logo
الرئيسية/برامج إذاعية/مجالس الفقه/(48) برنامج مجالس الفقه- الأحكام المتعلقة بمحظورات الإحرام

(48) برنامج مجالس الفقه- الأحكام المتعلقة بمحظورات الإحرام

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم: (مجالس الفقه).

(مجالس الفقه) برنامجٌ يُذاع عبر أثير "إذاعة القرآن الكريم"، نتدارس فيه شيئًا من المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة مما يحتاج إلى معرفتها المسلم، يصحبنا في ذلك فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين، فباسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم.

الشيخ: أهلًا ومرحبًا، وحياكم الله، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.

المقدم: أحسن الله إليكم.

الأحكام المتعلقة بمحظورات الإحرام

شيخنا، في الحلقتين الماضيتين كنا قد تكلمنا في المسائل والأحشكام المتعلقة بالحج، ولا يزال الحديث موصولًا في هذا الباب، ولعلنا في هذه الحلقة نُعرِّج على شيءٍ من الأحكام المتعلقة بمحظورات الإحرام، وقبل البدء بذكر هذه المحظورات أودُّ لو بينتم لنا: ما المراد بمحظورات الإحرام؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

معنى محظورات الإحرام

فمحظورات الإحرام معناها: المحرَّمات بسبب الإحرام؛ أي أنها أمورٌ مباحةٌ للمسلم، لكنه إذا أحرم؛ أصبحت ممنوعةً في حقه.

وقد ذكرها العلماء بالاستقراء، ومنهم من اعتبرها سبعةً، ومنهم من جعلها ثمانيةً، ومنهم من جعلها تسعةً، والاختلاف بين الفقهاء في هذا؛ بسبب اختلافهم في إدخال بعضها في بعضٍ، وإلا فهم متفقون في الجملة فيها؛ فمثلًا: بعضهم أدخل المباشرة مع الوطء، وبعضهم يجعل المباشرة محظورًا مستقلًّا، ولا مُشاحَّة في الاصطلاح.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

المقصود بالمخيط

لعلنا نَدخل -شيخنا- في ذكر هذه المحظورات، وإن أذنتم أن أبتدئ بالحديث عن لبس المخيط، ما المقصود بلبس المخيط؟

الشيخ: لبس المخيط أول محظورات الإحرام، والمراد به: لبسه بالنسبة للرجال، أما بالنسبة للنساء فلا يشملهن هذا الكلام، إلا ما كان متعلقًا بالنقاب والقفازين.

المخيط: هو اللباس المفصَّل على قدر العضو أو الأعضاء، سواءٌ كان بخياطةٍ أو بغير خياطةٍ، وإنما يُعبِّر الفقهاء "على المخيط" بناءً على الغالب، فالمخيط: الذي فيه خياطةٌ؛ مثل: القميص الذي نسميه في وقتنا الحاضر "الثوب"، وكذلك السراويل والخف ونحو ذلك، وعندما نقول: سراويل، فالسراويل مفردٌ وليس جمعًا، وجمعه: سراويلاتٌ، أما قول بعض العامة: سروالٌ، فهذه لغةٌ شاذةٌ؛ ولذلك الأفصح أن نقول: سراويل، وهكذا أيضًا لو وُضع على مقدار العضو بدون خياطةٍ، مثل: أن يُنسج نسجًا، أو يُلصق بلصوقٍ، أو ليس فيه خياطةٌ لكنه مفصَّلٌ على قدر العضو، فهذا أيضًا يُعتبر مخيطًا، مثل: اللباس الذي يلبسه الرجال ويسمى في وقتنا الحاضر بـ(الفانلة)، هذا يدخل في المخيط، والسراويل يدخل في المخيط، والقميص الذي نسميه "الثوب" يدخل في المخيط.

