عناصر المادة
- أنواع النسك
- محظورات الإحرام
- تعمد لبس المخيط على الرجال
- لبس الخفين للمحرم
- حكم لبس الكمامة للمُحرم
- حكم الإحرام بالإزار المخيط
- تعمد تغطية الرأس من الرَّجُلِ
- تغطية الوجه من الأنثى
- قصد شمِّ الطيب، ومس ما يَعْلق
- استعمال الطيب في أكل أو شرب بحيث يظهر طعمه أو ريحه
- حكم من ارتكب شيئًا من محظورات الإحرام ناسيًا أو جاهلًا
- إزالة الشعر وتقليم الأظفار
- حكم من ارتكب محظورًا متعمدًا أو ناسيًا أو جاهلًا
- صيد الحيوان البري الوحشي المأكول
- الدلالة على الصيد والإعانة على قتله
- حكم قتل القمل للمحرم
- يسن قتل كل مؤذٍ مطلقًا
- عقد النكاح
- الوطء في الفرج ودواعيه
- المباشرة دون الفرج والاستمناء
- الحلق الموجب للفدية
- الضرورات تبيح المحظورات ويفدي
- الأسئلة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
حياكم الله جميعًا في هذا الدرس العلمي، أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، ربنا آتنا من لدنك رحمةً، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
طيب، ننتقل بعد ذلك إلى “السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد وصلنا إلى أنواع النسك: ص225.
أنواع النسك
قال المصنف رحمه الله:
ويُخير من يريد الإحرام بين أن ينوي التمتع -وهو أفضل- أو ينوي الإفراد أو القِرَان.
هذه هي الأنساك الثلاثة: التمتع والإفراد والقِرَان.
فالإنسان إما أن يحرم بالعمرة فقط، ثم يحرم بالحج، وهذا هو التمتع، أو يحرم بهما جميعًا، بالعمرة والحج، وهذا هو القِرَان، أو يحرم بالحج فقط، فهذا هو الإفراد.
وسيتكلم المؤلف عن كل واحدٍ منها.
طيب، نأخذ تعريف المؤلف، ثم نعود بعد ذلك إلى أي الأنساك أفضل.
التمتع بالحج
قال:
فالتمتع: هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم بعد فراغه منها يحرم بالحج.
هذا هو تعريف التمتع، وسمي تمتعًا؛ لتمتع الحاج بمحظورات الإحرام بين العمرة والحج، وأيضًا لتمتعه بإسقاط أحد السَّفَرَين، يعني: بدل أن يسافر للعمرة ثم يسافر للحج، هو الآن سيسافر سفرًا واحدًا لهما جميعًا، فهذا هو سبب تسميته بالتمتع، لتمتع الحاج بمحظورات الإحرام بين العمرة والحج، ولتمتعه بإسقاط أحد السفرين.
أيضًا هذا هو تعريف التمتع: يُحرِم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يحرم بالحج من العام نفسه، بشرط ألا يعود إلى بلده، فإن عاد إلى بلده؛ انقطع تمتعه.
مثلًا: رجلٌ من أهل الرياض ذهب وأتى بالعمرة في شهر شوالٍ، أو في شهر ذي القعدة، ثم بقي في مكة، فلما أتى اليوم الثامن من ذي الحجة؛ أحرم بالحج؛ يكون متمتعًا، لكن لو أنه لما أتى بالعمرة في شهر شوالٍ أو شهر ذي القعدة؛ رجع إلى الرياض، ثم بعد ذلك حج من ذلك العام؛ يكون قد انقطع تمتعه.
فإذا أتى بالعمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده؛ انقطع تمتعه، لكن إذا ذهب إلى غير بلده لا ينقطع تمتعه، مثال ذلك: رجلٌ من أهل الرياض أتى بالعمرة في أشهر الحج مثلًا في شهر ذي القعدة، ثم بعد ذلك ذهب للمدينة، ثم رجع وأتى بالحج؛ لا ينقطع تمتعه حتى ولو سافر؛ لأنه لم يرجع إلى بلده، لا ينقطع تمتعه إلا برجوعه إلى بلده.
وحتى يكون متمتعًا؛ لا بد أن يُحرِم بالعمرة في أشهر الحج، ويأتي بأعمال العمرة في أشهر الحج.
انتبه لهذه الفائدة، هذه التي سنذكر في “السلسبيل”: لا بد أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويأتي بأفعالها في أشهر الحج أيضًا، فمن أحرم بالعمرة في آخر رمضان، يعني يوم الثلاثين من رمضان بعد العصر أحرم بالعمرة، لكنه لم يأت بأفعال العمرة إلا في شوالٍ، لم يطف ولم يسع إلا ليلة العيد؛ فهل يكون متمتعًا أو لا يكون؟
الجواب: لا يكون، لا بد أن يكون الإحرام والأفعال كلها في أشهر الحج.
ونظير ذلك: لو أن رجلًا أحرم بالعمرة في آخر يومٍ من شعبان، آخرَ يومٍ من شعبان كان مثلًا بعد العصر في الميقات، وأحرم بالعمرة، وأتى بأفعال العمرة؛ بالطواف والسعي ليلة 1 رمضان، هل يكون قد أتى بالعمرة في رمضان؟ الجواب: لا، لا يكون أتى بالعمرة في رمضان.
فإذن العبرة بالإحرام، لا بد أن يكون الإحرام -الإهلال بالنسك- في رمضان؛ حتى يكون قد أتى بالعمرة في رمضان.
هكذا أيضًا نقول بالنسبة للمتمتع: حتى يكون متمتعًا؛ لا بد أن يُهِل بالنسك في أشهر الحج.
هذا هو التمتع.
الإفراد بالحج
والإفراد، قال:
هو أن يحرم بالحج، ثم بعد فراغه منه يحرم بالعمرة.
الإفراد أن يحرم بالحج فقط، لكن المؤلف قال: ثم بعد فراغه منه يحرم بالعمرة، وهذا محل نظر، فإن هذه ليست هي حقيقة الإفراد وإن كانت من صوره.
حقيقة الإفراد أن يحرم بالحج فقط، ولو أحرم بالحج ثم بعده أحرم بالعمرة فإنه يصدق عليه أنه مُفرِد، كما فعلت عائشة رضي الله عنها.
فهذا التعريف الذي ذكره المؤلف ينطبق على صورة من صور الإفراد، وتعريف الإفراد أن يحرم بالحج فقط.
القِرَان في الحج
وأما القِران، نعم، هنا دل كلام المؤلف على أنه لا بأس أن يعتمر الحاج بعد الحج، كما فعلت عائشة رضي الله عنها، لكن الأفضل ألا يفعل؛ لأن النبي لم يفعله، ولم يأمر به أحدًا من أصحابه، إنما رخص لعائشة فقط[1].
القِران له صورتان:
الصورة الأولى: أن يحرم بالعمرة والحج جميعًا، يقول: لبيك عمرة وحجًّا.
الصورة الثانية: أن يحرم بالعمرة، ثم يُدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها.
مثال ذلك: امرأة أحرمت بالعمرة على أنها متمتعة، ثم أتاها الحيض وأتاها يوم عرفة ولم تَطْهر بعد، فإنها تقلب التمتع إلى قران، تُدخل الحج على العمرة، وتقلب التمتع إلى قران.
أو أن رجلًا أحرم بالعمرة يريد التمتع، ثم عرض له عارض من مرض أو غيره وأتى وقت الوقوف بعرفة ولم يتمكن من الإتيان بعمرة، فإنه يقلب التمتع إلى قران.
قال:
طيب، قبل أن ننتقل إلى هذه المسألة، نحن وعدنا بالرجوع لمسألة المفاضلة بين الأنساك الثلاثة:
أفضل أنواع النسك
اختلف العلماء أي الأنساك الثلاثة أفضل: التمتع أو الإفراد أو القِران.
فمنهم من قال: إن القِران أفضل؛ لأنه هو النسك الذي اختاره النبي ، ولا يختار إلا ما هو الأفضل.
ومنهم من قال: إن التمتع أفضل.
ومنهم من قال: إن الإفراد أفضل.
من قال: إن الإفراد أفضل قال: بشرط أن ينشئ سَفْرةً للعمرة وسَفْرةً للحج، وهذا هو الذي كان يأمر به أبو بكر وعمر وعثمان، يأمرون الناس بالإفراد، ولهم من ذلك مقصد حتى لا يبقى البيت مهجورًا.
ومن قال: إن القِران أفضل، قال: إنه اختاره النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يختار الله لنبيه إلا ما هو الأفضل.
والتمتع لأن النبي أمر به.
والقول الراجح: أن مَن ساق الهدي فيتعين في حقه القِران؛ لأن النبي ساق الهدي، وأمر كل من ساق الهدي من أصحابه بأن يكونوا قارنين[2]، ومعنى سوق الهدي: يسوقه من الحِل إلى الحرم.
ويكاد الآن سَوْق الهدي، لا يكاد يكون موجودًا في الوقت الحاضر، يعني انقرض سَوْق الهدي من الحل إلى الحرم في وقتنا الحاضر تقريبًا، انقرض، ليس موجودًا.
أما إذا لم يسق الهدي، فالأفضل هو التمتع؛ لأن النبي أمر به أصحابه، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لَمَا سُقْتُ الهَدْيَ، ولَحَلَلْتُ مع الناس حين حلوا[3]، بل إن بعض أهل العلم ذهب إلى وجوب التمتع في حق من لم يسق الهدي، وذهب إلى هذا ابن عباس، وانتصر له ابن القيم، وذهب له من المعاصرين الألباني، رحمهم الله تعالى جميعًا.
ولكن الأظهر -والله أعلم- أن الأمر بالتمتع وأن وجوبه خاص بمن لم يسق الهدي من الصحابة فقط، كما اختار ذلك ابن تيمية رحمه الله؛ لقول أبي ذر: «كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد خاصة». رواه مسلم[4].
وعلى هذا؛ فغير الصحابة، الحاج من غير الصحابة مُخيَّر بين الأنساك الثلاثة.
أما الصحابة، فالنبي عليه الصلاة والسلام في البداية خيَّرهم، ثم لما قربوا من الميقات أكَّد عليهم؛ لمَّا دَنَوا من مكة أكَّد عليهم، ثم لما وصلوا إلى مكة أمرهم أَمْرَ إيجابٍ بالتمتع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أراد أن يُبطل اعتقادًا كان شائعًا عند الناس، وهو أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور.
فأمر النبي عليه الصلاة والسلام مَن لم يسق الهدي بأن يكون متمتعًا، يعني يأتي بعمرة؛ حتى يُبطل هذا المعتقد، كيف تكون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور؟! حتى إن بعض الصحابة ناقشوا النبي عليه الصلاة والسلام، وقال بعضهم: أننطلق مِن مِنًى ومَذَاكيرنا تقطر منيًّا.
