logo
الرئيسية/برامج إذاعية/مجالس الفقه/(72) برنامج مجالس الفقه- أحكام الفرائض: ميراث الجد مع الإخوة، وحساب الفرائض، والتأصيل

(72) برنامج مجالس الفقه- أحكام الفرائض: ميراث الجد مع الإخوة، وحساب الفرائض، والتأصيل

مشاهدة من الموقع

المقدم: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم "مجالس الفقه".

"مجالس الفقه" برنامجٌ يُذاع عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، نتدارس فيه المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة مما يحتاج إلى معرفتها كل مسلم. يصحبنا في هذا البرنامج فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين، فبِاسْمي وبِاسْمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم.

الشيخ: أهلًا وسهلًا، حياكم الله وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المستمعين.

ميراث الجد مع الإخوة

المقدم: أحسن الله إليكم. شيخنا، لا يزال الحديث موصولًا في المسائل المتعلقة بالفرائض، وكنا قد تكلمنا في الدرس الماضي عن بعض مسائل الحجب، وأيضًا ما يتعلق بالمسألة المشركة، ولعلنا في هذا اليوم نأخذ أيضًا مسألة أخرى مشهورة في باب الفرائض تُعرف بـ"مسألة ميراث الجد مع الإخوة"؛ فما المقصود بهذه المسألة؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهديه، واتبع سُنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

هذه المسألةُ (مسألة ميراث الجد مع الإخوة) مسألةٌ تابعةٌ لباب الحجب، ولكن الفرضيين يُفردونها بباب لأهميتها ولكثرة الخلاف فيها، فقد تعددت فيها الأقوال واختلفت فيها طرق القسمة، ولذلك عُنِيَ بها الفرضيون وأفردوها بباب مستقل. والمقصود بالجد في هذه المسألة: الجد الصحيح الذي لم يدخل في نسبته للميت أنثى، وبهذا نحترز عن الجد غير الصحيح: وهو مَن كان في نسبته للميت أنثى كأب الأم، فأب الأم غير مقصود في هذه المسألة؛ لأنه من ذوي الأرحام.

والمقصود بالإخوة في هذه المسألة: الإخوة الأشقاء، وكذلك الإخوة لأب، أما الإخوة لأم فغير مقصودين في هذه المسألة؛ لأنهم محجوبون بالجد بالإجماع. وهذه المسألة رُوي عن بعض السلف أنهم تحرجوا عن الفتيا فيها، ولكن علماء الصحابة رأوا أنه لا بُدَّ من النظر فيها؛ لأنها واقعة فاجتهدوا فيها، ولم يثبت فيها شيءٌ عن النبي ، وإنما هي مسألةٌ قائمةٌ على النظر والاجتهاد، واختلفت فيها أقوال الصحابة .

أقوال العلماء في ميراث الجد مع الإخوة

المقدم: أحسن الله إليكم. هذا يقودنا إلى مسألة: وهي معرفة آراء العلماء في هذه المسألة، لو بسطتم لنا الخلاف فيها أحسن الله إليكم؟

الشيخ: من المتقرر في باب التعصيب أن الأب المباشر يحجب الإخوة مطلقًا، سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم، وذكورًا أو إناثًا، فلا يرثون مع وجود الأب بالإجماع، وقد أجمع العلماء على أن الجد ينزل منزلة الأب عند عدم وجود الأب، إلا في ثلاث مسائل مستثناة لا تدخل في هذا الإجماع: وهي مسألة (زوج، وأم، وأب)، و(زوجة، وأم، وأب) فإن للأم في هاتين المسألتين ثلث الباقي مع الأب، ولها ثلث جميع المال مع الجد. والمسألة الثالثة المستثناة (الإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب مع الجد) فإن الأب يُسقط الإخوة والأخوات بالإجماع. أما الجد إذا اجتمع مع الإخوة الأشقاء أو الإخوة لأب؛ فهل يُسقطهم أم لا؟ في هذا قولان للفقهاء:

القول الأول: أن الجد يُسقط جميع الإخوة من جميع الجهات، سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم، ذكورًا أو إناثًا، وأن الجد كالأب تمامًا، فلا إرث للإخوة مع الجد مطلقًا، كما أنه لا إرث للإخوة مع الأب مطلقًا؛ وهذا القول رُوي عن أبي بكر الصديق ورُوي عن ابن عباس ورُوي عن ابن الزبير ، قال البخاري في صحيحه: "قال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير : الجد أبٌ"، ثم قال البخاري: "ولم يُذكر أن أحدًا خالف أبا بكر في زمانه، وأصحاب النبي متوافرون، ولذلك عدَّه بعض أهل العلم إجماعًا من الصحابة في زمن أبي بكر الصديق "، ولكن الخلاف مشهورٌ بين الصحابة في هذه المسألة. إذَن؛ هذا القول -أن الجد كالأب يُسقط الإخوة- قلنا: إنه رُوي عن عدد من الصحابة ، وهو المذهب عند الحنفية ورواية عند الحنابلة.

والقول الثاني في المسألة: أن الجد لا يحجب الإخوة بل يرثون معه على تفاصيل في ذلك؛ وهذا قد رُوي عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وزيد بن ثابت ، وهذا هو قول الجمهور -جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية- وهو المذهب عند الحنابلة، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يذهب للقول الأول: وهو أن الجد كالأب يُسقط الإخوة، وكان يُنكر على زيد بن ثابت الذي يقول: إن الجد لا يحجب الإخوة، فكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: ألا يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنًا ولا يجعل أب الأب أبًا؟! وهذا المعنى الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنهما سنتكلم عنه في الاستدلال.

إذَن؛ في هذه المسألة قولان، فهي مسألة خلافيةٌ اختلف فيها الصحابة ومَن جاء بعدهم.

أصحاب القول الأول -وهم القائلون بأن الجد يحجب الإخوة- استدلوا بأدلة منها؛ قالوا: إن الله سبحانه سمى الجد أبًا كما في قوله سبحانه: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ [الحج: 78]، وكما في قوله سبحانه عن يوسف عليه الصلاة والسلام: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ [يوسف: 38]، فتسمية الله له أبًا تجعله يحجب الإخوة كالأب المباشر، أو الأب الحقيقي.

وأيضًا استدلوا بقول الله ​​​​​​​ في آخر سورة النساء: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚإِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ أي الأخ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ [النساء: 176]، وهذه الآية نزلت في الإخوة لغير أم. ووجه الدلالة: أن الآية الكريمة اشترطت في إرث الإخوة من غير أم -وهم الأشقاء أو لأب- أن تكون المسألة كلالة، والكلالة في لغة العرب: مَن لا ولد له ولا والد، فيدخل في ذلك الجد، وحينئذٍ يكون هذا شرطًا لإرث الإخوة.

ثالثًا: استدل أصحاب هذا القول بأن الجد يحجب الأب بما جاء في الصحيحين أن النبي قال: ألحِقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأَولى رجل ذكر[1]، وإذا اجتمع عندنا جد وأخ، فإن الجد يُعتبر أَولى رجل ذكر، بدليل المعنى والحُكم؛ أما من جهة المعنى فلأن له قرابةَ إيلادٍ بَعْضِيَّة، وأما من جهة الحُكم فإن الفروض إذا استغرقت التركة سقط الأخ، بخلاف الجد فإنه لا يسقط عند ذلك بل يُفرض له السدس.

أيضًا من أدلتهم: المعنى الذي ذكرناه قبل قليل عن ابن عباس رضي الله عنهما لما قال: ألا يتقي الله زيدٌ يجعل ابن الابن ابنًا، ولا يجعل أب الأب أبًا؟! أي إذا كان ابن الابن ينزل منزلة الابن، فلماذا لا ينزل كذلك أبو الأب منزلة الأب؟! هذا هو المعنى الذي أراده ابن عباس رضي الله عنهما، وهو معنى قوي.

