logo
الرئيسية/برامج إذاعية/مجالس الفقه/(35) برنامج مجالس الفقه- المسائل والأحكام المتعلقة بباب الذكاة

(35) برنامج مجالس الفقه- المسائل والأحكام المتعلقة بباب الذكاة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم: (مجالس الفقه).

(مجالس الفقه) برنامجٌ يذاع عبر أثير "إذاعة القرآن الكريم"، نتدارس فيه شيئًا من الأحكام الفقهية والنوازل المعاصرة التي يكثر السؤال عنها ويحتاج المسلم إلى معرفة حكمها الشرعي، يصحبنا في ذلك فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية، ورئيس مجلس إدارة الجمعية الفقهية السعودية، فباسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.

المقدم: أحسن الله إليكم.

المسائل والأحكام المتعلقة بباب الذكاة

شيخنا، في هذه الحلقة سنأخذ شيئًا من المسائل والأحكام المتعلقة بـ(باب الذكاة)، وهو بابٌ فقهيٌّ يذكره الفقهاء في مصنفاتهم.

قبل الدخول في المسائل والأحكام المتعلقة به، ما معنى الذكاة؟ أو ما المراد بالذكاة؟

معنى الذكاة

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد:

فالذكاة معناها في اللغة العربية: تمام الشيء، ومنه سمي الذَّبح ذكاةً؛ لأنه إتمام الزُّهوق. وقيل: إن الذكاة من الذكاء، وهو الحِدَّة والنُّفوذ؛ لأن الذبح يكون بآلةٍ حادَّةٍ نافذةٍ، والذكيُّ: هو حادُّ الذهن ونافذ البصيرة.

ومعناها اصطلاحًا: "ذبحُ أو نحرُ الحيوان المقدور عليه، أو عقرُ مُمْتَنِـعٍ"، فهكذا عرف ذلك بعض الفقهاء، وبعضهم اعترض على هذا التعريف بأنْ قيَّد هذا التعريف بقيدٍ آخر، بأن يكون: "الحيوان المأكول البري"؛ احترازًا من: المحرم أكله، ومن البحر؛ لأنه لا يُذكى، فإذا قيَّدناه بهذا القيد؛ يكون التعريف: "ذبحُ أو نحرُ الحيوان المأكول البري، أو عقرُ ممتنعٍ"، وسيأتينا الكلام عن "عقر ممتنعٍ"؛ كالبعير إذا نَدَّ أو نفر مثلًا، لا يمكن ذبحه إلا بعقره، أو مثلًا إذا وقع في البئر، سيأتي الكلام عنه -إن شاء الله- بعد قليلٍ، هذا معنى الذكاة.

إذنْ معناها في اللغة: تمام الشيء، ومعناها اصطلاحًا: ذبحُ أو نحرُ الحيوان المأكول البري، أو عقرُ ممتـنِعٍ.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.

الحكمة من مشروعية الذكاة

شيخنا، هل هناك حكمةٌ من مشروعية الذكاة ذكرها العلماء والفقهاء في هذا؟

الشيخ: أولًا حُكْم الشرع هو حِكمة الحِكَم، هو غاية الحِكَم، وسواءٌ عرفنا الحكمة أو لم نعرفها؛ فنحن على يقينٍ بأن حكم الله ورسوله حِكمة الحِكَم؛ لأن الله لا يمكن أن يأمر بشيءٍ إلا لحكمة، ولا ينهى عن شيءٍ إلا لحكمة، ولا يُشرِّع شيئًا إلا لحكمة، لكن مما استنبطه والْتمسه بعض أهل العلم في الحكمة من مشروعية الذكاة: تطييب الحيوان المُذكَّى؛ فإن الميتة إنما حرمت لاحتقان الرطوبات والفضلات والدم الخبيث فيها، والذكاة تُزيل ذلك الدم وتلك الفضلات؛ ولهذا ما لا دم له سائلٌ لا يَنجس بالموت؛ كالذباب والحشرات والبعوض الصغير ونحو ذلك؛ لأنه ليس لها دمٌ يسيل، ويدل لذلك قول النبي : إذا وقع الذباب في شراب أحدكم؛ فليغمسه ثم لينزعه؛ فإن في إحدى جناحيه داءً وفي الأخرى شفاءً [1]، أخرجه البخاري في "صحيحه"، فلو كان الذباب يَنجس بالموت؛ لما أمر النبي بغمسه في الشراب.

