logo
الرئيسية/برامج إذاعية/مجالس الفقه/(40) برنامج مجالس الفقه- مفطرات الصيام

(40) برنامج مجالس الفقه- مفطرات الصيام

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم: (مجالس الفقه).

(مجالس الفقه) برنامجٌ يُذاع عبر أثير "إذاعة القرآن الكريم"، نتدارس فيه شيئًا من المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة التي يكثر السؤال عنها ويحتاج إلى معرفتها المسلم، يصحبنا في هذا البرنامج فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية، ورئيس مجلس إدارة الجمعية الفقهية السعودية، فباسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم.

الشيخ: مرحبًا بكم، وأهلًا وسهلًا، حياكم الله وحيَّا الله الإخوة المستمعين.

المقدم: أحسن الله إليكم.

مفطرات الصيام

شيخنا، كنا في حلقاتٍ ماضيةٍ شرعنا في الحديث عن بعض المسائل والنوازل المعاصرة المتعلقة بالصيام وأحكامه، ولعلنا نستكمل هذا الحديث في هذه الحلقة بإذن الله .

هل استعمال الكُحْل مفسدٌ للصوم؟

ومما يكثر السؤال عنه في باب المفطرات التي تُفسد الصيام: ما يتعلق باستعمال الكُحْل، فهل استعمال الكحل مفسدٌ للصوم؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فالكحل محل خلافٍ بين الفقهاء في إفساده للصوم:

  • فمنهم من ذهب إلى أنه لا يُفسد الصوم، وهذا هو مذهب الحنفية والشافعية؛ قالوا: لأن العين ليست منفذًا معتادًا للجوف، ولأنه -أي الكحل- ليس أكلًا ولا شربًا، وليس في معنى الأكل والشرب، وما قد يجده المكتحل في حلْقِه إنما هو مجرد رطوبةٍ، والأصل صحة الصيام، ولا يُعدل عن هذا الأصل إلا بأمرٍ واضحٍ، ولم يتضح كون الكحل مفسدًا للصيام.
  • وذهب بعض الفقهاء إلى أن الكحل مفسدٌ للصيام إذا وَجد طعمه في جوفه، وهذا هو المذهب عند المالكية والحنابلة، واستدلوا بأن له جِرْمًا ينفُذ للجوف، قال الإمام أحمد: حدثني إنسانٌ أنه اكتحل بالليل فتنخَّعه بالنهار، واستدلوا ببعض الأحاديث التي فيها الأمر باجتناب الكحل للصائم؛ كحديث: لِيَتَّقْهِ الصائم [1]، كما عند أبي داود.

والراجح في هذه المسألة -واالله أعلم- هو القول الأول: وهو أن الكحل لا يُفسد الصوم؛ وذلك أولًا: لأن الأحاديث الواردة في الكحل للصائم كلها ضعيفةٌ لا تثبت من جهة الصناعة الحديثية، قال الترمذي رحمه الله: "لا يصح عن النبي في هذا الباب شيءٌ".

ثانيًا: صحيحٌ أنه أحيانًا قد يجد الإنسان أثرًا في الحلق كما ذكر الإمام أحمد عمن اكتحل بالليل وتنخَّعه بالنهار، ويوجد منفذٌ يسيرٌ من العين إلى الحلق والأنف، حدثني بذلك بعض الأطباء المختصين، لكن هو يسيرٌ جدًّا، وهذا الذي قد يجده الإنسان بسبب الكحل ونحوه هو مجرد رطوبةٍ، لا يُعتبر أكلًا ولا شربًا، وليس بمعنى الأكل والشرب، وليست العين منفذًا معتادًا للطعام والشراب؛ ولذلك المريض عندما يتعذر إعطاؤه الطعام والشراب عن طريق فمه؛ لا يمكن أن يُعطى عن طريق عينه، لم نسمع يومًا من الأيام أن أحدًا أُعطي طعامًا أو شرابًا عن طريق العين، وهكذا الأذن، لكن يُمكن أن يُعطى عن طريق الأنف؛ ولذلك قلنا: إن قطرة الأنف مفسدةٌ للصوم إذا وصل ماؤها إلى الجوف، لكن بالنسبة للعين: قطرة العين، والكحل، هذه لا تُفسد الصوم، حتى وإن وجد رطوبةً، هذه مجرد رطوبةٍ، وليست أكلًا ولا شربًا، وليست بمعنى الأكل والشرب، والأصل صحة الصيام، هذا هو الأصل، ولا يمكن أن يقال بإفساد صوم مسلمٍ بأمرٍ غير واضحٍ؛ لأنه لم يتضح كون الكحل له جِرْمٌ، ويقوم مقام الطعام والشراب؛ وعلى ذلك: فالقول الراجح :أن الكحل لا يُفسد الصوم، ومثل ذلك أيضًا: قطرة العين.

