جدول المحتويات
المقدم: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
حياكم الله أيها الإخوة: المستمعون والمستمعات، في برنامجكم (مجالس الفقه).
(مجالس الفقه) برنامجٌ يُذاع عبر أثير (إذاعة القرآن الكريم)، نتدارس فيه المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة مما يحتاج إلى معرفتها كل مسلم.
يصحبنا في هذا البرنامج فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين. فباسمي واسمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
تتمة أسباب الإرث المختلف فيها
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا. لا يزال الحديث في هذه الحلقات والحلقات الماضية، كنا قد تكلمنا عن المسائل والأحكام المتعلقة بعلم الفرائض، وكنا في حلقة ماضية قد ختمنا الحديث بذكر أسباب الإرث. فهل ثمة أسباب أخرى يمكن أن تُذكَر؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فكان الحديث في الحلقة السابقة عن أسباب الإرث، وذكرنا أن هناك أسبابًا متفقًا عليها: وهي النكاح والولاء والنَّسَب، وتكلمنا عن هذه الأسباب الثلاثة بالتفصيل.
ثم انتقلنا للحديث عن الأسباب المختلف، فيها وذكرنا بيت المال، وذكرنا أن الراجح أنه لا يُعتبر سببًا.
وأيضًا ذكرنا الموالاة والمعاقدة، وأن القول الراجح أيضًا أنها لا تُعتبر سببًا، وإن كانت في أول الإسلام موجودة، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33]، لكن نُسخ ذلك فيما بعد بقول الله : وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأحزاب:6].
هناك أيضًا أسبابٌ أخرى مختلفٌ فيها، ومن ذلك: التسبُّب في إسلام الشخص المتوفى، فاختلف الفقهاء فيمن أسلم على يديه رجلٌ، هل يكون ولاؤه له فيرثه أم لا؟
والقول الراجح: إنه لا يكون ولاؤه له ولا يرثه إذا مات. وإلى هذا ذهب جماهير الفقهاء؛ لأن هذا السبب لم يثبت بدليل شرعي، وإنما قاله بعض الفقهاء تفقُّهًا، وليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على إثبات هذا سببًا للميراث، وخاصةً أن المواريث لها عنايةٌ كبيرةٌ في الكتاب والسنة، وتولَّى الله قسمتها بنفسه، فلو كان هذا سببًا من أسباب الإرث لبَيَّن ذلك ربنا في كتابه أو بيَّنه النبي .
وأيضًا من الأسباب المختلف فيها: الالتقاط؛ وهو أخذُ طفلٍ مجهولِ النَّسَب منبوذٍ في شارع أو في غيره، وأخذه فرض كفاية، والذي يهمنا هنا هو توريث المُلْتقِط من اللقيط، هذا اللقيط إذا لم يكن له أقارب، فهل نقول: إن مالَه يرثُه ملتقطُه أم لا؟ يعني هذا لقيطٌ مجهول النَّسَب، ليس له أقارب وله مال ثم مات، أين يذهب ماله؟
من الفقهاء من قال: إن ملتقطه يرثه، واستدلوا بحديث: المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت عليه[1]، وهذا الحديث لو ثبت لكان حجة في هذا، لكن هذا الحديث ضعيف من جهة الإسناد، أخرجه أبو داود والترمذي، وهو حديثٌ لا يصح عن النبي .
وعلى هذا نقول: إن الراجح عدم التوريث بالالتقاط كما هو قول جماهير الفقهاء؛ لأنه لم يثبت في ذلك دليل معتبرٌ، والحديث المروي في ذلك: تحوز المرأة ثلاثة مواريث حديثٌ ضعيفٌ، والأصل أن الميراث إنما يثبت بنَسَب أو بنكاح أو ولاء.
وعلى هذا نقول: إن هذه الأمور التي ذُكرت هذه كلها ليست أسبابًا للإرث على القول الراجح، وإن أسباب الإرث منحصرةٌ في الأسباب المجمع عليها: وهي النكاح والولاء والنَّسَب.
