في الأثمان على سبيل التقريب؛ وعلى ذلك فإذا نقص عن النصاب نقصًا يسيرًا فإن هذا لا يمنع من وجوب الزكاة، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
القول الثاني: هو أن النصاب في الأثمان على سبيل التحديد وليس على سبيل التقريب، وهذا هو قول جماهير الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة، قال به إسحاق وابن المنذر وغيرهما. وعلى هذا؛ فبمثالنا السابق: مَن عنده ذهب يبلغ أربعة وثمانين جرامًا لا زكاة عليه حتى وإن كان نقص فيه جرام واحد فقط، واستدلوا بعموم الأدلة؛ قالوا: الأدلة ليس فيها ما يدل على التقريب، الأدلة كلها مبناها على التحديد؛ كما في حديث: ليس فيما دون خمس أَواقٍ صدقة[4]، ليس في أقل من عشرين مثقالًا من الذهب شيء، ولا في أقل من مئتَي درهم شيء[5].
فهذه النصوص قد وردت على سبيل التحديد، ولم ترد على سبيل التقريب، وهذا هو القول الراجح؛ وهو أن النصاب في الأثمان على سبيل التحديد، وليس على سبيل التقريب. والموفق ابن قدامة رحمه الله لما ذكر الخلاف في “المغني” رجَّح هذا القول؛ وقال: “إنه ظاهر الأخبار، فينبغي ألَّا يُعدَل عنه”.
ثمرة الخلاف تظهر فيما لو كان عنده أثمان قريبة من النصاب -كما مَثَّلنا-؛ يعني: عنده أربعة وثمانون جرامًا، على مذهب الحنابلة تجب فيه الزكاة، وعلى قول الجمهور لا تجب فيه الزكاة -وهو القول الراجح-.
الشرط الرابع: المِلك التام
الرابع: المِلك التام، فلا زكاة على السيد في دَين الكتابة، ولا في حصة المُضارِب قبل القسمة.
“المِلك التام” ويعبِّر بعضهم بـ”استقرار المِلك”، فإذا كان المِلك غير تام وكان غير مستقر وإنما عُرضة للسقوط فلا تجب الزكاة في هذا المال؛ وقد ذكر المؤلف مثالين للمِلك غير التام أو المُعرَّض للسقوط:
المثال الأول: قال: “فلا زكاة على السيد في دَين الكتابة”؛ وذلك لأن الرقيق إذا كاتب سيده فإنه يكاتبه على دفع أقساط مُنجَّمة، فيكون السيد مُستحِقًّا لدَين الكتابة، لكن هذا الدَّين عُرضة للسقوط؛ لأن هذا الرقيق يملك تعجيز نفسه، يقول: عجزت عن سداد الدَّين، فيبقى رقيقًا؛ ولهذا لا تجب الزكاة على السيد في دَين الكتابة؛ لأن هذا الدَّين ليس مستقرًّا وعُرضة للسقوط.
المثال الثاني: قال: “ولا في حصة المُضارِب قبل القسمة”؛ المُضارِب هو العامل في مال المُضارَبة، لا تجب الزكاة في حصته من الربح قبل القسمة؛ لأنه أيضًا عُرضة للسقوط، كما لو اتفق شخص مع آخر وأعطاه مئة ألف، وقال: الربح بيني وبينك نصفه، فرَبِحَ عشرة آلاف؛ تكون حصة المُضارِب كم؟ خمسة آلاف، لا تجب عليه الزكاة فيها إلا بعد أن يستلمها؛ لأنها قبل أن يستلمها لا تجب، لأن ربح المُضارَبة للعامل هنا غير مستقر، لأن الربح وقاية لرأس المال، فلو خسر رب المال فلا شيء للعامل ما دام أنه لم يُقْسَم بَعدُ الربح، فلا تجب الزكاة في هذا الربح الذي هو للمُضارِب، لكن في المقابل حصة المالك تجب فيها الزكاة لأنها تابعة لأصلٍ مستقر، وهو رأس المال. فنقول في المثال السابق: رب المال يزكي مئة وعشرة آلاف، وأما بالنسبة للمُضارِب فلا يزكي خمسة آلاف لأنه عُرضة للسقوط.
طيب، هذا الشرط (وهو: تمام المِلك واستقراره) تتفرع عليه مسائل معاصرة، وهذا الكتاب (السلسبيل في شرح الدليل) ذكرتُ فيه مسائل معاصرة ونوازل في مظانها من هذا الكتاب؛ فهنا ذكرتُ على هذا الشرط مسائل معاصرة:
المسألة الأولى: الأموال التي تعطى للجهات الخيرية؛ كمراكز الدعوة إلى الله، وتوعية الجاليات، وحلقات تحفيظ القرآن، وصناديق المؤسسات الخيرية، وجمعيات البِر؛ هذه لا تجب فيها الزكاة لأنه لا مالك لها، ومن شروط وجوب الزكاة تمام المِلك أو المِلك التام. مكتب دعوة مثلًا عنده ميزانية ومضى عليها الحول لا زكاة فيها، حلقة تحفيظ عندها أموال ومضى عليها الحول لا زكاة فيها، جمعية بِر مثلًا أو صناديق خيرية أو مؤسسات وقفية هذه كلها لا زكاة فيها.
المسألة الثانية: الأوقاف التي يُصرف ريعها في وجوه البِر والإحسان أو الأوقاف التي تكون بأضاحٍ عن الميت لا زكاة فيها؛ لأن أموالها رُصدت في وجوه البِر والإحسان وليست مِلكًا لأحد. إنسان أوقف وقفًا وجعل ريعه في وجوه البِر، لا زكاة في هذا الوقف؛ أوقف وقفًا وجعل ريعه في أضاحٍ عنه، لا زكاة في هذا الوقف؛ فالأوقاف كلها لا زكاة فيها، الأوقاف التي ريعها يكون في وجوه البِر لا زكاة فيها.
المسألة الثالثة: الصناديق الخيرية التي تضعه بعضُ الأُسَر والعوائل أو الزملاء أو الجيران أو أهل القرية أو أهل القبيلة؛ هذه الصناديق هل تجب فيها الزكاة؟
هذا فيه تفصيل: إن كان المال الذي دُفِع لهذه الصناديق على سبيل التبرع، ولا يعود للمشاركين في هذه الصناديق ولا إلى ورثتهم إلا عند حصول حادث ونحوه من الأغراض التي لأجلها أنشئ الصندوق، ولو انسحب هذا المتبرع من الصندوق فليس له أن يطالِب بما دفع؛ إذا كان كذلك فهذا الصندوق لا زكاة فيه. وأما الصناديق التي يعود فيها المال للمشاركين بعد مدة أو يعود لورثتهم، ولو أراد المشارك أن ينسحب لأُعطي ما دفع؛ فهذه تجب الزكاة فيها، لأنه لم يخرج عن مِلك صاحبه، فهو في حُكم القرض. فإذَن نقول: صناديق الأُسَر والعوائل والزملاء ونحو ذلك، إذا كان مَن يدفع لهذا الصندوق يدفع على سبيل التبرع، ولو انسحب من هذا الصندوق لَمَا كان له الحق في أن يطالِب بما دفع؛ فهذه لا زكاة فيها، أما إذا لم يكن يدفع على سبيل التبرع وإنما على سبيل المشاركة، ولو أراد أن ينسحب من هذا الصندوق لأُرجع له ما دفع؛ فهذه الصناديق تجب فيها الزكاة.