فإذنْ من أبرز حكم الذكاة: أن فيها تطييبًا للحيوان المُذَكَّى، وأن الذكاة تُذهب احتقان الرطوبات والفضلات؛ ولهذا الميتة حُرِّمت لأجل احتقان الرطوبات والفضلات والدم الخبيث فيها.

المقدم: أحسن الله إليكم.

شروط الذكاة

شيخنا، أيضًا من المسائل التي تُذكَر في مقدمة هذا الباب: شروط الذكاة، حتى تكون ذكاةً شرعيةً؟

الشيخ: شروط الذكاة:

  • أولًا: أن يكون الفاعل للذكاة عاقلًا مميِّزًا قاصدًا للذكاة، وبعضهم يُعبِّر عن هذا الشرط بـ"أهلية المُذَكِّي"، أن يكون عاقلًا، فلا تَحل ذبيحة أو ذكاة المجنون، كذلك السكران الذي لا يَعِي ما يقول لا تحل ذكاته، كذلك الطفل غير المميِّز، يعني مثلًا طفلٌ عمره أربع أو خمس سنواتٍ وذبح خروفًا، هذا لا تحل ذبيحته؛ لأنه لا يصح منه قصد التذكية، لكن الصبي المميز تصح ذكاته لصحة قصده، فمثلًا لو افترضنا أن صبيًّا عمره عشر سنين، أو ثنتي عشرة سنةً، أو أربع عشرة سنةً، لم يبلغ، لكنه صبيٌّ مميِّزٌ فتصح تذكيته؛ فإذنْ لا يُشترط في التذكية البلوغ، وإنما يُشترط التمييز، وكذلك يشترط: أن يكون قاصدًا للذكاة، وهذا يُفرِده بعضهم بشرطٍ، وبعضهم يُدخله تحت هذا الشرط: قصد التذكية؛ لقول الله تعالى: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3]، والفعل لا بد فيه من قصدٍ؛ على هذا: لو وقعت آلةٌ حادةٌ؛ كسكينٍ، على رقبة حيوانٍ فمات؛ فإنه لا يحل أكله؛ لعدم التذكية، ولو مثلًا رمى شخصٌ بسكينٍ أو بسيفٍ فوقع على رقبة الحيوان فقتله؛ فإنه لا يحل؛ لعدم قصد التذكية، فهذا هو الشرط الأول.
  • والشرط الثاني من شروط صحة الذكاة: أن يكون الذبح بآلةٍ محددةٍ، وهي التي يحصل بها إنهار الدم؛ لحديث رافع بن خَديجٍ  أن النبي قال: ما أنْهَرَ الدم وذُكِر اسم الله عليه فكلوه، ليس السنَّ والظُّفرَ، وسأُحَدِّثكم عن ذلك: أما السِّن فعظمٌ، وأما الظفر فمُدَى الحبشة [2]، أي: سكاكين الحبشة.

الشاهد قوله : ما أنْهَرَ الدم، والإنهار: يحصل بالمحدَّد، فلا بد من أن تكون الآلة التي يُذكَّى بها محدَّدةً، مثلًا: تكون من الحديد، أو من النحاس، أو تكون حتى من الحجر أو من القصب ونحو ذلك، لكن لا تكون بالسن ولا بالظفر؛ للحديث السابق، فلا تجوز التذكية بهما: ليس السن والظُّفر، وبيَّن النبي السبب، قال: أما السِّن فعظمٌ، وأما الظفر فمُدَى الحبشة، يعني: سكاكين الحبشة؛ لأنهم كانوا يُطيلون أظافرهم، ثم إذا أمسكوا مثلًا طائرًا ونحوه؛ فإنهم يذبحونه بهذه الأظفار، فنُهينا عن التشبُّه بهم.

أما العظم: فاختلف الفقهاء في حكم التذكية به؛ فبعضهم قال: إنه يجوز، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، وقال بعضهم: إنه لا يجوز، وهذا هو القول الراجح؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: أما السِّن فعظمٌ، فالتعليل بكونه عظمًا معقول المعنى، والعظم إن كان من ميتةٍ؛ فنجسٌ، والعظم لا يصح أن يكون آلةً للتطهير والتذكية، أما إن كان العظم من مُذَكَّاةٍ؛ فإن الذبح به تنجيسٌ له، والنبي نهى عن الاستجمار بالعظام؛ لأنها زادُ إخواننا الجن، فإن الجن لهم كلُّ عظمٍ ذُكر اسم الله عليه، يجدونه أوفر ما يكون لحمًا [3]، وهذا هو القول الراجح: وهو أنه لا تجوز التذكية بالعظم؛ وعلى هذا نقول: إنه يُشترط: أن يكون الذبح بآلةٍ محددةٍ، لكن لا يجوز أن يكون بالسن ولا بالظفر ولا بالعظم.

