logo
الرئيسية/برامج إذاعية/مجالس الفقه/(69) برنامج مجالس الفقه- أحكام الفرائض: أصحاب الثلث والسدس

(69) برنامج مجالس الفقه- أحكام الفرائض: أصحاب الثلث والسدس

مشاهدة من الموقع

المقدم: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم (مجالس الفقه).

(مجالس الفقه) برنامجٌ يُذاع عبر أثير (إذاعة القرآن الكريم)، نتدارس فيه المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة مما يحتاج إلى معرفتها كل مسلم. يصحبنا في هذا البرنامج فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين، فباسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبا بكم.

الشيخ: أهلًا وسهلًا، حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.

تتمة أحكام أصحاب الفروض

المقدم: أحسن الله إليكم، شيخنا. لا نزال في هذه الحلقات التي سبقت وهذه الحلقة وما يتبعها إن شاء الله في مدارسة علم الفرائض، وكنا قد شرعنا في ذكر أصحاب الفروض، وبدأ الحديث في أصحاب الثلث، وتكلمنا عن الإخوة لأم وما يتعلق بهم من أحكام، ثم شرعنا في الصنف الثاني من أصحاب الثلث وهي الأم، وذكرنا طرفًا من مسائلها، فلو رأيتم أن نُعيد الكلام فيما يتعلق بالأم ونشرع بالحديث.

أصحاب الثلث

الشيخ: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

 أما بعد: فأصحاب الثلث صنفان:

  1.  أولاد الأم، وسبق الحديث عن ميراثهم في الحلقة السابقة.
  2.  والصنف الثاني: الأم، وتستحق الثلث بثلاثة شروط:

الشرط الأول: عدم الفرع الوارث للميت: وهو الولد وولد الابن، ويدل لهذا الشرط قولُ الله ​​​​​​​فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11].

والشرط الثاني: عدم الجمع من الإخوة، والجمع من الإخوة في باب الفرائض اثنان فأكثر، وسواءٌ أكانوا من الذكور أو من الإناث أو من الذكور والإناث، ولا فرق بين كون الإخوة أشقاء أو لأب أو لأم، فإذا وُجد جمعٌ من الإخوة فإن الأم لا تستحق الثلث، وإنما تنتقل إلى السدس؛ لقول الله ​​​​​​​: فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11].

فلو أن هالكًا عن أم وأخ شقيق، كيف تُقسم؟

المقدم: الأم هنا ستأخذ الثلث، والأخ الشقيق الباقي.

الشيخ: طيب، لو قلنا: أم وأخوان شقيقان.

المقدم: الأم هنا لن تأخذ الثلث، ستنتقل إلى السدس.

الشيخ:  أحسنت. والباقي للأخوين الشقيقين.

لو قلنا: أخوان لأم، أم وأخوان لأم.

المقدم: الأم هنا ستأخذ السدس، والأخوان لأم كذلك.

الشيخ: وهكذا لو قلنا أخوان لأب. إذًا هذا هو الشرط الثاني: عدم الجمع من الإخوة.

هل المحجوبون يؤثرون في نصيب الأم؟

المقدم: أحسن الله إليكم. فيما يتعلق بهذا الشرط قد يرد سؤالٌ: المحجوبون بشخصٍ هل يُؤثِّرون في حجب الأم بحيث ينقلونها من الثلث إلى السدس؟

الشيخ: نعم، هذا سؤال جيد، المحجوبون بشخص هل يُؤثِّرون في حجب الأم من الثلث إلى السدس؟

أولًا: نوضح المسألة بمثال: هالك عن أب، وأم، وثلاثة إخوة، ففي هذا المثال الإخوة محجوبون بالأب، فلا يرثون شيئًا في هذا المثال بالإجماع، فالوارث للميت إنما هما الأب والأم فقط، ولا يرث الإخوة شيئًا.