موانع الإرث
المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم، شيخنا مما يتصل بعلم الفرائض: ما يتعلَّق بموانع الإرث، هل للإرث موانع تمنع من الميراث إذا وُجدت؟
الشيخ: أولًا معنى الموانع: الموانع جمع مانع، وهو في اللغة: الحائل بين الشيئين.
واصطلاحًا: "ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته"، أي أنه عكس الشرط. فموانع الإرث: ما تفوت به أهلية الميراث مع قيام سببه.
ونقول فيها كما قلنا في أسباب الإرث، يعني منها ما هو مجمعٌ عليه، ومنها ما هو مختلفٌ فيه.
فموانع الإرث المجمع عليها: هي الرِّقُّ والقتل واختلاف الدين، كما قال الناظم:
ويَمنع الشخصَ من الميراث | واحدةٌ من عللٍ ثلاث |
رِقٌّ وقتلٌ واختلاف دين | فافهم فليس الشك كاليقين |
المانع الأول: القتل
المانع الأول: القتل، قد أجمع العلماء على أن القاتل عمدًا بغير حق لا يرث ممن قتله شيئًا؛ لقول النبي : ليس للقاتل من الميراث شيءٌ. أخرجه النسائي في "سننه"[2].
ولعل الحكمة في ذلك -والله أعلم- هي سَدُّ ذريعة القتل والإفساد؛ فإن الإنسان ظلومٌ جهولٌ قد يُعميه حب المال فيستبطئ حياة مُورِّثه فيُقدِم على قتله تعجُّلًا لميراثه، ومن تعجَّل شيئًا قبل أوانه عُوقب بحرمانه، فسَدَّ الشارع الحكيم هذا الطريق عليه، وجعل القتل مانعًا من موانع الإرث.
والمراد بالقتل الذي يمنع من الميراث: هو كل ما أوجب قصاصًا، أو دية، أو كفارة، بخلاف القتل غير المضمون بشيءٍ من ذلك. وعلى هذا؛ القتل المانع من الميراث يشمل القتل العمد والقتل شبه العمد.
هل القتل الخطأ يمنع من الميراث؟
أما القتل الخطأ فهل يمنع من الميراث أم لا؟ للفقهاء قولان في هذه المسألة:
- القول الأول: إن القتل الخطأ يمنع من الميراث، وإلى هذا ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، واستدلوا بعموم الأدلة الدالة على أن القاتل لا يرث شيئًا من مال مورِّثه، ومنها الحديث السابق لا يرث القاتل شيئًا، أو ليس للقاتل من الميراث شيءٌ[3]، حيث لم تُفرِّق هذه الأدلة بين القتل العمد والقتل الخطأ.
- والقول الثاني في المسألة: إن القتل لا يمنع من الميراث، ولكن يمنع من إرث الدية فقط. وهذا هو مذهب المالكية، وعلَّلوا لذلك بأن إرث الإنسان من مورِّثه قد ثبت بالنصوص من الكتاب والسنة، واستُثني من هذه الأدلة قاتل العمد بالإجماع، ووجب البقاء على عموم هذه النصوص فيما سواه، ويُحمل الحديث: ليس للقاتل من الميراث شيءٌ[4] على حرمان القاتل قَتْلَ عمدٍ من الميراث دون غيره.
والأظهر -والله أعلم- هو القول الأول، وهو منع القاتل من الميراث مطلقًا، سواءٌ أكان القتل عمدًا أو شبه عمد أو خطأ؛ لعموم الأدلة الواردة في ذلك، وأيضًا سَدًّا للذريعة؛ لأن الوارث قد يقتل مورِّثه عمدًا ثم يدِّعي أنه قتله خطأً، وبعض الناس عندهم حِيَلٌ وأساليب، وقد يكون عندهم مكرٌ.
ولذلك؛ ينبغي سَدُّ هذا الباب، فيقال: إن القتل يمنعه من الميراث، سواءٌ كان قتل عمد أو كان شبه عمد أو كان خطأ، ما لم تقم الأدلة والقرائن على أن هذا القاتل خطأً يستحيل أنه يقصد ذلك بهذه البراهين والأدلة، وهنا يمكن أن يُؤخذ بمذهب المالكية فيُقال بتوريثه.
