جدول المحتويات
المقدم: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم: (مجالس الفقه).
(مجالس الفقه) برنامجٌ يُذاع عبر أثير "إذاعة القرآن الكريم"، نتدارس فيه المسائل الفقهية والأحكام والمسائل المعاصرة مما يَحتاج إلى معرفتها كل مسلمٍ.
يصحبنا في هذا البرنامج فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين، فباسمي وباسمكم جميعًا أرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم شيخنا.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: أحسن الله إليكم.
المسائل والأحكام المتعلقة بفقه السلام
شيخنا، لعلَّنا في هذه الحلقة نأخذ جملةً من المسائل والأحكام المتعلقة بفقه السلام، هناك جملةٌ من المسائل تندرج تحت هذا الباب، مبتدئًا بالحديث أولًا: ما معنى قول المسلم: السلام عليكم؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
معنى قول المسلم: السلام عليكم
فالسلام من الآداب التي دَعَت إليها الشريعة الإسلامية، وهو منتشرٌ بين المسلمين، ولا يكاد يمر بالمسلم يومٌ إلا وقد سَلَّم أو سُلِّم عليه، عندما تقول: السلام عليكم، ما معنى: السلام عليكم؟
قيل: المراد به: اسم الله تعالى "السلام"، فإن الله سبحانه من أسمائه: "السلام"، فيكون معنى: السلام عليكم، أي: اسم الله عليكم، أي: أنتم في حفظ الله ورعايته، وقيل: المعنى: الدعاء بالسلامة من الآفات في الدين والدنيا، وقيل: المعنى: أن السلامة ملازمةٌ ومصاحبةٌ لكم، ولهذا يُعطَف عليها: ورحمة الله وبركاته.
والذي يظهر -والله أعلم- أن كل هذه المعاني مرادةٌ في السلام، فقول المُسلِّم: السلام عليكم، يعني: اسم الله عليكم، فأنتم في حفظ الله ورعايته، وهو أيضًا دعاءٌ لأخيك بالسلامة من الآفات التي تعترض له في أمور الدين والدنيا، وهو أيضًا بمعنى: أن السلامة ملازمةٌ لكم، وكذلك: رحمة الله وبركاته، فكأنك تدعو لأخيك المُسْلِم عندما تُلقي عليه التحية بهذا الدعاء.
فضل إلقاء السلام
المقدم: الله أكبر! معنًى عظيمٌ الحقيقةَ إذا تأمَّله المُسْلِم، وهذا يدعوني إلى السؤال شيخنا: هل إفشاء السلام، أو إلقاء السلام، له فضلٌ في الشريعة؟
الشيخ: نعم، إلقاء السلام له فضلٌ وأجرٌ وثوابٌ، وقد دلت الأدلة على هذا؛ ومنها: قول الله : وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، وقوله سبحانه: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور:61]، ويقول النبي : حقُّ المسلم على المسلم سِتٌّ..، وذكر منها: إذا لقيته؛ فسَلِّم عليه [1]، أخرجه مسلمٌ، وجاء في حديث عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما أن رجلًا سأل النبي : أيُّ الإسلام خيرٌ؟ قال: تُطعم الطعام، وتَقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف [2]، أخرجه البخاري ومسلمٌ، انظر إلى هذا الحديث العظيم!: أي الإسلام خيرٌ؟ قال: تُطعم الطعام، وتقرأ السلام، تقرأ السلام على من؟ على من عرفت ومن لم تعرف.
وأخرج الترمذي بسندٍ صحيحٍ عن عبدالله بن سَلَامٍ قال: لمَّا قدم رسول الله المدينة؛ انجَفَل الناس إليه [3]، فقيل: قدم رسول الله ، فجئت في الناس؛ لأنظر إليه -قبل أن يُسْلِم- فلما استَبَنت وجهه؛ عرفت أن وجهه ليس بوجهِ كذابٍ، وكان أول شيءٍ تكلم به أن قال: أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصَلُّوا والناس نيامٌ؛ تدخلون الجنة بسلامٍ [4].