المقدم: أحسن الله إليكم.

شيخنا، في هذه المسألة لو -حتى على هذا الافتراض- أنه وجد طعمًا أو أثرًا في حلقه؛ هل المؤثِّر وجود هذا الطعم في الحلق؟ أم دخولها إلى الجوف إلى المعدة؟

الشيخ: المعوَّل عليه: دخولها إلى داخل الجوف، لكن الحلق هو منفذٌ للجوف، منفذٌ قريبٌ للجوف، لكن أحيانًا تكون رطوبةً، ليست منفذًا بالفعل، إنما هي مجرد رطوبةٍ، لو كانت منفذًا بالفعل؛ للجأ إلى ذلك الأطباء عند تعذُّر الطعام والشراب للمريض، فهو ليس بمنفذٍ معتادٍ، وما قد يجده الإنسان من أثرٍ فهذا مجرد رطوبةٍ، مع أن كونه يجد أثرًا أحوالٌ قليلةٌ أو نادرةٌ، لكن مع ذلك نقول: حتى لو وجد هذا الأثر، فهذا غير مؤثرٍ على صحة الصوم، فقطرة العين والكحل لا يُفسدان الصوم على القول الراجح.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

هل تذوق الطعام مفسد للصوم؟

أيضًا شيخنا من المسائل المتعلقة بالمفطرات، وهو أمرٌ يقع فيه كثيرٌ من الناس، ولا سيما لمن يمارس الطبخ ونحوه: ذوق الطعام، يحتاج أن يذوق الطعام وهو صائمٌ؛ ليتأكد من صلاحية الطعام، فهل هذا الذوق للطعام مفسدٌ للصيام؟

الشيخ: هذا أيضًا محل خلافٍ بين الفقهاء فيما إذا وجد أثرًا لهذا الطعام في جوفه، أما إذا لم يجد أثرًا، ذاق الطعام ثم لفَظَه، ولم يجد أثر ذلك في جوفه، فهذا صومه صحيحٌ، ولكن إذا ذاق الطعام ولفَظَه لكن وجد شيئًا من الأثر في حلقه، فمن الفقهاء من قال: إن صومه يفسد، والراجح أن صومه صحيحٌ، وأن هذا القدر معفوٌّ عنه، وهو أشبه بملوحة الماء التي قد يجدها الصائم بعدما يتمضمض، فإن الصائم إذا تمضمض مثلًا للوضوء لصلاة الظهر أو العصر، يبقى أثرٌ لملوحة الماء في فمه، وتختلط هذه الملوحة بالريق، ويبتلعها الصائم، وهذا معفوٌّ عنه بالإجماع؛ فكذلك أيضًا هنا، إذا ذاق طعامًا ثم لفَظَه وبقي أثره في فمه؛ فإن ذلك لا يضر، وصومه صحيحٌ.

المقدم: أحسن الله إليكم، إذنْ هي على التفصيل؛ إن لفَظ الطعام؛ فصومه صحيحٌ، لكن لو قُدِّر أنه ابتلع هذا القدر اليسير من هذا الذوق لهذا الطعام؛ يفسد صومه؟

الشيخ: نعم بلا شكٍّ، لو أنه لما ذاق الطعام ابتلعه قاصدًا مختارًا؛ فسد صومه؛ لأنه أكل، لكن الكلام فيمن ذاق الطعام ولفَظَه، وهذا يفعله عامة من يطبخ من الرجال ومن النساء، فمن يقوم بالطبخ يريد أن يختبر ملوحة الطعام فيذوقه ثم يَلفِظه، هذا لا بأس به للصائم ولا يفسد الصوم.