هل المتسبب في القتل الخطأ يرث؟
المقدم: أحسن الله إليكم، هذا يقودني إلى سؤال: وهو ما يتعلق بالتسبُّب في القتل بحوادث السيارات، هل يمنع ذلك من الإرث؟ لو سافر رجل مع والده وتسبب في حادث سير فمات الأب هنا؟
الشيخ: هذه المسألة تُعتبر من النوازل؛ وذلك لأن -في حادث السيارة- احتمالية إصابة قائد السيارة أيضًا قائمة، فالآن الوارث يقود السيارة، والمورِّث راكبٌ معه، ووقع حادثٌ؛ كأن يكون الابن هو القائد للسيارة وبجواره أبوه مثلًا أو أمه، فتسبَّب قائد السيارة -وهو الابن- في حادثٍ فمات أبوه أو أمه، فهل يرث منه أم لا، وهو الآن قد تسبب في قتل خطأ؟
نفترض مثلًا أنه كان مسرعًا أو حصل منه خطأٌ فتسبَّب في حادثٍ فكان سببًا لوفاةِ مَن معه، وكان مَن معه -مثلًا- أبوه أو أمه أو قريبٌ له يرث منه، فهل نُطبِّق على هذا كلام الفقهاء بأن من تسبَّب في قتل غيره ولو قتل خطأً أنه يُحرَم من الميراث كما هو عند الجمهور، أم نقول: إن هذه المسألة تختلف عن المسائل التي ذكرها الفقهاء السابقون ونعتبرها نازلةً باعتبار أن قائد السيارة -أيضًا- يُحتمل أن يُصاب بهذا الحادث ويُحتمل أيضَا وفاته؟
هذه النازلة درستها هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وأصدرت الهيئة قرارًا بأن الابن في مثل هذه الحال يرث من أبيه أو أمه، ما لم تقم تهمةٌ بتعجُّله موت مورِّثه، وتقدير ذلك راجع للقاضي، فإذا لم توجد شُبهةُ قصد القتل فالأصل أنه يرث منه؛ وذلك لأن -أيضًا- هذا الابن الذي يقود السيارة يُحتمل أنه يموت، ويُحتمل أنه يصاب، فالشبهة بعيدة هنا.
فعلى هذا نقول: إن هذا الابن يُورَّث من أمه أو أبيه أو قريبه عمومًا؛ وذلك لأن شُبهة قصده تعجُّل موت قريبه بعيدة، لكن لا بد من أن يُعرَف ذلك بقرائن الأحوال؛ لأنه قد يكون هذا الابن من أَبَرِّ أولاده، وهو الذي يقوم بقضاء حاجة أبيه أو أمه، وهو الذي يُوصله بالسيارة.
فكيف إذا وقع حادث سيارة، وكان سببًا في هذا الحادث أن نحرم هذا الابن البار من الميراث، ونقول: الميراث ينتقل لإخوته، أما هذا الابن الذي يقوم بتوصيل أبيه أو أمه هو الذي نحرمه من الميراث لأنه تسبب في هذا الحادث؟!
هذا بعيدٌ عن أصول وقواعد الشريعة. فإذا لم يكن ثَمَّ شُبهة ولا تهمة؛ فالأصل أن هذا الابن يرث من أبيه أو أمه أو قريبه، لكن لو وُجدت قرائن تدل على أن هذا الابن قصد بهذا الحادث قتل أبيه أو أمه لكي يرث منه؛ فهنا يُحرم من الميراث، وإلا فالأصل أنه يرث.
على هذا نقول: الأصل أن هذا الابن الذي يقود السيارة يرث من قريبه من أب أو أم أو قريب عمومًا، إلا إذا قامت قرائن أو أدلة تدل على أن هذا الابن قصد بهذا الحادث موت قريبه لأجل أن يرثه؛ فهنا يُحرم من الميراث.
