الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين:
محظورات الإحرام
محظورات الإحرام: هي الأمور التي يحظر على الإنسان فعلها بعد تلبُّسِه بالإحرام، فهي المـحرمات بسبب الإحرام، وهي تسعة أمور:
- الأول: حلق الشعر من جميع البدن؛ لقول الله : وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]، ويقاس سائر شعر البدن على شعر الرأس؛ لأنه في معناه؛ ولحصول الترفُّه به.
- الثاني: تقليم الأظفار من يدٍ أو رجلٍ بلا عذرٍ؛ قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “أجمع أهل العلم على أن المـحرِم ممنوعٌ من أخذ أظفاره”.
- الثالث: تغطية رأس الذكر بـملاصق، كالعمامة أو الغترة أو الطاقية، ونحو ذلك؛ ويدل لهذا: نـهي النبي المـحرِم عن لبس العمائم والبَرانِس.
- الرابع: لبس المخيط، والمراد بذلك: أن يلبس الثياب ونحوها على صفة لباسها في العادة، فالمراد بالمخيط إذًا: هو ما فُصِّل على عضوٍ أو على أعضاء البدن؛ وذلك كالقميص والسراويل، ونحو ذلك، وليس المراد بالمخيط: ما فيه خيوط.
ويدل لهذا: أن النبي سئل عما يلبس المـحرم؟ فقال: لا يلبس المـحرم القميص، ولا العمامة، ولا البرانس، ولا السراويل، ولا الخفاف [1]. - الخامس: استعمال الطيب بعد الإحرام في الثوب أو البدن، أو غيرهما؛ لقول النبي : لـمَّا سئل عما يلبس المـحرِم؟ ولا تلبسوا شيئًا من الثياب مَسَّه الزعفران ولا الورس [2]، متفقٌ عليه.
ومن ذلك: استعمال الطيب في مأكولٍ أو مشروبٍ، كأن يشرب قهوةً فيها زعفران مثلًا، فإن المـحرم ممنوعٌ من ذلك؛ لأنه داخلٌ في الطيب، والزعفران من الطيب، كما دلَّ لهذا الحديث السابق. - السادس: قتل الصيد؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] والمراد بالصيد: الحيوان الحلال البري المتوحِّش بأصل الخلقة، كالحمام والأرانب والضباء والجراد، ونحو ذلك.
- السابع: عقد النكاح؛ لقول النبي : لا يَنكِح المـحرم، ولا يُنكِح، ولا يخطب [3]، أخرجه مسلمٌ من حديث عثمان؛ فلا يجوز للمحرم أن يتزوج امرأةً، ولا أن تُزوَّج المـحرمة، ولا أن يكون المـحرم وليًّا في النكاح.
- الثامن: المباشرة دون الفرج؛ لأنـها وسيلةٌ إلى الوطء المـحرم، فكانت حرامًا.
- التاسع وهو أشد محظورات الإحرام: الوطء؛ لقول الله : فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ [البقرة:197]؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: “الرفث: هو الجماع”.
ما يترتب على الوطء قبل التحلل الأول؟
وإن كان الوطء قبل التحلل الأول، ترتب عليه خمسة أمور:
- الأول: الإثم، ويجب منه التوبة.
- الثاني: فساد النُّسُك؛ لقضاء الصحابة ، وحكاه ابن المنذر إجماعًا.
- الثالث: وجوب المضيِّ فيه.
- الرابع: وجوب القضاء.
- الخامس: الفدية، وهي بدنة، وقد أفتى بـهذا عددٌ من الصحابة، كابن عمر وابن عباس .
أما إن كان الجماع بعد التحلُّل الأول، فعليه شاةٌ، ويفسد به النسك.
أنساك الحج
أنساك الحج ثلاثة: التمتُّع، والقِرَان، والإفراد.
- أما التمتُّع فمعناه: أن يُـحرم بالعمرة في أشهر الحج، أي: بعد دخول شهر شوَّال، ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج من عامه.
- والقِرَان: أن يقرِن بين الحج والعمرة، فيُحرم بـهما جميعًا، أو يُـحرم بالعمرة وحدها، ثم يدخل عليها الحج قبل الشروع في طوافها.
- وأما الإفراد، فمعناه: أن يُـحرم بالحج وحده.
فالتمتع إذًا: يُـحرم بالعمرة، ثم بعد الانقضاء منها يُـحرم بالحج من ذلك العام، أما القِرَان فيحرم بالعمرة والحج جميعًا، وأما الإفراد: فيُحرم بالحج وحده.
أفضل الأنساك
وأفضل الأنساك هو التمتُّع في حق من لـم يسق الهدي؛ لأن النبي أمر به أصحابه، وحثهم عليه، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت؛ لَمَا سُقْت الهدي، ولأحللت معكم [4]؛ ولأنه أكثر عملًا، ولأنه يأتي بأفعال العمرة كاملةً، وبأفعال الحج كاملة.
