logo
الرئيسية/برامج إذاعية/مجالس الفقه/(61) برنامج مجالس الفقه- الأحكام والمسائل المتعلقة بالنوم

(61) برنامج مجالس الفقه- الأحكام والمسائل المتعلقة بالنوم

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم: (مجالس الفقه).

(مجالس الفقه) برنامجٌ يُذاع عبر أثير "إذاعة القرآن الكريم"، نتدارس فيه المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة مما يَحتاج إلى معرفتها كل مسلمٍ.

يصحبنا في هذا البرنامج فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين، فباسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم.

الشيخ: أهلًا وسهلًا، حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.

المقدم: أحسن الله إليكم.

الأحكام والمسائل المتعلقة بالنوم

شيخنا، لا يزال الحديث موصولًا بفقه الآداب وما يتعلق به من مسائل، ولعلنا في هذه الحلقة نستعرض جملةً من الأحكام والمسائل المتعلِّقة بالنوم، ابتداءً شيخنا هل هو أخو الموت فعلًا؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن النوم يُسمى "الموتة الصغرى"، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر:42]، فقوله: وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فيه إشارةٌ إلى التشابه ما بين الموت والنوم؛ ولذلك يُسمى "الموتة الصغرى"، ويُشرع لمن استيقظ من نومه أن يقول: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور [1].

ومن أوجه التشابه: أن الإنسان في منامه قد يرى ما يسره أو ما يحزنه، ولا يشعر بمرور الزمن، والميت في قبره ينعم أو يعذب، وقد دلت الأدلة المتواترة على إثبات نعيم القبر أو عذابه، لكن ظاهر الأدلة أنه لا يَشعر بمرور الزمن كالنائم، ومن أدلة ذلك: قول الله ​​​​​​​: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ -لاحِظ قوله: أماته، موتٌ حقيقيٌّ- فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، هذا فيه إشارةٌ إلى أن الميت لا يشعر بمرور الزمن، هذا الذي أماته الله مئة عامٍ لم يشعر بمرور الزمن، ولما سُئل: كَمْ لَبِثْتَ؟ قال: لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [البقرة:259]، وأصحاب الكهف أيضًا قالوا: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [الكهف:19]، وهم قد لبثوا في كهفهم ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا [الكهف:25]، يعني ثلاثمئةٍ سنين بالتقدير الشمسي، الذي يسمى الآن "الميلادي"، وثلاثمئةٍ وتسعةً بالتقدير القمري الذي يسمى "الهجري".

وهذا في الحقيقة يستدعي أن الإنسان يستعد للدارة الآخرة؛ لأنها قريبةٌ جدًّا، ما يفصلك عنها الآن إلا الموت، مجرد أن تموت لا تشعر بمرور الزمن وإن كنت تُنعَّم أو تعذب في قبرك، لكنك تتفاجأ بقيام الساعة.

فإذنْ النوم يسمى "الموتة الصغرى"، والله تعالى يقول: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ [الزمر:42]، وأيضًا في الحديث: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا [2]، فهذا يدل على التشابه بين الموت والنوم؛ ولذلك النوم يسمى "الموتة الصغرى".

الآداب التي ينبغي فعلها إذا أقبل الليل

المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا، وشكر الله لكم، هل يمكن أن نستعرض شيئًا من الآداب التي ينبغي فعلها قبل النوم، أو مع إقبالة الليل؟

الشيخ: نعم، هذه الآداب قد جاءت في عدة أحاديث؛ ومنها حديث جابرٍ قال: قال رسول الله : إذا كان جنح الليل -أو أمسيتم- فكُفُّوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعةٌ من الليل؛ فحُلُّوهم، وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا، وأَوْكُوا قِرَبكم واذكروا اسم الله، وخَمِّروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تَعرضوا عليها شيئًا، وأطفئوا مصابيحكم [3]، هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلمٌ في "صحيحيهما"، وقد جاء بعدة ألفاظٍ وعدة رواياتٍ، فتضمَّن جملةً من الآداب.

إغلاق الأبواب مع ذكر اسم الله

أولًا قوله : أغلقوا الأبواب، فهذا أدبٌ من الآداب: وهو إغلاق الباب مع ذكر اسم الله.

