جدول المحتويات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم: (مجالس الفقه).
(مجالس الفقه) برنامجٌ يُذاع عبر أثير "إذاعة القرآن الكريم"، نتدارس فيه المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة مما يحتاج إلى معرفتها كل مسلمٍ.
يصحبنا في هذا البرنامج فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين، فباسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: أحسن الله إليكم.
أصحاب الفروض
شيخنا، كنا في الحلقة الماضية قد شرعنا في الحديث عن أصحاب الفروض، وابتدأ الحديث بذكر أصحاب النصف وشروط استحقاقهم، وتوقفنا عند الحديث عن أصحاب الربع، فمن هم؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقبل أن أتحدث عن أصحاب الربع، أُذكِّر الإخوة المستمعين بما قيل في الحلقات السابقة من أهمية العناية بعلم الفرائض، وأن الله تولى القسمة بنفسه جل وعلا في كتابه الكريم؛ ولذلك ينبغي الاهتمام بهذا العلم، وقد ورد في الحديث أنه نصف العلم، وأنه أول علم يُنسى [1]؛ ولذلك ينبغي الاهتمام به، ومن أراد من الإخوة المستمعين أن يضبط المواريث والقسمة؛ فعليه أن يُعنَى بحفظ شروط كل وارثٍ، وأن يقسم أمثلةً محلولةً ويستوعبها، ثم يُعيد القسمة بدون أن ينظر للحل، ويختبر نفسه ويخصص كل يومٍ وقتًا لهذه القسمة، ولضبط الشروط والتمرس عليها، ومع مرور الوقت؛ يَستوعب علم الفرائض بإذن الله .
ذكرنا في الحلقة السابقة أصحاب الفروض المقدرة في كتاب الله : وهم أصحاب النصف، والربع، والثمن، والثلثين، والثلث، والسدس.
وتكلمنا عن أصحاب النصف، وبعد ذلك ننتقل للكلام عن أصحاب الربع:
أصحاب الربع
وأصحاب الربع: صنفان؛ وهما الزوج والزوجة، الزوج يستحق الربع بشرطٍ وجوديٍّ، والزوجة تستحق الربع بشرطٍ عدميٍّ.
يستحق الزوج الربع بشرطٍ واحدٍ: وهو شرطٌ وجوديٌّ، وهو وجود الفرع الوارث للزوجة، سواءٌ كان منه أو من غيره، ويدل لذلك قول الله : فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ [النساء:12].
فإذنْ الزوج يستحق الربع بشرط وجود الفرع الوارث للزوجة، فلو أخذنا على هذا أمثلةً لِتَحَقُّق الشرط: هالكةٌ عن زوجٍ، وابن، كيف تكون القسمة؟
المقدم: الزوج هنا -أحسن الله إليك- سيأخذ الربع، والابن سيأخذ الباقي.
الشيخ: أحسنت! طيب: زوجٍ، وبنتٍ؟
المقدم: كذلك، الزوج سيأخذ الربع، والبنت لها النصف.
الشيخ: نعم، لو أخذنا مثالًا لعدم تحقق هذا الشرط فقلنا مثلًا: هالكةٌ عن زوجٍ، وأبٍ.
المقدم: الزوج هنا سيأخذ النصف، والأب هنا سيأخذ الباقي.
الشيخ: نعم، هنا الزوج أخذ النصف ولم يأخذ الربع؛ نظرًا لعدم وجود الفرع الوارث للزوجة أخَذَ الزوج النصف.
الصنف الثاني من أصناف الربع: الزوجة، وتستحق الربع بشرطٍ عدميٍّ: وهو عدم الفرع الوارث للزوج، سواءٌ كان منها أو من غيرها، ويدل لذلك قول الله : وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ [النساء:12].
ويدخل في الفرع الوارث: أولاد الابن عند عدم الابن، فإنه يحجب الزوجة من الربع إلى الثمن، فالفرع الوارث: هو الولد، وولد الابن وإن نزل أبوه بمحض الذكور.
والربع فرض الزوجة سواءٌ كانت واحدةً أو أكثر، فلو كان زوجتان للميت أو ثلاث زوجاتٍ أو أربعٌ، فيشتركن جميعًا في الربع إذا لم يوجد للميت فرعٌ وارثٌ، وهكذا أيضًا يشتركن في الثمن إذا وُجد الفرع الوارث للميت.