يقصد بذلك أنهم سيعتمرون، وإذا اعتمروا حَلُّوا من العمرة، ووَطِئُوا زوجاتهم، كيف يكون هذا؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: افعلوا ما آمركم به قالوا: يا رسول الله، أي الحل؟ قال: الحل كُلُّه قال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة[5].
وهذه المسالة فيها أقوال كثيرة وفيها آثار وفيها عدة روايات، وخلاصة الكلام في هذه المسألة: أن القول الراجح هو أن التمتع في حق من لم يسق الهدي واجب في حق الصحابة فقط، وأما من عداهم فليس واجبًا، بدليل قول أبي ذر: «كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد خاصة».
هذا هو القول الراجح في المسألة، والذي اختاره جمع من المحققين من أهل العلم.
فعلى ذلك؛ الحُجَّاج بعد الصحابة مخيرون بين الأنساك الثلاثة: التمتع والإفراد والقِران، وأفضلها التمتع، ثم القِران، ثم الإفراد.
ومما يدل على عدم وجوب التمتع وأن القِران لم يُنسخ، وهكذا الإفراد، ما جاء في “صحيح مسلم” عن أبي هريرة : أن النبي قال عن عيسى ابن مريم عندما ينزل في آخر الزمان: والذي نفسي بيده، لَيُهلَّن ابن مريم بفَجِّ الرَّوْحاء حاجًّا -يعني مفردًا- أو معتمرًا -يعني متمتعًا- أَوْ لَيَثْنِيَنهُمَا يعني قارنًا[6].
فذكر عليه الصلاة والسلام الأنساك الثلاثة، فدل ذلك على عدم النسخ، وهذا هو الذي عليه أكثر علماء الأمة، وهل يُعقَل أن يكون الإفراد والقران منسوخين، ويخفى ذلك على الخلفاء الراشدين، وعلى كبار الصحابة، وعلى جماهير أهل العلم في كل عصر ومصر على مر أربعة عشر قرنًا، ولا يقول بذلك إلا قلة من أهل العلم؟! ما قال به إلا ابن عباس وابن القيم وعدد قليل من أهل العلم.
فالأقرب -والله أعلم- أنه لم ينسخ شيء من الأنساك، وأن الحاج مخير بين الأنساك الثلاثة: التمتع والإفراد والقِران، وأن أفضلها التمتع، ثم القِران، ثم الإفراد، إلا في حق من ساق الهدي فيتعين في حقه القِران.
إدخال العمرة على الحج
طيب، نعود لعبارة المؤلف، ونعود إلى قوله:
فإن أحرم به ثم بها لم يصح.
يعني إن أدخل العمرة على الحج لأجل أن يكون قارنًا لم يصح، يعني بعبارة أوضح: إذا أراد أن ينتقل من الإفراد إلى القران، يقول المؤلف: إنه لا يصح، وذهب الحنفية إلى أنه يصح.
وهذه المسألة من المسائل التي أنا متوقف فيها، والأدلة فيها متكافئة، لم يظهر لي رُجْحان أيٍّ من القولين.
أما لو أراد أن ينتقل من التمتع إلى الإفراد فليس له ذلك؛ لأنه يريد أن ينتقل من أفضل إلى مفضول، ولو أراد أن ينتقل من الإفراد إلى التمتع فله ذلك، بل يستحب، وهو الذي أمر به النبي الصحابة.
يعني: رجل أحرم بالحج مفردًا، قيل له: إن الأفضل أن تكون متمتعًا، فله أن يقلب الحج إلى عمرة، ويأتي بعمرة ويتحلل منها، ثم يحرم بالحج فينتقل من الإفراد إلى القِران.
النسك الأفضل لأهل مكة
طيب، ما النسك الأفضل لأهل مكة؟
بعض أهل العلم يقول: إن أهل مكة لا يكونون متمتعين، وإن الأفضل في حقهم الإفراد. ونسب هذا لابن تيمية رحمه الله، ولكن الأدلة قد جاءت عامة؛ لأهل مكة ولغيرهم.
والأقرب -والله أعلم- أن أهل مكة كغيرهم، وأن الأفضل في حقهم التمتع، ويدل لذلك ظاهِرُ قولِ الله لمَّا ذَكَر التمتع: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، فدل هذا على أن حاضري المسجد الحرام أنهم يأتون بالتمتع، لكن ليس عليهم هدي.
والحِكمة من كونهم ليس عليهم هدي؛ أنهم حاضرو المسجد الحرام، وحاضر الشيء من أهله، فكأن الهدي يأتي من الضيف على البيت، فضيوف الرحمن الذين يأتون من مكان بعيدٍ هم الذين يُهْدون للبيت، وأما مَن كان في مكة فلا يقال: إنه يُهدي للبيت، فلا يشرع الإهداء للبيت إلا لمن كان قدومه بعيدًا عن مكة، أو بعيدًا من مكة، قال:
ومن أحرم وأطلق صحَّ وصَرَفه لما شاء، وما عَمِلَ قبلُ فلَغْوٌ.
هذا الإحرام المطلق؛ إنسان أتى عند الميقات وقال: اللهم لبيك، فسئل: بِمَ أحرمتَ؟ هل أنت متمتع أو مفرد أو قارن؟ قال: لم أنوِ شيئًا. يقول المؤلف: إنه يصح.
وهكذا لو قال: أحرمت بما أَحْرم به فلان، بأن -مثلًا- يثق في أحد المشايخ، فلما أتى عند الميقات، قال: اللهم لبيك بالنسك الذي لبَّى به الشيخ فلان؛ لأنه يعرف بأن فلانًا عنده تحرٍّ للسُّنة وعلم؛ فهذا لا بأس به.
ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين عن أنس قال: قدم عليٌّ على النبي من اليمن، قال: بِمَ أهللتَ؟ قال: بما أهل به النبي . فأقره النبي على ذلك[7]، وهذا يدل على فقه عليٍّ وعلى ذكائه وجودة رأيه.
السنة لمن أراد نسكًا أن يُعيِّنه
قال:
لكن السُّنة لمن أراد نسكًا أن يعينه.
يعني يتلفظ، يقول: اللهم لبيك عمرة، إن كان يريد التمتع، أو لبيك حجًّا إن كان يريد الإفراد، أو لبيك عمرة وحجًّا إن كان يريد القِران.
دعاء نية الإحرام
لكن هنا مسألة دقيقة: إذا أراد التمتع، هل الأفضل أن يقول: اللهم لبيك عمرة، أو يقول: اللهم لبيك عمرة متمتعًا بها إلى الحج؟
الجواب: الأفضل أن يقول: اللهم لبيك عمرة، وإن قال: متمتعًا بها إلى الحج؛ فلا بأس، لكن الأفضل أن يقتصر على قوله: لبيك عمرة؛ لأن النية تكفي؛ فلا حاجة لأن يقول: متمتعًا بها إلى الحج.
قال:
وأن يشترط فيقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، فيَسِّره لي، وتقبله مني، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.
يعني هاتان مسألتان:
المسألة الأولى: قوله: إنه يستحب أن يقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، فيسره لي وتقبله مني.
والقول باستحباب ذلك يحتاج إلى دليل، وليس في المسألة دليل؛ ولهذا فهذا القول من المؤلف محل نظر، فلم يَرِد عن النبي عليه الصلاة والسلام أو عن أحد من أصحابه أنهم كانوا يقولون ذلك.
وما الفرق بين أن يقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، أو أنه يقول عندما يريد أن يصلي: اللهم إني أريد أن أصلي، أو مثلًا عند الصوم يقول: اللهم إني أريد أن أصوم؟ إذا أجزنا هذا في الحج فكذلك في بقية العبادات.
ولهذا؛ فالصواب أن هذا غير مشروع، وبعض أهل العلم يشدد ويقول: إنه بدعة، فالسنة أن يقتصر على الإهلال: “اللهم لبيك عمرة” إن كان يريد التمتع، أو “لبيك حجًّا” إن كان يريد الإفراد، أو “لبيك عمرة وحجًّا” إن كان يريد القِرَان، ولا داعي لأن يقول: “اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني”؛ لا داعي لأن يقول ذلك؛ لأنه لا دليل عليه.
والسُّنة أن يكون إهلاله عندما تستوي به الراحلة، فإن النبي إنما كان يُهل بعدما يستوي على راحلته.
والراحلة في وقت النبي عليه الصلاة والسلام كانت الإبل، كان إذا استوى على بعيره أو على ناقته أهلَّ، وفي وقتنا الحاضر السيارة، فإذا ركب السيارة استقبل القبلة وأهَلَّ، فالسنة أن يسبح ويحمد الله ويُكبِّر قبل أن يُهلَّ.
استحباب التسبيح قبل الإهلال بالعمرة أو الحج
انتبه لهذه الفائدة التي قد لا تجدها في كتب الفقه، وإنما هي مذكورة في كتب الحديث، وهي أن المشروع قبل أن تُهِل بالعمرة أو الحج أن تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر: هذا الحكم -وهو استحباب التسبيح وما ذُكر معه قبل الإهلال- قَلَّ مَن تعرَّض لذكره مع ثبوته.
وقد بوَّب عليه البخاري في “صحيحه” بقوله: “باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة”، ثم ساق بسنده عن أنس قال: صلى النبي الظهر بالمدينة أربعًا، والعصر بذي الحُلَيفة ركعتين، فبات بها، فلما أصبح ركب راحلته فجعل يُهلِّل ويسبح، فلما علا على البَيْداء لبَّى بهما جميعًا[8].
فإذن؛ السنة أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، قبل أن يهل بالعمرة أو الحج، يعني قبل أن تقول: اللهم لبيك عمرة، تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، قبل أن تهل بالحج تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. بعد ذلك تقول: اللهم لبيك عمرة، أو لبيك حجًّا، أو لبيك عمرة وحجًّا.
ركعتا الإحرام
هنا مسألة: هل هناك ركعتان تخصان الإحرام؟
جمهور العلماء على أنه يستحب أن يصلي ركعتين للإحرام.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس هناك ركعتان للإحرام تخصه، وإنما السنة أن يكون إحرامه عقب صلاة، فإن كان وقت صلاة الفريضة قريبًا، فإنه يجعل إحرامه بعد صلاة الفريضة، وإن كان وقت الفريضة ليس قريبًا فيأتي بسنة من السنن المشروعة ثم يُحرِم بعدها.
مثلًا: إن كان في وقت الضحى يأتي بركعتي الضحى، إن كان في الليل يأتي بصلاة الوتر، أو مثلًا يأتي بتحية المسجد، أو يأتي بسنة الوضوء، المهم أنه يأتي بسُنة من السنن المشروعة، ثم يحرم بعدها.
وهذا هو القول الراجح: أنه ليس للإحرام ركعتان تخصه، وإنما السُّنة أن يكون إحرامه عقب صلاة، وقد اختار هذا القول الإمام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، وشيخنا عبدالعزيز ابن باز، والشيخ محمد ابن عثيمين رحمة الله تعالى على الجميع.
الاشتراط عند الإحرام
قوله:
وإن حبسي حابس فمحلي حيث حبستني.