المقدم: ولا يحتاج أن يتكلَّف أن يتمضمض بعده.

الشيخ: لا يحتاج على القول الراجح، وإن أراد أن يحتاط ويتمضمض فهو أبرأ للذمة.

المقدم: أحسن الله إليكم.

هل بلع الريق مؤثِّرٌ على الصوم؟

أيضًا شيخنا من المسائل التي يُسأل عنها في باب المفطرات: بلع الريق، ولا سيما من يقوم بجمع ريقه أحيانًا ثم يبتلعه، فهل هذا مؤثِّرٌ على الصوم بالإفساد؟

الشيخ: بلع الريق لا يُؤثِّر على الصوم، بلع الريق معفوٌّ عنه، وحُكِي الإجماع على ذلك، على أن بلع الريق لا يفسد الصوم؛ لأنه ليس أكلًا ولا شربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب، والأصل صحة الصوم، وليس هناك دليلٌ يدل على أن بلع الريق يُفسد الصوم، لكن لو جمع ريقه فابتلعه قاصدًا ذلك، فالفقهاء يقولون: يُكره أن يجمع ريقه فيبتلعه، لكن إذا لم يتعمد ذلك ولم يجمع ريقه، وإنما ابتلعه من غير تعمدٍ، ومن غير أن يجمعه؛ فمعفوٌّ عنه بالإجماع، ولا بأس به، وكثيرٌ ممن يسأل عن بلع الريق عندهم وساوس في هذا، تجد أنه يسأل عن بلع الريق، وعن أيضًا بلع النخامة، ونحو ذلك، فنقول: بلع الريق لا يُفسد الصوم بإجماع العلماء، لكن يقول الفقهاء: إنه يُكره أن يجمع ريقه فيبتلعه، على سبيل الكراهة.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

ضابط ما يحصل به التفطير للصائم

شيخنا، هذه المفطرات التي ذكرناها قبل قليلٍ، والتي ذُكرت في الحلقة الماضية؛ من قطرة الأنف والعين والأذن، ووضع التحاميل، والقيء.. إلى آخرها، هل هي مفطرةٌ للصائم بإطلاقٍ، أو هناك ضوابط للقول بتفطيرها؟

الشيخ: ضابط ما يحصل به التفطير للصائم، هذه المسألة هي من أهم مسائل هذا الباب، وإذا أمكن أن نضبط هذا الضابط فتتفرَّع عنه بقية المسائل، لكن هذا الضابط (ضابط ما يحصل به التفطير للصائم) اختلف فيه الفقهاء اختلافًا كثيرًا، والكثير منهم يجعل الضابط: الوصول للجوف، يعني: وصول الطعام والشراب للجوف، طيب ما هو الجوف؟ اختلفوا أيضًا في المراد بالجوف اختلافًا كثيرًا، وذهب بعض العلماء المحققين -ومنهم الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى- إلى أن الضابط: هو ما كان منصوصًا عليه أو في معنى المنصوص، وهذا الضابط -كما ترى- ضابطٌ جيدٌ، جامعٌ مانعٌ، المنصوص عليه أو في معنى المنصوص فقط؛ فمثلًا: الأكل والشرب منصوصٌ عليهما، فيُقاس عليهما ما كان في معناهما؛ كالإبر المغذية مثلًا، فإن الإبر المغذية تقوم مقام الأكل والشرب؛ لذلك يَستغني بها المريض عن الأكل والشرب، وبعض المرضى يبقى عدة أيامٍ، وربما يبقى مدةً طويلةً وهو على المغذيات، هذه تقوم مقام الأكل والشرب، فإذنْ قِيست هذه الإبر المغذية وهذه المغذيات على الأكل والشرب، وهكذا بالنسبة لسائر المنصوص عليه، يُقاس عليه ما كان في معناه.