لو أخذنا مثالًا لتحقق شرط استحقاق الزوجة للربع، وهو عدم الفرع الوارث: هالكٌ عن زوجةٍ، وأبٍ.
المقدم: الزوجة هنا ستأخذ الربع، والأب سيأخذ الباقي.
الشيخ: أحسنت! لو أخذنا مثالًا لعدم تحقُّق الشرط: زوجةٍ، وبنتٍ، وعمٍّ.
المقدم: الزوجة هنا ستأخذ الثمن، والبنت ستأخذ النصف، والعمُّ الباقيَ.
الشيخ: أحسنت! هنا الزوجة أخذت الثمن، ولم تأخذ الربع؛ نظرًا لوجود الفرع الوارث للميت، وهو البنت في هذا المثال.
أصحاب الثمن
ننتقل بعد ذلك لأصحاب الثمن، وأصحاب الثمن: صنفٌ واحدٌ فقط.
المقدم: لكن -أحسن الله إليكم- فيما يتعلق بالزوجة قلتم: إذا تعددن؛ فإنهن يشتركن في ربعٍ واحدٍ، يعني ليس لكل واحدةٍ منهن ربعٌ مستقلٌّ؟
الشيخ: نعم، يشتركن في ربعٍ واحدٍ، وإذا وُجد فرعٌ وارثٌ للميت؛ يشتركن في الثمن؛ فمثلًا: لو كن ثلاث زوجاتٍ؛ فلكل زوجةٍ ثلث الثمن مثلًا.
المقدم: أحسن الله إليك.
الشيخ: ننتقل بعد ذلك لأصحاب الثمن، وأصحاب الثمن: صنفٌ واحدٌ فقط، وهو الزوجة، واحدةً فأكثر، وتستحقه بشرطٍ واحدٍ وهو شرطٌ وجوديٌّ: وهو وجود الفرع الوارث للزوج، سواءٌ كان منها أو من غيرها، ويدل ذلك قول الله : فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12]، فالفرع الوارث للزوج -منها أو من غيرها- يحجب الزوجة من الربع إلى الثمن، فلو أخذنا مثالًا لتحقق الشرط: هالكٌ عن زوجةٍ وابنٍ.
المقدم: الزوجة هنا -أحسن الله إليك- ستأخذ الثمن، والابن سيأخذ الباقي.
الشيخ: نعم، هنا الزوجة تأخذ الثمن؛ وذلك لتحقق الشرط: وهو وجود الفرع الوارث للزوجة وهو الابن، وتأخذ الزوجة الثمن، والابن يأخذ الباقي.
طيب، لو قلنا: زوجةٍ، وبنتٍ، وعمٍّ.
المقدم: أيضًا هنا الزوجة ستأخذ الثمن، والبنت النصف، والعم الباقي.
الشيخ: أحسنت! هنا الزوجة أخذت الثمن؛ لوجود الفرع الوارث للميت: وهو البنت.
طيب، لو أخذنا مثالًا لتخلف الشرط: هالكٌ عن زوجةٍ، وعمٍّ.
المقدم: الزوجة هنا ستأخذ الربع، والعم سيأخذ الباقي.
الشيخ: أحسنت! هنا الزوجة أخذت الربع، ولم تأخذ الثمن؛ نظرًا لعدم وجود الفرع الوارث للزوج، فتأخذ الزوجة الربع.
فإذنْ تأخذ الزوجة الربع عند عدم وجود الفرع الوارث للزوج، وتأخذ الثمن عند وجود الفرع الوارث للزوج.
ننتقل بعد ذلك لأصحاب الثلثين:
أصحاب الثلثين
وأصحاب الثلثين: هم أنفسهم أصحاب النصف -الذين سبق الكلام عنهم في الحلقة السابقة- هم أنفسهم أصحاب النصف، ما عدا الزوج، والشروط التي ذُكرت هناك تُذكر هنا مع استبدال الشرط الثاني في أصحاب النصف: وهو عدم المشارك، فيُجعل بدلًا منه: وجود المشارك، وبهذه الطريقة يسهل ضبط أصحاب الثلثين.