لكن، هل وجود الإخوة هنا في هذا المثال يُؤثر في حجب الأم من الثلث إلى السدس مع كونهم غير وارثين، أو أن وجودهم كعدمهم باعتبار أنهم غير وارثين؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

  •  القول الأول: إن الإخوة المحجوبين بشخص يُؤثِّرون فيحجبُون الأم من الثلث إلى السدس، ففي المثال السابق تأخذ الأم السدس، والباقي للأب، مع أن الإخوة لا يرثون شيئًا لكنهم يُؤثِّرون في حجب الأم من الثلث إلى السدس. وهذا القول هو قول جماهير الفقهاء، وهو الذي عليه المذاهب الأربعة: مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
  •  والقول الثاني: إن الإخوة المحجوبين بشخص لا يُؤثِّرون، فلا يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، ففي المثال السابق تأخذ الأم الثلث كاملًا، والباقي للأب، والإخوة وجودهم كعدمهم. وهذا قولٌ عند الحنابلة، واختاره الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

واستدل الجمهور لقولهم -بأن الإخوة المحجوبين يُؤثِّرون في حجب الأم من الثلث إلى السدس- بعموم الأدلة، ومنها قول الله ​​​​​​​: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، قالوا: ولم يُفصِّل الله تعالى، لم يقل: {إخوة وارثون}، إنما قال: إِخْوَةٌ وأطلق؛ فيشمل الإخوة الوارثين ويشمل الإخوة المحجوبين، فالجمهور أخذوا بظاهر النص.

وأما أصحاب القول الثاني فقالوا: إن هؤلاء الإخوة ما دام أنهم محجوبون فوجودهم كعدمهم، فلا يُؤثِّرون في حجب الأم من الثلث إلى السدس. قالوا: والمقصود بالإخوة في الآية: الإخوة الوارثون فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11] يعني: وارثون. وأما الإخوة غير الوارثين فهؤلاء ليس لهم أثرٌ في الميراث، ووجودهم كعدمهم.

والراجح -والله أعلم- هو القول الأول وهو قول الجمهور، وأن الإخوة المحجوبين يُؤثِّرون في حجب الأم من الثلث إلى السدس؛ وذلك لأن الآية عامة في الإخوة الوارثين والمحجوبين، وليس هناك دليلٌ يدل على تخصيصها بالإخوة الوارثين.

وأما ما ذكره أصحاب القول الثاني فقياسٌ في مقابلة النص فلا يُلتفت إليه، بل إن القول الثاني إنما اشتُهر لاختيار ابن تيمية رحمه الله له، وأحيانًا القول الضعيف إذا اختاره إمامٌ محقِّقٌ يتقوَّى ويشتهر ويكون له أثر. لكن، من حيث النظر للدليل: الذي يظهر -والله أعلم- أن قول الجماهير وهو الذي عليه المذاهب الأربعة أنه هو الأقرب، وأن الإخوة يُؤثِّرون في حجب الأم من الثلث إلى السدس، سواءٌ كانوا وارثين أو غير وارثين.

المقدم: أحسن الله إليكم. أيضًا مما يتصل بهذا الشرط: لو كان عندنا أخٌ شقيقٌ وأخٌ لأم، وكانوا مع الأم، ففي مثل هذه الحال يُعتبرون جمعًا؟

الشيخ: نعم، يُعتبرون جمعًا.

الإخوة من أيِّ جهة كانت، سواءٌ كانوا أشقاء أو لأب أو لأم، ذكورًا أو إناثًا، سواءٌ كانوا من جهة واحدة يعني كلهم أشقاء أو كلهم لأب أو كلهم لأم، أو أنهم خليطٌ ما بين أشقاء أو لأب أو لأم، فمتى ما وُجد الجمع من الإخوة فإنه يحجب الأم من الثلث إلى السدس.