وأيضًا من أدلة أصحاب هذا القول: ما أشرنا إليه من أنه انعقد على ذلك الإجماع في زمن أبي بكر الصديق كما أشار إلى ذلك البخاري في صحيحه، قال البخاري: "قال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير : الجد أبٌ"، ثم قال البخاري: "ولم يُذكر أن أحدًا خالف أبا بكر في زمانه، وأصحاب النبي متوافرون".

هذا هو القول الأول في المسألة: وهو أن الجد كالأب يحجب الإخوة.

القول الثاني: أن الإخوة يشتركون مع الجد في الميراث، وأن الجد لا يحجب الإخوة، وكما قلنا: إن هذا هو قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا أولًا بأن الإخوة ثبت إرثهم بالكتاب، فلا يُحجَبون إلا بنصٍّ أو إجماعٍ أو قياسٍ، ولم يوجد شيءٌ من ذلك فلا يُحجَبون. والدليل الثاني: أن الجد والإخوة تساوَوْا في سبب الاستحقاق؛ فيتساوون في الاستحقاق؛ وذلك لأن الأخ أو الجد يُدليان بالأب، فالجد أبوه، والأخ ابنه، وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة الأبوة، هكذا قالوا. وأيضًا عللوا قالوا: إن الأخ الذكر يُعصِّب أخته فلا يُسقطه الجد كالابن. يعني نجد أن استدلالهم يدور على الأقيِسة والتعليلات.

القول الراجح في ميراث الجد مع الإخوة

والقول الأقرب -والله أعلم- هو القول الأول: وهو أن الجد كالأب، وأنه يحجب الإخوة، وقد اختار هذا القول جمعٌ من المحققين من أهل العلم كابن تيمية وابن القيم، وهو الذي عليه الآن الفتوى في بلادنا والعمل؛ وذلك لقوة دليله ولضعف أدلة القول الثاني.

وأما ما عللوا به من قولهم بأن الإخوة ثبت إرثهم بالكتاب فلا يُحجَبون إلا بنصٍّ أو إجماعٍ أو قياسٍ؛ فيُجاب عن ذلك بأنه قد دَلَّ القرآن والقياس على أن الجد أبٌ -كما سبق-، ولذلك ينزل منزلة الأب في حجبهم من الميراث. ثم إن دلالة الكتاب على إرث الإخوة -كما سبق- مشروطةٌ بأن تكون المسألة كلالة، ومع وجود الجد لا تكون المسألة كلالة، فالقول بأن الجد يحجب الإخوة أقرب إلى دلالة القرآن من القول بالتشريك.

وأما قولهم بأن الأخ الذكر يُعصِّب أخته فلا يُسقطه الجد كالابن؛ فيُجاب عنه بأنه ليس تعصيبُ كُلٍّ من الابن والأخ لأخته علةَ إرثه حتى يُوجب عدم سقوطه، إنما الموجب لإرث الابن البنوة والموجب لإرث الأخ الأخوة. وعلى هذا؛ فلا يستقيم هذا الاستدلال. وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله عشرين دليلًا في ترجيح القول الأول -وهو أن الجد كالأب وأنه يسقط الإخوة-.

وبهذا يتبين أن القول الراجح في هذه المسألة -والله أعلم-: أن الجد كالأب يحجب الإخوة، هذا هو الأظهر -والله أعلم- في هذه المسألة.

المقدم: جميل، أحسن الله إليكم. شيخنا، كيف ستكون قسمة المسألة بناءً على هذا الترجيح؟

الشيخ: أما بالنسبة للقول الأول فيعتبرون الجد كالأب ويحجب الإخوة، ولذلك ليسوا بحاجة للدخول في التفاصيل، وإنما إذا وُجد جدٌّ وإخوةٌ حجبوا الإخوة بالجد.