فإذنْ أصحاب الثلثين أربعةٌ:
الصنف الأول: البنات
الصنف الأول من أصحاب الثلثين: البنات، ويأخذن الثلثين بشرطين:
- عدم المُعصِّب، وهو أخوهن، واحدًا فأكثر.
- ووجود المُشارِك، أي أن يكنَّ ثنتين فأكثر؛ لقول الله : فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11]، وهذا محل إجماعٍ، فلو أخذنا أمثلةً لأخْذِ البنتين الثلثين؛ لتحقُّق الشرطين: هالكٌ عن بنتين، وعمٍّ.
المقدم: البنتان هنا ستأخذان الثلثين، والعم سيأخذ الباقي.
الشيخ: أحسنت! هنا البنتان أخذن الثلثين؛ لتحقُّق الشرطين: وهما الشرط الأول: عدم المُعصِّب، وهنا لا يوجد لهن مُعصِّب، ووجود المشارك، وقد وُجد، فهن بنتان فتأخذان الثلثين.
طيب، لو أخذنا مثالًا لتخلف الشرط؛ مثلًا: هالكٌ عن بنتٍ، وزوجةٍ، وعمٍّ.
المقدم: البنت هنا ستأخذ النصف، والزوجة ستأخذ الثمن، والعم سيأخذ الباقي.
الشيخ: أحسنت! هنا البنت أخذت النصف؛ لعدم تحقق الشرط الثاني: وهو وجود المشارك، لم يوجد لها مشارِكةٌ، لو كانتا بنتين؛ لأخذتا الثلثين.
وهكذا أيضًا إذا تخلف الشرط الأول: وهو عدم وجود المُعصِّب، فلو وُجد معصبٌ، كما في: هالك عن أبٍ، وبنتين، وابنٍ؟
المقدم: الأب هنا سيأخذ السدس، والبنتان مع الابن سيأخذون الباقي.
الشيخ: الباقي، أحسنت! هنا البنتان لم تأخذا الثلثين؛ نظرًا لوجود المُعصِّب، وهو أخوهن، وعدم تحقق الشرط الأول: وهو عدم المعصب.
الصنف الثاني: بنات الابن وإن نزلن
ننتقل بعد ذلك إلى الصنف الثاني من أصناف الثلثين: وهن بنات الابن وإن نزل أبوهن بمحض الذكور، فيأخذن الثلثين بثلاثة شروطٍ:
- الشرط الأول: عدم المُعصِّب لهن: وهو أخوهن، أو ابن عمهن الذي في درجتهن.
- والشرط الثاني: وجود المشارك؛ أي: أن تكونا ثنتين فأكثر.
- والشرط الثالث: عدم الفرع الوارث الأعلى منهن؛ أي أن بنات الابن يأخذن الثلثين عند عدم وجود الابن الأعلى، ويدل لذلك: الإجماع، كما ذكر الإجماع الموفق بن قدامة وغيره من أهل العلم.
لو أخذنا مثالًا لإرث بنات الابن الثلثين لتحقُّق الشروط: هالكٌ عن بنتي ابنٍ، وأبٍ؟
المقدم: بنتا الابن هنا ستأخذان الثلثين، والأب سيأخذ السدس زيادة على الباقي.
الشيخ: نعم أحسنت! هنا أخذ بنتا الابن الثلثين؛ لتحقُّق الشروط الثلاثة: وهي عدم المُعصِّب، ولم يوجد هنا مُعصِّبٌ، ووجود المشارك، وهنا ثنتان، فوُجد المشارك، وعدم الفرع الوارث الأعلى، ولم يوجد الفرع الوارث الأعلى، فتأخذ بنتا الابن الثلثين.
لو أخذنا مثالًا آخر لتخلف أحد الشروط؛ مثلًا: أبٍ، وبنت ابنٍ، وابن ابنٍ.
المقدم: الأب هنا سيأخذ السدس، وبنت الابن وابن الابن ستأخذان الباقي.
الشيخ: نعم، أو نقول: بنتا ابنٍ. هنا تخلف الشرط الأول: وهو عدم المُعصِّب، فوُجد المُعصِّب، فلم تأخذ بنتا الابن الثلثين، وإنما اشتركتا مع أخيهما في أخذ الباقي.
