جدول المحتويات
المقدم: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حيَّاكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم "مجالس الفقه".
"مجالس الفقه" برنامجٌ يُذاع عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، نتدارس فيه شيئًا من المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة التي يكثر السؤال عنها، ويحتاج المسلم إلى معرفة حُكمها الشرعي.
يصحبنا في ذلك فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ورئيس مجلس إدارة الجمعية الفقهية السعودية، فبِاسْمي وبِاسْمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم.
الشيخ: حيَّاكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
أحكام زراعة الشعر وإزالته
المقدم: أحسن الله إليكم. شيخنا، في هذه الحلقة سنتدارس شيئًا من المسائل الفقهية المتعلقة بأحكام زراعة الشعر أو حتى إزالته، مبتدئين بحقيقة وصل الشعر، والحكمة من النهي عن هذه القضية.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهديه، واتبع سُنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
وصل الشعر
فوصل الشعر اتفق العلماء على تحريمه، واستدلوا بالأحاديث التي فيها النهي عن الوصل وما ورد في ذلك من الوعيد؛ ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: لعن الله الواصلة والمستوصلة[1]، وجاء أيضًا في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: أن امرأةً من الأنصار زوَّجَت بنتًا لها، فمرضت وتساقط شعرها، فأتت النبيَّ [يعني: أتت الأمُّ] وقالت: يا رسول الله، إني أَنْكَحت ابنتي فاشتكت [يعني: مرضَت] فتساقط شعرها، أَفَأَصل شعرها؟ فقال لها النبي : لعن الله الواصلة والمستوصلة[2]. وجاء في روايةٍ لمسلم من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما؛ قالت: جاءت امرأة إلى النبي وقالت: يا رسول الله، إن لي ابنةً عُرَيِّسًا [يعني: عروسة حديثة عهدٍ بزواج] أصابتها حصبةٌ فتمرَّق شعرها، أَفَأَصله؟ قال : لعن الله الواصلة والمستوصلة[3].
وجاء في الصحيحين من حديث معاوية أنه أتى المدينة فخطب وأخرج كُبَّةً من شعرٍ [كُبَّةً يعني: شعرًا مكفوفًا بعضه إلى بعض]، فأخذ هذه الكُبَّة من الشعر ورفعها، وقال: ما كنتُ أرى أن أحدًا يفعله إلا اليهود، إن رسول الله بلغه فسمَّاه الزور[4]. وفي روايةٍ قال: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله ينهى عن مثل هذا، ويقول: إنما هلكَت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم[5].
الحكمة من تحريم الوصل
هذه النصوص قد جاءت في تحريم الوصل، فالوصل مُحرَّم، لكن الحكمة أو المعنى الذي لأجله حُرِّم الوصل، هذا المبحث مهم جدًّا؛ لأنه ترتبط به بعض المسائل وبعض النوازل وبعض الأمور المستجدة. إذا حرَّرنا العلة التي لأجلها منع الشارعُ من الوصل؛ فذهب بعض العلماء إلى أن المعنى الذي لأجله حُرِّم الوصل هو تغيير خلق الله ، وهذا هو مذهب المالكية، واستدلوا بقول الله عن الشيطان: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119]. وأيضًا استدلوا بحديث ابن مسعود أن النبي قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمِّصات، والمتفلِّجات للحسن المغيِّرات خلق الله[6]، هذا المعنى الأول -يعني: القول الأول- وهو أن المعنى الذي لأجله حُرِّم الوصل؛ هو تغيير خلق الله .
القول الثاني: إن المعنى الذي لأجله حُرِّم الوصل هو الانتفاع بجزء من الآدمي، وهذا هو مذهب الحنفية، وعللوا لذلك بأن الانتفاع بجزءٍ من الآدمي فيه امتهانٌ من كرامته؛ فلا يجوز.
القول الثالث: إن المعنى الذي لأجله حُرِّم الوصل هو التدليس والغش، وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة، يعني يكون قول الجمهور؛ واستدلوا لذلك بما جاء في الصحيحين عن سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية المدينة آخر مرةٍ قدمها فخطبنا، فأخذ كُبَّةً من شعرٍ، وقال: إن النبي سمَّاه الزور [يعني: سمَّى الوصلَ في الشعرِ الزورَ][7]؛ الشاهد قوله: إن النبي سمَّاه الزور. ما معنى الزور؟ هذا فيه إشارةٌ إلى علة النهي عن الوصل؛ وهي: ما فيه من الزور والغش والتدليس.