إنما التفاصيل ترد على القول الثاني، على قول الجمهور -وهم القائلون بتوريث الإخوة مع الجد- فقد اختلفوا في كيفية التوريث؛ فعليٌّ  له في ذلك قولٌ وطريقة، وابن مسعود  له طريقة، وزيد بن ثابت له طريقة، وقد أخذت المذاهب الثلاثة المالكية والشافعية والحنابلة -وهي المذاهب القائلة بتوريث الإخوة مع الجد- بطريقة زيد، ونُسب الأخذ بقول زيد إلى أكثرهم. ولا نريد أن ندخل في تفاصيل هذه الطرق، ولأن الدخول في التفاصيل قد يتشعَّب، وإلا لهم طرقٌ في هذا وتفصيلات، وما دمنا رجحنا أن الجد كالأب وأنه يحجب الإخوة فلسنا بحاجة للدخول في تفاصيل القول المرجوح وبيان كيفية طريقة التوريث بطريقة زيد وطريقة عليٍّ وطريقة ابن مسعود ؛ هذه تأخذ منا وقتًا كثيرًا ولا حاجة لذكرها، لأننا رجحنا القول الأول -وهو أن الجد كالأب، وأنه يحجب الإخوة- فلسنا بحاجة لهذه الطرق مع ترجيح هذا القول.

حساب الفرائض

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم. شيخنا، لعلنا بعد أن أخذنا جملةً من المسائل والأحكام المتعلقة بفقه الفرائض، وهو يشكِّل حصةً كبيرةً من علم الفرائض، أن نبدأ بالحديث عن الشق الآخر من علم الفرائض: وهو ما يُعرف بحساب الفرائض، ويندرج تحت هذا الباب في الحقيقة مسائل متعددة، لكن لعلنا نبدأ ببيان المقصود، أو تعريف حساب الفرائض وأهمية هذا الباب.

الشيخ: الفرائض تنقسم إلى فقه وحساب، فعلم الفرائض: العلم بفقه المواريث وحسابها، وتكلمنا في الحلقات السابقة عن أبرز المسائل في فقه الفرائض أو فقه المواريث.

وأما حساب الفرائض وحساب المواريث فهو في الحقيقة يعتمد على علم الرياضيات أو علم الحساب؛ ولذلك تجد أن مَن كان قويًّا في الحساب أو في الرياضيات يكون قويًّا كذلك في حساب الفرائض.

نحن سنذكر معالم في حساب الفرائض، لكن نحن في برنامج إذاعي، لا نستطيع أن نوضح القسمة بالطريقة المثالية؛ لأن التوضيح بالطريقة المثالية يحتاج إلى سبورة، ويحتاج إلى قسمة، ويحتاج إلى عرض، والمتعلم ينظر ويسأل؛ لأننا الآن دخلنا الجانب التطبيقي للفرائض، فلذلك نحن سنذكر نُبَذًا في حساب الفرائض، وأما التفاصيل فموجودة في كتب الفرائض. هناك أيضًا دورات موجودة في بعض التطبيقات مثل اليوتيوب وغيره، وأنا لي كتاب في هذا بعنوان "تسهيل حساب الفرائض"؛ لأني رأيت أن حساب الفرائض هو الذي يحتاج للتسهيل أكثر من الفقه؛ لأن الفقه موجودٌ في عامة الكتب الفرضية وكتب الفقه، لكن ذكرت طرقًا في تسهيل حساب الفرائض.

والحساب علمٌ له أهميته، وخاصةً في علم الفرائض؛ لمعرفة تأصيل المسائل وتصحيحها، ولذلك لا بُدَّ لمَن أراد تعلُّم الفرائض ومَن أراد إتقان الفرائض أن يتعلم الحساب ويعرف كيفية التعامل مع الأرقام ومع الكسور، يعني يكون مُلِمًّا بقواعد الرياضيات.

تعريف الحساب

والحساب لغة: مصدر حَسَب، ويُطلق على العَدِّ والإحصاء؛ ومنه قول الله عز وجل: وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]؛ أي: مُحصِين للأعمال ومُجازِين عليها.