الصنف الثالث: الأخوات الشقيقات
الصنف الثالث من أصناف الثلثين: الأخوات الشقيقات، ويرثن الثلثين بأربعة شروطٍ:
- الشرط الأول: عدم الفرع الوارث للميت.
- الشرط الثاني: عدم المُعصِّب، وهو الأخ الشقيق فأكثر.
- الشرط الثالث: وجود المشارك؛ بمعنى أن يكن ثنتين فأكثر.
- والشرط الرابع: عدم الأصل الوارث من الذكور، وهو الأب بالإجماع، والجد على القول الراجح.
ويدل لذلك قول الله : يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ [النساء:176]، آخر آيةٍ من سورة النساء.
طيب، لو أخذنا بعض الأمثلة لتحقق هذه الشروط الأربعة بالنسبة للأختين أو الأخوات الشقائق: هالكٌ عن أختين شقيقتين، وأبٍ؟
المقدم: الأختان الشقيقتان هنا ستأخذان الثلثين، والأب هنا سيأخذ الباقي.
الشيخ: أحسنت! طيب، لو أخذنا بعض الأمثلة لتخلف بعض الشروط؛ مثلًا: هالكٌ عن زوجةٍ، وأخٍ لأمٍّ، وأختين شقيقتين، وأخٍ شقيقٍ.
المقدم: هنا الزوجة ستأخذ الربع، والأخ لأمٍ سيأخذ السدس، والأختان الشقيقتان مع الأخ الشقيق سيأخذون الباقي.
الشيخ: نعم، هنا الأختان الشقيقتان لم تأخذا الثلثين؛ نظرًا لعدم تحقق الشرط الثاني: وهو عدم المُعصِّب، وهنا المُعصِّب قد وُجد، وهو الأخ الشقيق؛ فانتقلتا من إرث الثلثين إلى الإرث بالتعصيب، فتأخذ الأختان الشقيقتان مع الأخ الشقيق الباقيَ.
الصنف الرابع: الأخوات لأب
ننتقل بعد ذلك إلى الصنف الرابع من أصحاب الثلثين: الأخوات لأبٍ، ويأخذن الثلثين بخمسة شروطٍ، وهي الشروط الأربعة التي سبقت في الأخت الشقيقة، وهي:
- عدم الفرع الوارث.
- عدم المُعصِّب.
- عدم المشارك.
- عدم الأصل من الذكور.
- ويُضاف شرطٌ خامسٌ: وهو عدم الأخ الشقيق أو الأخت الشقيقة.
فلو أخذنا مثالًا لتحقق الشروط الخمسة: هالكٌ عن أختين لأبٍ، وعمٍّ.
المقدم: الأختان لأبٍ هنا ستأخذان الثلثين، والعم سيأخذ الباقي.
الشيخ: هنا تحققت الشروط الخمسة، فأخذت الأختان لأبٍ الثلثين؛ لتحقق هذه الشروط الخمسة.
لو أخذنا مثالًا لتخلُّف أحد الشروط؛ مثلًا لو قلنا: زوجةٍ، وأختين لأبٍ، وأخٍ لأبٍ.
المقدم: هنا الزوجة -أحسن الله إليك- ستأخذ الربع، والأختان لأبٍ والأخ لأبٍ سيأخذون الباقي تعصيبًا.
الشيخ: نعم أحسنت! هنا الأختان لأبٍ لم تأخذا الثلثين؛ نظرًا لعدم تحقق الشرط الثاني: وهو عدم المُعصِّب، وهنا المُعصِّب قد وُجد، وهو الأخ لأبٍ، فانتقلتا من إرث الثلثين إلى الإرث بالتعصيب.
المقدم: أحسن الله إليكم.
أصحاب الثلث
شيخنا، هذا فيما يتعلق بأصحاب الثلثين، لو انتقلنا بعد ذلك إلى أصحاب الثلث، من هم؟
الشيخ: أصحاب الثلث: صنفان فقط، وهما: الأم، والإخوة لأمٍّ.