المسألة الرابعة -وهذه أيضًا لم تُذكر في السلسبيل، نضيفها-: المُدخَر في صندوق التقاعد من الراتب التقاعدي، ومكافأة نهاية الخدمة، وجميع المكافآت التي لا تُصرف إلا بعد التقاعد؛ لا تجب الزكاة فيها على الموظف، وذلك لأن مِلكيته لها غير تامة؛ إذ إنه لا يستحق هذا المال إلا بعد التقاعد، ولا يُمكِنه أخذه ولا التصرف فيه قبل ذلك، ولاحتمال عدم حصول الموظف عليها لأي سبب من الأسباب؛ فالملكية هنا غير تامة وغير مستقرة، فهذه الأموال التي يحصل عليها الإنسان بعد تقاعده لا زكاة فيها، سواء كان من صندوق التقاعد أو من التأمينات الاجتماعية أو من غير هذه، وسواء كان راتبًا تقاعديًّا أو مكافأة نهاية خدمة أو مكافأة مقابل إجازات أو مكافأة لأي سبب من الأسباب؛ فمكافآت هذه الأموال التي يأخذها بعد تقاعده لا زكاة فيها، لكن إذا دخلت في مِلكه ومضى عليها الحول تجب فيها الزكاة كسائر أمواله، أما من حين أن يستلمها لا زكاة فيها.
أيضًا من المسائل: مسألة الصداق الذي لم يُقبض، هل يجب على المرأة أن تزكيه؟ هذه مسألة قديمة تكلم عنها الفقهاء السابقون، وجمهور الفقهاء على أنه لا تجب الزكاة في الصداق الذي لم يُقبض؛ وذلك لاحتمال سقوطه إما بنشوزها، أو بمخالعتها له وإسقاطه، أو لغير ذلك من الأسباب. فالقول الراجح أنه لا تجب الزكاة في الصداق الذي لم يُقبض، وهذا هو ظاهر اختيار الإمام ابن تيمية رحمه الله وجمعٍ من المحققين من أهل العلم.
الشرط الخامس: تمام الحول
ننتقل بعد ذلك إلى الشرط الخامس؛ قال:
الخامس: تمام الحول.
وهذا بالإجماع؛ المقصود بالحول السنة القمرية الهلالية، وليس المقصود به السنة الشمسية الميلادية؛ سنة قمرية هلالية تتكون من ثلاثمئة وأربعة وخمسين يومًا، إلا إذا كانت السنة كبيسةً تكون السنة ثلاثمئة وخمسة وخمسين يومًا. والحكمة من التقدير بالحول؛ أنه مقدار يكون به الربح المُطَّرِد غالبًا، وهو المناسب لأرباب الأموال وأهل الزكاة، ولو كان التقدير بأقل منه ربما يكون فيه إضرار بأرباب الأموال، ولو كان التقدير بأكثر منه ربما يكون فيه إضرار بأهل الزكاة. ثم إن الحول يكون فيه خروج الثمار والنماء للمواشي غالبًا؛ لكن يُستثنى من هذا الشرط ثلاثة أمور:
ما استُثني من اشتراط الحول في الأموال الزكوية
- الأمر الأول: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، فتكون حين الحصاد؛ لقول الله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141] ولا ترتبط بالحول؛ وذلك لأن الإنسان قد يزرع الزرع ويكتمل في ستة أشهر مثلًا، فتجب عليه زكاته ولو لم يبلغ حولًا.
- الأمر الثاني: نتاج السائمة؛ لأن النبي كان يبعث عُمَّاله إلى أرباب المواشي، ولم يكونوا يفرقون بين السائمة ونتاجها، وهل حال عليها الحول أم لا؛ فدل على أن نتاج السائمة لا يشترط له تمام الحول، إنما يكون حولُها حولَ أمهاتها. بناءً على ذلك؛ لو كان هناك رجل عنده ستون من الغنم، فنتجت أثناء الحول كلُّ واحدة واحدةً، إلا واحدة منها نتجت ثنتين، فمعنى ذلك أن المجموع أصبح مئة وإحدى وعشرين، فتجب فيها شاتان، مع أن واحدة وستين منها لم يَحُل عليها الحول، لكنها نتاج سائمة، ونتاج السائمة لا يُشترط له حولان الحول.
- الأمر الثالث: ربح التجارة؛ لأن ربحها تابع للأصل، فلا يُشترط له تمام الحول. مثال ذلك: رجل اشترى أرضًا ثم عرضها للبيع ناويًا بذلك التجارة، يريد بذلك التكسب بهذه الأرض؛ واشتراها بمئة ألف، وعند تمام الحول أصبحت قيمتها مئة وخمسين ألفًا، ثم باعها؛ فيجب عليه أن يزكي مئة وخمسين ألفًا، ولا ينظر للمبلغ الذي اشتراها به، وإن كان الربح خمسين ألفًا لم يمض عليه حول؛ لأن الربح لا يُشترط له تمام الحول، ربح التجارة تابع لأصل الربح، للأصل (لرأس المال)؛ فإذَن الربح والتجارة لا يُشترط له تمام الحول.
فهذه ثلاثة أمور لا يُشترط لها تمام الحول: الخارج من الأرض – نتاج السائمة – ربح التجارة.
ألحقَ بعض العلماء بذلك الأجرة، وقالوا إنه لا يُشترط لها تمام الحول؛ نُسب هذا القول لابن تيمية رحمه الله، ولكن القول الراجح -والله أعلم- أن الأجرة كغيرها يُشترط لها تمام الحول، ولا دليل يدل على استثناء الأجرة.
هناك كثير من الشركات في الوقت الحاضر تحسب سنتها المالية بالسنة الميلادية الشمسية، وليس بالسنة الهجرية القمرية، طبعًا الأَوْلى أن يكون حسابها بالسنة الهجرية القمرية؛ لأن هذا هو تاريخ المسلمين، لكن نحن الآن أمام أمر واقع، وربما يكون من أغراض تلك الشركات أن السنة الميلادية تزيد عن السنة الهجرية بأحد عشر يومًا، فهي تفيدهم من الناحية الاقتصادية، تفيدهم أحد عشر يومًا، اضربها مثلًا في عدد الموظفين، فتوفر الشركة مبلغًا كبيرًا، فربما يكون هذا من الأسباب. على كل حال؛ إذا كانت السنة المالية للشركة هي السنة الميلادية، فهنا نسبة الزكاة إذا حُسبت بالسنة الميلادية لا تكون (2.5%)، وإنما يضاف لها نسبة قليلة قدَّرَها العلماء المعاصرون بـ(2.577%). إذَن؛ إذا أُريدَ إخراج الزكاة بحساب السنة الميلادية الشمسية فتخرج الزكاة بمقدار (2.577%)، بينما لو كانت بالسنة الهجرية القمرية لكانت (2.5%).
