المقدم: مرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى هذه الفقرة الأسبوعية فقرة “زدني علمًا”، مع معالي الشيخ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حياكم الله شيخنا المبارك.
الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: وفيك بارك، شيخ سعد الأسبوع الماضي تحدثنا عن الرؤى والأحلام، وذكرت أنها إلى ثلاث حالات:
- الأولى: حديث النفس.
- والثانية: الأحلام.
- والثالثة: الرؤى.
دعنا نأخذها بنفس ترتيبها، موضوع حديث النفس كما وجهت أنه يعني غالبًا حتى لا يزعج الإنسان هو موضوع دار في خاطره، فرآه في منامه.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
حديث النفس كما سبق هو مجرد شيء خطر في باله، ثم رآه في منامه، أو أنه تحدث بهذا الشيء مع أصدقائه، أو مع أهله، أو مع بعض الناس، ثم ما تحدث به رآه في منامه.
المقدم: لكن لا يبحث لهذا الذي رآه عن تفسير له، أو يحدث به أحدًا، أو يطبق ما ذكرته من توجيهات مما يتعلق بالأحلام.
الشيخ: نعم، هذا مجرد حديث نفس، هذا لا أثر له، لا يعتبر رؤيا، ولا حتى حلم، إنما هو مجرد حديث نفس، يعني أشياء بقيت في الذاكرة مما تكلم به، أو فعله في النهار، فبقيت في الذاكرة، وأصبح يراها في المنام، وهذا يُسمَّى حديث نفس.
المقدم: وغالبًا يدرك الإنسان أنه حديث نفس إذا تذكر الأحاديث التي دارت في خاطره في الأمس، أو في نفس اليوم.
الشيخ: نعم، وإذا استيقظ وعرف أنه إنما رأى في منامه هذا الشيء، أدرك أنه مجرد حديث نفس، فهذا لا أثر له.
المقدم: طيب الحالة الثانية التي ذكرتها شيخنا الأحلام، وذكرت أنها من الشيطان، وغالبًا تكون مزعجة للإنسان؛ ولأنها مزعجة ربما يبحث الشخص عن تفسير لها يريد أن يدفعها، خاصة إذا تكررت عليه هذه الأمور المزعجة.
الشيخ: هذه الأحلام لا يلتفت لها، وقد كان أبو قتادة يقول: إني لأرى الرؤيا تكون عليَّ أثقل من الجبل، حتى ذكرت ذلك للنبي ، فقال: إذا رأى أحدكم ما يكره، فلينفث عن يساره ثلاثًا؛ وليتعوذ بالله من شر ما رأى، ومن الشيطان، فإنها لا تضره [1]، فلما قال: فإنها لا تضره قال: فرح الصحابة بهذا فرحًا عظيمًا، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن هذه الأحلام المزعجة لا تضر الإنسان، وأنه ينبغي للإنسان ألا يبحث عن تعبيرها، وعلامتها: أنها مزعجة، إذا كانت في شيء مزعج محزن، فيعرف الإنسان أن هذه من الشيطان، ولا يبحث عمن يعبرها، ولا عمن يؤولها، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا يتحدث بها أصلًا، فهذا هو المطلوب مع مثل هذه الأحلام.
ولذلك كثير من الذين يطلبون تعبير الرؤى، لو أردت أن تأخذ تصنيفًا لها لربما وجدت ما لا يقل عن النصف كلها أحلام، وليست رؤى، يعني لو أردت أن تعمل لها تصفية لربما كانت الرؤى قليلة بالنسبة للأحلام.
ولهذا فالناس محتاجون إلى التوجيه والإرشاد بالنسبة لمثل هذه الأحلام، وأن يقال لهم: كل ما تراه في منامك مزعجًا، فهذا من الشيطان، لا تلتفت له، لكن تعوذ بالله منه، وتعوذ بالله من شر ما رأيت، ولا تذكر ذلك لأحد، فإنها لا تضرك.
لكن إن أخذها الإنسان على أنها رؤيا، وذهب لمن يعبرها، فإنها ربما تقع بسبب التعبير، والدليل لهذا قول النبي : الرؤيا على رجل طائر، فإذا عبرت وقعت [2].