الصنف الأول: الإخوة لأم
لو بدأنا بالإخوة لأمٍّ أولًا؛ فقد ورد ذكرهم في قول الله : وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، قول الله : وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً، ما معنى: كَلَالَةً؟ معنى كَلَالَةً: من لا ولد له ولا والد ذكرٌ؛ معنى كَلَالَةً: من لا ولد له، يعني من ذكورٍ أو إناثٍ، ولا والد ذكرٌ، لاحِظ تقييد الوالد بالذكر، وقال : وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ، المراد بالأخ والأخت في هذه الآية: الأخ لأمٍّ والأخت لأمٍّ، وهذا بالإجماع، بل إنه جاء في قراءة سعد بن أبي وقاصٍ : (وإن كان رجلٌ يُورث كلالةً وله أخٌ أو أختٌ من أمه)، وهذه القراءة من القراءات الشاذة، لكنها تُذكَر هنا من باب الاستئناس فقط، الإخوة لأمٍّ يستحقون الثلث بثلاثة شروطٍ:
- الشرط الأول: أن يكونوا جمعًا، وإذا قلنا: "جمعًا"، في الفرائض؛ فالمراد: اثنان فأكثر، سواءٌ كانا ذكرين، أو أنثيين، أو ذكرًا وأنثى، فيشتركون في الثلث.
- الشرط الثاني: عدم الأصل الوارث من الذكور، لاحِظ كلمة "من الذكور"، ولا يشمل الإناث، فإذا وُجد الأب أو الجد في أي مسألةٍ؛ فإن الإخوة لأمٍ لا يرثون معه شيئًا.
وقولنا في هذا الشرط: "من الذكور"، احترازٌ من الأصل الوارث من الإناث؛ فمثلًا: لو وُجد في المسألة إخوةٌ لأمٍّ، وأمٌّ؛ فإن الإخوة لأمٍّ يرثون. - الشرط الثالث: عدم الفرع الوارث مطلقًا من الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا، فإن وُجد للميت فرعٌ وارثٌ ولو أنثى؛ سقط الإخوة لأمٍّ ولم يرثوا شيئًا، ويدل لذلك قول الله : وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، والمراد بالأخ والأخت هنا في الآية: الأخ لأمٍّ، والأخت لأمٍّ.
فلو أخذنا مثالًا لتحقُّق هذه الشروط: هالكٌ عن أخوين لأمٍّ، وأخٍ شقيقٍ.
المقدم: الأخوان لأمٍّ هنا سيأخذان الثلث، والأخ الشقيق سيأخذ الباقي.
الشيخ: أحسنت! هنا تحققت الشروط الثلاثة، فقد كانوا جمعًا: أخوين لأمٍّ -والجمع قلنا: اثنان فأكثر- ولم يوجد أصلٌ وارثٌ ذكرٌ، لم يوجد فرعٌ وارثٌ للميت؛ فهنا الأخوان لأمٍّ يأخذان الثلثين.
طيب، لو أخذنا مثالًا لتخلُّف أحد الشروط: هالكٌ عن بنتٍ، وثلاثة إخوةٍ لأمٍّ، وعمٍّ.
المقدم: البنت هنا ستأخذ النصف، والثلاثة من الإخوة لأمٍّ لن يأخذوا شيئًا.
الشيخ: لماذا؟
المقدم: محجوبون بوجود البنت.
الشيخ: أحسنت! والباقي للعم، ومن الأخطاء الشائعة عند بعض من يُقسِّم المواريث: يورِّث الإخوة لأمٍّ مع وجود البنت؛ يظن أن الذي يحجب: هو الابن الذكر، وهذا غير صحيحٍ، إذا وُجد للميت فرعٌ وارثٌ؛ من ذكرٍ أو أنثى؛ فلا يأخذ الإخوة لأمٍّ شيئًا؛ لأن المسألة لا تُصبح كلالةً، ولذلك حتى لو قلنا: بنت ابنٍ، وثلاث إخوةٍ لأمٍّ، وعمٍّ؛ كذلك، حتى بنت الابن تحجب الإخوة لأمٍّ.
المقدم: وهل هذا مما اختص به الإخوة لأمٍّ؛ أنهم يَسقطون بإناث الفرع الوارث؟
الشيخ: نعم، هذا مما اختص به الإخوة لأمٍّ، وهذا يقودنا لخصائص الإخوة لأمٍ، ما يختصون به من أحكامٍ: هذا أحدها.