وفائدة إغلاق الباب: الحراسة من الشياطين؛ فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا إذا ذُكر اسم الله تعالى عليه عند الإغلاق، فإذا قلت عند إغلاق الباب: بسم الله، فإن الشيطان لا يمكن أن يدخل إلى هذا المكان، وهذا من رحمة الله تعالى ببني آدم، لكن قال ابن دقيق العيد رحمه الله: "الحديث يدل على منع دخول الشيطان الخارج، أما الشيطان الذي كان داخلًا فلا يدل الخبر على خروجه"؛ وعلى هذا: فلا يُمنع أن يكون الشيطان قد دخل قبل إغلاق الباب، فهذا الشيطان الذي قد دخل قبل إغلاق الباب لا يُخرجه هذا الذكر، لكن إذا ذكرت الله عند إغلاق الباب، يعني عندما تُغلق الباب تقول: بسم الله، هذا يمنع دخول أي شيطانٍ لهذا المكان، فهذا من رحمة الله تعالى ببني آدم.

أيضًا من فوائد إغلاق الباب: الصيانة وحراسة الأنفس من اللصوص وغيرها، ففي إغلاق الباب مصالح دينيةٌ ودنيويةٌ، فهذا أدبٌ من الآداب: إغلاق الباب مع التسمية، وهذا الأدب محمولٌ على الاستحباب.

ربط أفواه الأسقية

أيضًا من الآداب التي وردت في هذا الحديث قوله : وأَوْكُوا السقاء [4]، الإيكاء: هو شَدُّ فمِ السِّقاء بالوِكاء، والوكاء: هو حبلٌ يُشد به رأس السِّقاء، كان الناس قديمًا يكون عندهم الأسقية، ويكون فيها اللبن، ويكون فيها غيره، فالنبي أمر أن يُشد فم السقاء بالحبل، وأن تُربط هذه الأسقية، إذا رُبطت؛ فإن الشيطان لا يستطيع أن يحل سقاءً قد رُبط، لكن بشرط أن يُذكر اسم الله تعالى عند الربط، وأيضًا ربط فم السقاء فيه فوائد أخرى؛ من حفظه، وصيانته من الحشرات والهوام ونحوها.

تغطية الآنية

أيضًا من الآداب التي وردت في هذا الحديث قوله : غطوا الإناء [5]، تغطية الإناء مشروعةٌ، سواءٌ كان الإناء فيه ماءٌ أو طعامٌ، أو حتى كان الإناء فارغًا، لكن يكون مع التغطية ذكر اسم الله تعالى، تُغطِّي الإناء وتقول: باسم الله، والحكمة من ذلك: صيانة هذا الإناء من عبث الشياطين، ومن رحمة الله تعالى لبني آدم أنهم إذا غَطَّوا الإناء وذكروا اسم الله تعالى؛ أن هذا الإناء لا تتعرض له الشياطين؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ولو أن تعرض عليها عودًا [6]، يعني ولو أن تغطيه بعودٍ، إذا لم تتيسر التغطية؛ تُغطيه بعودٍ، أو تعرض عليه عودًا وتذكر اسم الله تعالى.

وقد جاء في حديث جابرٍ قال سمعت رسول الله يقول: غطُّوا الإناء، وأَوْكُوا السقاء؛ فإن في السنة ليلةً ينزل فيها وباءٌ لا يمر بإناءٍ ليس عليه غطاءٌ أو سقاءٌ ليس عليه وكاءٌ؛ إلا نزل فيه من ذلك الوباء [7]، رواه مسلمٌ، وهذا من الأمور التي أخبر بها النبي ، والتي لا تُدرَك بالحس، لكن يجب اعتقاد أن ما قاله النبي حقٌّ، فأخبر عليه الصلاة والسلام بأن في السنة ليلةً ينزل فيها وباءٌ، ما هو هذا الوباء، ما حقيقته؟ الله أعلم، لكن ما قاله عليه الصلاة والسلام حقٌّ، يقول: ينزل في هذه الليلة وباءٌ، لا يمُرُّ هذا الوباء بإناءٍ ليس عليه غطاءٌ أو سقاءٌ ليس عليه وكاءٌ؛ إلا نزل فيه من ذلك الوباء، ما هي هذه الليلة؟ هذه الليلة لم يُحدِّدها النبي .