أما ما لم يكن منصوصًا عليه، وليس في معنى المنصوص، فهذا ليس بمفطِّرٍ؛ فعلى سبيل المثال: لو أخذنا قطرة الأذن، قطرة الأذن ليست من المنصوص عليه، وليست في معنى المنصوص، فما الذي يدل على أن قطرة الأذن، وأنه إذا نفذ شيءٌ من الأذن، حتى لو وجد رطوبةً في الجوف؛ أنه يفسد الصوم؟

فإذنْ قطرة الأذن ليست منصوصًا عليها، وليست في معنى المنصوص.

وأيضًا أصلٌ آخر، وهو مهمٌّ جدًّا: عندما يُنظر لمسائل ما يحصل به التفطير فالأصل صحة الصيام، فتأصيل المسائل -خاصةً المسائل التي فيها خلافٌ- مهمٌّ جدًّا لطالب العلم، لماذا؟ لأنه يُرجع لهذا الأصل عند الترجيح، ويرجع إليه أيضًا في الاستدلال، وأيضًا الذي معه الأصل لا يُطالَب بالدليل، إنما الذي يطالب بالدليل: الذي يقول بخلاف الأصل؛ ولذلك من المهم لطالب العلم -إذا أراد أن يبحث مسائل في بابٍ من الفقه- أن يُؤصِّل أولًا لمسائل ذلك الباب، ثم بعد ذلك يدخل في التفريعات، فهنا عندنا في هذا الباب: الأصل صحة الصيام وتصحيح عبادة المسلمين ما أمكن، فلا يقال عن شيءٍ: إنه مفطرٌ، وإنه مفسدٌ للصيام، إلا إذا كان منصوصًا عليه، أو في معنى المنصوص، والصيام من دين المسلمين الذي يَحتاج إلى معرفته عامة الناس وخواصهم، وقد بيَّن النبي أصول المفطرات، فيُقاس عليها ما كان في معناها.

وعلى ذلك: نَخلُص إلى أن ضابط ما يحصل به التفطير للصائم: أنه ما كان منصوصًا عليه، أو في معنى المنصوص.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم شيخنا هذا البيان.

أثر علاج الربو على الصيام

نعود أيضًا إلى بعض ما يُسأل عنه في باب المفطرات، ونحن في هذه الحلقة نتدارس شيئًا من النوازل المعاصرة في باب الصيام مع شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان.

شيخنا، بخاخ الربو لمن أُصيب بمرضٍ في صدره أو نحو ذلك واحتاج لاستخدامه حال صيامه، هل استعماله مؤثِّر على الصيام؟

الشيخ: عندنا بخاخ الربو، وعندنا علاج الربو وهو أهم؛ فنبدأ أولًا ببخاخ الربو، وهو نوعٌ من علاج الربو: فبخاخ الربو المعروف الذي هو مجرد هواءٍ أو رذاذٍ، هذا لا يُفسد الصوم؛ لأن معظمه يَذهب إلى الرئة وليس إلى المعدة، لكن قد يقول قائل: إن جزءًا منه يذهب للمعدة، وأنه ليس كله (100%) يذهب للرئة، فالواقع: أن جزءًا من بخاخ الربو يذهب للمعدة، فنقول جوابًا عن ذلك: إن ما قد يَذهب من بخاخ الربو إلى المعدة يسيرٌ جدًّا، وهو في الحقيقة أقل مما يَذهب إلى المعدة من ملوحة الماء الذي تبقى بعد المضمضة في الوضوء، وقلنا قبل قليلٍ: إن ملوحة الماء التي تبقى بعد المضمضة في الوضوء معفوٌّ عنها بالإجماع، فإن المسلم عندما يتوضأ -وهو صائمٌ- لصلاة الظهر أو صلاة العصر ويتمضمض بالماء؛ يبقى أثر ملوحة الماء في فمه، ويختلط بالريق ويبتلعه الصائم، وهذا معفوٌّ عنه بالإجماع، فما قد يذهب من بخاخ الربو إلى المعدة يقول أهل الاختصاص :إنه أقل مما يذهب إلى المعدة من ملوحة الماء التي تبقى بعد المضمضة في الوضوء، فهذه الأشياء اليسيرة معفوٌّ عنها، هكذا أيضًا ما قد يذهب إلى المعدة من بخاخ الربو معفوٌّ عنه، والأصل صحة الصيام، هذا بالنسبة لبخاخ الربو.