فالزور معناه: التزوير، يعني الغش والتدليس؛ وهذا القول الأخير -والله أعلم- هو القول الراجح لقوة دليله، فإن تسمية النبي له زورًا كالنص في علة النهي. وعلى هذا؛ فتكون علة النهي عن التوصيل: ما فيه من الزور والغش والتدليس.
أما أصحاب القول الأول الذين استدلوا بالآية الكريمة فهذا استدلالٌ خارج محل النزاع؛ إذ إن الآية إنما جاء فيها الحديث عن تغيير الخِلقة، وهذا يكون بالجرح والتشويه كما في تبتيك آذان الأنعام والوشم وغير ذلك، والوصلُ غيرُ داخلٍ في هذا. وحديث ابن مسعود أيضًا الذي استدلوا به ليس فيه ذكرٌ للوصل، إنما فيه ذكرٌ للوشم والتفليج والنَّمص؛ هذه الأمور تغيير للخِلقة، لكن الوصل لم يرد فيه شيءٌ من هذا.
وأما ما ذهب إليه الحنفية من أن علة النهي أن فيه الانتفاع بجزءٍ من الآدمي، وأن هذا فيه امتهانٌ لكرامة الآدمي؛ فهذا كلام ليس عليه دليل، هذه دعوى ليس عليها دليل، وقد دَلَّ الدليل بأن علة النهي هي: ما فيه من التزوير.
وعلى هذا نقول: إن علة النهي عن الوصل هي ما فيه من التزوير؛ بناءً على هذا إذا وُصل شعر المرأة بشعر آدميٍّ فهذا مُحرَّم، قال النووي رحمه الله: "إن وصلَت المرأة شعرها بشعر آدميٍّ فهذا حرامٌ بلا خلاف؛ لعموم الأحاديث". لكن لو وصلَت المرأة شعرها بغير شعر آدميٍّ؛ يعني بعض النساء تصل شعرها بحبال مثلًا، فإن كان الموصول به لا يُشبه الشعر الطبيعي، بحيث يُدرِك الناظر إليه -لأول وهلةٍ- أنه ليس شعرًا طبيعيًّا؛ فلا يَحرُم الوصل حينئذٍ، سواءٌ أكان ما وُصِل به شعرًا أو صوفًا أو وَبَرًا أو غيرَ ذلك؛ لعدم تضمُّنه علة النهي عن التحريم -وهي التدليس والزور-. أما إذا كان الموصول بشعر المرأة يُشبه الشعر الطبيعي، بحيث يظن الناظر إليه أنه شعرٌ طبيعيٌّ؛ فيَحرُم الوصل، سواءٌ كان الذي وُصِل به شعرًا أو صوفًا أو وَبَرًا أو خيوطًا أو غيرَ ذلك. فإذَن؛ علة النهي عن التصوير: ما فيه من التزوير والتدليس والغش.
حُكم الأظافر والرموش الصناعية
المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم شيخنا. هل يدخل في هذا الوصل أيضًا وصلُ الأظافر بتركيب أظافر صناعية ونحو ذلك؟
الشيخ: نعم يدخل، لا فرق بين وصل الشعرِ بشعرٍ، ووصل أظافرَ بأظافرَ صناعية؛ كل هذا يدخل في النهي.
المقدم: على اعتبار أن العلة موجودة وهي التزوير؟
الشيخ: نعم، نحن قررنا أن العلة -على القول الراجح- هي: ما فيه من التزوير الذي ورد في الحديث بتسميته الزور والتدليس والخداع.
المقدم: سينسحب ذلك أيضًا على الرموش الصناعية؟
الشيخ: كذلك أيضًا الرموش الصناعية، فلا فرق بين وصل شعرٍ بشعرٍ، وأظافرَ بأظافرَ، ورموشٍ برموشٍ؛ المعنى فيها واحد.