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وهذا مما لا تناله علوم الأطباء ومعارفهم، وقد عَرَفَه من عرفه من عقلاء الناس بالتجربة"، قال الليث بن سعدٍ، أحد رواة الحديث: "الأعاجم عندنا يتقون تلك الليلة في السَّنة في كانون الأول منها"، وشهر كانون الأول: هو شهر ديسمبر في السنة الشمسية الميلادية، والذي أخبر به النبي أنها ليلةٌ من ليالي السنة، الله أعلم متى تكون، قد تكون مثلما ذكر الليث بن سعدٍ في شهر ديسمبر، أو في غيره؛ ولذلك تجد أن بعض الناس ربما يصاب بوعكةٍ ولا يدرى ما السبب، فقد يكون السبب هو هذا الوباء الذي وقع في الإناء الذي لم يُغطَّ، فأكل أو شرب في هذا الإناء ولم يغسله مع كونه قد أصابه هذا الوباء الذي أخبر به النبي .

وعلى ذلك: إذا كان الإناء مكشوفًا؛ فلا تأكل ولا تشرب في هذا الإناء حتى يُغسل، أو أنك تُطبِّق السُّنة؛ تُغطِّي هذا الإناء، أو تقلبه حتى لا يقع فيه هذا الوباء الذي أخبر به النبي .

ويُستفاد من تغطية الإناء كذلك: صيانته من الهوام والحشرات ونحوها؛ وعلى هذا: ينبغي للمسلم أن يحرص على هذا الأدب الذي أوصى به النبي ، فتكون أواني المطبخ مغطاةً دائمًا ولا تكون مكشوفةً، حتى كوب الماء الذي يُوضع عند برادة المياه، الأفضل تغطيته؛ إما أن يضع عليه شيئًا أو يقلبه، لكن إذا وَجد هذا الكوب مكشوفًا وأراد أن يشرب؛ فيغسله؛ لأنه ربما يكون قد وقع فيه الوباء الذي أخبر به النبي ، اللهم إلا إذا كان داخل شيءٍ مغطًّى، داخل دولابٍ ونحوه، فيكفي ذلك عن التغطية.

إطفاء السُّرُج والمصابيح

قال : وأطفئوا السراج، وفي روايةٍ: أطفئوا المصابيح [8]، وهذا أيضًا من السنة، والسراج: هو المصباح المكشوف، وكان هذا وسيلة الإضاءة قديمًا، أما في الوقت الحاضر فيسَّر الله تعالى للناس الكهرباء، ويقول : أطفئوا المصابيح، فإن الفُوَيْسِقة ربما اجترَّت الفتيلة؛ فأحرقت أهل البيت [9]، والمقصود بالفويسقة: الفأرة والهوام ونحوها، ربما تُحرِّك هذا السراج فيحصل الحريق؛ لأن الإنسان عندما ينام لا يدري ما يدور حوله.

وجاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون [10]، أخرجه البخاري ومسلمٌ، لكن هل هذا ينطبق على الكهرباء في الوقت الحاضر؟ الذي يظهر -والله أعلم- أن هذا لا ينطبق على الكهرباء في الوقت الحاضر؛ لأنه في مأمنٍ من وقوع الحريق الذي أشار إليه النبي ، لكن مع ذلك الأولى إطفاء إضاءة المصباح الكهربائي عند النوم؛ لأن بقاءها عند النوم قد يكون فيه نوعٌ من الإسراف، ثم إن الأطباء يقولون: إن النوم في الظلام أفضل للبدن من النوم في الإضاءة، ويقولون: إن هناك خلايا لا تُفرَز إلا في وقت الظلام، وأن الإنسان إذا نام والمصباح مضاءٌ؛ فهذا قد يُسبِّب له مشاكل صحيةً، والله تعالى جعل الليل لباسًا، فمن حكمة الله تعالى أن الإنسان يتوافق مع ذلك فينام وقت الليل.

حكم إطفاء المدفأة عند النوم

والمدفأة هل تنطبق على ما ورد في الحديث؟ هذه تختلف بحسب نوعها؛ فبعض أنواع المدافئ ربما تكون خطرًا على الإنسان، يحتمل أن تُسبِّب حريقًا، فهذه ينبغي إطفاؤها وقت النوم، أما إذا كان الإنسان في مكانٍ مغلقٍ؛ كخيمةٍ ونحوها، ففي نومه والنار موقدةٌ خطر الاختناق، أما إذا كانت من نوع المدافئ التي لا يُخشى معها الحريق، ولا يُخشى معها أن تُلحق الضرر بالإنسان؛ فهذه لا تدخل فيما ورد في الحديث.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم شيخنا هذا البيان والإيضاح.