أما بالنسبة لعلاج الربو: فما كان منه على شكل بخاخٍ فحكمه ما سبق، لكن هناك أنواعٌ أخرى يُعالج بها الربو بغير بخاخٍ، ومن ذلك: العلاج الذي يكون على شكل كبسولاتٍ توضع في الفم، ثم بعد ذلك تنفجر ويختلط الدقيق بالريق، ثم يبتلعه الصائم، هذا يَفسد به الصوم؛ لأنه ابتلع كبسولاتٍ وهو صائمٌ، سواءٌ انفتحت أو انفجرت داخل الفم وابتلعها، أو حتى ابتلع هذه الكبسولات وهي لم تنفتح بعد، فابتلاع هذه الكبسولات يُعتبر مفسدًا للصيام؛ على هذا نقول: إن كان علاج الربو على شكل بخاخٍ؛ فإنه لا يُفسد الصوم، أما إن كان على شكل عقاقير أو كبسولاتٍ؛ فإنها تُفسد الصوم.

أقراص الأزمات القلبية وأثرها على الصيام

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم، وفي ذكر الأقراص -أيضًا هذه مما يُسأل عنه- كذلك الأقراص التي تكون تحت اللسان، يعني يستعملها بعض المصابين بالأزمات القلبية ونحو ذلك، فهل هذا مؤثِّرٌ على الصوم؟

الشيخ: هذه -على أصول بعض الفقهاء- مفسدةٌ للصوم، لكن على القول الراجح، وعلى الضابط الذي ذكرناه قبل قليلٍ، لا تُفسد الصوم؛ لأنها ليست أكلًا ولا شربًا، وليست بمعنى الأكل والشرب، فهي أشبه بالحقن التي تؤخذ عن طريق الدُّبر؛ وعلى هذا فالقول الراجح: الأقراص التي تكون تحت اللسان ولا يبتلعها الصائم، إنما يجعلها تحت لسانه فقط، أن هذه لا تُفسد الصوم.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

غسيل الكُلى وأثرها على صحة الصيام

أيضًا من المسائل المعاصرة المتعلقة بالمفطرات: ما يتعلق -عافانا الله وإياكم والمستمعين- بمرضى الفشل الكُلوي الذين يحتاجون إلى الغسيل، فهل إجراء الغسيل أثناء الصيام مؤثِّرٌ على الصوم؟

الشيخ: غسيل الكُلى على قسمين:

  • القسم الأول: "الغسيل الكُلوي الدموي"، وهي الطريقة المعروفة المشهورة التي يكون معها استخراج الدم وتنقيته ثم إعادته للجسم، فالغسيل الكُلوي الدموي بهذه الطريقة يَفسد معه الصوم، ويمكن تخريج ذلك على الحجامة؛ فإن فيها استخراجًا للدم، والحجامة تُفسد الصوم -على القول الراجح- كما سبق، وقد فصَّلنا خلاف الفقهاء في حلقةٍ سابقةٍ، وذكرنا أن القول المختار والمرجح عند كثيرٍ من المحققين: أن الحجامة تُفسد الصوم؛ لقول النبي : أفطر الحاجم والمحجوم [2]، لكن هناك من العلماء من لم يُسلِّم بهذا التخريج، ويقول: إن قياس الغسيل الكُلوي على الحجامة قياسٌ مع الفارق، فنقول: حتى لو لم يُسلَّم بهذا التخريج، هناك مأخذٌ آخر للتفطير: وهو أنه عندما يُراد غسيل الدم؛ يُضاف إليه (جلوكوز) وأملاح وأدوية و(فيتامينات) ونحو ذلك، كما أفاد بهذا المختصون؛ ولهذا تجد أن من تُغسَل كليتاه يرتفع عنده مستوى السكر، لو أنك قِستَ مستوى السكر قبل الغسيل الكلوي وبعده؛ لوجدت أنه بعد الغسيل الكلوي يرتفع عنده مستوى السكر، ويجد نشاطًا ويجد خفةً؛ معنى ذلك: أن لهذا تأثيرًا، هذه الإضافات التي أُضيفت عند الغسيل الكلوي لها تأثيرٌ، فهذه المواد التي تُضاف؛ من (الجلوكوز والفيتامينات) والأملاح والأدوية، بحَدِّ ذاتها مفسدةٌ للصوم، حتى لو لم يُسلَّم بتخريج الغسيل الكلوي على الحجامة، هذا القسم الأول -الغسيل الكلوي الدموي- إذنْ يفسد الصوم.
  • القسم الثاني: وهو نوعٌ من الغسيل استجد مؤخرًا ويسمى: "الغسيل الكلوي البريتوني"، وهو مرشِّحٌ يُوضع على غشاء البطن حول السرة، ويَمتص ما في الدم من شوائب بطريقةٍ معينةٍ، وهذا يمكن أن يستخدمه الإنسان في البيت، يضعه قبل النوم، ويخرجه بعد النوم، يعني يجلس عدة ساعاتٍ، لكن يمكن أن يُوضع عند النوم ويُفصَل بعد النوم، ويكون أيضًا لبعض المرضى، لا يُناسب الجميع وإنما لبعضهم، وهذا "الغسيل الكُلوي البريتوني" أيضًا اختَلف فيه العلماء المعاصرون؛ فبعضهم قال: إنه يُفسد الصوم، وبعضهم قال: إنه لا يُفسد الصوم، والقول الراجح -والله أعلم- أنه يفسد الصوم، وأنه في معنى "الغسيل الكُلوي الدموي"؛ وذلك لأن في "الغسيل الكُلوي البريتوني" يُوضع في المرشِّح الذي عند السرة (جلوكوز) وأملاحٌ وأدويةٌ ونحو ذلك يمتصها الدم؛ ولهذا أيضًا نجد أن الذي يقوم بـ"الغسيل الكلوي البريتوني" يرتفع عنده السكر ويجد نشاطًا وخفةً، فنجد أن له أثرًا عليه؛ فهذا دليلٌ على أنه قد استفاد من هذا الغسيل.

وعلى هذا نقول: إن القول الراجح والله أعلم: أن الغسيل الكُلوي بنوعيه -الدموي والبريتوني- مفسدٌ للصيام، لكن إن احتاج الإنسان لذلك؛ فإنه يفعل ولا حرج عليه، ويقضي هذا اليوم بعد رمضان إن استطاع، وإن لم يستطع فيُطعِم عن كل يومٍ مسكينًا، ولا يتحرج؛ لأن بعض المرضى المصابين بالغسيل الكُلوي ربما لا يجدون مراكز غسيل الكُلى، والمستشفيات مفتوحةٌ إلا في فترة النهار، ويقع عليهم حرجٌ لو قيل لهم: لا تغسلوا إلا في الليل، فنقول: لا حرج عليكم أن تقوموا بالغسيل الكُلوي في نهار الصيام، وتقضوا هذا اليوم بعد رمضان، هذا اليوم الذي يحصل فيه الغسيل الكلوي يُقضى بعد رمضان إن تيسر أيضًا من غير حرجٍ، وإن لم يتيسر؛ فيُطعِم عن كل يومٍ مسكينًا.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

هل البخور مفطر للصائم؟

أيضًا شيخنا من المسائل المتعلقة بالمفطرات، والحقيقةَ الحديث فيها كثيرٌ وواسعٌ؛ لأن ما يُسأل في باب المفطرات أيضًا كثيرٌ وواسعٌ: استعمال البخور -أحسن الله إليكم- هل هو مفطرٌ للصائم؟