حُكم زراعة الشعر
المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم هذا البيان. مما يتصل بذلك -شيخنا-: حُكم زراعة الشعر؛ وهل هو داخلٌ في الوصل؟ وما الفرق بينه وبين الوصل؟
الشيخ: زراعة الشعر تُجرى لمَن يعاني سقوط الشعر أو الصلع، وتقوم هذه الزراعة على أخذ شريحة من جلد فروة الرأس الذي يحتوي على شعر، وزرعها في المكان الخالي، وذلك وفْقَ آليةٍ معينة، تُجرى عمليةٌ تحت التخدير الموضعي، ويتم تحديد المنطقة، وتُستأصل شريحة من جلدةِ مؤخرةِ فروةِ الرأس التي تحتوي على كمية وافرة من بُصَيْلات الشعر، ويتم إحداث ثقوب صغيرة جدًّا إلى غير ذلك؛ المهم أنها تُجرى بعملية معينة فتكون زراعة الشعر؛ هل زراعة الشعر جائزة أو غير جائزة؟
للعلماء المعاصرين فيها قولان: القول الأول أنها جائزة، وأنه لا بأس بها. ولكن هناك قولٌ آخر لبعض العلماء المعاصرين بعدم الجواز؛ والأكثر على الجواز.
القائلون بجواز زراعة الشعر استدلوا بما جاء في الصحيحين في قصة الثلاثة من بني إسرائيل؛ يقول عليه الصلاة والسلام: إن ثلاثة من بني إسرائيل؛ أبرص وأقرع وأعمى، أراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم مَلَكًا؛ جاء في الحديث: فأتى الأقرعَ قال: أيُّ شيءٍ أحب إليك؟ قال: شعرٌ حَسنٌ، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه وأُعطي شعرًا حَسنًا[8]؛ وجه الدلالة أن المَلَك مسح على هذا الأقرع فذهب عنه قرعه وأُعِطي شعرًا حَسنًا؛ فدَلَّ ذلك على أن السعي في إزالة هذا العيب واستنبات الشعر الحَسن لا بأس به، لو كان مُحرَّمًا لَمَا فعله المَلَك.
أيضًا قالوا: إن زرع الشعر ليس من باب تغيير خلق الله أو طلب التجمل والحُسن زيادةً على ما خلق الله، ولكنه من باب رَدِّ ما خلق الله وإزالة العيب؛ وما كان كذلك فالشريعة لا تمنع منه. وقالوا أيضًا: إن الصلع والقرع يُعتبران عيبًا في الإنسان يتألم منهما نفسيًّا، وربما يزدريه بعض الناس بسبب ذلك؛ ولهذا في قصة الأبرص والأقرع والأعمى لمَّا سُئل الأقرع: أيُّ شيءٍ أحب إليك؟ قال: شعرٌ حَسنٌ، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس. وزراعة الشعر هي من باب علاج هذا العيب، وقد دلَّت الأدلة الكثيرة على جواز العلاج والتداوي من الأمراض والعيوب التي تقع للإنسان؛ وهذه وجهة القائلين بجواز زراعة الشعر.
القائلون بعدم الجواز قالوا: إن زراعة الشعر تدخل في الوصل المُحرَّم شرعًا. والقول الراجح -والله أعلم- هو القول الأول، وهو جواز زراعة الشعر لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول.
الفرق بين زراعة الشعر والوصل
أما ما ذكره أصحاب القول الثاني -وهم القائلون بالتحريم- من أن زراعة الشعر تدخل في الوصل المُحرَّم شرعًا؛ فهذا غير مُسلَّم. فهناك فرق بين زراعة الشعر والوصل؛ ومن أبرز الفروق: أنه في الوصل يُضاف إلى الشعر شيءٌ آخر غير الشعر الأول، وهذا المضاف إما أن يكون شعرًا أو غيره. أما في زراعة الشعر؛ فالمُضاف هو الشعر نفسه مع جزءٍ من الجلد يحوي بُصَيْلات الشعر، وغاية ما هنالك أن الشعر يُنقل من مؤخرة الرأس إلى مقدمة الرأس، أو إلى الموضع الذي يُراد زراعة الشعر فيه.
أيضًا من الفروق أنه تكون الإضافة في الوصل من شخصٍ أو من شيءٍ آخر، أما في زراعة الشعر فإن الشعر المزروع يكون من الشخص نفسه غالبًا.