انظر كيف أن عبدالله بن سلامٍ كان من أحبار اليهود -من علماء اليهود- لما رأى النبي عليه الصلاة والسلام لأول مرةٍ؛ قال: "عرفت أن وجهه ليس بوجه كذابٍ"، وهذا يحصل للإنسان الذي عنده فطنةٌ وفراسةٌ، بمجرد أن تنظر لشخصٍ؛ تعرف أن هذا الإنسان إنسانٌ صادقٌ أو غير صادقٍ، "عرفت أن وجهه ليس بوجه كذابٍ".
الشاهد من هذه القصة: قال : وكان أول شيءٍ تكلم به أن قال: أيها الناس، أفشوا السلام، ولاحِظ كلمة أَفْشُوا، وهذا يدل على أن المطلوب: الإكثار من السلام، وأيضًا جاء في الحديث الآخر النبي قال: والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أدلكم على أمرٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم [5]، فلاحِظ هنا: أن الأمر ليس فقط بإلقاء السلام، وإنما بإفشاء السلام، والإفشاء يدل على الكثرة؛ وهذا يدل على أنه ينبغي أن يكون السلام فاشيًا منتشرًا بين المسلمين، وأن المسلم إذا لقي أخاه؛ يسلم عليه، يُفشون السلام في المساجد، ويُفشون السلام في الأماكن التي يلتقي فيها المسلمون، فالشريعة الإسلامية ليست فقط تأمر بإلقاء السلام، بل بإفشائه وكثرته بين المسلمين، لماذا؟ لأن السلام يجلب المحبة والمودة بين المسلمين، والقاعدة: أن كل ما كان من أسباب تقوية المحبة والمودة بين المسلمين؛ فالشريعة تدعو إليه، وكل ما كان مفضيًا إلى الشحناء والبغضاء بين المسلمين؛ فالشريعة تمنع منه؛ ولذلك إذا ألقيت السلام على إنسانٍ؛ تجد أنه يحصل بينك وبينه شيءٌ من الأُنس، وعلى العكس من ذلك: لو مرَّ بك شخصٌ ولم يسلم عليك؛ فإنك تستوحش منه، تقول: لماذا لم يسلم عليَّ؟! وربما يأتي الشيطان ويستغل الموقف، وربما يُسَاء به الظن، فمجرد أنه ألقى السلام؛ يحصل الأُنس، وتزول الوحشة، لكن لو مر وقابلته ولم يسلم عليك؛ تستوحش منه.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.
حكم ابتداء السلام ورده
شيخنا، ابتداءً السلام هل هو واجبٌ أو مندوبٌ إليه، وكذا رد هذا السلام ما حكمه؟
الشيخ: أما ابتداء السلام: فهو مستحبٌّ استحبابًا مؤكدًا بإجماع أهل العلم، وقد نَقل الإجماع الحافظ ابن عبدالبر والقرطبي وابن القطان وغيرهم، وهناك قولٌ عند الظاهرية: أن ابتداء السلام واجبٌ، لكنه قولٌ شاذٌّ ومخالفٌ للإجماع، فمجرد الابتداء مستحبٌّ وليس واجبًا، يعني لو أنك لم تبتدئ السلام على أحدٍ؛ لا تكون بهذا آثمًا، لكن هذا خلاف السنة، وكما ذكرنا: أنك إذا قابلت إنسانًا ولم يسلم عليك؛ تستوحش منه؛ وعلى هذا نقول: إنه يُستحب ابتداء السلام استحبابًا مؤكدًا.
وأما بالنسبة لرد السلام: فإن رد السلام واجبٌ؛ لقول الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا[النساء:86]، فإذا سلم عليك أحدٌ ولم ترد عليه السلام؛ فإنك تأثم بذلك؛ لأن رد السلام واجبٌ.
فإذنْ ابتداء السلام مستحبٌّ، ورده واجبٌ.