فبعض الناس تجد أنه يرى حلمًا، لكن لا يزال يبحث عن معبر، ولا يزال يهتم به، حتى يعبر على الشيء المكروه، ثم بعد ذلك يقع فيندم، لكن لو أنه استعمل الأدب النبوي، ورأى أن هذا حلمًا، وأنه من الشيطان، وتعوذ بالله منها ومن شرها ومن الشيطان، ولم يذكرها لأحد؛ فإنها لا تضره أبدًا.
المقدم: نعم، الحالة الثالثة: الرؤيا، أنت ذكرت في ضابط الأحلام أن تكون مزعجة، ألا يمكن أن تكون الرؤيا أيضًا أحيانًا مزعجة للإنسان؟
الشيخ: الأصل في الرؤيا أنها لا تكون مزعجة، هذا هو الأصل، وأن الإنسان يضرب له الملك المثل في هذه الرؤيا؛ لأن الإزعاج والإحزان إنما هو من الشيطان، كما قال الله تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة:10]؛ فهذه الكوابيس المزعجة هذه من الشيطان.
فالرؤيا الأصل أنها لا تكون في أمور مزعجة، لكن قد تكون الرؤيا يعني لها دلالات، قد لا تكون فيما يسر الإنسان، قد تكون في أمور يعني ليست تسر الإنسان، لكنها ليست مزعجة، كلامنا في الشيء المزعج المحزن هذا هو الذي من الشيطان، ما عدا ذلك يكون رؤيا، ويكون لها تعبير.
المقدم: وهل التعبير يعني هو مطلوب لكل رؤيا، أحيانًا هي رؤيا، وربما يستفهم الإنسان عنها، لكن لا يسعى إلى تأويلها.
الشيخ: ليس بالضرورة أن الإنسان يطلب التعبير لكل رؤى، فإن رأى أن هذه الرؤيا قد تتضمن بشارة مثلًا، أو تتضمن نذارة، وخاصة إذا تكررت، هنا لا بأس أن يبحث عمن يعبرها، لكن هذا ليس بواجب، لو أنه تركها وأعرض عنها، ولم يبحث عن تعبيرها لا تضره، لكن لو أراد أن يعبرها فلا بد أن يبحث عن إنسان ناصح وحاذق في التعبير.
وأيضًا حتى التعبير من الحاذق يبقى ظنًا، يوسف عليه السلام الذي أعطاه الله تعالى علم التعبير، وعلمه تأويل الرؤى، ومع ذلك وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف:42]، لِلَّذِي ظَنَّ مجرد ظن، يبقى التعبير مهما كان المعبر، ومهما كانت الرؤيا يبقى ظنًا، فلا يفيد القطع.
ولذلك لا يترتب عليه أحكام شرعية، وإنما هي مجرد بشارة أو نذارة فقط.
المقدم: نعم، باختصار شديد شيخنا انتهى الوقت، موضوع الدلالات العامة، ما رأيك بها كأن يقال للشخص: إذا رأيت كذا، فغالبًا أن تعبيره كذا، وهذا ينطبق على كل من رأى.
الشيخ: هذا غير صحيح، التعبير لا بد أن ينظر لحال الرائي، وأيضًا ما الذي رآه، وأيضًا أسماء ما رأى، .. لأن التعبير هو فك رموز لهذه الرؤيا، هذا الرمز يشير إلى كذا، وهذا الرمز يشير إلى كذا، وهذا الرمز يشير إلى كذا، فهي تحتاج إلى معرفة بعلم التعبير.
المقدم: شكر الله لكم معالي الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة الإمام متحدثًا في هذه الدقائق عن الرؤى والأحلام، شكرًا لكم شيخنا.
الشيخ: وشكرًا لكم، وللإخوة المستمعين.
المقدم: هذه تحية زميلي من التسجيل عثمان بن عبدالكريم الجويبر، والملتقى بكم في الأسبوع القادم بمشيئة الله تعالى، الآن العودة إلى الزملاء وبقية فقرات هذا اليوم.