المقدم: هذه هي الشروط أو بقي شيءٌ؟

الشيخ: بقي الشرط الثالث من شروط استحقاق الأم للثلث: وهو ألا تكون المسألة إحدى المسألتين العُمريتين: وهما (زوج وأم وأب)، (وزوجة وأم وأب). وسُمِّيَتا بذلك نسبة إلى عمر بن الخطاب ؛ لأنه أول من قضى فيهما، فالمسألة العُمرية الأولى: (زوج وأم وأب)، فالزوج بالاتفاق يأخذ النصف وهو لعدم الفرع الوارث، وبقي الأم والأب، فلو أعطينا الأم الثلث كاملًا يبقى في التركة سدسٌ فقط، ويترتب على هذا أن الأم تأخذ ضعف الأب، وهذا مشكلٌ على قواعد الميراث؛ لأن من القواعد المقررة في الميراث: "أن الأنثى لا تأخذ أكثر من الذكر إذا أدليا للميت بمنزلة واحدة"، نعم قد تتساوى معه كما في الإخوة لأم، لكن لا تأخذ أكثر منه إذا أدليا للميت بمنزلة واحدة.

وأول وقوعٍ لهذه المسألة كان في زمن عمر بن الخطاب ، فأعطى الزوج النصف، وأعطى الأم ثلث الباقي، وأعطى الأب الباقي. ومعنى ثلث الباقي: يعني الباقي بعدما يأخذ الزوج النصف، فثلث النصف السدس، ومعنى هذا: أن الأم تأخذ السدس، ويُعبَّر عنه بثلث الباقي، يعني الزوج له النصف، والأم لها السدس الذي هو ثلث الباقي، والأب له الباقي.

والمسألة العُمرية الثانية: (زوجة وأم وأب)، وقد قسمها عمر  بأن جعل للأم ثلث الباقي كذلك، وللأب الباقي، فإذا أعطينا الزوجة الربع كاملًا، فمعنى ذلك أن المتبقي ثلاثة أربع، وثلث الثلاثة أرباع كم؟ الربع، ومعنى ذلك: أن الأم تأخذ -المسألة العمرية الثانية- الربع، والأب يأخذ الباقي وهو النصف، فتكون قسمة المسألة العمرية الثانية: للزوجة الربع، وللأم الربع الذي هو ثلث الباقي، وللأب الباقي وهو النصف.

بعض أهل العلم قال: الأولى أن يقال في نصيب الأم في المسألتين ثلث الباقي، ولا يقال في المسألة الأولى السدس وفي المسألة الثانية الربع؛ تأدُّبًا مع القرآن الكريم. وهذه الكلمة اشتهرت في كثير من كتب الفرائض، ولكن عند التحقيق هذا محل نظر؛ لأن الله ​​​​​​​  قال في ميراث الأم: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11]، فالآية إنما تنطبق على مسألة معينة، وهي رجل مات وليس له ولد وليس له وارث سوى أبويه، فالأم تأخذ الثلث كاملًا، ولا يدخل في ذلك المسألتان العمريتان؛ لأن الله تعالى قال: وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ، وهذه جملةٌ حاليَّةٌ تُفيد الحصر، أي: والحال أن الإرث منحصرٌ في أبويه: فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، بينما في المسألتين العمريتين ليس الميراث منحصرًا في الأبوين، بل دخل معهم الزوج أو الزوجة فلا تدخل في الآية، والأمر في هذا قريبٌ ولا مشاحة في الاصطلاح.

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم. أصحاب الثلث هم صنفان فقط: الأم والإخوة لأم، أليس كذلك؟

الشيخ: بلى.

أصحاب السدس

المقدم: وبهذا نكون انتهينا من أصحاب الثلث، وبقي لنا في الفروض فرضٌ واحدٌ وهو السدس، فلو حدثتمونا عن أصحابه وشروط استحقاقهم.

الشيخ: نعم، أصحاب السدس سبعة أصناف:

الصنف الأول: الأم

الصنف الأول: الأم، وتستحق السدس بأحد شرطين وجوديين:

الشرط الأول: وجود الفرع الوارث. لاحِظ أننا قبل قليل قلنا في استحقاق الأم للثلث: عدم الفرع الوارث، هنا العكس: وجود الفرع الوارث، تستحق الأم السدس بشرطين:

  • الشرط الأول: وجود الفرع الوارث للميت، وهو: الابن، أو البنت، أو ابن الابن، أو بنت الابن وإن نزل أبوها بمحض الذكور.
  •  والشرط الثاني: وجود الجمع من الإخوة أو الأخوات أو منهما، ولا فرق بين كونهم أشقاء أو لأب أو لأم، ويدل لذلك قول الله ​​​​​​​: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]، وقوله: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11].