المقدم: أحسن الله إليكم، إذا تقرر هذا بأن رد السلام أمرٌ واجبٌ، ويُعرِّض صاحبَه للإثم فيما لو لم يرد السلام، هل هناك حالاتٌ يجوز فيها للإنسان أن يترك رد السلام لو سُلِّم عليه؟
الشيخ: نعم، يجوز ترك رد السلام عند الهَجر؛ لمصلحةٍ دينيةٍ يُرجى معها أن يعود ذلك الذي قد هُجِر، ويَكُفُّ عن ذلك الأمر المحرم الذي هو واقعٌ فيه، فهجر المسلم الأصل أنه لا يجوز أن يزيد على ثلاثة أيامٍ؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ [6]، فقوله: لا يحل، يدل على أنه يحرم.
هل يجوز الهجر أكثر من ثلاثة أيامٍ؟ قال أهل العلم: يجوز إذا كان لمصلحةٍ دينيةٍ يُرجى معه تحقُّق تلك المصلحة.
المقدم: ما المقصود بمصلحةٍ دينيةٍ يا شيخ؟
الشيخ: مصلحةٌ دينيةٌ؛ كأن يكون ذلك الشخص مقيمًا على أمرٍ محرمٍ، ويُرجى أن يترك ذلك الأمر المحرم، أو يكون فيه تأديبٌ له؛ بسبب ارتكابه لأمرٍ محرمٍ؛ كما حصل من الثلاثة الذين خُلِّفوا: هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالكٍ ، فإن هؤلاء من أفاضل الصحابة، من الصحابة الصادقين، لكنهم تخلفوا عن الذهاب مع النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة تبوك، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بهجرهم، لما رجع النبي عليه الصلاة والسلام من غزوة تبوك؛ أتاه المنافقون فاعتذروا، فقبل ظاهرهم ووكل سرائرهم إلى الله ، أمَّا هؤلاء الثلاثة فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من عذرٍ، ليس لنا عذرٌ، فقال عليه الصلاة والسلام: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك [7]، قاله لكل واحدٍ منهم، وأمر بترك السلام عليهم، وأمر أيضًا بترك رد السلام عليهم؛ ولهذا يقول كعبٌ : كنت آتي النبي عليه الصلاة والسلام بعدما يصلي بالناس وأُسلِّم عليه وأنظر إلى شفتيه هل حركهما برد السلام أم لا؟ ولما سلَّم على ابن عمه؛ لم يرد عليه السلام، فهذا عند الهجر لأجل مصلحةٍ دينيةٍ، لأجل أنك ترجو أن هذا الإنسان يرتدع عن هذا الأمر المحرم؛ يجوز الهجر، ومن لوازم الهجر: ترك رد السلام، هذه هي الحالة الوحيدة التي يجوز فيها ترك رد السلام.
المقدم: أحسن الله إليكم، ما يذكره بعض الفقهاء في حال -أجلَّكم الله- قضاء الحاجة، وتركُ رد السلام في مثل هذه الأحوال هو داخلٌ في هذا الباب، أو المقصود تأخير رد السلام هنا؟
الشيخ: المقصود تأخير الرد، وليس الرد بالكلية؛ ولذلك إذا أُلقِيَ السلام على إنسانٍ وهو في مكانٍ لا يناسب فيه الرد؛ فلا يرد، لكن يرد بعد ذلك ويعتذر ممن سلَّم بأنه كان في هذا الموقف أو في هذا الظرف.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.
صفة السلام الشرعية
شيخنا، في صفة السلام الشرعية، إذا أراد الإنسان أن يُلقي السلام على أحدٍ؛ فما هي الصيغة الشرعية؟ هل هي أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أو بعضهم يقول بالتنكير: سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته؟ ما هو الأقرب الذي جاء في السنة؟
الشيخ: هذه المسألة فيها خلافٌ بين أهل العلم، وقع فيها الخلاف بين أهل العلم:
- فمنهم من قال: إن السلام الأفضل أن يُؤتَى به بلفظ التنكير، يعني: سلامٌ عليكم، وأنها أفضل من: السلام عليكم، وبهذا قال ابن مفلحٍ وبعض أهل العلم كما في "الآداب الشرعية"، وأيضًا كذلك ابن عَقيلٍ في "الفصول والآداب".