هنا مسألة معاصرة متعلقة بالرواتب الشهرية؛ ذكرنا أن المسائل المعاصرة والنوازل نبثُّها في السلسبيل بحسب مواضعها، وهذا -كما ذكرت- مما يتميز به هذا الكتاب، أنه ليس فقط شرحًا لمتنٍ فقهيٍّ، وإنما تضاف له النوازل والمسائل المعاصرة حتى يكون طالب العلم على ارتباط بالواقع، فإن هذا من أنفع العلوم أن يرتبط طالب العلم بالواقع، ويعرف المسائل التي يكثر السؤال عنها والاستفتاء عنها ونحو ذلك.
إخراج زكاة الرواتب الشهرية
من المسائل التي يكثر السؤال عنها: الرواتب الشهرية؛ كيف تُزكَّى؟
لإخراج زكاة الرواتب الشهرية عدة طرق:
الطريقة الأولى: أن يحصي ما أنفقه وما ادخره إحصاءً دقيقًا، ثم يزكي ما حال عليه الحول؛ وذلك بأن يطلب مثلًا كشفَ حسابٍ بنكيٍّ، ويحصي ما أنفقه وما ادخره، والذي ادخره وحال عليه الحول هو الذي يزكيه؛ وهذه الطريقة ربما يكون فيها مشقة لصعوبة ضبط الحول لكل جزء من المال.
الطريقة الثانية: أن يجعل له تاريخًا معينًا في السنة؛ وَلْنفترض مثلًا منتصف شهر رمضان، يزكى فيه جميع رصيده، سواء حال عليه الحول أو لم يَحُل عليه الحول، ما حال عليه الحول أَمْره ظاهر، وما لم يَحُل عليه الحول ينوي به تعجيل الزكاة، وبذلك لا ينظر لرصيده إلا مرة واحدة في السنة، كلما أتى منتصف رمضان زكى جميع الرصيد، فهذه الطريقة أسهل وأحوط وأضبط. فإذا أراد أن يسلك هذه الطريقة -وهذه يسلكها كثير من الناس-؛ يزكي جميع الرصيد في منتصف رمضان مثلًا أو في اليوم الأول من رمضان أو في اليوم العشرين من رمضان، ناويًا تعجيل الزكاة فيما لم يَحُل عليه الحول؛ وبذلك لا ينظر لزكاة رصيده إلا مرة واحدة في السنة في هذا التاريخ.
الطريقة الثالثة: وهي أن يطلب كشفَ حسابٍ بنكيٍّ، وينظر لأقل رصيد في السنة لهذا الحساب ويزكيه؛ يطلب مثلًا كشفَ حسابٍ بنكيٍّ من رمضان (1441) إلى رمضان (1442)، وينظر لأقل رصيد، أقل رصيد هذا هو الذي حال عليه الحول، فيزكيه، إذا بلغ الرصيد مثلًا ثمانين ألفًا يزكيه، وقد يرتفع هذا الرصيد، قد يصل مثلًا إلى تسعين ألفًا، قد يصل إلى مئة ألف، لكن أقل رصيد ثمانون ألفًا، معنى ذلك أن الزيادة على الثمانين لم يَحُل عليها الحول، هذه لا زكاة فيها، أقل رصيد هذا هو الذي حال عليه الحول على مدار السنة فيزكيه؛ هذه أيضًا طريقة يمكن أن تزكى عن طريقها الرواتب أو الدخل الشهري عمومًا.
أُنَبِّه هنا إلى أن بعض الناس لا يزكي رصيده، ويظن أن الزكاة إنما تجب على التجار والأثرياء، بعضهم يكون مثلًا في رصيده عشرة آلاف أو عشرون ألفًا ولا يزكيه، وإذا قيل له…، قال: الزكاة على التجار، على فلان وفلان، والتجار والشركات، أنا ماذا عندي؟ أنا عندي نفقات وعندي كذا؛ نقول: لا، ما دام عندك رصيد وقد بلغ النصاب وحال عليه الحول فيجب عليك أن تزكيه، بغض النظر عن السبب الذي لأجله ادخرت هذا المال، حتى لو ادخرته لأجل النفقة، أو ادخرته لأجل بناء مسكن، أو ادخرته لأجل الزواج، أو ادخرته لأي غرض من الأغراض؛ ما دام قد بلغ نصابًا وحال عليه الحول يجب عليك أن تزكيه.
وطريقة زكاته أن تقسم المبلغ الموجود عندك على أربعين، فأي مبلغ تريد معرفة زكاته اقسمه على أربعين يخرج لك مقدار الزكاة مباشرةً.
نعود لعبارة المؤلف رحمه الله؛ قال:
“ولا يضر لو نقص” يعني: نصاب نصف يوم، فلو نقص من الحول أقل من يوم يقول بأنه لا يضر. هذه المسألة مؤثرة، خاصة بالنسبة للأسهم والصناديق الاستثمارية ونحوها؛ لأن الأسعار تتفاوت بالساعة بل بأقل منها؛ فيقول المؤلف إن المعتبر هو أربع وعشرون ساعة، هو اليوم، فإذا نقصت ساعات فلا يُعتبر هذا النقص، وإنما يُعتبر بيوم فأكثر، أقل من يوم لا يؤثر.
حُكم الزكاة في مال الصغير والمجنون
قال:
وتجب في مال الصغير والمجنون.
أي: إن الزكاة تجب في مال الصغير ومال المجنون؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الأموال من غير تفريقٍ بين أموال الصغار والمجانين وغيرهم، كقول الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]؛ وهذا عامٌّ لجميع الأموال، ولأن الزكاة تجب في عين المال وإن كان لها تعلق بالذمة، ولأن هذا هو المنقول عن الصحابة ؛ ولهذا كان عمر يقول: “اتَّجِروا بأموال اليتامى كي لا تأكلها الصدقة”[6] يعني: الزكاة، فمَن كان يلي مال يتيمٍ أو مجنونٍ فيجب عليه أن يزكي هذا المال، وينبغي له أن يستثمر ماله (يعني: مال هذا اليتيم أو المجنون) في استثمارات قليلة المخاطر؛ حتى لا تأكلها الزكاة. واختلف العلماء هل الزكاة تتعلق بعين المال أو بالذمة؛ في ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها تتعلق بعين المال؛ وهو أحد قولي الشافعي، وأحد الروايات عن أحمد والمذهب؛ واستدلوا بقول الله : وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]؛ قالوا: دلت الآية على أن الزكاة تجب في عين المال. وأيضًا يدل لذلك كتاب أبي بكر الذي كتبه لأنس رضي الله عنهما؛ وجاء فيه: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله على المسلمين…، إلى أن قال: “وفي صدقة الغنم: في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومئةٍ شاةٌ”[7]؛ قالوا: فأوجب زكاة الغنم في عينها ولم يوجبها بالذمة، ولأن كل حق ثابت في الذمة لا يبطل بتلف المال كالدَّين، فإذا تلف المال بعد الحول من غير تعدٍّ ولا تفريط لم تجب فيه الزكاة، فدل ذلك على أن الزكاة تجب في عين المال.