هذا يسميه الفقهاء “الاشتراط عند الإحرام”، وقد اختُلف في مشروعيته على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يشرع مطلقًا؛ لأن النبي لم يشترطه.
والقول الثاني: أنه مشروع مطلقًا.
والقول الثالث: أنه مشروع في حق من احتاج إليه، ولا يشرع في حق من لم يحتج إليه.
من قال: بأنه لا يشرع مطلقًا قال: الدليل أن النبي لم يشترط، وقد قال ابن عمر: حَسْبكم سُنة نبيكم.
ومن قال: إنه مشروع مطلقًا، فاستدل بما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي دخل على ضُبَاعة بنت الزبير، وهي عمته، فقال لها: لعلكِ أردتِ الحج قالت: والله لا أجدني إلا وَجِعَة، فقال لها: حُجِّي واشترطي أن محلي حيث حبستني، فإنَّ لكِ على ربك ما استثنيتِ[9].
قالوا: فكون النبي عليه الصلاة والسلام أرشد هذه المرأة إلى الاشتراط في الحج دليل على مشروعيته.
القول الثالث: قالوا: إن الاشتراط مشروع في حق من احتاج إليه، وليس مشروعًا في حق من لم يحتج إليه؛ والدليل على أنه مشروع في حق من احتاج إليه أن النبي أمر به ضباعة بنت الزبير؛ لأنها كانت مريضة وتخشى أن يزداد مرضها، فلا تستطيع أن تكمل حجها.
وليس مشروعًا في حق من لم يحتج إليه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يشترط، ولم يأمر به أحدًا من أصحابه غير ضباعة، ولو كان مشروعًا لاشترط النبي عليه الصلاة والسلام، وأمر به بقية الصحابة.
وهذا هو القول الراجح الذي تجتمع به الأدلة: أن الاشتراط مشروع في حق من احتاج إليه، وليس مشروعًا في حق من لم يحتج إليه.
في حق من احتاج إليه: كمريض ولا يدري ربما يخشى أن يزداد به المرض فلا يستطيع إكمال الحج، فيشرع له الاشتراط. أو مثلًا: ليس معه الأوراق الكاملة من التصريح ونحوه، فيخشى أن يُرَد بسبب عدم اكتمال الأوراق التي تصرح له بالحج أو العمرة، ونحو ذلك، فهنا يشرع له أن يشترط.
لكن إذا كان لا يخشى من عائق يعيقه، إنسان معه تصريح بالحج وليس مريضًا، فالأفضل في حقه ألا يشترط؛ لأن النبي لم يشترط.
طيب، في الظروف الحالية مع وباء كورونا، هل يشرع الاشتراط لكل أحد؟
الذي يظهر -والله أعلم- أنه مع الظروف الحالية وحضور وباء كورونا، أنه يشرع الاشتراط لكل أحد، لكل من أراد العمرة أو الحج؛ لأنه لا يدري ما يعرض له، فهذا الوباء وباء خطير ينتقل بسرعة، وله تأثير كبير على الإنسان، وقد يؤدي لإعاقته، وقد يؤدي لمرضه الشديد، بل قد يؤدي للوفاة؛ ولذلك ينبغي لكل من أراد الحج أو العمرة مع حضور هذا الوباء أن يشترط.
نسأل الله تعالى أن يرفع هذا الوباء.
لكن إذا ارتفع هذا الوباء، يعود الحكم لما ذكرنا: أن من كان يخشى من عائق يعيقه يشرع له في حقه الاشتراط، ومن لا يخشى من عائق يعيقه لا يشرع في حقه الاشتراط.
الاشتراط في الحج أو العمرة لمن خشيت نزول الحيض
طيب، هنا مسألة: المرأة التي تخشى أن يأتيها الحيض في العمرة أو الحج، هل يُشرع لها الاشتراط؟
الجواب: نعم، إذا كانت تخشى أن يأتيها الحيض ويعيقها عن إتمام العمرة وعن إتمام الحج، فيُشرع في حقها الاشتراط، وهذا خير من ألا تعتمر.
يعني: بعض النساء تخشى أن يأتيها الحيض فلا تعتمر، نقول: اعتمري واشترطي، فإذا أتاكِ الحيض فإنكِ تتحللين ولا شيء عليكِ.
وذلك لأن الاشتراط إنما شُرِع لدفع المشقة، وهذا منها، وعلى هذا فإذا كانت المرأة تخشى من أن يأتيها الحيض ولا تستطيع أن تكمل النسك فيشرع في حقها الاشتراط عند الإحرام.
طيب، ما فائدة هذا الاشتراط؟
فائدة هذا الاشتراط أنه إذا حصل له عائق يعيقه عن إتمام النسك فإنه يتحلل، وليس عليه شيء، بينما إذا لم يشترط فليس له أن يتحلل حتى لو أعاقه عائق، وإنما يعتمر إن استطاع أن يعتمر، فإن لم يستطع حلق رأسه ونحر هديًا.
طيب، حوادث السيارات، هل يشرع الاشتراط لأجلها؟ يعني يقول بعض الناس: أنا أخشى أن يأتيني حادث؟ الجواب: لا يشرع الاشتراط خشية وقوع حادث سيارة؛ وذلك أن نسبة حوادث السيارات إلى الحجاج قليلة جدًّا، فهي كنسبة الدواب في عهد النبي ، فهي كنسبة الحوادث حوادث الدواب في عهد النبي .
والنبي عليه الصلاة والسلام حج معه مائة من الإبل، ولم يقع حادث إلا واحد في قصة الرجل الذي وقصته راحلته فمات[10].
ومع ذلك لم يأمر النبي أحدًا من أصحابه بالاشتراط سوى المرأة المريضة ضُبَاعة بنت الزبير[11].
وعلى هذا نقول: لا يشرع الاشتراط خشية وقوع حادث سيارة.
ننتقل إلى محظورات الإحرام.
محظورات الإحرام
قال المصنف رحمه الله:
باب محظورات الإحرام.
والمراد بمحظورات الإحرام يعني المحرمات بسبب الإحرام، وهي سبعة، قال:
سبعة أشياء.
وبعضهم يجعلها ثمانية، وبعضهم يجعلها تسعة، يعني وهذا الاختلاف هو بسبب الاختلاف في إدخال بعضها في بعض، فمثلًا المؤلف أدخل المباشرة مع الوطء، وبعضهم كصاحب الزاد يجعل المباشرة محظورًا مستقلًّا، ولا مشاحة في الاصطلاح.
تعمد لبس المخيط على الرجال
طيب، الأول قال:
أحدها: تعمد لبس المخيط على الرجال.
ما هو المخيط؟ المخيط ليس المقصود به ما فيه خيوط، وإنما المقصود بالمخيط هو اللباس المفصل على قدر العضو أو الأعضاء، سواء أكان بخياطة، أو بغير خياطة، وإنما يعبر الفقهاء بالمخيط بناء على الغالب.
المخيط الذي فيه خياطة، مثل مثلًا القميص الذي نسميه الثوب، وكذلك السراويل والخف ونحوها، وهكذا لو وضع على مقدار العضو بدون خياطة فهو مخيط، مثل الفنيلة، إذا نُسجت الفنيلة نسجًا وليس فيها خيوط تعتبر من المخيط.
وهذا المصطلح المخيط، يقال: إن أول من أطلقه إبراهيم النخعي، وتبعه على ذلك عامة الفقهاء، وإلا لا نجد هذا المصطلح من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، ولا من كلام الصحابة، ولا حتى من كلام كبار التابعين.
وإنما بعد إبراهيم النخعي تلقفه الفقهاء، وهذا المصطلح أوقع كثيرًا من العامة في سوء الفهم؛ لأنهم يفهمون من كلمة المخيط أنه الذي فيه خيوط؛ ولذلك يسألون عن الساعة التي فيها خيوط: هل يجوز لبسها أو لا؟ يسألون عن الحزام الذي فيه خيوط: هل يجوز لبسه أو لا؟ ويسألون عن الحذاء الذي فيه خيوط: هل يجوز لبسه أو لا؟
والفقهاء مقصودهم بالمخيط: ليس الذي فيه خيوط، وإنما مقصودهم ما فُصِّل على قدر العضو أو البدن؛ ولذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يعبر بالمخيط لما سُئل عما يلبسه المحرم، قال: لا يلبس المحرم القمص ولا العمائم ولا السراويلات، ولا البرانس ولا الخفاف[12]، كلام النبي عليه الصلاة والسلام واضح ليس فيه إيهام.
فالتعبير بالمخيط هو الذي أوقع بعض العامة في هذا الوهم.
ولهذا؛ ينبغي لطالب العلم أن يحرص على اختيار النصوص الشرعية؛ لأنها مُحكَمة واضحة لا لَبْس فيها، وإنما كلام البشر يعتريه ما يعتريه من الخلل.
وهذا المخيط خاص بالرجال، أما النساء فالمخيط في حقهن النقاب والقفازان وسيأتي الكلام عنها إن شاء الله.
لبس الخفين للمحرم
قال المؤلف:
حتى الخفين.
أي يحرم على المُحرِم أن يلبس الخفين؛ لأن النبي قال: من لم يجد نعلين فليلبس الخفين؛ وليقطعهما أسفل من الكعبين[13].
هنا وقفة مع قوله عليه الصلاة والسلام: وليقطعهما أسفل من الكعبين، هذه اللفظة جاءت في الصحيحين في البخاري ومسلم، فهل هي محكمة أو منسوخة؟
بعض أهل العلم قال: إن قوله عليه الصلاة والسلام: وليقطعهما أسفل من الكعبين، إنها منسوخة.
ما هو الناسخ؟ قال: الناسخ أن النبي لما خطب الناس في عرفات قال: من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ولم يقل: فليقطعهما، وقد حضر خطبته في عرفات من لم يحضر خطبته في المدينة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، هكذا قالوا؛ لأنه سمعه في عرفات من لم يسمعه في المدينة.
والذي يظهر -والله أعلم- أن هذه المسألة مبنية على ثبوت رواية: وليقطعهما أسفل من الكعبين، هل هذه اللفظة ثابتة عن النبي أو لا؟
بعض المحققين من أهل الحديث يقول: إن لفظة: وليقطعهما أسفل من الكعبين، إنها غير محفوظة، وإن المحفوظ عن النبي أنه قال: من لم يجد النعلين فليلبس الخفين. قالوا: إن لفظة «يخطب بعرفات» غير محفوظة؛ لأنه انفرد بها شعبة عن عمرو بن دينار من بين سائر الثقات، وأكثر الثقات رووها بدون ذكر عرفات.
ولهذا قال الإمام مسلم في “صحيحه”: ولم يذكر أحد منهم: «يخطب بعرفات» غير شعبة وحده.
ومخالفة الثقة لمن هو أوثق منه يعتبر شذوذًا، أو انفراده بالزيادة دون غيره من الثقات يعتبر شذوذًا.
وهذا هو الأظهر -والله أعلم- أن هذه اللفظة أنها غير محفوظة، وهي: «يخطب بعرفات» غير محفوظة.