هذا هو المانع الأول من موانع الإرث.
المانع الثاني: الرِّقُّ
المانع الثاني: الرِّقُّ: "وهو عجزٌ حكميٌّ يقوم بالإنسان بسبب كفره بالله تعالى"، وهو مانعٌ من الميراث، لا يرث الرقيق ولا يُورَث بالإجماع. والرِّقُّ منقرضٌ الآن في العالم لا يكاد يوجد بل مُجرَّمٌ في جميع دول العالم، وجميع دول العالم تمنع منه رسميًّا، فنحن نذكر ذلك من الناحية النظرية.
المانع الثالث: اختلاف الدين
المانع الثالث من موانع الإرث: اختلاف الدين، والمراد به: أن يكون الوارث على ملة والمورِّث على ملة أخرى؛ وعلى ذلك فالمسلم وغير المسلم لا يتوارثان؛ لقول النبي : لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم. متفق عليه[5].
لكن هل غير المسلمين يتوارثون فيما بينهم إذا كانوا على دين واحد كأن يكونوا مثلًا نصارى؟ نعم، يتوارثون، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: "فأما الكفار فيتوارثون إذا كان دينهم واحدًا، لا نعلم بين أهل العلم فيهم خلافًا".
أما إذا كانوا على أديان مختلفة؛ كأن يكون مثلًا أحدهم نصرانيًّا والآخر بوذيًّا مثلًا، فاختلف العلماء في توارثهم، والقول الراجح: إنهم لا يتوارثون، فلا يرث هذا النصراني البوذي مثلًا؛ لحديث: لا يتوارث أهل ملتين شتى. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد، وجوَّد إسناده بعض المحدثين[6].
وعلى هذا؛ إذا كانوا من ملل شتى فلا يتوارثون؛ هذا هو المانع الثالث من موانع الإرث.
فإذًا؛ الموانع من الإرث: هي رِقٌّ، وقتلٌ، واختلاف دين.
المقدم: هذه الموانع المتفق عليها.
الشيخ: نعم، هذه الموانع المتفق عليها، هناك موانع مختلفٌ فيها، الخلاف فيها ضعيفٌ، مثل اللِّعان مثلًا، فأجمع أهل العلم على أن الزوجين إذا تلاعنا وفرَّق الحاكم بينهما انقطع التوارث، وأن الزوج إذا نفى ولده انتفى التوارث بينهما؛ لانتفاء النَّسب. وعَدَّ بعض الفقهاء اللعان من موانع الإرث، والصواب: أن هذا المانع يدخل في عدم ثبوت الزوجية.
الوارثون من الرجال
المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم، شيخنا. إن أذنتم أن أنتقل إلى محور آخر: وهو ما يتعلق بحصر الورثة على سبيل الإجمال، فلو أردنا أن نعرف من هم الوارثون من الرجال أو من الذكور؟
الشيخ: الورثة المجمع على توريثهم من الذكور بالاختصار عشرة، وبالبسط خمسة عشر، والمراد بهم: الذكور، سواءٌ أكانوا كبارًا أو صغارًا.
وقد كانوا في الجاهلية يُورِّثون الرجال دون النساء، والكبار دون الصغار، ويقولون: لا نُورِّث أموالنا من لا يركب الخيل ولا يضرب بالسيف؛ يريدون بذلك النساء والصبيان، فجاء الإسلام وأنصف هؤلاء المحرومين، وورَّث الصغار والكبار والرجال والنساء، كما قال الله سبحانه: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7].
وهؤلاء الذكور المجمع على توريثهم على سبيل الاختصار عشرة:
- الابن؛ لقول الله : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11].
- ثم ابن الابن وإن نزل بمحض الذكور؛ قياسًا على الابن. وقولنا: "وإن نزل" يشمل ذلك ابن ابن الابن، وابن ابن ابن الابن، وهكذا. وقولنا: "بمحض الذكور" احترازًا عما إذا نزل بمحض الإناث، كما لو كان ابن بنت الابن، فابن بنت الابن ليس من الوارثين.