القول الثاني: أن الزكاة تجب في الذمة، وهو قول الشافعي في القديم؛ واستدلوا بحديث أنس السابق، وفيه: “فإذا بلغت خمسًا من الإبل ففيها شاةٌ”؛ وجه الدلالة أنه أوجبَ الشاة في إخراج خمس من الإبل، فدل على أن الزكاة تتعلق بالذمة لا بعين المال؛ لأنها لو كانت تتعلق بعين المال لوجب أن يكون المُخرَج من الإبل؛ لقال مثلًا: بعير، ولم يقل: شاة.
القول الثالث: وهو قول وسط بين القولين؛ أن الزكاة تجب في عين المال ولها تعلق بالذمة، وهذا هو الذي نص عليه صاحب “زاد المستقنع”؛ فقال: “وتجب الزكاة في عين المال، ولها تعلق بالذمة”، قال الزركشي: “والزكاة وإن تعلقت بالعين فهي مع ذلك لها تعلق بالذمة قطعًا”. هذا القول الثالث هو القول الراجح؛ فهي في الأصل تجب في عين المال، لكن أيضًا لها تعلق بالذمة؛ لأننا لو قلنا إنها تتعلق بالذمة فقط وليس لها تعلق بعين المال، لكان في هذا إشكال فيما لو وجبت عليه الزكاة بعد تمام الحول وتَلِفَ المال من غير تعدٍّ منه ولا تفريط؛ أي إذا قلنا إنها تتعلق بالذمة فقط لوجب عليه أن يخرج الزكاة، وهذا محل نظر؛ لأن التلف هنا من غير تعدٍّ ولا تفريط. وإن قلنا إنها تتعلق بعين المال وليس لها تعلق بالذمة، أيضًا في هذا إشكال؛ لأنه يكون تعلقها بعين المال كتعلق الرهن بالعين المرهونة، والإنسان لا يلزمه أن يخرج الزكاة من عين المال -وإن كان هذا هو الأفضل-، بل له أن يخرجها من مال آخر يملكه. ولذلك؛ فالقول الراجح أن الزكاة تتعلق بعين المال ولها تعلق بالذمة.
وعلى هذا؛ فالزكاة في مال الصغير والمجنون تجب، وهو -كما ذكرنا- المأثور عن أكثر الصحابة والتابعين، وهو قول جماهير الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، كما كان عمر يقول: “اتَّجِروا بأموال اليتامى كي لا تأكلها الصدقة”[8]، ورُوي هذا مرفوعًا، وأيضًا قال به الإمام أحمد وجماعة من أهل العلم. فالزكاة إذَن تجب في أموال اليتامى والمجانين؛ ولذلك ينبغي لمَن وَلِيَ مالًا ليتيم أو مجنون أن ينمِّيه وأن يستثمره، لأنه إذا لم يستثمره فربما تأكله الزكاة؛ فلو أن هذا اليتيم خلَّف أبوه له أربعين ألفًا، وهذا اليتيم مثلًا عمره سنة، ووَلِيُّ اليتيم يزكي هذا المال، معنى ذلك أنه سيزكي في السنة الأولى ألف ريال، وفي السنة الثانية ألفًا إلا قليلًا، وفي السنة الثالثة كذلك؛ يعني ما أن يبلغ هذا الطفل سن البلوغ أو سن الرشد إلا وقد صَرَف وَلِيُّه على الزكاة منه ما يقارب نصف هذا المال؛ ولهذا ينبغي أن يستثمر هذا المال وأن ينمِّيه.
طيب، إذا اشترى شخص أرضًا وقصد بها حفظ المال؛ هل تجب فيها الزكاة؟ هذا محل خلاف، والقول الراجح أنه تجب فيها الزكاة؛ لأنه وإن قال: أقصد بها حفظ المال، إلا أن هناك نيةً مُبَطَّنَةً وهي المتاجرة بها؛ لأنه يقصد بها التربح، ولأنها لو كانت نقدًا لوجبت فيها الزكاة، فكأنها الآن نقدٌ على شكل أرض. أما إذا كانت عقارًا لا يريد بيعه، وإنما يريد تأجيره، فلا تجب الزكاة في أصله، وإنما تجب في غَلَّته؛ ولهذا لو أراد تأجير الأرض ولم يُرِد بيعها فإنه لا تجب فيها الزكاة.
إذَن؛ الأرض هل تجب فيها الزكاة أو لا تجب؟
الجواب: أن زكاة الأرض تتأثر بنية مالكها؛ فنقول لمالك هذه الأرض: ماذا تريد بهذه الأرض؟ إن قال: أريد التجارة بها، فتجب فيها الزكاة عن كل سنة؛ وإن قال: أريد أن أبني عليها مسكنًا، أو أريد أن أبني عليها عقارًا لتأجيره، فهذه لا زكاة فيها؛ وإن كانت النية مترددة، تارةً يقول: أريد أن أبيعها، وتارةً يقول: أريد أن أبني عليها، فهذه أيضًا لا زكاة فيها.
طيب، إذا عرض الأرض للبيع ليس لقصد التربح وإنما لقصد التخلص، يريد أن يتخلص منها؛ يعني: لو أنه يمتلك أرضًا في مكان غير مناسب، ويريد أن يتخلص منها، وعرضها للبيع؛ هذه لا زكاة فيها. أو أن هذه الأرض يريد أن يبيعها لحاجته للنقد، وليس بقصد التربح، احتاج سيولة وعنده أرض، ويريد أن يبيعها، عرضها للبيع ومضى على هذا العرض سنة أو أكثر؛ هذه لا زكاة فيها، لأن الله فرَّق بين التجارة والبيع؛ فقال: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ [النور:37] فقال: لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ؛ فدل ذلك على أن البيع يختلف عن التجارة؛ التجارة هي أن يقصد التربح، أن يبيع بقصد التربح، لكن إذا لم يقصد بالبيع التربحَ فهذا ليس تجارة، فليس كل مَن عرض أرضًا أو عقارًا للبيع تجب فيه الزكاة، بل ننظر لنيته، إن كان يريد بهذا البيع التربحَ فتجب فيه الزكاة، وإن كان لا يريد بهذا البيع التربحَ وإنما يريد أمرًا آخر، كأن يريد مثلًا بناء مسكن، يريد الحصول على سيولة نقدية لحاجته، يريد التخلص من هذا العقار أو من هذه الأرض؛ فهذه لا زكاة فيها، هذا العقار لا زكاة فيه، فلا تجب الزكاة في الأرض أو في العقار إلا إذا نوى بذلك البيع بنية جازمة لا تردُّد فيها، وأراد بذلك البيع التربحَ؛ فتجب الزكاة في هذه الأرض أو في هذا العقار.
الأموال التي تجب فيها الزكاة
قال:
وهي في خمسة أشياء.
“وهي” يعني: الزكاة.