إذن، يكون المحفوظ عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: من لم يجد نعلين فليلبس الخفين؛ وليقطعهما أسفل من الكعبين، وأما زيادة: أنه عليه الصلاة والسلام خطب بعرفات وقال: من لم نجد نعلين فليلبس الخفين فهذه غير محفوظة، يعني كلمة «يخطب بعرفات» غير محفوظة.
وعلى هذا؛ فيكون القول الراجح في هذه المسألة هو بقاء هذا الحكم على ظاهره، وأن من لم يجد نعلين أنه يلبس الخفين، وأنه يقطعهما أسفل من الكعبين. هذا هو الأظهر، والله أعلم.
فهذه المسألة ترجع للرواية، وزيادة «يخطب بعرفات» لم تثبت؛ وعلى هذا يكون النبي عليه الصلاة والسلام إنما قال هذا مرة واحدة في المدينة: من لم يجد نعلين فليلبس الخفين؛ وليقطعهما أسفل من الكعبين.
وهذا يبين لنا -أيها الإخوة- أهمية العناية بالحديث، وأنه مؤثر في الترجيح في المسائل الخلافية، يعني لاحِظوا هذه المسألة، الذي حسمها هو: هل كلمة «يخطب بعرفات» ثابتة أو غير ثابتة؟
فلما حُقِّقت من حيث الصناعة الحديثية، وجدنا أن المحققين يقولون: إنها غير ثابتة، وعلى هذا فالأمر بقطع الخفين يكون محكمًا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: من لم يجد نعلين فليلبس الخفين؛ وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولم يثبت أنه قال في خطبة عرفات ذلك بدون القطع.
خطبة عرفات نقلها الصحابة محفوظة، والكلمات محدودة، فلم يَرِدْ فيها هذا اللفظ؛ من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ولم يقل: فليقطعهما أسفل من الكعبين.
أما من لم يجد إزارًا فإنه يلبس السراويل. والسراويل مفرد جمعه سراويلات. وأما قول بعض الناس: سروال، فهذه لغة شاذة، فالأفصح أن تقول للمفرد: سراويل، جمعها سراويلات.
من لم يجد إزارًا فإنه يلبس السراويل، وليس عليه فدية؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: السراويل لمن يجد الإزار[14].
وبناء على ذلك: من أراد أن يحرم مثلًا في الطائرة، ونسي أن يأخذ معه لباس الإحرام، أو أن معه لباس الإحرام لكن وضعه في الحقيبة التي شُحنت في الطائرة، ولا يتمكن من الوصول إليها، فإنه يُحرم في السراويل، ويضع شيئًا على عاتقه، ولو ثوبًا مقلوبًا، ويكشف رأسه وليس عليه شيء، لكن إذا كان يلحقه الحرج، فإنه يلبس الثوب، ويكون عليه فدية.
حكم لبس الكمامة للمُحرم
طيب، حكم لبس الكمام للمحرم؟
أولًا: الكمام هل هو تغطية أو غير تغطية للوجه؟
الواقع أنه تغطية، أما قول من قال: إنه ليس تغطية فغير مُسلَّم، بدليل أن الكمام لو وضع على الرأس بدل الوجه لاعتُبر تغطية، لكن يعني نرجع لأصل المسألة: هل المُحرِم ممنوعٌ من تغطية وجهه أو لا؟ هذه المسألة اختَلف فيها العلماء على قولين:
- القول الأول: أنه لا يجوز للمُحرِم أن يغطي وجهه حال إحرامه.
- والقول الثاني: أنه يجوز، ولا بأس بذلك.
القائلون بأنه لا يجوز؛ استدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الرجل الذي وقصته راحلته وهو محرم، فقال النبي : اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه[15] وهذا موضع الشاهد: ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا.
قالوا: فإذا مُنع ذلك في شأن المُحرِم الميت، ففي شأن المحرم الحي من بابٍ أولى.
أما القائلون بأن تغطية المحرم لوجهه لا بأس بها، فقالوا: إنه لم يثبت في النهي شيء.
أما حديث ابن عباس، فالمحفوظ إنما هو الرواية التي اتفق عليها البخاري ومسلم، وهي: لا تُخمِّروا رأسه[16] بدون زيادة: ولا وجهه.
قالوا: زيادة ولا وجهه زيادة شاذة غير محفوظة، وقد أوردها الإمام مسلم في آخر الروايات، فإن الإمام مسلمًا أورد هذا الحديث بلفظ: لا تخمروا رأسه أي: الرواية التي رواها البخاري، ثم بعد ذلك أورد الرواية بزيادة: ولا وجهه من باب التنبيه على ضعفها.
وهذا منهج للإمام مسلم رحمه الله في “صحيحه”: أنه يورد الرواية الضعيفة بعد الرواية الصحيحة من باب التنبيه على ضعفها، وقد أشار إلى ذلك في مقدمته.
انتبه لهذه الفائدة: الإمام مسلم أحيانًا يورد الرواية الضعيفة بعد الرواية الصحيحة من باب التنبيه على ضعفها.
فلما أورد الإمام مسلم الرواية الصحيحة التي اتفق هو والبخاري عليها: ولا تخمروا رأسه بدون زيادة ولا وجهه، أورد بعد ذلك الرواية الضعيفة: ولا تخمروا رأسه ولا وجهه بزيادة: ولا وجهه.
هكذا أيضًا في حديث: غيروا هذا بشيء[17] أوردها الإمام مسلم هذا الحديث بدون زيادة: وجنبوه السواد، ثم أورد الرواية الأخرى بزيادة: وجَنِّبُوه السَّوَاد[18] من باب التنبيه على ضَعْفها، فهذا منهج للإمام مسلم في “صحيحه”.
وعلى ذلك؛ فالقول الراجح هو القول الثاني، وهو أن تغطية المُحرِم لوجهه لا بأس بها؛ لأنه لم يَرِد شيء في منع المحرم من تغطية وجهه، وأما لفظة: ولا وجهه فهي غير محفوظة.
وإذا قلنا: إن المحرم ليس ممنوعًا من تغطية وجهه، فلا يمنع من أن يلبس الكمامة.
وعلى ذلك نقول: إن لبس الكمامة للمحرم لا بأس به.
وأما بالنسبة للمرأة المحرمة، فإن كان لبس الكمامة لها مقتصرًا على تغطية الفم والأنف فقط؛ فلا بأس بذلك كالرجل، وأمَّا إن كان الكمام بالنسبة للمحرمة يغطي معظم وجه المحرمة حتى يكون كهيئة النقاب فليس لها ذلك؛ لأنه حينئذٍ يكون حكمه حكم النقاب، والمحرمة ممنوعة من لبس النقاب.
حكم الإحرام بالإزار المخيط
طيب، هنا مسألة، وهي ما يسمى بالإزار المُخيَّط أو الذي يكون على شكل تَنُّورة، هل يجوز للمُحرِم لُبْسُه؟
اختلف العلماء على قولين:
- القول الأول: أنه يجوز، ومِن أبرز مَن ذهب إلى هذا القولِ الشيخُ محمد ابن عثيمين رحمه الله.
- والقول الثاني: أنه لا يجوز، وإليه ذهب أكثر العلماء المعاصرين.
القائلون بالجواز، قالوا: إنه يسمى إزارًا، ولا فرق بين الإزار المخيط وغير المخيط، كل منهما يسمى إزارًا لغة وعرفًا، فيجوز للمحرم لُبْسه.
أما القائلون بأنه لا يجوز لُبْس هذا الإزار، فقالوا: إنه يعتبر مخيطًا، وقد ذكر بعض أهل اللغة: أن الإزار المخيط يسمى عند العرب النُّقبة، وهي نوع من السراويل، قال ابن الأثير: هي السراويل التي تكون لها حُجْزة مِن غيرِ نَيْفَقٍ، فإذا كان لها نيفق فهي سراويل، وقال ابن سِيدَهْ: النُّقْبة خِرْقة يجعلها أعلاها كالسراويل وأسفلها كالإزار.
فالنقبة عند الفقهاء تعتبر من المخيط، فهي كالسراويل وكالقميص، وهذا الإزار المخيط هو مثل النقبة.
وهذا هو القول الراجح: أنه لا يجوز لُبْس الإزار المخيط الذي يشبه التَّنُّورة؛ لكونه من المخيط الممنوع منه المحرم.
وقد ذكر لي أحد المشايخ: أنه كان في أحد مكاتب التوعية في الحج، وأنه أتاه رجل من المنطقة الجنوبية في المملكة، وسأله: ما حكم لُبْس النُّقبة؟ يقول: فقلت: ما هو النقبة؟ وإذا به يصفه كما ذكره الفقهاء، فقلت: ما زال يسمى عندكم النقبة؟ قال: نعم. فقلت لمن عندي مِن طلبة العلم: اسمعوا واشهدوا، ما زال يسمى في بعض البلدان بهذا الاسم وهذا المصطلح.
وعلى هذا نقول: إن هذا الإزار المخيط، إنه لا يجوز لُبْسه للمحرم.
وأما ما استدل به أصحاب القول الأول مِن قولهم: إنه يسمى إزارًا، فنقول: إن الإزار الذي دلت السُّنة على أنه يُشرع للمُحرِم لُبْسه هو الإزار غير المخيط، أما الإزار المخيط وإن سُمي إزارًا إلا أنه أقرب للسراويل منه للإزار، والعبرة ليست بالمصطلح والأسماء، وإنما العبرة بالحقيقة، العبرة بالحقيقة، حتى وإن سمي إزارًا فهذه تسمية غير دقيقة، إنما هو مخيط.
ومعلوم أنه يحصل بهذا الإزار المخيطِ من التَّرفُّه ما لا يحصل بغيره، بل ربما يحصل به من الترفه أكثر مما يحصل بلُبْس السراويل، والنبي إنما منع المحرم من لبس السراويل لما يحصل له بها من الترفه، وهذا الإزار المخيط يحصل به من الترفه ربما أكثر من السراويل، ويفضله بعض الناس على السراويل.
طيب، هنا مسألة في فراش النوم الذي يدخل فيه المحرم ويتغطى بها ويُغلِّفه بسَحَّاب، هل يُعتبر مخيطًا؟ الذي يظهر أنه ليس بمخيط، وإنما هو غطاء، فلا يُعتبر من محظورات الإحرام، لكن لا يُغطِّي رأسه، يغطي بدنه دون رأسه.
الثاني من محظورات الإحرام: تعمُّد تغطية الرأس مِن الرَّجُل.
ننتقل للثاني من محظورات الإحرام.
ومحظورات الإحرام قسَّمها المؤلف إلى: ما يتعلق بالأنثى، وما يتعلق بالذَّكَر.
تعمد تغطية الرأس من الرَّجُلِ
الثاني: تعمد تغطية الرأس من الرَّجُلِ، ولو بطين، أو استظلال بمَحْمَلٍ.