 لو أخذنا بعض الأمثلة لاستحقاق الأم للسدس: هالك عن أم وبنت وأخ شقيق.

المقدم: الأم هنا ستأخذ السدس؛ لوجود الفرع الوارث، والبنت هنا ستأخذ النصف، والأخ الشقيق سيأخذ الباقي.

الشيخ: نعم، أحسنت. طيب، هالك عن: أم، وثلاثة إخوة أشقاء.

المقدم: الأم هنا ستأخذ السدس؛ لوجود الجمع من الإخوة، والإخوة الأشقاء هؤلاء سيأخذون الباقي.

الشيخ: الباقي، أحسنت. طيب، لو أخذنا مثالًا لتخلف شرطٍ من شروط استحقاق الأم السدس: هالكٌ عن أم، وأخ شقيق.

المقدم: الأم هنا ستأخذ الثلث، والأخ الشقيق سيأخذ الباقي.

الشيخ: هنا لم تأخذ الأم السدس، وإنما أخذت الثلث نظرًا لعدم تحقق الشرطين: وهما وجود الفرع الوارث لا يوجد، ووجود الجمع من الإخوة لا يوجد، وإنما وُجد أخٌ واحد.

الصنف الثاني: الجدة

 طيب، ننتقل بعد ذلك للصنف الثاني من أصناف السدس: الجدة.

وتستحق السدس الجدة بشرط واحد وهو شرطٌ عدمي: وهو عدم الأم، وقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الجدة بمنزلة الأم، فهي ترث الثلث عند عدم الفرع الوارث أو الجمع من الإخوة، وتأخذ السدس مطلقًا عند عدم الأم، تأخذ الجدة السدس مطلقًا عند عدم الأم. وهذا محل إجماع من أهل العلم، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: "قال أبو بكر ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم"؛ فالمسألة محل إجماع.

المقدم: أحسن الله إليك. الحقيقة الجدة لها عدة مسائل تتعلق بها، من ذلك مثلًا مسألة قد تَرِد: هل ترث الجدةُ أمُّ الأبِ مع وجود الأب مع أنه واسطتها الآن؟

الشيخ: الجدة تُدلي للميت بالأب، فهل ترث مع من أدْلَت به؟ هل ترث مع هذه الواسطة؟ مع أن عند الفرضيين قاعدة: وهي أن من أدلى بواسطةٍ؛ حجبته تلك الواسطة. هذه المسألة فيها قولان للفقهاء.

المقدم: أحسن الله إليكم. حتى تتضح الصورة: أم الأم لا ترث مع وجود الأم، أليس كذلك؟ الجدة أم الأم، لا ترث مع وجود الأم؟

الشيخ: لا ترث مع وجود الأم، نعم.

المقدم: بقينا الآن في الخلاف هنا في أم الأب، هل ترث مع وجود الأب أو لا؟

الشيخ: نعم، أم الأب هل ترث مع وجود الأب، أو أنها لا ترث؟

في هذه المسألة قولان للفقهاء:

  •  القول الأول: إن الجدة ترث مع وجود الأب، وهذا هو قول الجمهور، وقالوا: لأن الجدة وإن كانت تُدلي بالأب فإنها ترث معه.
  •  والقول الثاني: إن الجدة لا ترث مع وجود الأب.

وفي هذا قولان، والأقرب -والله أعلم- أن الجدة ترث، وأنها فقط يُشترط لميراثها شرطٌ واحد: وهو عدم الأم.

المقدم: أحسن الله إليكم، هذا أيضًا يقودني إلى -حتى نحرر ضابط الجدة التي ترث والتي لا ترث- هل هناك ضابطٌ يُمكن أن نستند إليه في بيان الجدة الوارثة وغير الوارثة؟

الشيخ: ضابط الجدة الوارثة -وتسمى الجدة الصحيحة-: هي كل جدة أدْلَت بمحض الإناث، أو بمحض الذكور، أو بإناث إلى ذكور.