انتقل المؤلف للكلام عن الأموال التي تجب فيها الزكاة، وذكر أنها خمسة، عدَّها المؤلف إجمالًا ثم فصَّل فيها؛ فقال:
في سائمة بهيمة الأنعام، وفي الخارج من الأرض، وفي العسل، وفي الأثمان، وفي عُروض التجارة.
سيأتي الكلام عنها بالتفصيل، الكلام عن بعضها في هذا الدرس، وبقيتها في الدرس القادم -إن شاء الله-.
حُكم الزكاة مع وجود الدَّين
ويَمنع وجوبَها دَينٌ يُنقِص النصابَ.
كما لو كان عنده مئة ألف، وحال عليها الحول، وعليه دَين بمئة ألف أو أكثر، فيقول المؤلف إن هذا الدَّين يمنع وجوب الزكاة؛ وهذا هو القول الأول في المسألة، وهو مذهب عند الحنابلة، وهو قول الجمهور.
والقول الثاني: أن الدَّين لا يمنع الزكاة، وليس له أثر على الزكاة؛ ففي المثال السابق يقولون: يجب عليه أن يزكي المئة ألف التي عنده حتى لو كان عليه دَين بمئة ألف أو أكثر؛ وهذا هو المذهب عند الشافعي، ورواية عند الحنابلة.
القائلون بأن الدَّين يمنع وجوب الزكاة استدلوا بعموم الأدلة، ومنها حديث معاذ لما بعثه النبي إلى اليمن؛ وفيه: فأَعْلِمهم أن الله قد افترض عليهم صدقةً في أموالهم؛ تؤخذ من أغنيائهم وتُرَدُّ على فقرائهم[9]؛ قالوا: والمدين لا يَصْدُق عليه في هذه الحالة أنه غني، واستدلوا بأثر عثمان أنه كان يقول في رمضان: “هذا شهر زكاتكم؛ فمَن كان عليه دَين فَلْيؤدِّ دَينه حتى تَحْصُل أموالُكم فتؤدون منها الزكاة”[10]؛ قالوا: وكان هذا بمحضر من الصحابة، فكان كالإجماع؛ ولأن الزكاة إنما وجبت مواساةً للفقراء والمساكين وشكرًا لنعمة الغِنى، والمدين يحتاج إلى قضاء دَينه كحاجة الفقير أو أشد؛ ولأن الإنسان إذا كان بيده مال وعليه دَينٌ حالٌّ بمقدار ذلك المال لم يجب عليه الحج، فكذلك الزكاة.
أما القائلون بأن الدَّين لا أثر له على الزكاة استدلوا بعموم الأدلة الموجبة للزكاة، التي لم تفرِّق بين مَن عليه دَين ومَن ليس عليه دَين؛ قالوا: النبي كان يبعث عُمَّاله لقبض الزكوات من أرباب المواشي وأصحاب الثمار والزروع، ولم يأمرهم بالاستفصال هل عليهم ديون أم لا؛ وهذا القول اختاره الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله.
ومن العلماء من فرَّق بين الأموال الظاهرة والباطنة، وهذا رأي الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله؛ قال: “إن الدَّين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة دون الظاهرة”، وهو مذهب عند المالكية، واستدلوا بأدلة القول الثاني وحملوه على الأموال الظاهرة؛ قالوا: لأن الزكاة تتعلق بعين المال، وإن كان لها تعلق في الذمة، والدَّين إنما يجب في الذمة لا في المال، فالجهات منفكة.
وأنا كنت قديمًا أرجح القول الثاني، وهو أن الدَّين لا أثر له على الزكاة، حتى تباحثتُ مع بعض طلبة العلم وأعدتُّ بحث المسألة بحثًا مُعمَّقًا؛ وترجح لي القول الأول (قول الجمهور)؛ وهو أن الدَّين يمنع وجوب الزكاة، أو له أثر على مقدار الزكاة. فهو يمنع وجوب الزكاة إذا كان يستغرق النصاب أو يُنْقِص منه، فإذا كان رجل عنده مئة ألفٍ حالَ عليها الحول، لكن عليه دَينٌ حالٌّ بمقدار مئة ألف؛ فهذا لا زكاة عليه، لماذا؟ لأن هذه المئة ألف التي عنده هي في الأصل ليست له، هي مُستحَقة للدائن، يجب عليه شرعًا أن يسددها الآن للدائن، فكيف نوجب عليه الزكاة فيها؟! فهي في الحقيقة مُستحَقة للدائن؛ ولهذا لو كان عنده مئة ألف وعليه دَينٌ بمئة ألف لم يجب عليه الحج، فكذلك أيضًا لا تجب عليه الزكاة، كيف نوجب عليه الزكاة وعليه دَين بمقدار هذا المال الذي عنده أو أكثر؟! الزكاة إنما تجب على سبيل المواساة.
فالذي يظهر -والله أعلم- أن القول الراجح هو قول الجمهور؛ وهو أن الدَّين الذي على الإنسان له أثر على الزكاة، بشرط أن يكون الدَّين حالًّا، أما الدَّين المُؤجَّل فلا أثر له. وعلى ذلك؛ الدَّين أيضًا له أثر حتى في إنقاص مقدار الزكاة، لو كان عندك مثلًا مئة ألف ريال، وعليك دَينٌ حالٌّ بمقدار عشرة آلاف، فتزكي تسعين ألفًا، يعني تخصم العشرة آلاف من المئة ألف؛ هذا هو القول الراجح في المسألة، وهو قول جمهور الفقهاء.
وأما قول مَن قال بأن الأدلة عامة؛ فنقول يُنظَر لهذه المسألة من مُنطلَق مجموع الأدلة، فالزكاة تجب على سبيل المواساة، هذا المال الآن الموجود هو مُستحَق للدائن أصلًا، فكيف نوجب فيه الزكاة وهو مُستحَق للدائن؟! يجب عليه شرعًا أن يؤدي هذا المال إلى الدائن، كيف نوجب فيه الزكاة؟! فالقول الراجح إذَن أن الدَّين له أثر على الزكاة، وأنه إذا كان يستغرق النصاب فلا زكاة عليه، وإذا كان لا يستغرق النصاب فإنه يُنْقِص بمقدار الزكاة.
هناك مسألة أخرى لم يذكرها المؤلف -وذُكِرَت هنا في السلسبيل-؛ وهي زكاة الدَّين الذي يكون للإنسان في ذمة الآخرين، يعني: أنت تطلب غيرَك دَينًا، سَلَّفت صديقًا لك مثلًا مبلغًا ماليًّا أو أنك بعته سلعةً بثمن مُؤجَّل، المهم أنك تطلب غيرَك دَينًا؛ فهل تجب فيه الزكاة أو لا تجب؟
هناك مَن قال: يجب على الدائن أن يزكي هذا الدَّين مطلقًا، وهناك قولٌ -في مقابله- أنه لا يجب، وهناك قول ثالث أنه يزكي لسنة واحدة، وهناك مَن فصَّل وقال: إن كان الدَّين على مليء باذل (يعني: على غني وغير مُماطِل) ففيه زكاة، وأما إذا كان الدَّين على مُعسِر أو مُماطِل فلا زكاة فيه، وهذه المسألة بُحِثَت في مجمع الفقه الدولي، وصدر فيها قرار، وقرَّر المجمعُ القولَ الأخيرَ وهو أن المدين إذا كان مليئًا باذلًا فتجب على الدائن الزكاة، أما إذا كان المدين مُعسِرًا أو مُماطِلًا فلا زكاة على الدائن؛ هذا هو القول الراجح، وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله؛ لأنه إذا كان المدين مليئًا باذلًا فيعني هذا أن المال الذي عند المدين كالرصيد الموجود عندك، لا فرق، فيجب عليك أن تزكيه، لكن إذا كان المدين مُعسِرًا أو مُماطِلًا، فأنت تشك، هل يحصل لك هذا المال أو لا يحصل أصلًا؛ فكيف نوجب عليك الزكاة، والزكاة إنما تجب على سبيل المواساة؟!