وهذا المصطلح (المخيط) يقال: إن أول من أطلقه: إبراهيم النخعي رحمه الله، وتبعه على ذلك جماهير الفقهاء، وإلا فلا تجد هذا المصطلح في كلام النبي ، ولا في كلام الصحابة ، ولا حتى عند كبار التابعين، إنما أُطلق فيما بعد، وتتابع الفقهاء في التعبير به من باب التوضيح، لكن في الحقيقة هذا المصطلح أوقع كثيرًا من العامة في سوء الفهم؛ فإنهم فهموا أن المقصود بالمخيط: ما فيه خيوطٌ؛ ولذلك تجد أن الواحد منهم يَسأل عن الساعة التي فيها خيوطٌ: هل يجوز لبسها أم لا؟ ويسأل عن الحذاء الذي فيه خيوطٌ، ويسأل عن الحزام الذي فيه خيوطٌ، والفقهاء ليس مقصودهم بالمخيط: ما فيه خيوطٌ، إنما مقصودهم ما فُصِّل على قدر العضو أو البدن؛ ولهذا لما سئل النبي عما يَلبس المحرم؛ عبَّر بقوله: لا يلبس القُمُص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخِفَاف [1]، لاحِظ هنا أن كلام النبي واضحٌ ليس فيه إيهامٌ، بينما التعبير بـ"المخيط" أوقع كثيرًا من العامة في الإيهام؛ ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يختار ألفاظ النصوص الشرعية؛ لأنها واضحةٌ محكمةٌ، ليس فيها إيهامٌ، بينما كلام البشر يعتريه ما يعتريه من الخلل والقصور.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

حكم لبس الخفين للمحرم

مما يتصل بهذا المحظور شيخنا: ما يتعلق بلبس الخفين، فهل يجوز لبسهما للمحرم؟

الشيخ: لبس الخفين نهى عنه النبي المحرم، وفي الحديث السابق، قال: ولا الخفين، قال: لا يلبس المحرم القُمُص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخِفَاف، فالمحرم ممنوعٌ من لبس الخفين، بل إن النبي قال: من لم يجد نعلين؛ فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين [2]، قال بعض أهل العلم: إن الأمر بقطعهما حتى يكونا كالنعلين منسوخٌ؛ لأن النبي أمر بالقطع لمَّا خاطب الناس في المدينة، ثم لما كان في عرفة؛ قال: من لم يجد نعلين؛ فليلبس الخفين، ولم يأمر بالقطع، ولكن هذا مبنيٌّ على ثبوت الرواية؛ لأن النبي لم يأمر بقطع الخفين في عرفات، وبعض المحققين من أهل الحديث يقولون: إنه لم تثبت لفظة أن النبي خطب في عرفة، وأنه قال: من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ولم يأمر بالقطع، قالوا: إن لفظة "يخطب بعرفاتٍ" غير محفوظةٍ؛ لأنه إنما انفرد بها شعبة عن عمرو بن دينارٍ من بين سائر الثقات، بينما أكثر الثقات رووها بدون ذكر عرفاتٍ؛ ولهذا قال الإمام مسلمٌ في "صحيحه": "ولم يَذكر أحدٌ منهم: «يخطب بعرفاتٍ» غير شعبة وحده"، ومن المقرر عند أهل العلم أن مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، أو انفراده بالزيادة دون غيره من الثقات؛ تُعتبر شاذةً، وهذا القول هو القول الراجح في المسألة والله أعلم؛ وعلى هذا: من لم يجد نعلين ولبس الخفين؛ فإنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين على صفة النعلين، وفي معنى ذلك: من لم يجد إزارًا، فإنه يلبس السراويل، وليس عليه فديةٌ إلى أن يجد الإزار؛ لقول النبي : السراويل لمن لم يجد الإزار [3]، رواه البخاري ومسلمٌ.

المقدم: أحسن الله إليكم، بخصوص المسألة الأخيرة، هل يدخل في هذه الصورة مَن ركب الطائرة وهو ناوٍ الإحرام، ثم تفاجأ أن ملابس الإحرام قد نسيها أو أدخلها في حقيبته، ونحو ذلك، ومَرَّ على الميقات؟ فهل يقال: ابقَ على ملابسك وليس عليك فديةٌ، فإذا وصلت؛ تلبس ملابس الإحرام مباشرةً؟

الشيخ: يقال بالنسبة للسراويل، لا بأس، أما ما عدا ذلك فليس له أن يلبس الثوب، أو ما يسمى بـ(الفانلة) مثلًا، وإنما يمكن أن يلبسه مقلوبًا، لو وُضع الثوب مقلوبًا، وكشف رأسه فلا بأس، هذا إذا لم يلحقه حرجٌ، وإلا فكثيرٌ من الناس ربما يلحقهم الحرج باللبس بهذه الطريقة؛ وعلى ذلك: فيمكن إذا كان يلحقه الحرج؛ أن يُحرِم في ثيابه وعليه فديةٌ.