أذكار النوم

شيخنا، يُشرع للمسلم أن يقول جملةً من الأذكار في يومه وليلته، ومن الأذكار التي جاءت بها الشريعة: ما يتعلق بالذكر عند النوم، فلو ذكرتم لنا جملةً من الأذكار المشروعة التي تقال عند النوم.

الشيخ: أولًا: إذا أتى المسلم إلى فراشه يريد أن ينام؛ ينبغي أن يَنفُضه؛ كما أمر بذلك النبي بقوله: إذا أوى أحدكم إلى فراشه؛ فَلْيَنْفُضْ فراشه بداخلة إزاره؛ فإنه لا يدري ما خَلَفَه عليه [11]، فينفُض فراشه أولًا.

ثانيًا: يُستحب قبل النوم التسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير أربعًا وثلاثين، يعني يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ويُكررها ثلاثًا وثلاثين مرةً، إلا أن التكبير يكون أربعًا وثلاثين مرةً، وقد جاء في "صحيح البخاري" أن فاطمة بنت النبي أتت وزوجها عليٌّ إلى النبي تريد أن تسأله خادمًا لما تجده من عناء أعمال البيت من الطحن والطبخ ونحو ذلك، فلم تجد النبي ، ثم لقيته بعد ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام لها ولزوجها عليٍّ: ألا أدلُّكما على ما هو خيرٌ من الخادم؟ تسبحان الله ثلاثًا وثلاثين، وتحمدان الله ثلاثًا وثلاثين، وتُكبِّران الله أربعًا وثلاثين، فذلك خيرٌ لكما من الخادم [12]، ما العلاقة بين هذا الذكر وبين كون هذا الذكر يُغني عن الخادم؟ أجاب عن ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله، قال: "إن من أتى بهذا الذكر قبل النوم فإنه يُعطى قوةً في نهاره تُغنيه عن الخادم"، سبحان الله! هذا من بركة الذكر، يعني من أتى بالتسبيح والتحميد والتكبير قبل النوم؛ فإنه يُعطَى في نهاره قوةً ونشاطًا تُغنيه عن الخادم؛ لأنه قال: ألا أدلُّكما على ما هو خيرٌ من الخادم؟، ثم دلَّهما على التسبيح والتحميد والتكبير، وعلى هذا فيُشرع للمسلم عندما يأوي إلى فراشه قبل أن ينام: أن يُسبح الله ثلاثًا وثلاثين، وأن يحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وأن يكبِّر الله أربعًا وثلاثين.

كذلك أيضًا: يُشرع قراءة آية الكرسي [البقرة:255]، فهي أعظم آيةٍ في القرآن، وقد جاء في قصة أبي هريرة  لما وكَّله النبي بحفظ أموال الصدقة، فرأى من يختلس منها، فأراد أن يُمسك به ويذهب به إلى النبي ، فاشتكى فقرًا وعيالًا وحاجةً، فرحمه أبو هريرة  وتركه، فقال له النبي : ما فعل أسيرك البارحة؟، قال: إنه اشتكى فقرًا وحاجةً وعيالًا فرحمته، قال: أما إنه سيعود، فجعل أبو هريرة يترقب، فلما أتى الليلة الثانية إذا به نفس الشخص، يريد أن يختلس من أموال الصدقة، فاشتكى فقرًا وعيالًا، فرحمه أبو هريرة  وتركه، فقال له النبي : ما فعل أسيرك البارحة؟، قال: إنه اشتكى فقرًا وعيالًا وحاجةً فرحمته، قال: أما إنه سيعود، فجعل أبو هريرة يترقب له الليلة الثالثة، وهو على يقينٍ أنه سيعود؛ لأن النبي قال: أما إنه سيعود، فوجده يختلس من أموال الصدقة فأمسك به، قال: هذه المرة الثالثة، والله لأذهبن بك إلى النبي ، فلما رأى أن أبا هريرة  قد عزم على أن يذهب به إلى النبي ؛ قال: ألا أدلُّك على ما هو خيرٌ وأنفع لك، هو يعرف أن الصحابة عندهم حرصٌ شديدٌ على العلم، قال: ما عندك؟ قال: إذا أويت إلى فراشك؛ فاقرأ آية الكرسي؛ فإنه لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح، فتركه أبو هريرة  وذهب للنبي وذكر له ما أخبره به هذا الشيطان، فقال عليه الصلاة والسلام: صدقك وهو كذوبٌ، أتدري من تُخاطب يا أبا هريرة منذ ثلاثٍ؟ ذاك شيطانٌ [13].