- وأيضًا من الوارثين: الأب؛ لقول الله : وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إلى قوله: وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ [النساء:11].
- وأيضًا من الوارثين: الجد من جهة الأب وإن علا بمحض الذكور؛ لدخوله في مسمى الأب. وقولنا: "من جهة الأب" خرج به الجد من جهة الأم، كأبي الأم؛ فإنه ليس من الوارثين، وإنما هو من ذوي الأرحام.
- وأيضًا من الوارثين: الأخ مطلقًا من أيِّ جهةٍ كانت؛ أي سواء كان من جهة الأب وهو الأخ لأب، أو من جهة الأم وهو الأخ لأم، أو من الجهتين وهو الأخ الشقيق.
أما الأخ الشقيق والأخ لأب فيرثان؛ لقول الله في آخر سورة النساء: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يعني: الأخ الشقيق أو لأب يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176].
وأما الأخ لأم فيرث؛ لقول الله في سورة "النساء": وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ يعني لأم فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]. وقد أجمع العلماء على أن المراد بالأخ والأخت في هذه الآية: الأخ والأخت لأم، بل قد جاء ذلك في قراءة سعد بن أبي وقاص : {وإن كان رجلٌ يُورث كلالة وله أخٌ أو أختٌ من أمه}. فالمقصود إذًا بقول الله في الآية: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ المقصود لأم وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً [النساء:12]، معنى كلالة: من لا ولد له ولا والدٌ ذكر وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ يعني لأم فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12].
- وأيضًا من الورثة: ابن الأخ، والمقصود به ابن الأخ الشقيق وابن الأخ لأب، ولا يدخل في ذلك ابن الأخ لأم؛ لأنه ليس من الوارثين، وإنما هو من ذوي الأرحام.
- وأيضًا من الورثة: العم، وابن العم، والمراد بهما: العم الشقيق والعم لأب، وابن العم الشقيق وابن العم لأب، ولا يدخل فيهم العم لأم؛ لأنه ليس من الوارثين، وإنما هو من ذوي الأرحام؛ ويدل لذلك قول النبي : أَلحِقُوا الفرائضَ بأهلها، فما بقي فلأَوْلَى رجلٍ ذَكَرٍ[7].
- وأيضًا من الوارثين: الزوج؛ لقول الله : وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12].
- وأيضًا -وهو العاشر- المُعتِق، أي: صاحب العتق، رجلًا كان أو امرأةً؛ فإنه من الوارثين بالولاء.
الناظم يقول في ذِكر هؤلاء الوارثين العشَرة:
والوارثون من الرجال عشَرة | أسماؤهم معروفة مشتهره |
الابن وابن الابن مهما نزلا | والأب والجد له وإن علا |
والأخ من أيِّ الجهات كانا | قد أنزل الله به قرآنا |
وابن الأخ المُدلِي إليه بالأب | فاسمع مقالًا ليس بالمكذب |
والعم وابن العم من أبيه | فاشكر لذي الإيجاز والتنبيه |
والزوج والمعتِق ذو الولاء | فجملة الذكور هؤلاء |
فهم إذًا على سبيل الاختصار عشرة.
على سبيل البسط خمسة عشر، هم: الابن، وابن الابن، والأب، والجد، والأخ الشقيق، والأخ لأب، والأخ لأم، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ لأب، والعم الشقيق، والعم لأب، وابن العم الشقيق، وابن العم لأب، والزوج، والمعتِق.
المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم، ما عدا هؤلاء من الرجال لا يدخلون في الميراث ولا يرثون مطلقًا؟
الشيخ: نعم، ما عدا هؤلاء المذكورين ليسوا من الوارثين، ليس لهم علاقة بالإرث.
الوارثات من النساء
المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم. إذًا إن رأيتم شيخنا كذلك أن نأخذ بإجمالٍ الوارثاتِ مِن النساء؟
الشيخ: الوارثات من النساء المجمع على إرثهن سبعٌ على سبيل الإجمال، وعشرٌ على سبيل البسط.