المقدم: أحسن الله إليكم.

حكم لبس الكمامة للمحرم

مما يتصل بهذا المحظور: ما يتعلق بلبس الكِمامة -وهم يقولون: إن الأضبط في ذكرها: هي الكمامة، بهذا الذكر، وأنها أفصح من الكمَّامة بالتشديد- فما حكم لبس الكمامة بالنسبة للمحرم سواءٌ كان رجلًا أو امرأةً؟

الشيخ: هذه المسألة ترجع لحكم تغطية الوجه للمحرم، وهي مسألةٌ خلافيةٌ بين الفقهاء:

  • فمنهم من قال: إن المحرم ممنوعٌ من تغطية وجهه، واستدلوا بحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن رجلًا وَقَصَته دابته وهو محرمٌ فمات، فقال النبي : اغسلوه بماء وسدرٍ، وكفِّنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه؛ فإنه يُبعث يوم القيامة مُلبِّيًا [4]، والشاهد قوله : ولا وجهه، قالوا: فإذا مُنع ذلك في شأن المُحرِم الميت؛ ففي شأن المُحرِم الحي من باب أولى.
  • والقول الثاني في المسألة: أن تغطية الوجه للمُحرِم لا بأس بها، وإلى هذا ذهب الجمهور، قالوا: لأنه لم يثبت في النهي شيءٌ، وأما زيادة: ولا وجهه، المذكورة في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما السابق؛ فإنها غير محفوظةٍ؛ ولهذا فإن الإمام مسلمًا أوردها بعد عدة رواياتٍ، أكثر الروايات بلفظ: لا تُخَمِّرُوا رأسه، فقط، بدون زيادة: ولا وجهه، ثم إن الإمام مسلمًا أوردها بزيادة: لا تُخَمِّرُوا رأسه ولا وجهه، ومن المعلوم -وهذه فائدةٌ حديثيةٌ- أن مسلمًا أحيانًا يسوق بعض الروايات الضعيفة بعد الروايات الصحيحة؛ تنبيهًا على ضعفها، وأشار إلى هذا في مقدمته؛ وعلى هذا: فعند أكثر الحفاظ: أن هذه الزيادة: ولا وجهه، غير محفوظةٍ؛ وبناءً على هذا: فالقول الراجح والله أعلم: أن تغطية الوجه للمحرم لا بأس بها، وإذا قلنا: إن تغطية الوجه للمحرم لا بأس بها.

فعلى هذا: لا يُمنع المحرم من لبس الكمامة، هذا بالنسبة للرجل، فالرجل له أن يلبس الكمامة، ولا إشكال في ذلك بناءً على القول الراجح، لكن ماذا عن المحرمة؟ إذا اقتصرت المرأة المحرمة بالنسبة للكمامة على تغطية الفم والأنف؛ فلا بأس بذلك كالرجل، لكن إذا كانت الكمامة تُغطِّي معظم وجه المحرمة، ولا يبدو من وجهها سوى العينين، فلا فرق بينه وبين النقاب؛ وبناءً على ذلك: فليس للمحرمة أن تلبس الكمامة في هذه الحال؛ ولهذا نوصي الأخوات عند الإحرام إذا أردن لبس الكمامة: أن يجعلنها مغطيةً للفم والأنف فقط، وألا تجعلها المرأة المحرمة مغطيةً لمعظم الوجه حتى تُشبه النقاب؛ لأن المحرمة ممنوعةٌ من النقاب، فإذا جعلت الكمامة على هيئة النقاب؛ فيكون أيضًا ممنوعًا.