فالنبي صدَّق مقولة هذا الشيطان في قوله: إنك إذا قرأت آية الكرسي؛ لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح؛ ولهذا يُستحب قراءة آية الكرسي قبل النوم، وهي من أسباب حفظ النائم، لا يزال عليه من الله حافظٌ ولا يقربه شيطانٌ حتى يُصبح.

كذلك أيضًا يُستحب قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين، يقرأ سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ثلاث مراتٍ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، مع النَّفْثِ، يعني: يقرأ وينفُث ويمسح وجهه ورأسه وما استطاع من بدنه، فيُستحب قراءة هذه السور ثلاث مراتٍ مع النَّفْثِ والمَسْحِ، يعني كأنه يرقي نفسه.

هناك بعض الأحاديث في قراءة سورٍ معينةٍ قبل النوم، لا يثبُت منها شيءٌ؛ مثل: قراءة سورة الملك، أو قراءة سورة الواقعة، هذه كلها لا يثبت منها شيءٌ، الذي ثبت من الأوراد القرآنية قراءة آية الكرسي، وسورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مراتٍ فقط، هذا هو المحفوظ عن النبي .

أيضًا جاء في السُّنة أذكارٌ تُقال قبل النوم، ومن ذلك: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين [14]، هذا أيضًا من الأدعية التي تُقال عند النوم.

أيضًا: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك [15]، جاء في حديث البراء ، وهذا الأصح من جهة الرواية، أنه يقال قبل النوم، وليس دبر الصلاة، وإن كان جاء في رواية مسلمٍ أنه يقال دبر الصلاة [16]، لكن عند المحققين: أن الأصح روايةً: هي رواية أصحاب السنن، أن هذا الذكر يقال قبل النوم: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك [17].

كذلك: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم [18]، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق [19]، أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطانٍ وهامَّةٍ، ومن كل عينٍ لامَّةٍ [20].

أيضًا من الأذكار ما جاء في حديث البراء بن عازبٍ وهو في "الصحيحين" قال: قال لي رسول الله : إذا أتيت مضجعك؛ فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شِقِّك الأيمن وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا مَلجأ ولا مَنجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مِتَّ؛ مِتَّ على الفطرة، فاجعلهن آخر ما تقول، ثم طلب النبي من البراء أن يُعيده فأعاده، لكن قال في آخره: ورسولك الذي أرسلت، غيَّر فيه، فقال النبي : لا، ونبيك الذي أرسلت [21]، وقوله : فاجعلهن آخر ما تقول، فيه إشارةٌ إلى أن الأفضل أن يجعل هذا الدعاء آخر ما يقوله قبل أن ينام، آخر ما يقوله يأتي بهذا الدعاء.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم هذا البيان والإيضاح.

حكم النوم على جنابة

مما يُذكر من مسائل في فقه النوم: حكم النوم على جنابةٍ؟

الشيخ: النوم على الجنابة خلاف السُّنة، السُّنة: أن الإنسان إذا كان على جنابةٍ أن يغتسل، وإذا تكاسل ولم يُرِد أن يغتسل قبل النوم؛ فإنه يتوضأ، النبي أرشد لذلك [22]، وكان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن ينام وهو على جنابةٍ توضأ [23]؛ لأن الوضوء يُخفِّف من الجنابة؛ وعلى ذلك نقول: إن الجُنُب إن تيسر أن يغتسل؛ فهذا هو الأكمل والأفضل، وإن لم يتيسر؛ فإنه على الأقل يتوضأ.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

هيئة الاضطجاع عند النوم

شيخنا، هل جاءت السُّنة بهيئةٍ معينةٍ للاضطجاع أثناء النوم؟

الشيخ: نعم، السنة دلت على أن النوم يكون على الشِّق الأيمن؛ كما جاء في حديث البراء ، قال: ثم اضطجِع على شِقك الأيمن وقل: اللهم إني أسلمت نفسي إليك.. إلى آخر الحديث [24].

فالسنة أن يكون النوم على الشق الأيمن، وابن القيم في "الطب النبوي"، وبعض من تكلم في هذا ذكروا حِكَمًا: أن النوم على الشق الأيمن أفضل للبدن، وأيضًا حتى لا يكون فيه ثقلٌ على القلب، فيكون حتى من الناحية الصحية النوم على الشق الأيمن هو الأكمل والأفضل، وهو أيضًا الذي دلت له السنة.