أيضًا في الوصل يُوصل الشيء المضاف -الشعر أو غيره- ويُربَط بالشعر الأول -ولهذا سُمي "وصلًا"-، والشعر الموصول يُضاف ويُشَدُّ إليه ليكثُر بالإضافة. أما زراعة الشعر فإنها تختلف عن ذلك؛ فإن الشعر المزروع يُغرَس في فروة الرأس أو في الموضع الذي يُراد زراعته فيه مباشرةً، وليس بينه وبين الشعر الأول اتصالٌ؛ لتكون الزراعة في منطقة خالية أو شبه خالية من الشعر.
أيضًا من الفروق: أن الغرضَ من وصل الشعر تكثيرُ الشعر الأصلي وتطويلُه وإظهارُه كما لو كان غزيرًا، لكنه لا ينمو ولا يزيد في طوله وكثافته. أما في زراعة الشعر؛ فإن الشعر الذي ينشأ عن البُصَيْلات المزروعة ينمو وتزيد كثافته، ويمكن قصه وحلقه؛ هو إعادةٌ للرأسِ إلى خلقته الأصلية، وليس مجرد إيحاءٍ كاذبٍ بكثرة الشعر كما في الوصل.
أيضًا المقصود في الوصل هو الشعر الموصول نفسه أو الذي سيُوضع على الرأس؛ أما في زراعة الشعر فالمقصود هو بُصَيْلات الشعر الموجودة في شريحة الجلد، أما الشعر المزروع فإنه يتساقط بعد عدة أسابيع، وأيضًا الوصل كثيرًا ما يُستعمل مع وجود الشعر، وحينئذٍ فالهدف يكون هو التظاهر بطول الشعر وجماله، أما زراعة الشعر فلا تُجرى إلا لمَن يُعاني من الصلع أو من عدم وجود الشعر في مناطق معينة من الجسم، وقد تُجرى في حالة قلة كثافة الشعر وتباعده؛ أي إن وصلَ الشعر خداعٌ وتغريرٌ، أما الزراعة فهي علاج.
هذه الآن ستة فروقٍ، وربما لو تأمَّلنا وجدنا فروقًا أكثر من ذلك؛ وبهذا يتبين أن قياسَ زراعة الشعر على وصل الشعر قياسٌ مع الفارق. لكن القول بجواز زراعة الشعر مقيدٌ بما إذا كان يُقصد بزراعة الشعر إزالة العيب ورَدّ ما خلقه الله، أما لو كان المقصود بالزراعة طلب الحُسن والتجمُّل، وليس هناك عيبٌ في الإنسان كأن يكون شعر الرأس حَسنًا وكثيفًا، لكن يُراد بزراعة الشعر أن يكون شعره أكثر حُسنًا وغزارةً؛ فالأقرب أنه يُمنع من ذلك لأنه ربما يكون فيه تغيير لخلق الله .
المقدم: أحسن الله إليكم. إذَن؛ يُفرَّق في الحُكم بين مَن قصد بذلك إزالة العيب، أو قصد بذلك التجمُّل أو زيادة أمرٍ كماليٍّ؟
الشيخ: نعم، قد يقول قائلٌ: كيف يكون تغييرًا لخلق الله؟ نقول: النبي اعتبر التفليجَ تغييرًا لخلق الله، لعن الواشمة والمستوشمة، قال: والمتفلِّجات الحسن المغيِّرات خلق الله[9]، ما هو التفليج؟ التفليج معناه: التفريق بين الأسنان، تفعله غالبًا النساء؛ لأن المرأة إذا تقدم بها السن تكون أسنانها متلاصقة، فتريد أن تُفرِّق بين أسنانها حتى تبدو صغيرة؛ فهذا معنى التفليج، ومع ذلك اعتبره النبي تغييرًا لخلق الله تعالى.
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا. ولعلنا نستغل هذه الفرصة؛ فشيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان مهتم بدراسة المسائل الفقهية ولا سيما النوازل المعاصرة، وهذه المسألة تحديدًا لكم فيها بحثٌ منشورٌ -فيما أعرف-.