 مثال التي أدْلَت بمحض الإناث: أم الأم وأمهاتها.

 ومثال التي أدْلَت بمحض الذكور: أم أب الأب.

 ومثال التي أدْلَت بإناث إلى ذكور: أم أم الأب، وأم أم أب الأب.

وأما الجدة غير الوارثة فضابطها: كل جدة أدْلَت بغير وارث، وبعضهم يُعبِّر عن هذا بقوله: كل جدة أدْلَت بذَكَرٍ بين أنثيين: كأم أب الأم، وأم أب أم الأب.

المقدم: أحسن الله إليكم. الحقيقة هو الحديث في الجدات فيه شيءٌ من التفصيل، هل يمكن أن يكون هناك حصرٌ للجدات الوارثات؟

الشيخ: هذه المسألة أيضًا محل خلاف بين أهل العلم:

فمنهم من قال: لا يرث أكثر من ثلاث جدات: وهن أم الأم، وأم الأب، وأم الجد، وأمهاتهن وإن علون. هذا هو المذهب عند الحنابلة.

ومنهم من قال: لا يرث أكثر من جدتين: وهن أم الأم، وأم الأب. هذا هو مذهب المالكية.

ومنهم من قال: إن جميع الجدات المُدْلِيَات بوارثٍ يرثنَ وإن كَثُرْنَ، ويشتركن في السدس إذا تساوَيْنَ في الدرجة. وهذا هو مذهب الحنفية والشافعية، وهو الأقرب -والله أعلم- واختاره الإمام ابن تيمية وجمعٌ من المحققين من أهل العلم؛ لأن كل جدة أدْلَت بوارثٍ فالأصل أنها ترث، ما دام أنها أدْلَت بوارث فترث.

وعلى ذلك؛ فلا تُحصر الجدات في عدد معين، وإنما تُحصر بهذا الضابط، وهو أن يقال: إن الجدات الوارثات هُنَّ الجدات المُدْلِيَات بوارثٍ حتى إن كثرن ويشتركن في السدس.

هل الجدات إذا اجتمعن يتشاركن في الميراث؟

المقدم: هذا يقودنا إلى مسألة: إذا وُجد أكثر من جدة عندنا في المسألة، فهل يتشاركن في الميراث، أو إحداهن تحجب الأخرى؟

الشيخ: إذا اجتمع الجدات في مسألة فلا يخلو الأمر من ثلاث حالات:

الحال الأولى: أن يكون في درجة واحدة، سواءٌ اتحدت الجهة أو اختلفت، فيرثن جميعًا ويشتركن في السدس.

مثال ذلك: هالكٌ عن أم أم، وأم أب، فالدرجة واحدة، لكن الجهة مختلفة، فيشتركن في السدس. معنى ذلك: أن أم الأم تأخذ نصف السدس، وأم الأب نصف السدس الباقي.

الحال الثانية: أن تختلف الدرجة في جهة واحدة أو من جهتين لكن القريبة من جهة الأم وليست من جهة الأب، فالقُربى تُسقط البُعدى.

مثال اختلاف الدرجة واتحاد الجهة: أم أم، وأم أم أم، فأم الأم القريبة تُسقط أم أم الأم البعيدة.

مثال اختلاف الدرجة مع اختلاف الجهة لكن القرب من جهة الأم: أم أم، وأم أب الأب، فالجهة مختلفة والدرجة أيضًا مختلفة، لكن القُربى من جهة الأم وهي أم الأم أقرب من أم أب الأب في الدرجة، فالقُربى أيضًا تُسقط البُعدى.

الحالة الثالثة: أن تختلف الدرجة والجهة لكن تكون القُربى من جهة الأب والبُعدى من جهة الأم: كأم الأب، وأم أم أم، فهل تُسقط القُربى البُعدى باعتبار أن هذه أقرب درجة، أم لا تُسقطها باعتبار أن كونها من جهة الأم عوَّض البُعد؟

هذا محل خلاف بين الفقهاء، فمنهم من قال: إن القُربى تُسقط البُعدى. هذا مذهب الحنفية والحنابلة وقولٌ عند الشافعية.