فالقول الراجح إذَن هو أن يُنظَر للمدين؛ إن كان المدين مليئًا باذلًا فتجب الزكاة على الدائن، وإذا كان المدين مُعسِرًا أو مُماطِلًا فلا زكاة على الدائن. وعلى ذلك؛ لو كنتَ مثلًا أسلفتَ صديقًا لك عشرة آلاف ريال، وتسأل هل تجب عليك زكاتها أم لا؟ نقول: صديقك هذا هل هو مليء باذل، متى ما طلبتَ الدَّين سدد لك؟ إذا كان كذلك إذَن تجب عليك الزكاة، وإذا كان مُعسِرًا، عنده ظروف مالية ما يستطيع يسدد لك، فليس عليك زكاة؛ أو كان مُماطِلًا، كلما طلبتَ منه هذا الدَّين قال: إن شاء الله فيما بعد وسأعطيك، ويماطل بك، فأيضًا لا زكاة في هذا الدَّين.
هنا مسألة مهمة -أيضًا هي لم تُذكَر في الدليل وذُكِرَت في السلسبيل-، والحقيقة هي من أهم المسائل: وهي زكاة الديون المُؤجَّلة؛ وهي من المسائل المشكلة، وقد بحثها العلماء المعاصرون، وبُحِثت في المجامع الفقهية، وفي هيئة المراجعة والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية، وغيرها من الهيئات الشرعية؛ ومن العلماء مَن أوجب فيها الزكاة مطلقًا، ومنهم مَن لم يوجب. والحقيقة أنا أعتبرها نازلة؛ لأن الديون المُؤجَّلة لم تكن في السابق بهذه الطريقة التي عليها واقع الديون الآن، لم يكن في السابق الدَّينُ يبقى عشرين سنةً أو ثلاثين سنةً، يُقسَّط على عشرين سنةً أو ثلاثين سنةً، لم يكن هذا معروفًا في القرون السابقة، إنما وُجد هذا في الوقت الحاضر؛ ولذلك ينبغي أن يُنظَر لها على أنها نازلة.
القول بإيجاب الزكاة مطلقًا في الديون المُؤجَّلة يَرِد عليه إشكال كبير؛ وهو أن بعض الشركات والمؤسسات التي تبيع بالمُؤجَّل أو المُقسَّط ستُفْلِس تمامًا، وما كان كذلك فلا تأتي به الشريعة؛ لأن الزكاة إنما تجب على سبيل المواساة. ويقابله القول بعدم إيجاب الزكاة في الديون المُؤجَّلة، وهذا يَرِد عليه إشكال كبير أيضًا؛ وهو أن البيع بالأجل أو التقسيط أصبح الآن تجارة رائجة تقوم عليها مؤسسات وشركات كبيرة؛ فكيف لا تجب فيه الزكاة؟! كيف نوجب الزكاة على هذا الموظف البسيط الذي ما عنده إلا عشرة آلاف ريال، ولا نوجب الزكاة على هذه الشركة التي تملك ملايين الريالات؟! مثل هذا أيضًا لا تأتي به الشريعة.
والقول الأقرب -والله أعلم- هو الذي أقرَّه المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، وأقرَّته أيضًا هيئة المراجعة والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية؛ هو أن الزكاة تجب في أصل الدَّين مع ربح السنة الحالية دون أرباح بقية السنوات، هذا القول هو القول الراجح في هذه المسألة. ونوضح هذا بمثال: رجل باع سيارة بالتقسيط، رأس مالها خمسون ألفًا، وبربح خمسة وعشرين ألفًا؛ يعني باعها بخمسة وسبعين ألفًا، رأس المال خمسون ألفًا، والربح خمسة وعشرون ألفًا؛ أي إن الربح في كل سنة خمسة آلاف، فهذا البائع يجب عليه أن يزكي في السنة الأولى رأس المال وهو خمسون ألفًا، مع ربح تلك السنة وهو خمسة آلاف؛ أي إنه يزكي خمسة وخمسين ألفًا. ثم في السنة الثانية يزكي ما تبقى من أصل الدَّين وهو أربعون ألفًا؛ لأن القسط عشرة آلاف -هي لمدة خمس سنوات-، يزكي ما تبقى من أصل الدَّين وهو أربعون ألفًا مع ربح تلك السنة؛ أي إنه يزكي خمسة وأربعين ألفًا. ثم في السنة الثالثة يزكي ما تبقى من أصل الدَّين وهو ثلاثون ألفًا مع ربح تلك السنة؛ أي إنه يزكي خمسة وثلاثين ألفًا. ثم في السنة الرابعة يزكي ما تبقى من أصل الدَّين وهو عشرون ألفًا مع ربح تلك السنة؛ أي إنه يزكي خمسة وعشرين ألفًا. ثم في السنة الخامسة يزكي ما تبقى من أصل الدَّين وهو عشرة آلاف مع ربح تلك السنة؛ أي إنه يزكي خمسة عشر ألفًا؛ فهذه هي طريقة زكاة الديون المُؤجَّلة.
مَن مات وعليه زكاة أُخِذَت من تَرِكَته
قال:
ومَن مات وعليه زكاة أُخِذَت من تَرِكَته.
وذلك لأنها دَين لله ، والله تعالى لمَّا ذكر المواريث قال: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11]، وفي الآية الأخرى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12]، فقدَّم الوصية والدَّين على قسمة التركة؛ ولذلك قال النبي للمرأة التي قالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجي عنها، أرأيتِ لو كان على أمكِ دَين أكنتِ قاضيته؟ قالت: نعم، قال: اقضوا اللهَ، فاللهُ أحق بالوفاء[11]، وفي لفظٍ: فدَين الله أحق بالقضاء[12]. فالزكاة تُعتبر دَينًا، فيجب إخراجها قبل قسمة التركة؛ ولذلك فإن الميت إذا مات ينبغي لورثته أن ينظروا -قبل أن يقسموا التركة- هل عليه دَين أو لا أو عنده وصية، فتنفذ الوصية والدَّين قبل قسمة التركة.