المقدم: أحسن الله إليكم، هل يُشكل على الكمامة أيضًا أنها مفصَّلةٌ على قدر عضوٍ من الأعضاء، وهو الوجه، أو لا يُشكل عليها هذا؟

الشيخ: لا يُشكل عليها هذا، هي ليست مفصلةً مثل تفصيل النقاب، لكن الإشكال: أنها إذا جُعلت كهيئة النقاب؛ فلا فرق بينها وبين النقاب إذا غطت معظم الوجه ولم يبقَ سوى العينين، فما الفرق بينها وبين النقاب؟! لكن إذا غطت الفم والأنف فقط مقتصرةً على هذا؛ زال الإشكال.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

حكم لبس الإزار الذي على شكل "التَّنُّورة"

كذلك من المسائل التي يكثر السؤال عنها، وربما يفعلها كثيرٌ من الناس: ما يتعلق بلبس الإزار المخيط، أو ما يعرف بلبس "إزار التَّنُّورة"، ما حكمه؟

الشيخ: هذا الإزار المخيط الذي يكون على شكل ما يسمى بـ"التنورة" للنساء، ويلبسه بعض الناس، هل يعتبر مخيطًا ويمنع منه المحرم أم لا؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

  • فمنهم من أجاز لبسه، وقالوا: إنه لا فرق بين الإزار المخيط وغير المخيط، فكلٌّ منهما يسمى إزارًا، وهذا الإزار المخيط يسمى إزارًا لغةً وعرفًا، فيجوز لبسه للمحرم.
  • وذهب أكثر العلماء المعاصرين إلى أنه لا يجوز لبسه؛ لكونه مخيطًا، وقد ذكر بعض أهل اللغة: أن الإزار المخيط -هذا الذي يُشبه التنورة- يسمى عند العرب بـ"النُّقْبة"، وهي نوعٌ من السراويل؛ ولهذا قال ابن الأثير في "النهاية" عن النُقْبة: "هي السراويل التي تكون لها حُجْزةٌ من غير نَيْفَقٍ [5]، فإذا كان لها نَيْفَقٌ؛ فهي سراويل"، وقال ابن سِيدَه: "النُقْبة: خرقة يُجعل أعلاها كالسراويل وأسفلها كالإزار، والنُقْبة عند الفقهاء من المخيط، فهي كالسراويل وكالقميص".
    والحقيقة: أن هذا الإزار المخيط إن لم يكن هو النُقْبة؛ فهو يشبه النُقْبة كثيرًا، وهو مخيطٌ عند الفقهاء السابقين؛ وبناءً على ذلك: فالقول الراجح والله أعلم: هو أنه لا يجوز لبس هذا الإزار؛ لكونه من المخيط الممنوع منه المحرِم، وفي الحقيقة هو يَتَرَفَّه به من يلبسه ربما ترفُّهًا أكثر من السراويل، ويلبسه بعض الناس على هذه الهيئة، ففي بعض البلدان لا يزالون يلبسونه على هذه الهيئة، وبعضهم يسمونه (وِزرة)، فهو يُلبس على هذه الهيئة وهذه الصفة.

أما القائلون بالجواز: مجرد أنهم أخذوا بعموم اللفظ، وقالوا: إنه يسمى إزارًا، ولا فرق بين مخيطٍ وغير مخيطٍ، وهذا غير صحيحٍ، ولا يُسلَّم بهذا؛ لأن الإزار الذي وردت السنة بلبسه؛ إنما هو الإزار غير المخيط، أما الإزار المخيط فإنه وإن سمي إزارًا؛ إلا أنه أقرب للسراويل منه للإزار، والعبرة بالحقيقة لا بالتسمية، وكما ذكرت، هذا الإزار المخيط يحصل به من الترفُّه ربما أكثر مما يحصل من لبس السراويل، والنبي منع المحرم من لبس القُمُص والسراويلات ونحوها [6]، وهذه في معناها بل أولى.

المقدم: أحسن الله إليكم.