وفي الاصطلاح العام: الحساب قواعدُ وأصولٌ يُتوصَّل بها إلى استخراج المجهولات العددية؛ كالجمع والطرح والضرب والقسمة.

وتعريف الحساب في اصطلاح الفرضيين: تأصيل مسائل الفرائض وتصحيحها وقسمة التركات.

وموضوعه: العدد من حيث التحليل والتركيب.

وموضوعه عند الفرضيين: المسائل من حيث تأصيلها وتصحيحها وقسمة التركات فيها.

والحساب له أهمية كبيرة في معرفة مواقيت الصلاة والصيام والحج وحساب الأعوام والشهور والأيام، وأيضًا معرفة حساب الزكاة، وآجال الحيض والنفاس والإيلاء، وآجال الديون وغيرها، وهو جزءٌ من علم الفرائض؛ لأن علم الفرائض -كما ذكرنا- هو العلم بفقه المواريث وحسابها.

النسب الأربع في حساب المواريث

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم. هناك أمرٌ يُذكر مع الحساب دائمًا: وهو ما يتعلق بالنِّسب الأربع؛ فما هي هذه النِّسب الأربع، وما علاقتها بباب الحساب؟

الشيخ: إذا قيل: "النِّسب الأربع" فالمقصود بها: المماثلة والمداخلة والمباينة والموافقة، وهي نوعٌ من أنواع الحساب، وتُعتبر من أهم مباحث الحساب التي يحتاج إليها الفرضي في حساب الفرائض، حيث تتوقف معرفة التأصيل والتصحيح عليها.

والمماثلة تعني: تساوي العددين أو الأعداد في المقدار؛ مثل: اثنين واثنين، ثلاثة وثلاثة، أربعة وأربعة؛ هذه مماثلة.

وأما المداخلة: فهي انقسام أكبر العددين على أصغرهما؛ مثل: أربعة ينقسم على اثنين، ستة ينقسم على ثلاثة، ثمانية ينقسم على أربعة.

المباينة معناها: ألَّا يتفق العددان بجزء من الأجزاء بل يختلفان، يعني لا يُقسم أحد العددين على الآخر، ولا ينقسمان على عدد آخر، فليس بينهما اشتراكٌ؛ مثل: اثنين وثلاثة، أربعة وخمسة، خمسة وسبعة، وهكذا. وكل عددين متواليين فهما متباينان، ما عدا واحد واثنين.

والموافقة معناها: أن يتفق العددان في القسمة على عدد آخر سوى الواحد، ولا ينقسم الأكبر على الأصغر إلا بكسر؛ مثل: أربعة وستة، النسبة بينهما موافقة؛ لأنهما يتفقان في القسمة على عدد آخر وهو اثنين.

وهذه النِّسب الأربع لها فائدةٌ في تأصيل المسائل وتصحيحها وقسمة التركات، ويُحتاج إليها في بعض أبواب المواريث؛ مثل: باب المناسخات، والحمل، والمفقود، والغرقى، والرد، وذوي الأرحام؛ وطريقتها مفصلة في كتب الفرضيين.

لكن يرد سؤالٌ: هذه النِّسب الأربع المذكورة عند الفقهاء السابقين، هل ما يوجد لدى معلم الرياضيات الآن من "القاسم المشترك الأكبر" و"المضاعف المشترك البسيط"؛ هل تُغني عن هذه النِّسب الأربع أو لا تغني؟

نقول: إنها قد تُغني، قاعدة "القاسم المشترك الأكبر" وكذلك "المضاعف المشترك البسيط" تُغني، لكن ليس في جميع الأبواب؛ لأن قاعدة "القاسم المشترك الأكبر" لا تُستعمل إلا فيما يجوز فيه إعمال جميع النِّسب الأربع، وسيأتي أنه في النظر بين الرؤوس والسهام وبين المسائل والسهام في بعض أبواب الفرائض لا تُستعمل إلا الموافقة والمباينة خاصةً؛ مما يجعل الحاجة داعيةً لمعرفة النِّسب الأربع؛ أي إن قاعدة "المضاعف المشترك البسيط" و"القاسم المشترك الأكبر" قد تُغني في كثير من المسائل عن النِّسب الأربع، لكن هناك بعض أبواب الفرائض لا تُغني عنها قاعدة "المضاعف المشترك البسيط" و"القاسم المشترك الأكبر".