تغطيةُ الرأسِ ممنوعٌ منها المُحرِمُ الرجلُ؛ لنهي النبي المُحرِمَ عن لُبْس العمائم[19]، وهي في معنى العمائم، ومثل ذلك البرانس، ويمكن تقسيمه إلى خمسة أقسام:
الأول: جائز بالإجماع، مثل أن يضع على رأسه حِنَّاءً أو لُبَّادًا، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع؛ لبَّد شعر رأسه؛ لأن شعره كان طويلًا فلبَّده[20]. والتلبيد: أن يضع على رأسه شيئًا شبيهًا بالصمغ، مثل العسل.
والقسم الثاني: أن يغطيه بما لا يقصد به التغطية والستر، كحمل العفش ونحوه، فهذا لا بأس به.
القسم الثالث: أن يغطي رأسه بما لا يُعَدُّ لِبْسًا، لكنه مُلاصِقٌ يُقصد به التغطية، فهذا لا يجوز، وهو المثال الذي أشار إليه المؤلف بقوله: (ولو بطين)؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ولا تُخمِّروا رأسَه يعني: لا تغطوا رأسه.
القسم الرابع: أن يستر رأسه بما يُلبس عادة على الرأس، مثل الشِّمَاغ والطاقية والغُتْرة ونحوها، هذا لا يجوز بالإجماع.
القسم الخامس: أن يظلل رأسه بتابع كالشمسية، أو بمنفصل كالخيمة أو المحمل، وهذه المسألة للفقهاء فيها قولان:
- القول الأول: أنه لا يجوز، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
- والقول الثاني: أنه جائز، وهو قول أكثر العلماء.
وهو الراجح؛ لأن النبي استظل بالقُبة التي ضُربت لها بنَمِرَة[21]؛ ولما كان يرمي جمرة العقبة ظلَّل بثوب يقيه مِن حَرِّ الشمس[22].
والقول الأول يعني في وقتنا الحاضر مع أنه مذهب الحنابلة، إلا أنه مهجور، وبعض الناس يظن أنه فقط لم يقل به إلا الرافضة، الرافضة يفعلون ذلك، إذا ركبوا السيارة فإن سقف السيارة يزيلونها.
فهذا هو المذهب عند الحنابلة أصلًا، لكنه مهجور، هُجِرَ العمل به، فأصبح العمل على قول الجمهور.
يعني بعض الأقوال صعب تطبيقها، فيهجر الناس العمل بها، مثل مثلًا الاستصناع، الاستصناع في قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة أنه نوع من السَّلَم، وتطبق عليه شروط السَّلَم، لكن هجر الناس هذا القول، وأصبحوا يعملون بمذهب الحنفية، وهو أن الاستصناع عقد مستقل، ولا يلزم معه تقديم الثمن، بل يجوز تأخيره.
فبعض الأقوال من الناحية يعني العملية يصعب تطبيقها، فيهجر الناس العمل بها.
فهذا القول وهو أنه يعني لا يجوز للمحرم أن يظلل رأسه بتابع كالشمسية، وبمنفصل كالخيمة والمحمل، يعني قول مشهور عند الحنابلة، لكنه أصبح في وقتنا الحاضر وقبل وقتنا الحاضر أصبح مهجورًا.
فالقول الراجح إذن هو قول الجمهور، وهو أنه يجوز الاستظلال بالمحمل، ومثله الشمسية والثوب غير الملاصق والسيارة والخيمة، ونحو ذلك.
تغطية الوجه من الأنثى
قال:
وتغطية الوجه من الأنثى، لكن تُسدل على وجهها للحاجة.
يعني: لا يجوز للأنثى أن تغطي وجهها وهي مُحرِمة، لكن إذا احتاجت كأن يمر بها رجال أجانب فتسدل الغطاء على وجهها، وهذا أحد الأقوال في المسألة.
القول الثاني: أن تغطية المحرمة لوجهها ليس أصلًا من محظورات الإحرام، وإنما المرأة المحرمة ممنوعة من النقاب والبرقع ونحوهما فقط، وهذا هو القول الراجح؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على أن المرأة المحرمة ممنوعة من تغطية وجهها، أعطونا الدليل الدال على ذلك.
وأما عبارة: “إحرام المرأة في وجهها” هذا ليس حديثًا عن النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما يتناقله بعض العامة، وهو لا يصح أن يقال: إحرام المرأة في وجهها.
إذن؛ المرأة ليست ممنوعة من تغطية وجهها، وإنما هي ممنوعة من النقاب والبرقع ونحوها مما هو مُفصَّل على الوجه؛ لعدم الدليل الدال على أن المحرمة ممنوعة من تغطية وجهها.
وثمرة الخلاف في هذه المسألة: أنه إذا لم تكن المرأة أمام رجال أجانب، كأن تكون مثلًا داخل الخيمة، وما عندها رجال أجانب، وأرادت أن تغطي وجهها بغير النقاب.
امرأة داخل خيمة، طبعًا النقاب هذا ممنوع عند الجميع، لكن امرأة محرمة داخل الخيمة، أرادت أن تغطي وجهها بغير النقاب، فعلى القول الأول: أنها ليس لها ذلك؛ لأنهم يعتبرونه من محظورات الإحرام، وعلى القول الثاني: لا بأس، هي أصلًا غير ممنوعة من تغطية وجهها، وإنما هي ممنوعة من النقاب ونحوه فقط.
والقول الراجح هو القول الثاني.
وعلى هذا نقول: إن وجه المرأة كبدن الرجل؛ بناء على القول الراجح، وجه المرأة كبدن الرجل، وبدن الرجل ليس ممنوعًا من تغطيته، وإنما الممنوع أن يغطيه بالمفصل الذي سميناه المخيط، وهكذا أيضًا يقال في وجه المرأة تمنع تغطيته بالمفصل الذي هو النقاب والبرقع ونحوهما.
طيب، هل المحرمة ممنوعة من جوارب الرِّجْلَين؟
الجواب: لا، لها أن تلبس الجوارب في الرجلين، بل يستحب لها ذلك أمام الرجال الأجانب؛ لكونه أبلغ في الستر، وبعض العامة تشتبه عليهم هذه المسألة بمسألة لبس القفازين في اليدين، فالمحرمة ممنوعة من لبس القفازين في اليدين، لكنها ليست ممنوعة من لبس الشراب أو الجوارب في الرجلين.
قصد شمِّ الطيب، ومس ما يَعْلق
الثالث -من محظورات الإحرام-: قصد شمِّ الطيب، ومس ما يعلق.
الطِّيب ممنوع منه المُحرِم مطلقًا، سواء كان بقصد شمه أو لمسه، وسواء أكان في الثوب، أو البدن، أو في الطعام، أو في الشراب، ممنوع منه المحرم مطلقًا؛ لقول النبي لما سُئل عما يلبس المحرم، قال: ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسَّه الزعفران ولا الوَرْسُ[23].
والزعفران: معروف، والوَرْس: نبت أصفر طيِّب الريح.
ولقوله عليه الصلاة والسلام في قصة الذي وقصته راحلته: لا تحنطوه[24]. والحَنُوط: نوع من الطِّيب.
فالمُحرِم إذن ممنوع من قَصْد شمِّ الطِّيب؛ لأنه يحصل بذلك الترفه، وأما إذا شمَّ الطيب من غير قصدٍ فلا حرج عليه.
طيِّب، قلنا: إن المُحرِم ممنوع من الطِّيب بجميع أنواعه، ماذا عن الطيب الذي في الصابون؟ نقول: ممنوع منه المحرم والمحرمة، فإذا كان الصابون معطرًا فليس للمحرم أن يستخدمه، وأما إذا كان الصابون غير معطر فلا بأس به للمحرم.
كيف نعرف الصابون المعطر من غير المعطر؟ نعرفه بقراءة مكوناته، إذا كان معطرًا تجد أن من ضمن المكونات أو المحتويات عطرًا، وتجد أثر العطر عليه ظاهرًا، مثل بعض أنواع الصوابين السائلة تجد أنك عندما تقرأ المكونات تجد أن من ضمن المكونات عطرًا.
فإذا كان الصابون معطرًا فممنوع منه المحرم، أما إذا كان الصابون ليس معطرًا وليس فيه عطر فلا بأس به، حتى ولو كان فيه نكهة، مثل مثلًا صابون التايت هذا ليس معطرًا وإن كان فيه نكهة، فليس المُحرِم ممنوعًا منه.
لكن الصوابين السائلة كثيرة، منها معطرة ومكتوب من ضمن المكونات عطر، فممنوع منها المحرم، وهكذا أيضًا المناديل المعطرة ممنوع منها المحرم، والمناديل غير المعطرة لا بأس بها.
فالمحرم ممنوع من الطيب بجميع أنواعه وصوره.
استعمال الطيب في أكل أو شرب بحيث يظهر طعمه أو ريحه
قال:
واستعماله في أكل أو شرب، بحيث يظهر طعمه أو ريحه.
يعني: ليس للمحرم أن يستعمل الطِّيب في أكل أو شرب، والمؤلف قيَّد ذلك بأن يظهر طعمه أو ريحه، فإن كان لا يظهر طعمه ولا ريحه، فلا يمنع منه.
كالزعفران مثلًا، فالزعفران إذا كان يوضع مع القهوة، أو مع الشاي، أو مع النعناع، ويظهر طعمه أو ريحه، فالمحرم ممنوع منه. أما إذا كان يسيرًا بحيث لا يظهر له طعم ولا ريح، فهذا لا بأس به.
والغالب أنه يظهر له طعم أو ريح، هذا هو الغالب وإن كان لا يظهر له أثر، إذا كان لا يظهر طعمه فإنه لا يوضع لا في القهوة ولا في الشاي. فالغرض من وضعه في القهوة أو الشاي هو أن يكسب الطعم طعمًا جيدًا، هو أن يُجوِّد طعم القهوة أو الشاي.
فمعنى ذلك: أن أثر الطعم يكون ظاهرًا، فعلى ذلك نقول: المحرم ممنوع من الزعفران إذا كان في القهوة، أو في الزعفران أو مع النعناع، ونحو ذلك.
ولهذا؛ ينبغي للإخوة القائمين على شركات الحج وحملات الحج أن يُجنِّبوا المُحْرِمين الزعفران، يعني يعطوهم القهوة بلا زعفران، الشاي بلا زعفران، يكون الزعفران بعد التحلل.
حكم من ارتكب شيئًا من محظورات الإحرام ناسيًا أو جاهلًا
قال:
فمَن لَبِسَ أو تطيَّب أو غطى رأسه، ناسيًا أو جاهلًا أو مُكرَهًا؛ فلا شيء عليه، ومتى زال عذره أزاله في الحال وإلا فَدَى.
هنا كلام المؤلف في محظورات الإحرام مُفرَّق، غير مرتب، رحمه الله، أدخل بعض العبارات في بعض، كان ينبغي أن يجمع الكلام كله عن الفدية في موضع واحد؛ ولذلك نحن سنرتبه.