أيضًا مما يختص به الإخوة لأمٍّ: أن الأنثى تستوي مع الذكر في الميراث، فلا يُفضَّل الذكر على الأنثى اجتماعًا ولا انفرادًا، بينما في بقية مسائل الفرائض لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11]، ويدل لذلك قول الله في الآية السابقة: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، فقوله: شُرَكَاءُ هذا يقتضي المساواة؛ مثلًا لو قلت: أنت وفلانٌ شريكان؛ معنى ذلك: لكل منكما النصف، فالشركة تقتضي المساواة، وأخذ العلماء من هذا: أن الأخت لأمٍّ تأخذ مثلما يأخذ الأخ لأمٍّ تمامًا، وليس لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11].
أيضًا مما يختص به الإخوة لأمٍّ من أحكام: أن ذَكَرَهم لا يُعصِّب أنثاهم، بخلاف غيرهم، فإن الذكر يُعصِّب الأنثى التي هي أخته.
أيضًا من الخصائص: أن ذَكَرَهم يُدْلِي للميت بأنثى ويرث، بخلاف غيرهم، فإنه إذا أدلى للميت بأنثى؛ فإنه لا يرث.
أيضًا من الخصائص: أنهم يَحجبون من أدلوا به نقصانًا، فالأم التي أدلوا بها تُحجب بسببهم حجب نقصانٍ؛ من الثلث إلى السدس، بخلاف غيرهم، فإن المُدلَى به منهم يَحجب المُدْلِي.
أيضًا من الخصائص: أنهم يرثون مع من أدلوا به، فإنهم يرثون مع الأم التي أدلوا بها، مع أن القاعدة في الفرائض: أن كل من أدلى بواسطةٍ؛ حجبته تلك الواسطة، لكن يُستثنى من ذلك: ولد الأم، فإنه يرث مع الواسطة التي أدلى بها.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.
شيخنا، هذا ما يتعلق بالإخوة لأمٍّ.
الصنف الثاني: الأم
الشيخ: بقي الصنف الثاني، وهو الأم.
الصنف الثاني: الأم، وتستحق الثلث بثلاثة شروطٍ:
- الشرط الأول: عدم الفرع الوارث، وهو الولد، أو ولد الابن، ويدل لذلك قول الله : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ[النساء:11].
- والشرط الثاني: عدم الجمع من الإخوة، وهو اثنان فأكثر من الذكور أو الإناث، ولا فرق بين كون الإخوة أشقاء أو لأبٍ أو لأمٍّ، فإذا وُجد جمعٌ من الإخوة؛ فإن الأم لا تستحق الثلث، لكن ليس معنى ذلك أنها لا ترث، وإنما تنتقل من الثلث إلى السدس؛ لقول الله : فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11].
هناك بعض الورثة الذين لا يمكن أن يَسقطوا، لا يمكن أن يُحجبوا حجب حرمانٍ، وهم: الأم، والأب، والزوج، والزوجة، والابن، والبنت، فهؤلاء الستة لا يمكن سقوطهم، الأم مثلًا تُحجب من الثلث إلى السدس، صحيحٌ، لكن لا يمكن أن تسقط ولا ترث شيئًا.
المقدم: إذنْ هم: الأبوان، والوِلدان، والزوجان.
الشيخ: نعم، الزوجان، والوِلدان، والوالدان.
إذنْ الأم تستحق الثلث بهذه الشروط الثلاثة:
- الشرط الأول: عدم الفرع الوارث.
- الشرط الثاني: عدم الجمع من الإخوة.
- والشرط الثالث: ألا تكون المسألة إحدى العُمَرِيَّتَين.والمقصود بـ"العمريتين": (زوج، وأم، وأب)، و(زوجة، وأم، وأب)، سُمِّيت بذلك؛ نسبة إلى عمر بن الخطاب ؛ لأنه أول من قضى فيهما، وفي هاتين المسألتين: زوج، وأم، وأب؛ الأم هنا لا تأخذ الثلث كاملًا، وإنما تأخذ ثلث الباقي على القول الراجح، وهو الذي عليه أكثر الصحابة ، فزوج، وأم، وأب؛ كم يأخذ الزوج؟
المقدم: الزوج هنا -أحسن الله إليك- سيأخذ النصف.