مما يُشبه كذلك إزار التنورة: وُجدت بعض الأُزُر -شيخنا- هي مفتوحةٌ لكن فيها أزرار، فإذا لبسها المحرم زَرَّ هذه الأزرار عليه، فهل يَدخل في المنع؟

الشيخ: هذه لا تدخل في المنع، لكن الأولى تركها؛ لأنها تُشبه هذا الإزار المخيط من بعض الوجوه، لكن باعتباره مفتوحًا، نقول: إنه لا يدخل في المنع، لكن ينبغي ترك ذلك، وإذا احتاج لوضع هذا الزِّرِّ؛ يضعه بقدر الحاجة، أما ما يفعله بعض الناس من أنه يجعل أزرارًا كثيرةً وسَحَّابًا أحيانًا، فهذا يجعله يُشبه الإزار المخيط.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

حكم تغطية الرأس للمحرم

كذلك شيخنا مما يتصل بمحظورات الإحرام: ما يتعلق بتغطية الرأس بالنسبة للمحرم، فما ضابط تغطية الرأس التي يُمنع منها المحرم؟

الشيخ: تغطية الرأس بالنسبة للرجل المحرم: نهى النبي عنها، فإنه نهى عن لبس العمائم والبرانس [7]، وهذا يشمل تغطية الرأس، وقال: لا تُخَمِّروا رأسه، قال في الذي وَقَصَته دابته: لا تُخَمِّروا رأسه [8]، وتغطية الرأس بالنسبة للمحرم تنقسم إلى خمسة أقسامٍ:

  • القسم الأول: جائزٌ بالإجماع؛ مثل: أن يضع على رأسه حناءً أو أن يُلبِّد رأسه، ومعنى التلبيد: أن يضع على رأسه شيئًا شبيهًا بالصمغ، فهذا لا بأس به، فقد جاء في "الصحيحين" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله يُهِلُّ مُلَبِّدًا" [9]؛ لأنه كان شعره طويلًا على عادة العرب [10]، العرب كانوا يُطيلون شعورهم، وبقي محرمًا أيامًا طويلةً، فإنه أحرم في اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة من السنة العاشرة إلى اليوم العاشر من ذي الحجة [11]، فبقي هذه المدة كلها محرمًا، وكان شعره طويلًا، وكان عليه الصلاة والسلام حريصًا على النظافة، فأراد أن يُبقِي شعره نظيفًا لا يعلق به الغبار والوسخ، فلبَّد شعره.
  • القسم الثاني أن يُغطِّي رأسه بما لا يقصد به التغطية والستر؛ كحمل الأمتعة ونحوها، فهذا لا بأس به؛ لأنه لا يُقصد به الستر، ولا يُستر بمثله غالبًا.
  • والقسم الثالث: أن يُغطِّي رأسه بما لا يُعَدُّ لبسًا، لكنه ملاصقٌ يُقصد به التغطية، فهذا لا يجوز؛ لعموم قول النبي ولا تُخَمِّروا رأسه [12].
  • والقسم الرابع..

المقدم: أحسن الله إليكم، مثل ماذا القسم الثالث؟

الشيخ: يُغطِّي رأسه بما لا يُعَدُّ لبسًا لكنه ملاصقٌ، قالوا: مثلما لو غطاه بطِينٍ ونحوه.

  • القسم الرابع: أن يستر رأسه بما يُلبَس عادةً على الرأس؛ كأن يستر رأسه بالشماغ أو الغترة أو العمامة، أو ما يُسمى بالطاقية، فهذا لا يجوز بالإجماع.
  • والقسم الخامس: أن يُظلِّل نفسه بتابعٍ، سواءٌ كان متصلًا؛ كالشمسية، أو منفصلًا؛ كالخيمة والمحمل، وهذا فيه قولان للفقهاء، والقول الراجح: أنه يجوز؛ لأن النبي استظل بالقبة التي ضُربت له بنَمِرة [13]، وعندما كان يرمي جمرة العقبة ظُلِّل بثوبٍ يقيه من حر الشمس [14].

المقدم: أحسن الله إليكم.

بخصوص القسم الخامس والأخير، هناك صورةٌ لا أدري تحت أي الأقسام تدخل: وهي المظلة الصغيرة، تكون مربوطةً على الرأس بعصابةٍ ومرتفعةً عن الرأس.

الشيخ: إذا كانت مرتفعةً عن الرأس؛ فلا بأس بذلك على القول الراجح.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

حكم تغطية المحرمة وجهها

شيخنا، بالنسبة للمُحرِمة هل هي ممنوعةٌ من تغطية وجهها؟

الشيخ: المحرمة: من الفقهاء من قال: إنها ممنوعةٌ من تغطية وجهها، وأنها تُسدِل على وجهها للحاجة، يعني عند مرور الرجال الأجانب.