على سبيل الإجمال:
- البنت، وبنت الابن وإن نزل أبوها بمحض الذكور؛ لقول الله : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11]. قولنا: "وإن نزل أبوها بمحض الذكور" احترازًا من التي نزل أبوها لا بمحض الذكور؛ كبنت ابن بنت الابن؛ فهي ليست من الوارثات، وكذلك بنت بنت الابن فليست من الوارثات، لكن بنت الابن تُعتبر وارثةً، بنت ابن الابن تُعتبر وارثة.
- وكذلك من الوارثات من النساء: الأم؛ لقول الله : وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11].
- وأيضًا: الجدة من جهة الأب ومن جهة الأم، وأمهات الجدة المُدلِيَات بإناثٍ خُلَّص، ويدل لإرث الجدة حديث بُرَيدة : أن النبي جعل للجدة السُّدُسَ إذا لم يكن دونها أم. أخرجه أبو داود في "سننه"[8]. وقولنا: "المُدلِيَات بإناثٍ خُلَّص" خرجت به كل جدة مُدلِيَةٍ بذكرٍ غير وارث، سواء كانت من جهة الأم كأم أبي الأم، أو من جهة الأب كأم أبي أم الأب، فهي ليست وارثةً، وإنما هي من ذوي الأرحام.
- وأيضًا من الوارثات من النساء: الأخت، سواءٌ كانت شقيقة أو لأب أو لأم؛ أما الأخت الشقيقة أو لأب فلقول الله : إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176]، وأما الأخت لأم فلقول الله : وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، فقوله في الآية: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ [النساء:12] المقصود به: الأخ لأم، والأخت لأم.
- وأيضًا من الوارثات من النساء: الزوجة؛ لقول الله : وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12].
- وأيضًا من الوارثات -يعني هي الأخيرة بالنسبة للوارثات المجمع عليهن-: المعتِقة؛ لقول النبي : إنما الولاء لمن أعتق[9]، فهي ترث عتيقها من باب العَصَبَة بالسبب، والمرأة تكون عاصبة بنفسها في هذه الحالة وهي الحالة الوحيدة، وهي أن تكون معتِقة.
وفي هذا يقول الناظم:
والوارثات من النساء سبع | لم يُعطِ أنثى غيرَهن الشرع |
بنت وبنت ابن وأم مشفقة | وزوجة وجدة ومعتِقة |
والأخت من أيِّ الجهات كانت | فهذه عدتهن بانت |
هذا على سبيل الاختصار.
أما على سبيل البسط فالوارثات من النساء عشر: البنت، وبنت الابن، والأم، والجدة من جهة الأب، والجدة من جهة الأم، والأخت الشقيقة، والأخت لأب، والأخت لأم، والزوجة، والمعتِقة.
المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم شيخنا هذا البيان والإيضاح.
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختم هذه الحلقة، فأسأل الله أن يجزي شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان خير الجزاء، فشكر الله لكم شيخنا.
الشيخ: وشكر لكم وللإخوة المستمعين.
المقدم: إلى أن ألتقيكم في حلقة قادمة بإذن الله ، ومع مسائل جديدة متعلقة بعلم الفرائض، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
كان معكم في إدارة هذه الحلقة: فهد بن عبدالعزيز الكثيري، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
^1 | رواه أحمد: 16047، وأبو داود: 2906، والترمذي: 2115، وابن ماجه: 2742. |
---|---|
^2 | رواه أبو داود: 4564، والترمذي: 2109، وابن ماجه: 2735. |
^3, ^4 | سبق تخريجه. |
^5 | رواه البخاري: 6764، ومسلم: 1614. |
^6 | رواه أحمد: 6664، وأبو داود: 2911، والترمذي: 2108، والنسائي: 6350، وابن ماجه: 2731. |
^7 | رواه البخاري: 6737، ومسلم: 1615. |
^8 | رواه أبو داود: 2895. |
^9 | رواه البخاري: 6752، ومسلم: 1504. |