والدَّين ينقسم إلى: (دَين لآدميٍّ – دَين لله تعالى)؛ الدَّين لآدميٍّ معروف، الدَّين الذي لله مثل الزكاة والكفارات، فهذه كلها تُخرَج قبل قسمة التركة؛ فإذَن يجب على الورثة أن يُخرِجوا أولًا الديون، سواء كانت ديونًا لله كالزكاة، أو ديونًا للآدميين، وكذلك الوصية، ثم بعد ذلك تأتي قسمة التركة. ويُلاحَظ أن بعض الناس يتساهل في هذا، يقسمون التركة بغير نظرٍ للديون التي على الميت وبغير نظرٍ إلى الوصية التي أوصى بها، وهذا لا يجوز؛ لأن الله لمَّا قسم المواريث قال: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11].
مسألةٌ: رجل وجبت في ماله الزكاة فلم يخرجها لسنوات؛ فما الحُكم؟
الزكاة دَين الله ، والدَّين لا يسقط بالتقادم، فيجب عليه أن يخرج الزكوات عن جميع السنوات الماضية، وقد نص على هذا الفقهاء؛ قال النووي: “إذا مضت عليه سنون ولم يؤدِّ الزكاة؛ لزمه إخراج الزكاة عن جميعها”، قال ابن قدامة: “إذا حالَ على ماله حولان لم يؤدِّ زكاتهما؛ وجب عليه أداؤها لِمَا مضى”. فالزكاة دَين الله ولا تسقط بالتقادم، حتى لو كان ذلك جهلًا، لو كان يجهل وجوب الزكاة عن السنوات الماضية هذا لا يُعْفِيه، لا يُعْفِيه الجهل؛ نقول: ربما يرفع الجهلُ عنه الإثمَ، لكن يجب عليه أن يخرج الزكوات عن جميع السنوات الماضية. أو كان نسيانًا، نسي مثلًا أن يخرج الزكاة، فالنسيان أيضًا لا يُعْفِيه من إخراج الزكاة، يجب عليه أن يخرج الزكاة عن جميع السنوات الماضية.
هنا باب زكاة السائمة، وربما لا يتسع الوقت للكلام عنها، فنخصص ما تبقى من الوقت للإجابة عن الأسئلة، نقف عند باب زكاة السائمة، ونكتفي بهذا القدر.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة:
الآن نجيب عمَّا تيسر من الأسئلة.
السؤال: هل يلتقي الأمواتُ في حياة البرزخ؟
الجواب: حياة البرزخ بالنسبة لنا غيب، والعقل البشري لا يستطيع أن يصل فيها إلى أية معلومة إلا عن طريق الوحي، فالأمور كلها مبنية على النصوص، ولا أعلم أنه ثبت في النصوص أن الأموات يلتقون في البرزخ، وإنما رُوي في ذلك آثار ضعيفة لا تثبت وحكايات لا تقوى على إنشاء حُكم في هذه المسألة؛ فنقول: لم يثبت في ذلك شيء، فالله أعلم، لم يثبت أن الأموات يلتقون في حياة البرزخ، ثم إن كلَّ ميت مشغول بنفسه، الميت إما أن يُنعَّم أو يُعذَّب، كيف يلتقي بغيره؟! إنما الالتقاء يكون في الجنة، في الجنة يلتقي المؤمنون، ويجمع الله تعالى شمل العائلة الواحدة، ويرفع الله تعالى درجة الأدنى ليكون في درجة الأعلى فيجتمعون؛ كما قال سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21]؛ فيُلْحِقهم الله ليَكْمُل النعيم، فيجتمع شمل هذه العائلة.
وعلى سُرُر متكئين، يكونون على سُرُر يتحدثون ويجتمعون ويأتلفون ويتزاورون أيضًا؛ الله تعالى ذكر أيضًا من نعيم أهل الجنة أنهم يكونون إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]؛ لأن تقابل الأحباب بعضهم مع بعض هذا من النعيم الذي ذكره الله تعالى لأهل الجنة، فالمؤمنون في الجنة يلتقي بعضهم مع بعض إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ، ويجتمعون ويتحدثون عن أمور الدنيا وعن أمور كثيرة، وهذا من نعيم أهل الجنة. فالتقاء المؤمنين في الجنة هذا وردت به الأدلة، أما التقاء الأموات في فترة البرزخ فالله تعالى أعلم، لا ندري، ولم يثبت في ذلك شيء، والله تعالى أعلم.
السؤال: السيارة المُعَدَّة للاستخدام إذا عرضتها للبيع وحال عليها الحول؛ وهي معروضة هل عليها زكاة؟
الجواب: هذه لا زكاة فيها؛ لأنها إنما عُرِضت للبيع وليس للتجارة، إنما الزكاة تجب فيما أُعِد للتجارة، والتجارة المقصود بها أن يعرضها للبيع بقصد التربح، أما إذا عرضها للبيع بقصد التخلص؛ عنده سيارة يستخدمها ثم عرضها للبيع، لكن لم يجد زبونًا واستمر ذلك العرض مدة سنة فلا زكاة فيها؛ لأنه لم يقصد بها التجارة، وإنما هي سيارته الشخصية أعدها للبيع؛ مثل لو أعد أيضًا بيته، يريد أن ينتقل إلى حي آخر، فعرض بيته للبيع، ومضى على هذا العرض سنة أو أكثر فلا زكاة فيه؛ إنما الزكاة تجب فيما أُعِد للتجارة، فيما إذا عرضه للبيع بقصد التربح والتكسب، وليس بقصد التخلص.
السؤال: امرأة مطلقة ولديها ولد واحد، ولم تطلب النفقة من مُطَلِّقها لأنه غير موظف، فهي تنفق على الولد؛ هل يُعتبر صرفها عليه صدقةً أم إحسانًا أم ماذا يُسمى؟
الجواب: نعم، صَرْفُها على ولدها يُعتبر من الصدقة، ومن الإحسان أيضًا، وهي مأجورة على ذلك، فإنَّ صَرْفها على ولدها أعظم من صَرْفها على فقير أو مسكين؛ قال عليه الصلاة والسلام: دينار أنفقته في رقبة، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك؛ أعظمها عند الله أجرًا الذي أنفقته على أهلك[13] رواه مسلم؛ فنقول لهذه المرأة: بنفقتها على هذا الولد هي مأجورة على ذلك، ويدخل هذا في الصدقة، ويدخل ذلك أيضًا في الإحسان.
السؤال: مَن قال: “سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أستغفر الله العظيم” مئة مرة بين أذان الفجر وإقامته، تُفتَح له أبواب الرزق كيفما شاء؛ هل هذا الحديث صحيح؟
الجواب: هذا الحديث لا أصل له، لا أعلم له أصلًا.
السؤال: إذا كان بيدي شيء من الصمغ وكنت سأزيله وقت الوضوء، ثم نسيته وصليت أكثر من يومين، وأثر الصمغ باقٍ؛ فما الحُكم؟
الجواب: إذا كان هذا الصمغ يَحُول بين البشرة وبين الماء، فيلزمك أن تعيد هذه الصلوات، لأن جزءًا من أعضاء الوضوء لم يصبها الماء؛ فالنبي لما رأى رجلًا وفي قدمه قَدْرُ ظُفْرٍ فقط لم يُصِبه الماءُ أَمَره أن يعيد الوضوء والصلاة[14]، فإذا كان هذا الصمغ يمنع من وصول الماء إلى البشرة فيجب عليك أن تعيد هذه الصلوات.