والقول الأقرب -والله أعلم- المختار عند كثيرٍ من المحققين من أهل العلم: أن تغطية الوجه للمحرمة ليس من محظورات الإحرام، وأن المحرمة إنما هي ممنوعةٌ من النقاب والبرقع ونحوهما مما هو مفصَّلٌ على الوجه، وأما الغطاء الذي ليس مفصلًا على الوجه فليست ممنوعةً منه؛ لعدم الدليل على أن تغطية الوجه للمحرمة من محظورات الإحرام، إنما الذي ورد نهيها عن النقاب ونحوه؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ولا تنتقب المرأة المحرمة [15]، وهذا هو القول الراجح، واختاره ابن تيمية وابن القيم، رحمهما الله تعالى.

وثمرة الخلاف في هذه المسألة: إذا لم تكن المرأة أمام رجالٍ أجانب؛ فهل لها أن تُغطي وجهها بغير النقاب؟ فعلى القول الأول: ليس لها ذلك، وعلى القول الراجح الذي ذكرناه: لها ذلك؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: "إن النبي سوَّى بين وجه المرأة ويديها، وكلاهما كبدن الرجل لا كرأسه"، تأمل هذه العبارة: "وكلاهما كبدن الرجل لا كرأسه"، "وأزواجه كُنَّ يُسدِلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة، ولم يَنقل أحدٌ من أهل العلم أن النبي قال: إحرام المرأة في وجهها"، هذا ليس حديثًا، وإنما هو من قول بعض السلف، لكن المحفوظ أنه: لا تنتقب المرأة المحرمة [16]، هذا هو المحفوظ، فعبارة: "إحرام المرأة في وجهها"، ليست حديثًا، وإن كان يَتناقل هذه العبارة بعض العامة على أنها حديثٌ، وهو ليس حديثًا، وإنما هو كلامٌ لبعض العلماء، وهو كلامٌ أيضًا لا يُسلَّم به؛ فوجه المرأة كبدن الرجل، وبدن الرجل ليس ممنوعًا من التغطية، إنما الممنوع تغطيته بالمُفصَّل الذي سُمِّي "المخيط"، وهكذا أيضًا وجه المرأة، إنما هي ممنوعةٌ من تغطيته بالمُفَصَّل، الذي هو النقاب أو البرقع؛ وعلى ذلك نقول: إن تغطية وجه المرأة المحرمة ليس من محظورات الإحرام، وإنما المحظور: أن تلبس النقاب أو البرقع ونحوهما.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم شيخنا وأفادكم.

حكم لبس الجوارب للمحرمة

مما يتصل بهذا أيضًا، وهو مما يُسأل عنه كثيرًا: حكم لبس جوارب الرِّجْلين بالنسبة للمرأة المحرمة؟

الشيخ: أولًا جوارب الرجلين بالنسبة للمحرم الرجل: لا تجوز، داخلةٌ في محظورات الإحرام، وأما بالنسبة للمرأة المحرمة: فلا بأس، بل يُستحب لها ذلك خاصةً أمام الرجال الأجانب؛ لأن هذا أكمل في الستر، وبعض الناس تشتبه عليهم هذه المسألة، فيظن أن المرأة المحرمة ممنوعةٌ من جوارب الرجلين واليدين، وهذا غير صحيحٍ، إنما هي ممنوعةٌ من جوارب اليدين التي تسمى القفازات، أما بالنسبة لجوارب الرجلين فليست المرأة المحرمة ممنوعةً منها.

المقدم: أحسن الله إليكم.

ضابط الطِّيب الذي يُمنع منه المحرم

شيخنا، أيضًا من المحظورات التي يذكرها الفقهاء: ما يتعلق بالطِّيب، فما ضابط الطِّيب الذي يُمنع منه المحرم؟