فيعني باختصار: أن من ارتكب شيئًا من هذه المحظورات ناسيًا أو جاهلًا لا شيء عليه، تفاصيل ذلك إن شاء الله سيأتي الكلام عنها في باب الفدية.
كما يقال: الناقد بصير، يعني من يقرأ كلام كتاب المؤلف تجد أنه ينتقده، ربما حتى المؤلف نفسه، حتى إن المؤلف نفسه ينتقد كتابه، وهذا من حكمة الله ، حتى يُرِيَ البشرَ ضَعْفَهم، كما قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء:82]، أبى اللهُ العصمةَ لكتابٍ غير كتابه.
ولهذا؛ فأي كتاب غير القرآن تجد فيه اختلافًا، تجد فيه شيئًا من الاختلاف، غير القرآن، وغير أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، أبى الله العصمة لكتاب غير كتابه: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.
إزالة الشعر وتقليم الأظفار
الرابع -من محظورات الإحرام-: إزالة الشعر من البدن، ولو من الأنف، وتقليم الأظفار.
إزالة الشعر ممنوع منها المُحرِم؛ لقول الله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]؛ فلا يجوز أن يزيل المحرم الشعر من بدنه ولو شعر أنفه بلا عذر.
ما الحكمة من ذلك؟
قالوا: إن إزالة الشعر يحصل بها الترفه، وهو أيضًا ممنوع من تقليم الأظفار من يدٍ أو رِجل، ونُقل الإجماع على ذلك.
والمؤلف هنا اعتبر إزالة الشعر وتقليم الأظفار محظورًا واحدًا، وبعض الفقهاء يعتبرهما محظورين، كصاحب «زاد المستقنع»، ولا مشاحة في الاصطلاح.
وعند الحنابلة: أن إزالة الشعر يستوي عمده وجهله؛ لأن فيه إتلافًا، ومثل ذلك تقليم الأظفار.
حكم من ارتكب محظورًا متعمدًا أو ناسيًا أو جاهلًا
وبعض أهل العلم ذهب إلى أن إزالة الشعر وما سبق ذكره من المحظورات مِن مَسِّ الطِّيب ولُبْس المخيط وتغطية الرأس: أن لها ثلاث حالات:
- الحالة الأولى: أن يفعل المحظور بلا عذر ولا حاجة، فهذا آثم، وعليه الفدية، وسيأتي بيانها إن شاء الله.
- الحالة الثانية: أن يفعل المحظور لحاجة، كأن يحلق رأسه لمرض، أو أن تلبس المرأة مثلًا النقاب لحاجتها للنقاب؛ لكون بصرها ضعيفًا ونحو ذلك. فلا إثم عليه، لكن عليه الفدية؛ لقصة كعب بن عُجْرة: أنه حُمِلَ إلى النبي والقَمْلُ يتناثر على وجهه، فقال: ما كنت أرى أن الوجع بلغ بك ما أرى[25] وفي لفظ: ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك ما أرى[26]، ثم بعد ذلك أمره بأن يذبح شاة، أو أن يصوم ثلاثة أيام، أو أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع.
- الحال الثالثة: أن يفعل المحظور جاهلًا أو ناسيًا، أو مكرهًا، فلا إثم عليه، ولا فدية؛ لعموم الأدلة الدالة على رفع المؤاخذة عن الجاهل والناسي والمخطئ، كقوله الله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] قال الله: قد فعلتُ[27].
وفي قوله: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5]، وهذا القول بالتفصيل هو القول الراجح في المسألة.
طيب، قتل الصيد والوطء: جمهور الفقهاء يمنعون منه، ويقولون: إن قتل الصيد وكذلك الوطء يستوي فيه العمد والنسيان والجهل، ويعللون ذلك بأنه من باب الإتلاف.
والقول الثاني في المسألة: إن قتل الصيد إنما يجب فيه الجزاء والإثم إذا كان عن عمد، وأما إذا لم يكن عن عمد فليس فيه شيء كسائر المحظورات.
والراجح -والله أعلم- أن قتل الصيد كغيره من المحظورات؛ لقول الله تعالى في شأن الصيد: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ [المائدة:95]، فقيد وجوب الجزاء بكون القاتل متعمدًا.
وهذه المسألة يعني من غرائب المسائل؛ لماذا؟ لأن المذاهب الأربعة متفقة على أن قتل الصيد يستوي فيه العمد والنسيان والعلم والجهل؛ فمن قتل الصيد فعليه الجزاء مطلقًا، مع أن الله في الآية الكريمة قيَّد جزاء الصيد بالعمد، فقال: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا.
لكن الجمهور يقولون: إن هذا خرج مخرج الغالب. ولكن هذا محل نظر، فإن هذا القيد قيد مؤثر ومفيد في فهم المسألة، ولا قول لأحد مع قول الله .
فالصواب: أنه إنما يجب الجزاء في قَتْل الصيد إذا قَتَل الصيد متعمدًا، وأما إذا قتله مخطئًا أو ناسيًا، فلا شيء عليه. هذا هو القول الراجح.
وهذا يدل على أنه ليس بالضرورة أن يكون ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة هو الصواب، قد يكون الصواب مع غيرهم، وإن كانوا قلة، المهم ألا تكون المسألة محل إجماع.
هناك مسائل كثيرة يُفتى الآن فيها بغير ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة:
يعني مثلًا مسألة “ضع وتعجل”، المذاهب الأربعة متفقة على تحريمها، مع أن الفتوى الآن عندنا في المملكة، ويفتي بها مشايخنا، واختيار المحققين من أهل العلم: أنها لا بأس بها.
الطلاق المعلق؛ إذا طلَّق لا يريد الطلاق، وإنما يريد حثًّا أو منعًا أو تصديقًا أو تكذيبًا، فالمذاهب الأربعة متفقة على وقوع الطلاق، وإنما الذي عليه الفتوى عندنا بل في العالم الإسلامي كله هي فتوى ابن تيمية، وهي أنه إذا لم ينوِ الطلاق فلا يقع الطلاق، وإنما فيه كفارة يمين.
إذن؛ ليس بالضرورة أن يكون ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة هو الصواب، قد يكون الصواب في غيرها، المهم ألا تكون المسألة محل إجماع، فالإجماع هو المعصوم، والإجماع هو الذي لا يجوز خلافه.
هكذا أيضًا بالنسبة للوطء في الفرج، فإنه كسائر المحظورات؛ لو حصل عن نسيان أو جهل فهو كسائر المحظورات لا يترتب عليه شيء.
فعلى هذا نقول: إن جميع محظورات الإحرام إذا وقعت عن جهل أو عن نسيان أو خطأ أو إكراه فلا شيء على من وقع فيها.
وأما مَن فصَّل من الفقهاء فأخرجوا إزالة الشعر وتقليم الأظفار وقتل الصيد والوطء من ذلك، وقالوا: يستوي عمده وجهله، فهذا ليس عليه دليل، بل الأدلة دالة على رفع الحرج عن المخطئ والناسي والجاهل في جميع محظورات الإحرام.
صيد الحيوان البري الوحشي المأكول
الخامس: قتل صيد البر الوحشي المأكول.
تعريف الصيد عند الفقهاء: هو الحيوان الحلال البري المتوحش بأصل الخلقة.
احفظ هذا التعريف: الحيوان الحلال، فإذا كان مُحرَّمًا فليس صيدًا. والبحري ليس صيدًا.
المتوحش بأصل الخلقة. المستأنس مثل الإبل والبقر والغنم ليس صيدًا. فاحفظ هذا التعريف.
تعريف الصيد: الحيوان الحلال البري المتوحش بأصل الخلقة.
طيب قلنا: بأصل الخلقة؛ لأنه قد يُستأنس، لكنه بأصل الخلقة متوحش، مثل الحمام، الحمام الآن أصبح مستأنسًا، والناس الآن يربون الحمام، لكنه في أصل الخلقة متوحش فنعتبره صيدًا.
البعير لو توحش فلا يكون صيدًا؛ لأنه بأصل الخلقة مستأنس، وليس مستوحشًا، فالعبرة إذن هي بأصل الخلقة.
طيب، الدليلُ على هذا المحظورِ قولُ الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95]، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة:96].
الدلالة على الصيد والإعانة على قتله
والدلالة عليه والإعانة على قتله.
يعني: كما يَحرُم قتله، فتحرم الدلالة عليه، وتحرم الإعانة على قتله.
وفي قصة صيد أبي قتادة للحمار الوحشي للصحابة وهم محرمون وهو حلال، لما سألوا النبي واستفتوه، قال: أمنكم أحدٌ أَمَره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟ قالوا: لا. قال: فكلوا ما بقي مِن لحمها[28].
وكذلك أيضًا لو اصطاد الحلالُ الصَّيْدَ لأجل المُحرِم، فلا يجوز له أن يأكله.
ولهذا؛ الصَّعْب بن جَثَّامة صاد حمارًا وحشيًّا، وأهداه للنبي فردَّه عليه، فتغير وجهه، فلما رأى النبيُّ تغيُّرَ وجهه قال له: إنَّا لم نرده عليك إلَّا لأنا حُرُمٌ[29]؛ وهذا من لطفه عليه الصلاة والسلام، يعني: إذا رددت هدية ينبغي أن تبين السبب، وأن يكون ذلك بلطف.
قال:
وإفساد بيضه.
يعني: لا يجوز التعرض للصيد مطلقًا، حتى إفساد البيض.
وقتل الجراد.
لأن الجراد معدود عند الفقهاء من الصيد.
حكم قتل القمل للمحرم
والقمل.
يعني: لا يجوز قتل القمل للمحرم، وهذه المسألة فيها قولان للفقهاء:
القول الأول: القول الذي قرَّره المؤلف، وأنه يحرم قتله، ولا جزاء فيه؛ قالوا: لأنه لو كان قَتْلُ القمل جائزًا لأرشد النبي كعب بن عجرة إليه، ولم يحتج إلى حلق رأسه.
والقول الثاني: يجوز قتل القمل، وهو رواية عن الإمام أحمد، وذهب إليها ابن حزم، وقد رُوي في ذلك آثار عن بعض الصحابة، كابن عمر وابن عباس.
فروي عن ابن عمر أن رجلًا سأله قال: إني قتلت قملة وأنا محرم؟ قال ابن عمر: هي أهون قتيل.
ولما سأل رجلٌ ابنَ عباس فقال: أخذتُ قملة فألقيتها، ثم طلبتها فلم أجدها، فقال ابن عباس: تلك ضالة لا تُبتغى.
ولأن القمل من أكثر الهوام أذى؛ فأبيح قتله.
والراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، وهو أنه يجوز قتل القمل للمحرم؛ لأن القمل مؤذٍ بطبعه، وهو كسائر الفواسق التي أمر النبي بأن تُقتل في الحِلِّ والحَرَم.
أما ما استدل به أصحاب القول الأول من حديث كعب بن عجرة، فلم يرشده النبي عليه الصلاة والسلام لقتل القمل؛ لكثرته في رأسه، فلم يكن له سبيل للتخلص من هذا القمل إلا بحلق رأسه.