الشيخ: نعم، أصبح يوجد كتيب صغير بعنوان "أحكام زراعة الشعر وإزالته"؛ ولهذا لو أراد أحد المستمعين التوسُّع في بحث هذه المسائل يرجع لهذا الكتاب.
إزالة الشعر بالتقنيات الحديثة
المقدم: مما يتصل بهذه المسألة -شيخنا- ما يتعلق بإزالة الشعر، الحديث السابق كان في زراعة الشعر؛ ماذا عن إزالة الشعر، ولا سيما بوسائل التقنيات الطبية الحديثة كإزالته بالليزر ونحو ذلك؟ هل هو جائز؟ وهل يختلف الحُكم من موضع إلى موضع؟
الشيخ: إزالة الشعر سواءٌ كانت إزالة بالأمور العادية المعروفة -يعني: بالطرق التقليدية-، أو كانت بالتقنيات الطبية الحديثة -إما بما يُسمى بالتحليل الكهربائي أو بالليزر أو بالضوء أو بغير ذلك من التقنيات الطبية الحديثة، وهي الآن في تقدُّم وفي تطوُّر-؛ ما نص الشارع على تحريم إزالته من الشعر فيَحرُم إزالته بأيِّ مزيلٍ، سواءٌ أكان ذلك بالتقنيات الطبية الحديثة أو بغيرها؛ كشعر اللحية، اللحية لا يجوز حلقها، فلا يجوز إزالة شعر اللحية بأية وسيلة، وكشعر الحاجبين أيضًا؛ لأن إزالة شعر الحاجبين يعني النمص.
أما ما نص الشرع على طلب إزالته كإزالة شعر الإبط مثلًا والعانة، فيجوز إزالة شعر الإبط بالتقنيات الطبية الحديثة وأيضًا بالطرق التقليدية؛ لأن المقصود إزالة شعر الإبط بأيِّ مزيل، فلا فرق بين أن يُزال بالموس أو يُزال بالليزر أو بأية وسيلة من وسائل إزالة الشعر، وبعض الفقهاء يرى أن النتف أَولى من الحلق، لكن كما قال الإمام الشافعي: "ومَن يُطيقه؟"؛ لأن فيه ألمًا شديدًا. أما إزالة شعر العانة فلا تجوز بالتقنيات الطبية الحديثة إذا كانت تُفضي إلى كشف العورة المغلظة. ولا بُدَّ من هذا القيد؛ لأن بعض المراكز الطبية تُعلِّم الشخص كيفية إزالة الشعر بالأجهزة الطبية الحديثة، فيُزيل شعر العانة بنفسه من غير حاجة لكشف عورته المغلظة لغيره؛ فهذا لا بأس به، إذا أتى وعلَّمه الطريقة وقال: تُزيل الشعر بهذه الطريقة، وأزال شعر العانة بالليزر أو بأية وسيلة من الوسائل الطبية الحديثة؛ لا بأس بذلك، لكن أن يفعل ذلك غيرُه، فهذا يُفضي إلى كشف العورة المغلظة، وهذا لا يجوز، وليس هناك ضرورةٌ أو حاجةٌ مُلِحة لذلك.
أمَّا شعر الشارب؛ فالأدلة دلَّت على أنه يُشرع حفُّه وقصُّه، وليس حلق شعر الشارب، لم يرد -فيما وقفتُ عليه- حلقُ الشارب، وإنما ورد حفُّ الشارب: حُفُّوا الشوارب[10]، قُصُّوا الشوارب[11]، ولكن لم يَرِد حلقُ الشارب؛ ولهذا قال الإمام مالك: "وددتُّ أن يُؤدَّب مَن يحلق شاربه"، والمسألة خلافية بين الفقهاء؛ أيهما أَولى: الحلق أو الحفُّ أو القص؟ الأظهر -والله أعلم- أن الأَولى والأقرب للسنة الحفُّ أو القص.
ما سكت عنه الشارع من الشعور كشعر اليدين والساقين والفخذين والبطن والظهر ونحوها؛ فهذه تجوز إزالتها، على ذلك لا بأس بأن تزال إما بالطرق التقليدية المعروفة أو بالتقنيات الطبية الحديثة كالليزر؛ فلا بأس بذلك، لو أراد رجلٌ أو امرأةٌ أن يُزيل شعر ساقه بالليزر أو بأيِّ تقنية طبية حديثة فلا بأس بذلك؛ لأن هذه سكت عنها الشارع، والأصل فيها الجواز.