الشيخ: الطِّيب ممنوعٌ منه المحرم، سواءٌ أكان بقصد شمِّه أو لمسه، وسواءٌ أكان في الثوب أو في البدن أو في غيرهما؛ لقول النبي لما سُئل عما يَلبس المحرم: ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسَّه الزَّعفران ولا الوَرْس [17]، والورس: نباتٌ أصفر طيب الريح، ومثله أيضًا الزعفران، ولقوله في قصة التي وَقَصَته راحلته: ولا تُحنِّطوه [18]، والحَنُوط نوعٌ من الطيب؛ وعلى ذلك: فضابط الطيب الممنوع منه المحرم: جميع أنواع الطيب، سواءٌ أكان ملموسًا، أو كان على لباسٍ ملبوسٍ، أو كان موجودًا ملتصقًا بشيءٍ آخر، فالمحرم ممنوعٌ منه، فهو ممنوعٌ من أن يتطيب بالطيب المعروف مباشرةً، أو أن يلبس لباسًا عليه طِيبٌ، أو يضع الطيب على لباس الإحرام، أو أيضًا يكون الطيب في مناديل، أو يكون الطيب في صوابين، أو يكون الطيب في أي شيءٍ يستخدمه المحرم.

فإذنْ المحرم ممنوعٌ من الطيب بجميع أنواعه وصوره.

حكم استعمال الزعفران والمناديل والصوابين المعطرة

المقدم: أقول: أحسن الله إليكم، يدخل في المنع كذلك استعمال المناديل المعطَّرة أو الصوابين المعطَّرة، أو الزَّعفران مثلًا؟

الشيخ: نعم، يدخل في ذلك هذا كله، فالمناديل المعطَّرة ممنوعٌ منها المحرم، وأحيانًا عطر بعض المناديل يكون له نفوذٌ ورائحةٌ قويةٌ، فالمحرم ممنوعٌ من هذه المناديل، كذلك الصوابين المعطَّرة أيضًا المحرم ممنوعٌ منها، كيف نعرف الصوابين المعطَّرة؟ عندما تقرأ المحتويات أو المكونات؛ ستجد أن من المكونات عطرًا، فإذا وجدت أن من المكونات عطرًا؛ معنى ذلك: أن العطر مضافٌ لهذا الصابون، فيجتنبه المحرم، أما إذا لم يكن من مكوناته عطرٌ؛ فالأصل أن المحرم يستخدمه، ومن ذلك: ما كان فيه نكهةٌ وليس عطرًا، بعض أنواع الصوابين فيها مجرد نكهةٍ فقط، فهذه المحرم ليس ممنوعًا منها، كذلك أيضًا الزعفران جاء منصوصًا عليه، ولا يلبس المحرم شيئًا مسَّه الزعفران ولا الوَرْسُ [19]، وحتى لو كان هذا الزعفران في أكلٍ أو شربٍ، بحيث يظهر طعم الزعفران أو رائحته؛ فعلى هذا: ليس للمحرم أن يشرب الزعفران مع القهوة أو مع الشاي ونحو ذلك؛ لأن النبي اعتبره طِيبًا.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم شيخنا هذا الإيضاح والبيان.

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام هذه الحلقة، ونسأل الله جل وعلا أن يجزي شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان خير الجزاء، فشكر الله لكم شيخنا.

الشيخ: وشكرًا لكم، وللإخوة المستمعين.

المقدم: إلى أن ألتقيكم في حلقةٍ قادمةٍ بإذن الله ​​​​​​​، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

^1 رواه البخاري: 1543، ومسلم1177.
^2 رواه البخاري: 1842، ومسلم: 1177.
^3 رواه البخاري: 1841، ومسلم: 1178.
^4 رواه مسلم: 1206.
^5 ‌‌‌النَّيْفَق والنَّيْبَق: كلمة فارسية معرَّبة، وأصلها في الفارسية: نِيفَه، ومعناها: موضع التكة من السروال، والنيبق بالباء أو ‌النيفق بالفاء في العربية: الموضع المتسع من القميص والسراويل. ينظر المعجم العربي لأسماء الملابس لرجب عبدالجواد إبراهيم: ص 500.
^6, ^8, ^11, ^12, ^16, ^19 سبق تخريجه.
^7 رواه البخاري: 8505.
^9 رواه البخاري: 1540، ومسلم: 1184.
^10 رواه مسلم: 2337.
^13 رواه مسلم: 1218.
^14 رواه مسلم: 1298.
^15 رواه البخاري: 1838، ومسلم: 1177.
^17 رواه البخاري: 5803.
^18 رواه البخاري: 1265.
مواد ذات صلة
zh