- والقول الثاني في المسألة: أن الأفضل في صفة السلام أن يكون معرَّفًا بأل فيقول: "السلام عليكم"، وعندما ننظر للفظ "السلام" في القرآن الكريم؛ نجد أنه قد جاء بلفظ التنكير وبلفظ التعريف، يعني مُنكَّرًا ومُعرَّفًا، فمما جاء بلفظ التنكير -يعني منكَّرًا- في قول الله تعالى: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ [الرعد:24]، سَلامٌ ولم يقل: السلام.
المقدم: مُنَكَّرةً.
الشيخ: نعم مُنكَّرةً، وقوله: سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات:79]، وقوله: قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي [مريم:47].. إلى غير ذلك من الآيات.
ومن المعرَّف: ما جاء في قول الله تعالى عن عيسى : وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [مريم:33]، وقوله سبحانه: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ [النساء:94]، وأيضًا قول الله : وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى [طه:47].
عندما ننظر لهذا اللفظ في السنة؛ نجد أنه قد جاء بالتعريف: السلام عليكم، كما جاء في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة عن النبي قال: خلق الله آدم على صورته؛ طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه قال: اذهب فسلِّم على أولئك النفر من الملائكة جلوسٍ فاستمِع ما يُحَيُّونك؛ فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله [8]، أخرجه البخاري ومسلمٌ، ففي هذه القصة أتى "السلام" في هذا الحديث معرَّفًا بـ(أل)، ولم يقل: سلامٌ عليكم، وإنما قال: السلام عليكم، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأنها تحية آدم، وتحية ذريته من بعده.
وجاء في حديث عِمران بن حصينٍ قال: جاء رجلٌ إلى النبي فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام ثم جلس، فقال النبي : عشرٌ، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال: عشرون، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: ثلاثون [9]، وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.
وجاء في حديث التشهد: إذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام -السلام معرَّفةً بـ(أل)- السلام عليك -أيها النبي- ورحمة الله وبركاته، السلام -معرَّفةً بـ(أل)- السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتموها؛ أصابت كل عبدٍ لله صالحٍ في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله [10]، والحديث في "الصحيحين".
قال النووي رحمه الله: "الألف واللام" -يعني السلام معرَّفًا بـ(أل)- "أولى"، فرجَّح هذا القول النووي، وأيضًا الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله يقول: "ولو حذف اللام فقال: سلامٌ عليكم، أجزأ، لكن باللام أولى؛ لأنها للتفخيم والتكثير"، فالنووي وابن حجرٍ يرجحان هذا القول، وهو أن السلام الأفضل أن يكون بالتعريف وليس بالتنكير، يعني: السلام عليكم، وليس: سلامٌ عليكم.
عند الموازنة والترجيح: الذي يظهر -والله أعلم- أن القول الراجح هو القول الثاني: وهو أن الأفضل في لفظ السلام: أن يُؤتى به معرَّفًا بـ(أل)، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولا يقول: سلامٌ عليكم، وإنما: السلام عليكم؛ وذلك لقوة أدلته، فإن عامة الأحاديث التي ورد فيها لفظ السلام أتت بالسلام معرَّفًا بـ(أل)، ثم أيضًا ما أشار إليه الحافظ ابن حجرٍ: أن زيادة (أل) في السلام فيها تكثيرٌ وتفخيمٌ، فكانت أولى من التنكير؛ وعلى ذلك نقول: إن الأفضل في إلقاء السلام أن يُؤتى به معرَّفًا بـ(أل)، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذا أفضل من أن يقول: سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم هذا البسط والبيان في هذه المسألة.
صيغة رَدِّ السلام
ونحن في هذا البرنامج مع شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان نتدارس المسائل الفقهية وبعض المسائل.