الشيخ: البخور ليس بمفطرٍ للصائم؛ لأنه ليس أكلًا ولا شربًا، وليس بمعنى الأكل والشرب، لكن كره بعض العلماء أن يتعمد الصائم استنشاقه؛ لأنه يُخشى -عند تعمد استنشاقه مع الكثرة- أن يكون له جِرْمٌ فيذهب إلى المعدة؛ ولهذا ينبغي أن يتقيه الصائم، وينبغي في نهار رمضان ألا يُؤتى بالبَخور للمساجد، خاصةً يوم الجمعة، يوم الجمعة كثيرٌ من الجوامع يُؤتى فيها بالبخور، لكن ينبغي في شهر رمضان ألا يُفعل ذلك، وإنما يُجعل البخور في الليل، يُجعل عند صلاة المغرب أو العشاء أو صلاة التهجد، لكن لا يُجعل في النهار؛ لأنه قد يَتعمد بعض الناس استنشاقه، فيُخشى أن يكون له جِرْمٌ يذهب معه إلى المعدة.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

هل شرب سجائر الدخان يفسد الصوم؟

كذلك شيخنا بعض من ابتُلي بالتدخين -نسأل الله السلامة والعافية- يسأل عن هذا الحكم، هل هو يُفسد الصوم؟

الشيخ: شرب سجائر الدخان يُفسد الصوم؛ لأنها مزوَّدةٌ بـ(النيكوتين)، ونسبة (النيكوتين) فيه مركَّزةٌ، وهو كثيرٌ وله جِرْمٌ ومعه مواد أخرى؛ ولذلك يكون له أثرٌ على الجوف وعلى المعدة؛ وعلى ذلك: فالفتوى مستقرةٌ لسنواتٍ طويلةٍ عند أكثر العلماء: أن شرب سجائر التدخين يُفسد الصوم، بل ربما تكون الفتوى عند جميع العلماء، لا أعلم أحدًا قال: إنه لا يفسد الصوم، فالفتوى مستقرةٌ على أن شرب سجائر الدخان يُفسد الصوم.

المقدم: لكن -أحسن الله إليكم- ما الفرق بين شرب السجائر والبخور وكلاهما دخان؟!

الشيخ: نعم، هذا سؤالٌ جيدٌ، ويطرحه بعض الناس فيقول: لماذا تقولون: إن البخور لا يُفسد الصوم، بينما شرب سجائر الدخان يُفسد الصوم، وهذا دخانٌ وهذا دخانٌ؟!

نقول جوابًا عن هذا السؤال: تعاطي سجائر التدخين ليس مجرد دخانٍ يدخل للجوف، وإنما يشتمل على مواد، ومن أبرزها: مادة (النيكوتين)، وهو يشتمل على (النيكوتين) ويشتمل على مواد أخرى، فمجموع هذه المواد يحصل به التفطير للصائم، بينما البخور هو مجرد دخانٍ وليس معه مواد أخرى؛ ولذلك لا يُفسد الصوم، وإن كان يُكره أن يتعمد الصائم استنشاقه، لكن هو مجرد دخانٍ، ففرقٌ كبيرٌ بينهما، فقياس سجائر الدخان على البخور قياسٌ مع الفارق.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم شيخنا.

إلى هنا نصل إلى ختام هذه الحلقة، ونسأل الله جل وعلا أن يجزي شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان خير الجزاء على هذا البيان والإيضاح.

ولنا -إن شاء الله- حديثٌ قادمٌ في ذكر شيءٍ من المسائل والأحكام المتعلقة بالصيام إن شاء الله تعالى.

إلى أن ألتقيكم في حلقةٍ قادمةٍ -بإذن الله - الشكر موصولٌ لكم على حسن استماعكم وإنصاتكم، والشكر لشيخنا على هذا البيان والإيضاح، شكر الله لكم شيخنا.

الشيخ: والشكر لكم وللإخوة المستمعين.

المقدم: كذلك الشكر لمن قام بتسجيل هذه الحلقة.

إلى أن ألتقيكم في حلقةٍ قادمةٍ -بإذن الله - أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

^1 رواه أبو داود: 2377.
^2 رواه أبو داود: 2367، والنسائي في السنن الكبرى: 3120-3125، وابن ماجه: 1680، وأحمد: 22371.
مواد ذات صلة
zh