ومنهم من قال: إن القربى لا تُسقط البُعدى، بل تشتركان في السدس حتى مع اختلاف الدرجة. هذا هو مذهب المالكية والصحيح من مذهب الشافعية.

والأظهر -والله أعلم- القول الأول: وهو أن القُربى تُسقط البُعدى مطلقًا، هذا هو الذي عليه كثيرٌ من المحققين من أهل العلم.

وبناءً على هذا القول يمكن أن نضع قاعدةً في الجدات: وهي أن القُربى تُسقط البُعدى مطلقًا، سواءٌ كانت من جهة الأب أو من جهة الأم، وحينئذٍ نقول: إن كُنَّ في درجة واحدة يشتركن في السدس، وإن اختلفت الدرجة أسقطت القريبةُ البعيدةَ مطلقًا بغض النظر عن جهتها.

المقدم: أحسن الله إليكم. أيضًا -شيخنا- مما يتصل بالجدات ويذكره الفقهاء والفرضيون: ميراث الجدة ذات القرابتين، إذا كانت معها جدة أخرى لكن ذات قرابة واحدة، هل يكون السدس بينهما بالسوية، أو القرابتان هنا مؤثِّرة في النصيب؟

الشيخ: إذا اجتمع جدتان وارثتان في درجة واحدة من الميت، وكانت إحداهما ذات قرابة واحدة كأم أم الأب، والأخرى ذات قرابتين كأن تكون أم أم الأم وهي أيضًا أم أب الأب، فهل تَفضُل التي من قرابتين على التي من قرابة واحدة، أم تستويان في الاشتراك في السدس؟

في هذا قولان للفقهاء:

  • القول الأول: إن الجدة ذات القرابتين كالجدة ذات القرابة الواحدة، والسدس بينهما نصفان.
  • والقول الثاني: إن الجدة ذات القرابتين ترث بالقرابتين، معنى ذلك: تأخذ ثلثي السدس، شخصٌ ذو قرابتين فترث بكل واحدة منهما منفردة؛ كابن العم إذا كان أخًا لأم أو كان زوجًا؛ فإنه يرث بالقرابتين. وهذا هو الأقرب -والله أعلم-: أن الجدة ذات القرابتين ترث بالقرابتين، فتأخذ ثلثي السدس.

الصنف الثالث: ولد الأم

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم. هذا ما يتعلق بالصنف الثاني من أصحاب السدس، هناك أصناف أخرى أيضًا من أصحاب السدس.

الشيخ: نعم، الصنف الثالث: ولد الأم؛ يعني الإخوة لأم، سواءٌ كانوا إخوةً ذكورًا أو أخوات، ويستحق ولد الأم -أو الإخوة لأم- السدس بثلاثة شروط:

  •  الشرط الأول: أن يكون واحدًا.
  •  الشرط الثاني: عدم الأصل الوارث من الذكور.
  •  الشرط الثالث: عدم الفرع الوارث.

يجمع هذه الشروط أن تكون المسألةُ كَلَالةً: وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً [النساء:12]، ما معنى كلالة؟ كلالة هو من لا ولد له ولا والد ذكر، وإذا انفرد، معنى ذلك: أنه يأخذ السدس كما قال الله ​​​​​​​: وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً كلالة: يعني لا ولد له ولا والد ذكر، أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ يعني {لأم}، وقلنا: إن هذا بالإجماع، وجاء هذا في قراءة سعد بن أبي وقاص ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12].

لو أخذنا أمثلة لتوضيح هذا الصنف بهذه الشروط: أم، وزوج، وأخ لأم.

المقدم: الأم هنا ستأخذ الثلث، والزوج هنا سيأخذ النصف، والأخ لأم هنا سيأخذ السدس.

الشيخ: أحسنت. طيب لو قلنا: زوج، وأخ لأم، وبنت.

المقدم: الزوج هنا سيأخذ الربع، والأخ لأم هنا لن يرث شيئًا.