وعلى هذا؛ فالراجح أنه يباح قتل القمل للمحرم، ولا جزاء فيه.
يسن قتل كل مؤذٍ مطلقًا
لا البراغيث.
يعني: فيجوز قتلها.
بل يسن قتل كل مؤذٍ مطلقًا.
كل مؤذٍ يجوز قتله؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: خمسٌ فواسِقُ يُقْتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ: الفأرة والعقرب والحدأة والغراب والكلب العقور [30].
ومن ذلك مثلًا: البعوض أو الناموس، هذا يُعتبر مؤذيًا، فيجوز قتله، لا بأس بقتله، أحيانًا يكون في مِنًى مثلًا بعوض أو ناموس يؤذي المُحْرِمين، هنا لا بأس بقتلها.
عقد النكاح
السادس: عقد النكاح، ولا يصح.
السادس من محظورات الإحرام: عقد النكاح؛ لقول النبي : لا يَنكِح المحُرِم ولا يُنكِح، ولا يَخطُب[31].
فلا يجوز للمحرم أن يتزوج، أو يُزوِّج مُحرِمًا، أو أن يكون وليًّا في النكاح، ولا يصح النكاح لو عقده، أو أن امرأة مُحرِمة عُقِدَ عليها وهي محرمة.
وعلى ذلك؛ أكثر ما ترد هذه المسألة: أن يكون الرجل أو المرأة يترك الطواف، سواء كان الطواف طواف الإفاضة في الحج أو طواف العمرة، أو أنه يأتي بالطواف بطريقة غير صحيحة، فمعنى ذلك أنه لم يتم حجه، أو لم تتم عمرته، فإذا تزوج خلال هذه الفترة يكون نكاحه غير صحيح، فعليه أن يجدد العقد، وأن يأتي بالفدية عما فعل من محظورات.
نكمل إن شاء الله بقية المحظورات، ما بقي إلا قليل حتى ننتهي من هذا الفصل.
الوطء في الفرج ودواعيه
السابع: الوطء في الفرج ودواعيه.
الوطء هو أشد محظورات الإحرام في الحج، وهو أشد مفسدات الصيام في الصيام، وإذا كان الوطء قبل التحلل الأول فإنه يفسد الحج، وإذا كان بعد التحلل الأول فيترتب عليه أيضًا أمورٌ، وسيأتي الكلام عما يترتب على الوطء قبل التحلل الأول أو بعده في باب الفدية بالتفصيل إن شاء الله في الدرس القادم.
المباشرة دون الفرج والاستمناء
والمباشرة دون الفرج والاستمناء.
يعني: المباشرة مُحرَّمة على المُحرِم، والفدية سيأتي الكلام عنها.
هذه هي محظورات الإحرام، عدها المؤلف سبعة، وبعضهم يجعلها تسعة، وبعضهم يجعلها ثمانية، ولا مشاحة في الاصطلاح.
ثم تكلم المؤلف هنا عن الفدية مرة أخرى، مع أنه عقد بابًا لها، ولو أنه جمع الكلام عن الفدية في باب واحد لكان أحسن، لكن نشير لها هنا إشارة.
وفي جميع المحظورات الفدية، إلا قتل القمل وعقد النكاح.
وسيبين المؤلف المقصود بالفدية، وسبق القول بأنه يجوز قتل القمل، وأنه لا فدية في قتله عند الجميع.
وفي البيض والجراد قيمته مكانه.
وسيأتي الكلام عنه بالتفصيل في جزاء الصيد.
الحلق الموجب للفدية
وفي الشعرة أو الظُّفر إطعامُ مسكينٍ، وفي اثنين إطعام اثنين، وما زاد فدية.
يعني: لو قطع شعرة واحدة، يقول المؤلف: يجب عليه: إطعام مسكين، والشعرتين: مسكينين، والثلاثة: ثلاثة مساكين.
قال:
وفي الشعرة الواحدة إطعام مسكين واحد، وفي الشعرتين إطعام مسكينين، وفي ثلاث شعراتٍ دمٌ.
هم يعتبرون الثلاث الشعرات دمًا.
إذن؛ في الشعرة الواحدة: إطعام مسكين، والشعرتين: إطعام مسكينين، وثلاث شعرات: دم.
وفي تقليم الظفر الواحد: إطعام مسكين، تقليم الظفرين: إطعام مسكينين، تقليم الثلاثة الأظافر: دم. هذا هو المذهب عند الجمهور، وعند الحنابلة والشافعية.
والقول الثاني: أنه إذا حلق أربع شعرات فعليه فدية، وأما شعرة وشعرتين وثلاث فيكون عليه: إطعام مساكين.
والقول الثالث: أنه إذا حلق ربع الرأس فعليه فدية، وهو مذهب الحنفية.
القول الرابع: أنه إذا حلق ما يحصل به إماطة الأذى فعليه فدية، وإلا فليس عليه شيء. وهذا هو مذهب المالكية.
وهو القول الراجح؛ لأن التحديد بابه التوقيف، التحديد بثلاث شعرات أو أربع شعرات، ما الدليل عليه؟ أو بربع الرأس، ما الدليل عليه؟
التحديد بابه التوقيف، والله تعالى قال: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، فجعل الله مناط الحكم هو الأذى.
وعلى ذلك؛ يكون مَن حلق وأزال من الشعر ما يحصل به إماطة الأذى، هذا هو الذي عليه الفدية. وأما إزالة الشعرة، أو حتى الشعرتين، أو الثلاث أو الأربع أو الخمس، أو نحوها، هذه لا يحصل بها إماطة الأذى، فليس فيها شيء، ولا يترتب عليها فدية.
ومما يدل لهذا: أن النبي احتجم وهو محرم[32]، احتجم يعني في رأسه وهو محرم.
ومعلوم أن الحجامة قبل أن يَحجِم الحَجَّام في الرأس: أنه لا بد أن يحلق الموضع الذي سيحجم فيه، وفعل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك وهو مُحرِم، وهذه يعني لا بد أن يكون قد أزال شعرات كثيرة.
وهذا يدل على ضعف القول بأن الشعرة الواحدة أن فيها إطعام مسكين، والشعرتين فيها إطعام مسكينين، والثلاث فيها دمًا، وبعضهم يقول: الثلاث إطعام ثلاثة مساكين، والأربع فيها دم. كل هذا التحديد لا دليل عليه.
فالصواب هو مذهب المالكية، وهو أن الفدية إنما تجب إذا أزال من الشعر ما يحصل به إماطة الأذى.
نختم هنا:
الضرورات تبيح المحظورات ويفدي
والضرورات تبيح المحظورات ويفدي.
يعني: إذا اضطر أو احتاج المحرم لفعل محظور من المحظورات السابقة جاز له ذلك، لكن مع وجوب الفدية، كأن يحتاج لحلق رأسه، كما حصل لكعب بن عجرة، فيجوز ويفدي.
أو يكون مثلًا لديه مشكلة صحية في قدميه، ويريد أن يلبس الجوارب، ويريد أن يلبس أيضًا الكنادر، هنا لا بأس، لكن يلبس ويفدي.
أو أن امرأة نظرها ضعيف، وتريد أن تلبس النقاب، وتحتاج إليه، لو لم تلبس النقاب ما استطاعت أن تمشي، تخشى أنها تعثر في الطريق، يجوز لها أن تلبس النقاب في هذه الحال مع الفدية.
ما هي الفدية؟ سنتكلم عنها بالتفصيل الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة
الآن، نجيب عما تيسر من الأسئلة:
السؤال: من وضع حصالة ووضع فيها النقود بقصد التبرع بها في أوجه البر، فهل يجوز له التراجع، وأخذ الأموال وصرفها في غير التبرع؟
الجواب: نعم، لا بأس بذلك ما دام لم يُسلِّم النقود للفقراء أو المساكين، لا بأس بالتراجع في الصدقة، وهذا قد نص عليه الفقهاء، قالوا: لو أخذ نقودًا ووضعها في كمه لم يجب عليه أن يتصدق بها.
فلا بأس، الأمر في هذا واسع، المهم أن تكون لم تَصِلْ للفقير، أما إذا وصلت للفقير، فلا يجوز الرجوع فيها، والعائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه، وهكذا العائد في صدقته من بابٍ أولى.
السؤال: أجد صعوبة شديدة في الحركة، مع خطر التعرض للسقوط في دورة المياه؛ بسبب إصابتي بمرض التصلب المتعدد، هل يجوز لي التيمم أحيانًا؟
الجواب: نعم، لا بأس إذا كان يلحقك الحرج بالوضوء، فلا بأس أن تتيمم، والله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وقال: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].
وأنت معذور إن شاء الله بسبب هذا المرض، وعليك بالصبر والاحتساب، فإن هذه الأمراض المزمنة إذا احتسب المريضُ الأجرَ عند الله سبحانه وتعالى، فإن الأجر عند الله عظيم جدًّا؛ ولذلك قد يكون الأجر هو الجنة، قد يكون الثمن هو الجنة.
ولهذا؛ قال النبي للمرأة التي تُصرَع وطلبت منه أن يدعو لها: إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك. فجعل النبي عليه الصلاة والسلام الثمن الجنة، فقالت: بل أصبر[33].
فمَن أُصيب بمرض مزمن مثل هذه الأمراض، مثل الصرع وغيره، وصبر على ذلك واحتسب الأجر عند الله ؛ فإن أجره عند الله تعالى يكون عظيمًا، بشرط الصبر والاحتساب والرضا، إذا حصل الصبر والرضا واحتساب الأجر من الله تعالى، فإن الأجر يكون عند الله تعالى عظيمًا: إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة.
السؤال: إن لكل دِين خُلقًا، وإن خلق الإسلام الحياء[34] ما معنى هذا الحديث؟
الجواب: هذا لا يصح حديثًا عن النبي عليه الصلاة والسلام، والحياء وردت فيه أحاديث صحيحة: الحياء شعبة من الإيمان[35] الحياء لا يأتي إلا بخير [36].
وأما هذا الذي ذكره الأخ السائل؛ فلا يصح.
السؤال: ما حكم كتابة الآيات على جدران المساجد والبيوت والمدارس بقصد التجميل والتذكير؟
الجواب: أما بقصد التجميل فينبغي ترك ذلك؛ لأن القرآن لم ينزل لأجل أن يُتزيَّن به ويتجمل به، إنما نزل لأجل العمل به، والتحاكم إليه، وتطبيقه في حياة الناس، وتلاوته وتدبر آياته، ولم ينزل لأن يُكتب بخطوط جميلة، وأن يعلق في المساجد وفي البيوت ونحو ذلك.
فينبغي ترك ذلك؛ ولهذا لم يرد هذا عن السلف الصالح، لم يرد عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن تابعيهم أنهم كانوا يكتبون الآيات القرآنية ويعلقونها على الجدران.