التأصيل

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم. شيخنا، أيضًا مما يتعلق بهذا الباب وقد أشرتم قبل قليل إلى إلماحة منه: التأصيل؛ فلو أخذنا شيئًا من المسائل المتعلقة بالتأصيل، أولًا ما المراد بباب التأصيل؟

الشيخ: التأصيل معناه: تحصيل أقل عدد يخرج منه فرض المسألة أو فروضها بلا كسر؛ وينقسم إلى نوعين:

  • النوع الأول: إذا كانوا كلهم عَصبات، فأصول مسائل العَصبة غير محصورة؛ لأن مسألتهم من عدد رؤوسهم.
  • والنوع الثاني: إذا كانوا كلهم ذوي فروض، فأصول مسائل أصحاب الفروض محصورة؛ وتنقسم إلى:
    • أصول متفق عليها: وهي اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة، وثمانية، واثنا عشر، وأربع وعشرون.
    • وأصول مختلف فيها: وهي ثمانية عشر، وست وثلاثون.

ويرى بعض العلماء أنهما أصلان -وهو قول الجمهور-، ويرى بعضهم أنهما مَصَحان لا أصلان، وهذان الأصلان (ثمانية عشر، وست وثلاثون) لا يوجدان إلا في باب ميراث الإخوة مع الجد -على القول بتوريث الإخوة مع الجد-، ونحن رجحنا أن الإخوة لا يرثون مع الجد؛ وبناءً على ذلك لا نحتاج لهذين الأصلين (أصل ثمانية عشر، وست وثلاثين).

كيفية التأصيل

وأما كيفية التأصيل؛ فعند تأصيل المسائل لا تخلو من ثلاث حالات:

الحال الأولى: أن يكون جميع مَن في المسألة عَصبة، ولا يكون معهم صاحب فرض، فالمسألة من عدد رؤوسهم إذا كانوا ذكورًا، وفي حال اجتماع الذكور مع الإناث يُفرَض الذكر عن أنثيين.

والحال الثانية: أن يكون في المسألة صاحب فرض واحد، فأصل المسألة من مخرج ذلك الفرض؛ يعني مثلًا: زوج وعم، الزوج النصف، والعم الباقي؛ إذَن المسألة من اثنين.

أم وأب، الأم كم تأخذ؟

المقدم: الأم هنا ستأخذ الثلث.

الشيخ: والأب الباقي. إذَن؛ أصل المسألة مِن؟

المقدم: سيكون من ثلاثة.

الشيخ: سيكون من ثلاثة؛ للأم الثلث واحد، والأب الباقي اثنان.

الحال الثالثة: أن يكون في المسألة أكثر من صاحب فرض، فيُستخرج أصل المسألة بالنظر بين مقامات الفروض عن طريق النِّسب الأربع، وحاصل النظر هو أصل المسألة، أو يعني على طريقة الرياضيات الحديثة بإيجاد القاسم المشترك الأصغر لتلك المقامات، ويكون هو أصل المسألة.

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم شيخنا. إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختم هذه الحلقة، فأسأل الله أن يجزي شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان خير الجزاء، فشكر الله لكم.

الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.

المقدم: إلى أن ألتقيكم في حلقة قادمة -بإذن الله ​​​​​​​- أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

كان معكم في إدارة هذه الحلقة: فهد بن عبدالعزيز الكثيري، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

^1 رواه البخاري: 6737، ومسلم: 1615.
مواد ذات صلة
zh