على ذلك نقول:
- إن ما نهى الشارع عن إزالته من الشعور؛ لا يجوز بأية وسيلة كشعر اللحية.
- ما نص الشارع على طلب إزالته كشعر الإبط؛ لا بأس أن يكون بأية وسيلةٍ، سواءٌ بالليزر أو بغيره، لكن شعر العانة قلنا: إذا كانت إزالته لا تُفضي لكشف العورة المغلظة لا بأس أن يكون بالليزر ونحوه، أما إذا كان يُفضي إلى كشف العورة المغلظة فهذا لا يجوز.
- ما سكت عنه الشارع كشعر الساقين واليدين؛ فهذا تجوز إزالته بأية وسيلةٍ، سواءٌ بالليزر أو بغيره من التقنيات الطبية الحديثة.
حُكم إزالة شعر اليدين والرجلين
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا. في هذه المسألة بخصوصها هنا أمران: بعضهم يُشدِّد في مسألة إزالة شعر اليدين والساقين، أو يرى أنها من خوارم المروءة أو نحو ذلك؛ فهل مثل هذا يدخل في مثل هذه الأحكام؟
الشيخ: لا يظهر أن هذا من خوارم المروءة، هذا مما سكت عنه الشرع، والأصل في ذلك الجواز، ويعتبره النساء من علامات الحُسن والجمال، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ [الأعراف:32]، فمَن قال بالتحريم أو حتى قال بالكراهة مُطالَبٌ بالدليل؛ لأن التحريم والكراهة هذه أحكام شرعية فلا يقال بذلك إلا بدليل. وأيضًا قولهم بأنه خارِمٌ للمروءة ليس بظاهر، فهذه الشعور المسكوت عنها كشعر الساقين وشعر اليدين والبطن والظهر ونحو ذلك، هذه الأصل هو جواز إزالتها، سواءٌ أكان ذلك بالطرق التقليدية المعروفة أو كان ذلك بالتقنيات الطبية الحديثة.
حُكم إزالة الشعر بالتقنيات الحديثة إذا كان فيه ضرر
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا. إذا كانت هذه التقنيات الحديثة الطبية تؤول إلى منع خروج الشعر بالكلية عن طريق معالجة الجسد بحيث لا يخرج شعر؛ فهل هذا مؤثِّرٌ في الحُكم؟
الشيخ: أولًا: ما حَرُمَ إزالته من الشعور كشعر اللحية والحاجبين؛ هذا أصلًا لا يجوز التعرض له، لا يجوز إزالة شعر الحاجبين واللحية، كذلك لا يجوز حلقها، لكن أخذُ ما زاد على القبضة فهذه مسألة فقهية، والجمهور على الجواز، ولا نريد أن ندخل في الخلاف في هذه المسألة. لكن الشعور التي طلب الشارع إزالتها مثل شعر الإبط، فلو أراد شخصٌ أن يستخدم تقنيةً طبيةً حديثةً بحيث لا يَنْبُت الشعرُ مرةً أخرى، فهنا النظر فقط للضرر، إذا لم يكن عليه ضرر فلا بأس؛ لأن هذا في معنى نتف الإبط، والذي ورد في الحديث نتفُ الإبط، لكن كما قال الإمام الشافعي: "مَن يُطيقه؟".