وأما إذا كان بقصد التذكير فلا بأس بذلك، كأن يكتب آية الكرسي مثلًا في غرفة النوم لأجل أن يتذكرها عندما يريد أن ينام، أو أنه لا يحفظها ويريد أن يقرأها؛ إذا كان بقصد التذكير فلا بأس.
السؤال: هل هناك علامات تدل على قبول العمل عند الله تعالى؟
الجواب: المسلم يسأل الله قبول العمل، ويخشى من عدم قبوله، وكان السلف الصالح يهمهم ذلك كثيرًا، قال البخاري في “صحيحه”: قال ابن أبي مُلَيْكة: أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه.
فيخشى المسلم من عدم قبول العمل، وهذه الخشية تُبعد الإنسان عن العُجب، حتى لا يُعجَب الإنسان بعمله، ولا يَعْتدَّ بنفسه؛ لأنه يخشى من عدم القبول.
لكن من علامة قبول العمل، ذَكَر ابن تيمية وابن القيم أن من علامة قبوله: انشراح الصدر الذي يَعقُبه، قالوا: إنك إذا عملت عملًا وانشرح صدرك بعده، هذه قد تكون أمارة إن شاء الله على قبول العمل.
وذكر بعضهم أن من علامة قبول العمل: أن يتبعه عمل صالح، وأن الحسنة تقول: أختي أختي.
فهذه من العلامات التي تدل على قبول العمل، وأيضًا من علامات قبول الأعمال عمومًا ما يجده الإنسان من السمعة الحسنة في المجتمع، فإن ذلك من عاجل بشرى المؤمن.
ولهذا؛ لما قيل للنبي : إن الرجل ليعمل العمل فيحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن[37]، هو لا يعمل العمل رياء ولا سمعة، ولا يريد بذلك الرياء ولا السمعة، لكن عمل أعمالًا خالصة لله ، ثم وجد ثناء عطرًا من الناس، فهذه من عاجل بشرى المؤمن، وقد تكون أيضًا أمارة على قبول تلك الأعمال.
السؤال: امرأة اشترطت عند إحرامها في ميقات ذي الحُلَيفة، وعند وصولهم لفندق مكة نزل معها دم الحيض، فهل ينفعها ذلك الاشتراط؟
الجواب: نعم، ينفعها ذلك الاشتراط، إذا كانت قد اشترطت عند الإحرام فأتاها الحيض فلها أن تتحلل، ولا شيء عليها، لكن إن أمكن أنها تنتظر حتى تطهر ثم تُكمل عمرتها، فهذا هو الأفضل والأكمل.
السؤال: هل تُشرع الموعظة في المقبرة عند دفن الميت؟
الجواب: إذا كان ذلك بصفة مستمرة، فهذا غير مشروع؛ لأن هذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا عن الصحابة بصفة مستمرة. أما إذا كان ذلك بصفة عارضة فلا بأس؛ فإنه قد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام في إحدى المرات وعظ الصحابة عند دفن القبر.
فإذا كان ذلك بصفة عارضة فلا يكون ذلك بشيء مستمر دائمًا، فلا بأس به إن شاء الله.
السؤال: هل يجزئ أن يجمع بين العقيقة والأضحية في شاة واحدة عن ابنته؟
الجواب: نعم، لا بأس بذلك، لا بأس بالجمع بين العقيقة والأضحية، لكن طبعًا يكون ذلك في أيام وقت ذبح الأضحية، فينويها أضحية وعقيقة، وتجزئ إن شاء الله.
السؤال: امرأة كانت مرافقة لابنها في المستشفى لمدة أربعة أيام، وكانت تصلي إلى غير القبلة، ولم تسأل أحدًا عن القبلة، ولم تعلم إلا في اليوم الرابع؟
الجواب: هنا تعتبر مُفرِّطة؛ لأنها لم تسأل عن القِبلة، وهي في حال الحَضَر ليست في حال سفر، فعليها أن تُعيد هذه الصلوات التي صَلَّتها إلى غير القِبلة بسبب تفريطها، كان بإمكانها أن تسأل أيَّ أحدٍ في المستشفى فيُخبرها عن القبلة.
كونها تصلي بدون أن تسأل هذا تفريط منها، وتكون قد أخلت بشرط من شروط صحة الصلاة، فعليها أن تعيد هذه الصلوات، وما صلته فيما سبق يكون نافلة، وتؤجر عليه إن شاء الله.
السؤال: كيف تُحسَب ساعات التبكير يوم الجمعة، التي وردت في حديث: مَن راح إلى الجمعة في الساعة الأولى، فكأنما قرَّب بَدَنة، ومن راح إلى الجمعة في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة[38] إلى آخر الحديث؟
الجواب: نعم، هذا الحديث أولًا هو حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم، ذكر فيه النبي خمس ساعات، فقال: من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بدنة يعني: ناقة ومن راح إلى الجمعة في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرة، ومن راح إلى الجمعة في الساعة الثالثة، فكأنما قرَّب كبشًا أقرن، ومن راح إلى الجمعة في الساعة الرابعة فكأنما قرَّب دجاجة، ومن راح إلى الجمعة في الساعة الخامسة فكأنما قرَّب بيضة، فإذا دخل الإمام طُوِيَتِ الصُّحُف، وأقبلت الملائكة تستمع الذِّكر أي: الخُطْبة.
فهنا، النبي عليه الصلاة والسلام ذكر خمس ساعات، وكان مِن هَدْيه عليه الصلاة والسلام وهَدْي الصحابة: أنهم كانوا يأتون لصلاة الجمعة بعد الزوال، والزوال يكون منتصف النهار، بعد منتصف النهار؛ يعني بعد الساعة السادسة.
وعلى ذلك؛ فتكون الساعة الأولى بعد طلوع الشمس بساعة، هذا هو أرجح الأقوال في المسألة، وهو الذي رجحه الحافظ ابن حجر وجماعة من أهل العلم بعد طلوع الشمس بساعة.
لكن ليس المقصودُ بالساعةِ الساعةَ التي هي ستون دقيقة، وإنما المقصود بها المدة الزمنية ما بين طلوع الشمس إلى غروبها إذا قُسمت على اثني عشر، فننظر مثلًا متى تطلع الشمس ومتى تغرب؟ ونقسمها على اثني عشر، يعني هي قريبة من ستين دقيقة، في أيام الشتاء تكون أقل من ستين تصل إلى خمس وخمسين دقيقة، أو ست وخمسين، ونحوها في أيام الصيف التي يطول فيها النهار، ربما تصل إلى ساعة، وتزيد على الساعة قليلًا، يعني هي مقاربة ما بين خمس وخمسين إلى خمس وستين دقيقة.
فعلى هذا؛ تكون الساعة الأولى بعد طلوع الشمس بساعة.
قال الحافظ ابن حجر: كأن هذا -والله أعلم- يعني جعلت الساعة الأولى التي بعد طلوع الشمس ليست معدودة من الساعات حتى يشتغل فيها الذاهب للجمعة بالاغتسال والتنظف والتطيب، ونحو ذلك.
فجعلت له هذه الساعة لأجل أن يشتغل فيها بالاغتسال ونحوه، فعلى هذا؛ تكون الساعة الأولى تبدأ بعد طلوع الشمس بساعة.
فمن ذهب إلى المسجد الجامع بعد طلوع الشمس بساعة، فكأنما قرَّب بدنة، فإذا كان بساعتين فكأنما قرَّب بقرة، وإذا كان بثلاث ساعات فكأنما قرَّب كبشًا أقرن، وإذا كان بأربع ساعات فكأنما قرَّب دجاجة، وإذا كان بخمس ساعات فكأنما قرَّب بيضة، وإذا كان دخل بعد دخول الخطيب يكون قد فاته أجر التبكير، فلا يُكتَب له من أجل التبكير شيئًا.
وهذا -والله- حرمان، يعني هذا قد يكون أحيانًا بصفة عارضة بسبب ظروف ونحوها، لكن أن يكون هذا بصفة دائمة، أنك تُحرَم مِن أَجْر التبكير، لا تأتي إلا بعد دخول الخطيب، واللهِ هذا من الحرمان.
ولذلك؛ ينبغي للمسلم أن يهتم بصلاة الجمعة، وأن يستعد لها، وبعض الناس يؤتى من جهة السهر ليلة الجمعة، يسهرون ليلة الجمعة ثم لا ينامون إلا بعد صلاة الفجر، ولا يستيقظون إلا قبيل دخول الخطيب، فتفوتهم السنن، يفوتهم أجر التبكير، وكتابة الملائكة لهم، والأول فالأول، ويفوتهم أيضًا حتى تطبيق سنة الاغتسال والطيب، ونحو ذلك، فتفوتهم هذه الأجور العظيمة بسبب الإهمال، وقلة الاهتمام بصلاة الجمعة.
فينبغي لنا جميعًا أيها الإخوة أن نهتم بهذه الشعيرة وهذه العبادة، وأن يحرص المسلم على الاستعداد لها من ليلة الجمعة، بأن ينام ليلة الجمعة، ويستيقظ مبكرًا يوم الجمعة، ويذهب للمسجد الجامع في وقت مبكر، حتى ينال هذه الأجور العظيمة المُرتَّبة على التبكير.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 1556، ومسلم: 1211. |
---|---|
^2, ^21 | رواه مسلم: 1218. |
^3 | رواه البخاري: 7229، ومسلم: 1211. |
^4 | رواه مسلم: 1224. |
^5 | رواه البخاري: 3832، ومسلم: 1241. |
^6 | رواه مسلم: 1252. |
^7 | رواه البخاري: 1558، ومسلم: 1216. |
^8 | رواه البخاري: 1714. |
^9 | رواه البخاري: 5089، ومسلم: 1207. |
^10, ^16 | رواه البخاري: 1265، ومسلم: 1206. |
^11, ^15, ^24 | سبق تخريجه. |
^12 | رواه البخاري: 1543، ومسلم: 1177. |
^13 | رواه البخاري: 5852، ومسلم: 1177. |
^14 | رواه البخاري: 1843، ومسلم: 1178. |
^17, ^18 | رواه مسلم: 2102. |
^19, ^23 | رواه البخاري: 1542، ومسلم: 1177. |
^20 | رواه البخاري: 4398، ومسلم: 1229. |
^22 | رواه مسلم: 1298. |
^25 | رواه البخاري: 1816. |
^26 | رواه البخاري: 4517، ومسلم: 1201. |
^27 | رواه مسلم: 126. |
^28 | رواه البخاري: 1824. |
^29 | رواه البخاري: 1825، ومسلم: 1193. |
^30 | رواه مسلم: 1198. |
^31 | رواه مسلم: 1409. |
^32 | رواه البخاري: 1835، ومسلم: 1202. |
^33 | رواه البخاري: 5652، ومسلم: 2576. |
^34 | رواه ابن ماجه: 4181. |
^35 | رواه البخاري: 9، ومسلم: 35. |
^36 | رواه البخاري: 6117، ومسلم: 37. |
^37 | رواه مسلم: 2642. |
^38 | رواه البخاري: 881، ومسلم: 850. |