ونحن في هذه الحلقة في مسائل وأحكام فقه السلام، رَدُّ السلام شيخنا هل له صيغةٌ واحدةٌ، أم وقع خلافٌ بين الفقهاء في الصيغة الشرعية في رد السلام؟
الشيخ: رد السلام: الأفضل والأكمل: أن يُؤتى به بالواو، فيقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فيأتي بزيادة الواو، والواو هنا إما أنها عاطفةٌ على السلام الأول، لمَّا قال: السلام عليكم، أو أنها للاستئناف، فهذا هو الذي وردت به السُّنة، أنه يؤتى بـ: عليكم السلام، مسبوقةً بالواو: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، لكن ماذا لو قال: عليكم السلام، يعني إن قال: السلام عليكم، قال: عليكم السلام، بدون زيادة واوٍ؟ هذا يقول العلماء: إنه مجزئٌ، لكن الأكمل والأفضل: أن يأتي بالواو فيقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قلنا إنه لو قال: عليكم السلام، فإنه مجزئٌ؛ لأنه أتى بالرد، لكن بالواو أكمل؛ أولًا لأنها هي الواردة في النصوص، فإنها تعطي معنًى زائدًا، لكن ماذا لو قال في الرد: السلام عليك؟ هل يُجزئ؟ نعم يجزئ، وقد جاء في تحية الملائكة في الحديث السابق لما قال لهم آدم : السلام عليكم، قالوا: السلام عليك، لكن الأحسن: أن يأتي بالميم التي تدل على التفخيم فيقول: وعليكم السلام، هذا هو الأكمل، وإن قال في رد السلام: السلام عليكم، ولم يقل: وعليكم السلام؛ يُجزئ، كما ذكرنا أنها هي الواردة في تحية الملائكة لآدم؛ فإذنْ هذه كلها مجزئةٌ أن يرد السلام، إذا قال: السلام عليكم؛ يقول: السلام عليكم، هذا يُجزئ، أو يقول: عليكم السلام، يُجزئ، لكن الأكمل والأفضل أن يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فيأتي بقوله: عليكم السلام، مسبوقةً بالواو، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، هذه هي أكمل صفات رد السلام.
كيفية الرد على من سلم بصيغة كاملة
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا وشكر الله لكم، إذا سلَّم المسلِّم بصيغةٍ كاملةٍ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فهل يجوز لمن يرد السلام أن يقتصر على بعض السلام فيقول: وعليكم السلام، أو لا بد أن يأتي بالصيغة كاملة في مثل هذه الحال؟
الشيخ: لا بد أن يرد التحية بمثلها، هذا هو الواجب، أو أحسن منها، وهذا والأكمل؛ كما قال الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء:86]، فالرد إذنْ يكون بمثلها أو بأحسن منها.
المقدم: أحسن الله إليكم، بعض الناس يُغيِّر في صيغة السلام، تجد أنه بدلًا من أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، يقول: وعليكم السلام والرحمة والإكرام، أو شيئًا من هذه العبارات الأخرى، فهل هذا سائغٌ شرعًا؟ أو الأَولى الاقتصار على الصيغة الواردة؟
الشيخ: الأولى الاقتصار على الصيغة الواردة، لكن إن أحب أن يزيد عليها؛ فلا بأس، لكن الأولى أن يقتصر على الصيغة الواردة، وهي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، جاء في بعض الروايات زيادة: "ومغفرته"؛ كما جاء في حديث معاذ بن أنسٍ في النفر الذين جاءوا وسلَّموا، ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال النبي : أربعون، ثم قال: هكذا تكون الفضائل [11]، هذا الحديث أخرجه أبو داود، لكنه بهذه الزيادة حديثٌ ضعيفٌ، لا يصح عن النبي ، وبعضهم يزيد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه [12]، هذه كذلك أيضًا لا تثبت؛ وعلى هذا: فالمشروع الاقتصار على ما جاء في النصوص: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، من غير أن يزيد على ذلك، هذا هو الأكمل والأفضل، لكن لو زاد على ذلك بما تعارف عليه الناس، يعني قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسعد الله صباحكم، أو أسعد الله مساءكم، ونحو ذلك؛ لا بأس بها.
المقدم: يأتي بها بعد الصيغة.
