المقدم: حياكم الله مستمعينا الكرام، معنا في هذه الدقائق، وهذه الفقرة “زدني علمًا”، مع معالي الشيخ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، حياكم الله يا شيخ سعد.
الشيخ: حياكم الله، وحيا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: المسألة التي نناقشها في هذه الحلقة اعتقاد سائد لدى بعض الناس أن الأكل الحرام مباشرة بمجرد أن يسمع أصلًا هذا التوصيف الأكل الحرام، ينقدح في ذهنه الربا، ومسائل المعاملات الربوية، وربما يغفل الكثير من الناس عن موضوع إيفاء الدوام حقه من الوقت والجهد أو التلاعب به، أو الغياب، وأخذ المال دون أن يحسم عليك ما لم تقم بعمله.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فما أشرتم إليه هو واقع، فنجد أن بعض الناس يعتقد أن المال الحرام هو أكل الربا، والسرقة، والرشوة، ونحو ذلك، ويغفل عن معانٍ أخرى هي في الحقيقة على الأقل توقعه في الشبهة، وهي التلاعب بأوقات الدوام.
فيأتي مثلًا للدوام متأخرًا، ويخرج مبكرًا، وينصرف من غير عذر، مع أنه يأخذ ويتقاضى أجرًا على الدوام، ولو أنه أنقص من مرتبه شيء، ولو أنقص مبلغ يسير تجد أنه لا يرضى بهذا، ويقيم الدنيا، لكن هو ينقص ويبخس من العمل، ومن الأداء الوظيفي، ومع ذلك لا يرى بهذا بأسًا، وهذا من الخلل، وهذا يشبه ما ذكره الله في قوله: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ [المطففين:1-5].
فهم المطففون، يقول الله تعالى عنهم: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ يأخذون حقوقهم كاملة، لكن يبخسون الناس حقوقهم وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ.
هكذا أيضًا الموظف الذي يريد أن يعطى المرتب كاملًا لا ينقص منه ريال واحد، لكنه مع ذلك لا يؤدي عمله على الوجه المطلوب، يأتي متأخرًا، ينصرف مبكرًا، لا يقوم بالمهام التي توكل إليه على الوجه المطلوب، لا يكون مؤديًا لعمله على وجه الأمانة، وعلى وجه النصح والإتقان، فهو بهذا يبخس هذا العمل، ويبخس هذه المهمة التي أوكلت إليه، وهو يتقاضى أجرة على عمله، ومن كان عنده دوام فتكييف عمله الفقهي أنه أجير خاص، والأجير الخاص هو من قدر نفعه بالزمن.
ومعنى ذلك أنه إذا لم يقم بالعمل كاملًا، فقد أخذ مالًا بغير حق، لو افترضنا مثلًا أنه تأخر عن الدوام ساعة، فيعني هو أخذ أجرًا على هذه الساعة، يكون بهذا قد أخذ مالًا بغير حق، فهذا يجعل هذا المرتب الذي يأخذه نهاية الشهر أن فيه شبهة.
المقدم: حتى لو قال: إنه بالتفاهم مع المدير، أو بالترتيب بينهما مثلًا.
الشيخ: وهذه قضية الحقيقة يعني أحب أن أنبه عليها، بعض الناس يعتقد أن المدير بيده كل شيء، المدير موظف وله صلاحية محددة، وإذا كان المدير متلاعبًا، هذا لا يجعلنا نقول للموظف: تلاعب مثله.
فالمدير إنما يأذن في حدود صلاحيته فقط، أما ما ليس من صلاحيته، لا يملك المدير، ولا غير المدير الإذن فيه، فلو أن المدير قال للموظف: لا تداوم، لا يملك هذا، ولا تبرأ ذمة هذا الموظف.
فإذن بعض الناس يعتقد أن المدير إذا أذن له فقد حل له كل شيء، هذا غير صحيح، المدير إنما يأذن في حدود الصلاحية فقط؛ لأن بعض المدراء لا يخافون الله ، بعض المدراء لا يتقون الله تعالى، متسيبون، ويريدون للموظفين أن يكونوا متسيبين مثلهم، فيعني مثل هذا الإذن من المدير لا اعتبار له، وليس مؤثرًا في الحكم.
المقدم: إلا إذا كان في مصلحة العمل، طلب منه ألا يداوم مثلًا، لكن في المقابل كلف بعمل آخر.
الشيخ: هنا دخل في حدود صلاحيته، إذا كان في حدود صلاحيته، وفي مصلحة العمل، واقتضت مصلحة العمل هذا الشيء لا بأس، إنما الذي نعنيه، الإذن الذي هو خارج حدود صلاحيته، والذي هو ليس في مصلحة العمل، وإنما الدافع له التسيب، هذا هو الذي نعنيه.
المقدم: جميل، شكر الله لكم هذه الكلمات، وهذا التوجيه معالي الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، شكرًا لك شيخنا.
الشيخ: وشكرًا لكم، وللإخوة المستمعين.