فإذا استخدُم الليزر أو وسيلة طبية حديثة آمنة وقالوا إن هذا الشعر يمكن أن يُزال بصفة دائمة أو طويلة كشعر الإبط والعانة؛ فهنا ننظر لرأي الأطباء والمختصين، إذا قالوا: ليس فيه ضررٌ؛ فلا بأس، أما إذا قرروا أن فيه ضررًا؛ فلا يجوز، لأن الإنسان ممنوعٌ من أن يُحدِث ضررًا في جسده؛ لأن جسده ملكٌ لله وليس ملكًا له يفعل به ما يشاء. لكن لو قال له الأطباء المختصون: ليس فيه ضررٌ؛ فلا بأس. وربما أيضًا هذا يُريح الإنسان إذا لم يكن فيه ضررٌ، يستخدم الليزر لإزالة مثلًا شعر الإبط ويُريحه كثيرًا. لكن هل فعلًا ليس فيه ضرر؟ هذه مسألةٌ ترجع لأهل الاختصاص، فإذا قال أهل الاختصاص إن إزالة شعر الإبط بصورة دائمة، يعني أخذه بالليزر مثلًا ليس فيه ضررٌ على الإنسان؛ فلا بأس به. بقية الشعور التي سكت عنها الشارع؛ قلنا: الأصل فيها الجواز، مثل: شعر الساقين واليدين ونحو ذلك؛ أيضًا تأخذ الحُكم نفسه، فإذا قال أهل الاختصاص إن الإزالة الدائمة أو الطويلة ليس فيها ضررٌ؛ فلا بأس بها.
فيكون الضابط إذَن: هو أنه إذا كان فيها ضررٌ لم يَجُز، وإذا لم يكن فيها ضررٌ جاز ذلك، والمرجع لتحديد الضرر لأهل الاختصاص.
هل يزول حُكم الوصل إذا عُرف حقيقة الموصول؟
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا. في هذه المسألة بخصوصها إذا تبيَّن للناظر في هذا الجزء الموصول أنه ليس داخلًا في الاشتباه والتزوير كما يقال؛ فهل ينتقل الحُكم هنا إلى الجواز؟ مثل بعض النساء تركب أظافر، الناظر يعلم أنها ليست أظافر حقيقية وإنما صناعية؛ فهل مثل هذا ينقل الحُكم إلى الجواز أم تبقى شبهة التزوير ظاهرة؟
الشيخ: يبقى الحُكم على الأصل، الأصل عدم جواز الوصل، وما ذكرناه من العلة -وهي أن العلة التدليس- هذه مُستنبَطة، ليست علةً منصوصًا عليها بشكل مجمع عليه، نحن ذكرنا الخلاف؛ ذكرنا أن المالكية لهم رأيٌ مُختلِف، والحنفية لهم رأيٌ آخر، والذين قالوا بأن العلة هي ما فيه من التزوير هم فقط الشافعية والحنابلة، تبقى المسألةُ مسألةً اجتهاديةً. وعلى ذلك؛ فيُحترَم النص، ما كان فيه وصلٌ لشعرٍ فلا يجوز، ما دام أنه وصلُ شعرٍ بشعرٍ فلا يجوز، وهكذا أيضًا وصل أظفارٍ بأظفارٍ، وأيضًا وصل رموشٍ برموشٍ؛ يبقى على أن هذا كله يدخل في معنى الوصل.
المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا وشكر الله لكم هذا البيان والإيضاح في هذه المسألة. ومَن أراد الاستزادة في أحكام مسائل زراعة الشعر وإزالته يمكنه الرجوع إلى بحثٍ لشيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان في هذه المسألة، وله كتابٌ أو بحثٌ في هذا منشورٌ يمكن الرجوع إليه، ذكر فيه الأحكام بشيءٍ من التوسع والبسط، فشكر الله لشيخنا هذا البيان والإيضاح.
الشيخ: والشكر لكم وللإخوة المستمعين.
المقدم: الشكر كذلك موصولٌ لمَن قام بتسجيل هذه الحلقة الشيخ: عثمان بن عبدالكريم الجويبر، إلى أن ألتقيكم في حلقة قادمة بإذن الله ومع موضوع فقهي جديد؛ أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
كان معكم في إدارة هذه الحلقة: فهد بن عبدالعزيز الكثيري، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
^1 | رواه البخاري: 5937، ومسلم: 2124. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 5934، ومسلم: 2123. |
^3 | رواه مسلم: 2122. |
^4, ^5, ^7 | رواه مسلم: 2127. |
^6 | رواه البخاري: 4886، ومسلم: 2125. |
^8 | رواه البخاري: 3464، ومسلم: 2964. |
^9 | رواه البخاري: 4886، ومسلم: 2125. |
^10 | رواه البخاري: 5892، ومسلم: 259 بنحوه. |
^11 | رواه البخاري: 5893، ومسلم: 259. |