الشيخ: نعم، وعندنا أمٌّ وأبٌ، لو أعطينا الأم الثلث كاملًا؛ لم يتبق في التركة سوى السدس؛ ويترتب على ذلك: أن الأم تأخذ ضعف الأب، وهذا يُشكل على قواعد الميراث؛ لأن من القواعد المقررة في الميراث: أن الأنثى لا يمكن أن تأخذ أكثر من الذكر إذا أَدْلَيَا للميت بمنزلةٍ واحدةٍ، قد تتساوى معه كما في الإخوة لأمٍّ، لكن لا يمكن أن تأخذ أكثر منه، فأول ما وقعت هذه المسألة: في زمن عمر ، أعطى الزوج النصف، وأعطى الأم ثلث الباقي، والأب الباقي، معنى "ثلث الباقي" يعني: ثلث النصف؛ لأن الزوج سيأخذ النصف، فثلث النصف السدس؛ معنى ذلك: أن الزوج سيأخذ النصف، والأم ستأخذ ثلث الباقي، وهو السدس، والأب سيأخذ الباقي.
والمسألة العمرية الثانية: زوجة، وأم، وأب، فالزوجة كم تأخذ؟ الزوجة هنا ستأخذ الربع، إذا أخذت الزوجة الربع، فلو أعطينا الأم الثلث كاملًا؛ فمعنى ذلك: أن الأب لن يأخذ ضعف ما تأخذه الأم، إذا أعطينا مثلًا الزوجة الربع كاملًا؛ فالباقي ثلاثة أرباعٍ، ثلث ثلاثة الأرباع: الربع؛ فمعنى ذلك: أن الأم ستأخذ ثلث الباقي، وهو الربع، والأب سيأخذ الباقي، وهو النصف، فتكون قسمة المسألة: للزوجة الربع، وللأم أيضًا الربع -الذي هو ثلث الباقي- وللأب الباقي.
فتكون قسمة المسألتين العمريتين:
- زوج، وأم، وأب؛ الزوج: النصف، والأم: السدس، والأب: الباقي.
- والمسألة العمرية الثانية: زوجة، وأم، وأب؛ الزوجة: الربع، والأم ستأخذ: ثلث الباقي، وهو الربع هنا، والباقي للأب.
بعض أهل العلم قال: الأَولى أن يقال في نصيب الأم: ثلث الباقي، ولا يقال: في المسألة الأولى: السدس، وفي المسألة الثانية: الربع؛ تأدُّبًا مع القرآن، وهذه الكلمة اشتَهرت في كثيرٍ من كتب الفرائض، لكن عند التحقيق: هذا محل نظرٍ؛ لأن الله قال في ميراث الأم: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11]، والآية إنما تنطبق على مسألةٍ معينةٍ، وهي: رجلٌ مات، وليس له ولدٌ، وليس له وارثٌ سوى أبويه؛ فالأم تأخذ الثلث كاملًا، ولا يدخل في ذلك المسألتان العمريتان؛ لأن الله تعالى قال: وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ، وهذه جملةٌ حاليةٌ تُفيد الحصر؛ أي والحال: أن الإرث منحصرٌ في أبويه؛ فلأمه الثلث، وفي المسألتين العمريتين ليس الميراث منحصرًا في الأبوين، بل دخل معهم الزوج أو الزوجة؛ فلا تدخل في الآية.
وبكُلِّ حالٍ: لا مشاحة في الاصطلاح، سواءٌ قلنا: ثلث الباقي، أو أننا قلنا: إن الأم تأخذ السدس في المسألة الأولى، والربع في المسألة الثانية.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم شيخنا.
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام هذه الحلقة، فأسأل الله أن يجزي شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان خير الجزاء، شكر الله لكم شيخنا.
الشيخ: وشكر لكم وللإخوة المستمعين.
المقدم: إلى أن نلتقيكم في حلقةٍ قادمةٍ -بإذن الله - أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
^1 | رواه ابن ماجه: 2719، والطبراني في المعجم الأوسط: 5293، والدارقطني: 4059، والحاكم: 8186. |
---|