الشيخ: نعم، يأتي بها بعدما يأتي بلفظ السلام.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.
حكم تكرار السلام
شيخنا، تكرار السلام هل مشروعٌ أن يكرر السلام بين حينٍ وآخر على المسلَّم عليه؟
الشيخ: إذا وُجد سببٌ لتكرار السلام؛ فهذا مشروعٌ، أما إذا لم يوجد سببٌ، يعني سلَّم عليك إنسانٌ، ثم أعاد السلام عليك مرةً أخرى، فهذا الأمر غير مقبولٍ، وربما يكون فيه نوعٌ من الاستفزاز، ويتحول الأمر من كونه سببًا لجلب المحبة والمودة إلى عكس ذلك، فإنسانٌ قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم بعد قليلٍ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا فيه نوعٌ من الاستفزاز للمسلَّم عليه، أنت سلَّمت، لماذا تعيد السلام مرةً أخرى؟! لكن لو كان هناك سببٌ يقتضي إعادة السلام أو تكرار السلام؛ فلا بأس؛ كما لو سلَّم إنسانٌ على شخصٍ أو جماعةٍ، ثم حال بينه وبين من سلَّم عليه بناءٌ، وقال الفقهاء: حال بينهم حتى جدارٌ أو شجرةٌ أو عمودٌ أو أي شيءٍ من الحوائل؛ فيُستحب له أن يعيد السلام وأن يكرره مرةً أخرى، وقد جاء في حديث أنسٍ أن أصحاب النبي يكونون مجتمعين فتستقبلهم الشجرة، فتنطلق طائفةٌ منهم عن يمينها وطائفةٌ عن شمالها، فإذا التقوا؛ سلَّم بعضهم على بعضٍ [13]، هذا الحديث أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" وفي سنده مقالٌ، ولكن معناه صحيحٌ، ويُغني عنه ما جاء في "الصحيحين" في قصة المسيء صلاته، فإنه أتى للمسجد وصلى، جاء في بعض الروايات: أنه صلى ركعتين تحية المسجد، ثم أتى النبيَّ فسلم عليه، فرد عليه السلام وقال: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل، فرجع يصلى كما صلى، ثم جاء فسلم، لاحِظ أنه سلم مرةً أخرى، سلم على النبي فرد عليه السلام، فقال: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل، ثم ذهب وصلى ثم أتى النبي فسلم عليه المرة الثالثة، فرد النبي عليه السلام ثم قال: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل، فقال ذلك الرجل: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلِّمني، فعلمه النبي الطمأنينة في الصلاة [14].
ووجه الدلالة: أن هذا الرجل سلَّم على النبي ثلاث مراتٍ، والفاصل بين سلامه الأول والثاني والثالث وقتٌ قصيرٌ جدًّا، فإن هذا الرجل كان لا يطمئن في صلاته ويُسرِع فيها جدًّا، وكما ذكرنا أنه كان يصلي ركعتين، ومع ذلك كرر السلام في المرة الثانية، ثم كرر السلام في المرة الثالثة، وأقرَّه النبي على تكرار السلام؛ فدل ذلك على أن تكرار السلام لا بأس به إذا وُجد فاصلٌ زمنيٌّ، وكذا أيضًا لو وُجد فاصلٌ مكانيٌّ، يعني بأن وُجد حائلٌ مكانيٌّ؛ كجدارٍ أو شجرةٍ أو بناءٍ أو نحو ذلك.
المقدم: يعني حال بينه وبين صاحبه هذا الجدار أو الحائل، ثم رجع وقابله مرةً أخرى يُعيد السلام عليه؟
الشيخ: نعم، السنة أن يُعيد السلام مرةً أخرى؛ فعلى هذا: إذا كان هناك فاصلٌ مكانيٌّ أو فاصلٌ زمانيٌّ يُستحب تكرار السلام.
المقدم: أحسن الله إليكم.