الشيخ: لن يرث، نعم هذه من المسائل التي يُخطئ فيها بعض الناس، يُورِّثون الأخ لأم، يرون أن الفرع الوارث أنثى، حتى لو كانت بنتَ ابنٍ تُسقط الإخوة لأم، نعم إذا وُجد فرعٌ وارثٌ للميت سواءٌ كان ذكرًا أو أنثى فلا يأخذ الإخوة لأم شيئًا؛ لأن المسألة لا تكون كلالةً.

المقدم: وهذا -أحسن الله إليك- من خصائص الإخوة لأم؛ أنهم يسقطون بإناث الفرع الوارث؟

الشيخ: إي نعم، هذا من خصائصهم؛ أنهم يَسقطون بإناث الفرع الوارث.

المقدم: أحسن الله إليكم، هذا ما يتعلق بالصنف الثالث وهم: ولد الأم.

الصنف الرابع: بنت الابن

الشيخ: الرابع: بنت الابن، تستحق السدس بثلاثة شروط:

  •  الشرط الأول: عدم المُعصِّب لها: وهو ابن الابن المساوي لها في الدرجة، سواءٌ كان أخاها أو ابن عمها.
  • والشرط الثاني: وجود بنت أو بنت ابن أعلى منها، وارثةٌ للنصف فرضًا. أما إذا استكمل البنات الثلثين بأن كُنَّ اثنتين فأكثر، فإن بنت الابن لا ترث بالفرض حينئذ.
  • والشرط الثالث: عدم وجود فرع وارث أعلى منها سوى وارثة للنصف؛ فإذا تحققت هذه الشروط فإن بنت الابن تأخذ السدس تكملةً للثلثين.

 فلو -مثلًا- قلنا: هالك عن: بنت، وبنت ابن، وعم، كيف نقسمها؟

المقدم: بنت، وبنت ابن، وعم، البنت هنا ستأخذ النصف، وبنت الابن ستأخذ السدس تكملةً الثلثين، والعم سيأخذ الباقي.

الشيخ: والعم، سيأخذ الباقي.

طيب، نحن الآن نشرح في أبواب الفرائض، ونُنبِّه ونُذكِّر الإخوة المستمعين بأن من أراد أن يضبط الفرائض لا بد أن يحفظ الشروط التي ذكرناها، لا بد من حفظها واستحضارها، ولا بد أيضًا من أن يقوم من يريد ضبط الفرائض بتطبيقات؛ لأن تعلم الفرائض يختلف عن تعلم غيرها، فيقوم بتمارين محلولة، أولًا ينظر للحل، ثم بعد ذلك يختبر نفسه، ويضع لنفسه أمثلة وتطبيقات، إذا أكثر من حل التمارين والأمثلة والتطبيقات فمع مرور الوقت يُصبح لديه تمرُّسٌ وفهمٌ، ويضبط قسمة المواريث.

المقدم: ولعل مما يُذكر في هذا شيخنا، أظنها كلمة تُؤثر عن إبراهيم النَّخَعي أنه سُئل عن كيفية تعلم الفرائض؟ فقال: أَمِتْ أهلك وجيرانك. وهو يقصد بهذا أن كثرة التطبيق في حل المسائل هي التي تُورث هذا العلم.

الشيخ: نعم، صحيح.

المقدم: أحسن الله إليكم. إلى هنا وصلنا إلى ختم هذه الحلقة، وأسأل الله جل وعلا أن يجزي شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، خير الجزاء. فشكر الله لكم شيخنا.

الشيخ: وشكر لكم وللإخوة المستمعين.

المقدم: الشكر موصولٌ لمن قام بتسجيل هذه الحلقة: أخي عثمان بن عبدالكريم الجويبر.

إلى أن نلتقيكم في حلقة قادمة -بإذن الله ​​​​​​​- ونستكمل فيها ما تبقى من أصحاب السدس وما يتبعها من مسائل، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

كان معكم في إدارة هذه الحلقة: فهد بن عبدالعزيز الكثيري. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مواد ذات صلة
zh