حكم النوم على البطن

المقدم: هذا يقودنا -يا شيخنا- إلى سؤالٍ آخر مرتبطٍ بهذا: وهو حكم النوم على البطن؟

الشيخ: النوم على البطن مكروهٌ عند أهل العلم؛ وذلك لحديثٍ رُوي عن النبي في هذا: أن رجلًا نام على بطنه فركله النبي برجله، وقال: لا تضطجع هذه الضجعة؛ فإنها ضِجعةٌ يبغضها الله [25]، رواه أحمد والترمذي وأبو داود، وهذا النهي محمولٌ عند جمهور الفقهاء على الكراهة وليس على التحريم؛ وعلى ذلك نقول: إنها مكروهةٌ، يُكره النوم على البطن، وإنما قلنا: إنه يُحمل على الكراهة وليس على التحريم؛ لأن هذا إنما ورد في الآداب، والأوامر التي تَرِد في الآداب تُحمل على الاستحباب، والنواهي التي تَرِد في الآداب تُحمل على الكراهة؛ وعلى ذلك نقول: إن النوم على البطن إذا كان لغير حاجةٍ؛ فهو مكروهٌ، وهذا شاملٌ للرجل والمرأة، يعني من فرَّق بين الرجل والمرأة ليس له دليلٌ، إنما هذا شاملٌ للرجل والمرأة؛ أن النوم على البطن من غير حاجةٍ مكروهٌ، والسُّنة أن يكون النوم على الجانب الأيمن.

ما يُشرع لمن تعارَّ من الليل؟

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم، إذا قام النائم فجأةً أو تعارَّ من الليل؛ فهل يُشرع في حقه أمرٌ يفعله؟

الشيخ: نعم، إذا تعارَّ من الليل -يعني استيقظ من الليل- فيُستحب أن يأتي بالذكر الوارد؛ كما جاء في حديث أبي هريرة أن النبي قال: من تعارَّ من الليل -يعني استيقظ- فقال، يعني: من حين يستيقظ يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإن دعا؛ استُجيب له، وإن صلَّى؛ قُبلت صلاته [26]، رواه البخاري، وهذا يدل على أن هذا الموطن من مواطن إجابة الدعاء، وهذا من المواضع التي يغفل عنها كثيرٌ من الناس، إذا استيقظت أثناء النوم؛ اغتنم الفرصة وائتِ بهذا الذكر، ثم ادع الله بما يحضرك من خيري الدنيا والآخرة؛ فالدعاء في هذا الموضع حريٌّ بالإجابة؛ ولهذا قال : فإن دعا؛ استُجيب له، وإن صلَّى؛ قُبلت صلاته.

المقدم: أحسن الله لكم، وشكر الله لكم شيخنا هذا البيان والإيضاح.

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام هذه الحلقة، فأسأل الله أن يجزي شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان خير الجزاء، فشكر الله لكم شيخنا.

الشيخ: والشكر لكم وللإخوة المستمعين.

المقدم: إلى أن ألتقيكم في حلقةٍ قادمةٍ -بإذن الله - أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

^1 رواه البخاري: 6324.
^2, ^6, ^24 سبق تخريجه.
^3 رواه البخاري: 5623، ومسلم: 2012.
^4, ^5 رواه مسلم: 2014.
^7 رواه مسلم: 2014.
^8, ^9 رواه البخاري: 3316، ومسلم: 2012.
^10 رواه البخاري: 6293، ومسلم: 2015.
^11 رواه البخاري: 6320، ومسلم: 2714.
^12 رواه البخاري: 3705، ومسلم: 2727.
^13 رواه البخاري: 2311.
^14 رواه البخاري: 6320، ومسلم: 2714.
^15 رواه أحمد: 18553.
^16 رواه مسلم: 709.
^17 رواه الترمذي: 3399، والنسائي: 10588، وابن ماجه: 1006، وأحمد: 18631.
^18 رواه أبو داود: 5088، والترمذي: 3388، والنسائي: 9843، وابن ماجه: 3869، وأحمد: 446، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
^19 رواه مسلم: 2709.
^20 رواه البخاري: 3371.
^21 رواه البخاري: 247، ومسلم: 2710.
^22 رواه البخاري: 287، ومسلم: 306.
^23 رواه البخاري: 288، ومسلم: 305.
^25 رواه أبو داود: 5040، وابن ماجه: 2723، وأحمد: 23615.
^26 رواه البخاري: 1154.
مواد ذات صلة
zh