حكم السلام عند دخول المسجد
شيخنا، إذا دخل الإنسان إلى المسجد وأراد السلام على الجالسين؛ فكيف يكون ذلك؟
الشيخ: إذا دخل المسلم المسجد فالسُّنة أن يُسلِّم على الجالسين إذا كان في المسجد أحدٌ؛ لأنه أحيانًا يدخل الإنسان المسجد وليس فيه أحدٌ فلا يُسلِّم؛ لأن بعض الناس يدخل ويُسلِّم والمسجد ليس فيه أحدٌ، يُسلِّم على من؟!
المقدم: يقول: أُسلِّم على الملائكة، بعضهم يقول هذا.
الشيخ: هذا غير صحيحٍ، الملائكة موجودون، معك حفظة، ولم يرد هذا، الأصل في العبادات التوقيف.
المقدم: أو على الجن المسلمين إذا كان هناك.
الشيخ: وما الذي يدريه أن فيه جنًّا؟! يعني أنا أذكر سماحة شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله سُئل عمن يدخل المكان الخالي هل يُسلِّم؟ قال: "لا، إنما يُسلِّم إذا وجد في هذا المكان أحدًا".
إذنْ إذا دخل المسجد فوجد فيه من سبقه -ولو وجد شخصًا واحدًا- فالسنة أن يُسلِّم، وأيضًا إذا فرغ من الصلاة وأراد أن يخرج من المسجد؛ فيُشرع له أيضًا أن يُسلِّم، فتكرار السلام هنا لا بأس به، بل مندوبٌ إليه، ويدخل في إفشاء السلام: أفشوا السلام بينكم [15].
فإذنْ يُسلِّم إذا دخل المسجد، ويُسلِّم أيضًا إذا خرج من المسجد، لكن بعض الناس إذا دخل المسجد يُسلِّم بصوتٍ مزعجٍ، فيرفع صوته ويُسبِّب إزعاجًا؛ الذي ينبغي لمن دخل أن يُسلِّم بقدر ما يُسمع من حوله، لكن لا يُسلِّم بطريقةٍ مزعجةٍ، إنما يُسلِّم بطريقةٍ مقبولةٍ يسمعه الحاضرون ويردون عليه السلام؛ لأن الغرض من إلقاء السلام هو تقوية المحبة والمودة بين المسلمين، فلا يستخدم الإنسان أسلوبًا فيه نوعٌ من الإزعاج أو الاستفزاز للآخرين، إنما يُسلِّم بطريقةٍ مقبولةٍ يقبلها الآخرون؛ بحيث يسمعونه ويردون عليه السلام، سواءٌ عند دخوله المسجد أو عند خروجه من المسجد.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم شيخنا هذا البيان والإيضاح.
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام هذه الحلقة، نسأل الله أن يجزي شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين، شكر الله لكم شيخنا.
الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
المقدم: الشكر لكم أنتم -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- على إنصاتكم واستماعكم.
إلى أن ألتقيكم في حلقةٍ قادمةٍ -بإذن الله - نستكمل فيها الحديث عن بعض الأحكام والمسائل المتعلقة بالسلام، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
^1 | رواه مسلم: 2162. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 12، ومسلم: 39. |
^3 | انجفل الناس: أي ذهبوا مسرعين نحوه. النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير: 1/ 279 (ج ف ل). |
^4 | رواه الترمذي: 2485، وابن ماجه: 2648، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. |
^5 | رواه أبو داود: 5193، والترمذي: 2688، وابن ماجه: 68، وأحمد: 10650. |
^6 | رواه البخاري: 6237، ومسلم: 2560. |
^7 | رواه البخاري: 4418، ومسلم: 2769. |
^8 | رواه البخاري: 6227، ومسلم: 2841. |
^9 | رواه أبو دواد: 5195، والترمذي: 2689، والنسائي: 10169، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. |
^10 | رواه البخاري: 7381، ومسلم: 402. |
^11 | رواه أبو داود: 5196. |
^12 | رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة: 235. |
^13 | رواه البخاري في الأدب المفرد: 773. |
^14 | رواه البخاري: 757، ومسلم: 397. |
^15 | سبق تخريجه. |