أما من ساق الهدي، فإنه يكون قارنًا، كما كان النبي .
قال الإمام أحمد: “لا أشك أن النبي كان قارنًا”.
وجمهور العلماء على أن الإنسان مُـخيَّرٌ بين هذه الأنساك الثلاثة.
صفة العمرة
وإذا أراد أن يُـحرم بالعمرة: فالسنة له أن يغتسل، وأن يتطيَّب، ثم يلبس إزارًا ورداءً أبيضين، والمرأة تلبس ما شاءت من الثياب، بشرط ألا تتبرج بزينة.
والأفضل أن يكون الإحرام عقب صلاة، فإن كان الوقت قريبًا من وقت فريضةٍ، فإنه ينتظر حتى يصلي الفريضة، ثم يحرم بعدها، أما إذا لـم يكن الوقت وقت فريضة، فإنه يصلي نافلةً من النوافل المشروعة، كأن يتوضأ ويصلي ركعتين بنيَّة سنة الوضوء، ثم بعد ذلك يحرم؛ وذلك لأنه لـم يثبت عن النبي أن للإحرام سنةٌ تخصُّه.
ثم إذا فرغ من الصلاة أهلَّ بالعمرة، فيقول: اللهم لبيك عمرة، ويسن له الإكثار من التلبية حتى يبدأ بالطواف، فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك له لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، فإذا بدأ بالطواف قطع التلبية.
وحين يبدأ بالطواف يقصد الحجر الأسود فيستلمه، أي: يـمسه بيده اليمنى، ويقبله إن تَيسَّر بدون مزاحمة، وإلا أشار إليه، فإذا مرَّ بالركن اليماني، وهو آخر ركنٍ يـمرُّ به قبل الحَجَر؛ استمله بيده اليمنى إن تَيسَّر بدون تقبيل، فإن لـم يتيسر استلامه مشى، ولـم يشر إليه.
ويطوف سبعة أشواط: يَرْمُل الرجل في الثلاثة الأشواط الأولى، ويضطبع في جميع الطواف.
والرَّمَل معناه: الإسراع في المشي مع مقاربة الخُطى.
والاضطباع: أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيـمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر.
ويذكر الله ويسبِّحه في طوافه، ويدعو بـما أحب، في خشوعٍ وحضور قلب.
وكلما حاذى الحجر الأسود كبَّـر، ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
وأما التقيُّد بدعاءٍ معيَّـن لكل شوطٍ، فلا أصل له من سنة النبي .
فإذا انتهى من الطواف صلى ركعتين خلف المقام إن تيسَّر ذلك، فإن لـم يتيسَّر ففي أي موضعٍ من المسجد الحرام، والسنة أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، وفي الركعة الثانية سورة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وتخفيف هاتين الركعتين، من أجل أن يدع المكان لمن هو أحق به منه.
ثم يطوف بين الصفا والمروة سبعة أشواط، مبتدئًا بالصفا، والسنة: إذا دنا من الصفا أن يقرأ قول الله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]؛ ليستحضر أنه إنـما يسعى من أجل تعظيم شعائر الله .
ويصعد على الصفا، ويقف مستقبل القبلة، رافعًا يديه، يُكبـِّر الله تعالى ويحمده، ويقول: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده” ثم يدعو بعد ذلك، ثم يعيد الذكر ثم يدعو، ثم يعيد الذكر مرةً ثالثة، أي أنه يأتي بالذكر ثلاث مرات، وبالدعاء مرتين.
ثم ينزل متجهًا إلى المروة، والسنة للرجل إذا نزل بطن الوادي، وهو ما بين العَلَمَين الأخضرين، أن يسعى سعيًا شديدًا، وإذا وصل إلى المروة، صعد عليها، واستقبل القبلة، ورفع يديه، وقال مثلما قال على الصفا.
فإذا أتـمَّ السعي حلق رأسه، والحلق أفضل من التقصير، لكن إن كان قد أتى بالعمرة قريبًا من الحج، فإن التقصير أفضل؛ وذلك لأن الصحابة الذين أتوا بالعمرة في الرابع من ذي الحجة، أمرهم النبي بالتقصير، وذلك لأجل أن يدعوا ما تبقى من الشعر للحلق، أي: لكي يحلقوه في الحج، فإن الحلق في الحج أفضل منه في العمرة.
ولهذا نقول: إن الأصل أن الحلق أفضل من التقصير إلا في هذه الحال، وهي: ما إذا كان قدوم الحاج قريبًا من وقت الحج وأتى بالعمرة؛ فالأفضل في حقِّه أن يُقصِّر لأجل أن يدع بقية الشعر ليحلقه في الحج.
وأما المرأة فإنـها تُقصِّر من شعرها قدر أنـمُلَة، وبذلك تـمَّت العمرة، وحل من إحرامه.
هذه هي صفة العمرة، وأما صفة الحج، فنرجئ الحديث عنها للحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.