السؤال: هل تُمنَع المعتدة من وضع الكريم المرطب للجسم غير المُعطَّر، أم يجوز لها استخدامه؟
الجواب: ما دام أنه غير مُعطَّر يجوز لها استخدامه، إذا كان مجرد ترطيب للجسم وليس فيه عطر فلا بأس.
السؤال: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [فصلت:6-7]؛ هل الزكاة هنا زكاة المال؟
الجواب: هذا محل خلاف بين المفسرين؛ منهم مَن قال إن المقصودَ بذلك زكاةُ النفس؛ أي إنهم لم يطهروا أنفسهم من الشرك، ولم يزكوها بالطهارة من الشرك، بل دنسوها بالشرك والكفر؛ وقال بعض المفسرين إن المقصودَ بالزكاةِ الزكاةُ المعروفةُ التي هي إخراج جزءٍ مُقدَّرٍ من المال في الأموال الزكوية؛ وربما يقال بأن كِلَا المعنيَين صحيح، أن الآية تحتمل المعنيَين؛ وعندنا قاعدة في التفسير وهي: أن الآية إذا احتملت معنيَين لا تضادَّ بينهما بأي وجه من الوجوه؛ فتُحمَل على المعنيَين جميعًا.
السؤال: إذا كان عند الإنسان بيت أو محل يؤجره؛ هل يبدأ حول الأجرة للزكاة من حين العقد أو من استلام الأجرة؟
الجواب: هذا محل خلاف؛ والقول الراجح أنه يبدأ من حين استلام الأجرة؛ لأنه قبل استلام الأجرة، الأجرة مُعرَّضة للسقوط، ربما أن المستأجر لا يسدِّد، وكم من مستأجر لم يسدِّد، فقد يحصل المؤجر على الأجرة وقد لا يحصل، فما دام أن هذا المال مُعرَّض للسقوط فلا تجب الزكاة إلا من حين استلام الأجرة، إذا استلم الأجرة وبَقِيَت عنده سنةً كاملةً وقد بَلَغَتْ نصابًا ففيها الزكاة، أما حتى إذا استلم الأجرة وصرفها قبل تمام الحول فلا زكاة فيها.
السؤال: مَن كان لديه مُستحَقات عند جهة، ولم تصرف إلا بعد سنة وشهرين؛ هل يجب عليه أن يزكيها؟
الجواب: لا يجب عليه أن يزكيها؛ لأن هذه المُستحَقات لا يضمن الحصول عليها، فقد لا يحصل عليها لأي سبب من الأسباب، فالمِلك فيها غير تام وغير مستقر؛ وعلى ذلك لا تجب الزكاة في هذه المُستحَقات إلا إذا حصل عليها، فيستأنف بها حولًا جديدًا إذا حصل عليها، وقد بَلَغَتْ نصابًا، ومضى عليها سنة؛ هنا يجب عليه أن يزكيها.
السؤال: عندي مبلغ خمسون ألفًا أعطيتُها والدي ليحفظها، عندما قلتُ لوالدي: أَخرِج الزكاة عني، قال: إني قد صرفتُها وسأعطيك بدلًا منها فيما بعد؛ هل عليَّ زكاة؟
الجواب: ليس عليك زكاة حتى تستلم هذا المبلغ وتزكيه عن سنة واحدة، ما قبل ذلك ليس عليك زكاة؛ لأنك لا تستطيع أن تطالب والدك ولو عن طريق المحكمة، وحتى الدعوة التي يقيمها الابن على أبيه في المحكمة لا تُسمَع، أنت ومالُك لأبيك[15]، إن أطيب ما أكلتُم من كَسْبكم، وإن أولادكم من كَسْبكم[16]؛ ما دام أن الأمر كذلك فنقول: هذا المبلغ لا زكاة عليك فيه إلا إذا استلمتَه يومًا من الدهر، سَلَّمَه والدُك لك يومًا من الدهر فَزَكِّه عن سنة واحدة فقط.
السؤال: رجل تُوُفي وفي ذمته زكاة؛ فهل تُخرَج وتُقدَّم على التركة أو تسقط بوفاته؟
الجواب: تُخرَج وتُقدَّم على التركة، الزكاة لا تسقط، الزكاة دَين الله ؛ والله تعالى لمَّا قسم الميراث قال: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11]؛ فيجب إخراج الزكاة قبل قسمة التركة.
السؤال: أحافظ على جميع الصلوات جماعةً في المسجد، لكن أتكاسل بعض الأحيان عن صلاة الظهر، أصليها في آخر وقتها.
الجواب: هذا يُعتبر تقصيرًا منك؛ لماذا تؤخر صلاة الظهر عن وقتها؟ ينبغي أن تكون من المسارعين للخيرات، وتصلي صلاة الظهر في وقتها مع الجماعة في المسجد، وإذا كنت موظفًا فتصليها مع زملائك في العمل جماعةً، ولا تؤخر صلاة الظهر إلى آخر وقتها؛ لأنك إذا أخرتها إلى آخر وقتها فلن تصليها جماعةً -في الغالب-، ستفوتك صلاة الجماعة، وصلاة الجماعة واجبة على الرجال. فعليك أن ترفع مستوى الاهتمام بالصلاة؛ الصلاة هي عمود دِين الإسلام، فينبغي أن نهتم بها، أن نرفع مستوى الاهتمام بهذه العبادة، أن نجعلها أول اهتماماتنا، لا نجعلها على الهامش، نبدأ بالأعمال ونبدأ بالأشغال، ثم نصليها في آخر وقتها، هذا يُنْبِئ عن قلة الاهتمام بهذه العبادة.
فأقول: يا أخي الكريم، ارفع مستوى الاهتمام بالصلاة، ما دمتَ محافظًا على بقية الصلوات إلا صلاة الظهر، احرص على أن تصلي صلاة الظهر مع الجماعة، إن كنتَ خارج المسجد تصليها مع الجماعة في المسجد، وإن كنتَ في العمل تصليها مع زملائك جماعةً في العمل.
ونكتفي بهذا القدر.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 1395، ومسلم: 19. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 6921، ومسلم: 120. |
^3 | رواه أبو داود: 3433. |
^4 | رواه البخاري: 1405، ومسلم: 979. |
^5 | بنحوه رواه الدارقطني: 1902. |
^6 | بنحوه رواه مالك -ت: الأعظمي-: 863، والطبراني في الأوسط: 4152. |
^7 | رواه البخاري: 1454. |
^8, ^9 | سبق تخريجه. |
^10 | بنحوه رواه مالك -ت: الأعظمي-: 873. |
^11 | رواه البخاري: 1852، ومسلم: 1149. |
^12 | رواه البخاري: 6699. |
^13 | رواه مسلم: 995. |
^14 | رواه أبو داود: 175. |
^15 | رواه ابن ماجه: 2291، وأحمد: 6902. |
^16 | رواه الترمذي: 1358، وقال: حسنٌ، وابن ماجه: 2290، وأحمد: 25296. |