  • الشرط الثالث: قطع الحُلقوم والمَرِيء وأحدِ الوَدَجَين، وهذه المسألة فيها خلافٌ بين الفقهاء:
    • فمن الفقهاء من قال: إن المشترَط فقط: قطع الحلقوم والمريء، والحُلقوم: هو مجرى النَّفَس، والمَرِيء: هو مجرى الطعام والشراب، فمن الفقهاء من قال: إنه يُشترط فقط قطع الحلقوم والمريء، ولا يُشترط قطع الوَدَجَين، والوَدَجان: هما عرقان غليظان يُحيطان بالحلقوم، لو ذبحت خروفًا تجد عِرقين غليظين يجري فيهما الدم بغزارةٍ عن اليمين وعن الشمال، هذان العرقان يسميان: "الودجين"، فهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم. فمن الفقهاء من قال: إنه يُشترط قطع الحلقوم والمريء، ولا يُشترط قطع الودجين، هذا هو المذهب عند الشافعية والحنابلة، وقالوا: إن هذا كافٍ لإنهار الدم.
    • والقول الثاني: أنه يُشترط قطع ثلاثةٍ من أربعةٍ، وهذه الأربعة: هي الحلقوم والمريء والودجين، فلو قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين؛ كفى، ولو قطع الودجين والحلقوم؛ كفى، ولو قطع الودجين والمريء؛ كفى، هذا هو مذهب المالكية والحنفية، واختاره الإمام ابن تيمية رحمه الله، وهو القول الراجح؛ لأنه لا يحصل إنهار الدم إلا بذلك.
      فلا بد إذنْ من قطع ثلاثةٍ من أربعة، ولا يكفي قطع الحلقوم والمريء؛ لأن مع قطعهما قد لا يتحقق إنهار الدم المقصود شرعًا؛ وعلى هذا: فالقول الراجح: أنه يُشترط قطع ثلاثةٍ من هذه الأربعة: من الحلقوم والمريء والودجين؛ فإما أن يقطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين، أو يقطع الودجين والحلقوم، أو يقطع الودجين والمريء، المهم أن يقطع ثلاثةً من هذه الأربعة.
  • الشرط الرابع: أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح؛ لقول الله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121]؛ وعلى ذلك: لو تعمد ترك التسمية، أو سمى باسمِ غير الله تعالى؛ فإنه لا تحل هذه الذبيحة.

المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا، وشكر الله لكم هذا البيان.

حكم ذبيحة المرأة

مما يُسأل عنه: هل يجوز، أو هل تحل ذبيحة المرأة؟

الشيخ: نعم، المرأة تحل ذبيحتها؛ لعموم قول الله تعالى: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3]، هذا عامٌّ يشمل الرجال والنساء، وأيضًا قد جاء في حديث كعب بن مالكٍ قال: كانت لنا غنمٌ ترعى بسَلْعٍ -يعني بجبل سَلْعٍ بالمدينة، معروفٌ- فأبصرتْ جاريةٌ لنا شاةً من غنمنا تكاد تموت، فكسرت حجرًا فذبحتها به، فقلنا: لا تأكلوا حتى نسأل النبي ، فسألوا النبي فأمرهم بأكلها [4]، وهذا الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه"، وهذا صريحٌ في حِل ذكاة المرأة، فهذه الجارية هي التي قد ذَكَّت هذه الشاة، والنبي أمرهم بأكل هذه الشاة؛ فعلى ذلك: فالمرأة كالرجل، لو أن المرأة هي التي قامت بذبح الخروف أو الشاة، أو عمومًا قامت بالتذكية؛ فتصح تذكيتها، فهي في هذا كالرجل.

المقدم: أحسن الله إليكم.

حكم ذبائح أهل الكتاب

أيضًا الكتابي (أهل الكتاب)، هل تحل ذبائحهم؟

الشيخ: نعم، تحل ذبائح أهل الكتاب؛ لقول الله ​​​​​​​: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5]، قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما في تفسير الآية: "طعامهم ذبائحهم"، يعني المقصود بقول الله تعالى: وَطَعَامُ -أي: وذبائح- الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ، فذبائح أهل الكتاب حلالٌ بالإجماع، وأهل الكتاب: هم اليهود والنصارى، أما القول بأنه يدخل معهم المجوس، فهذا قولٌ ضعيفٌ، ولم يثبت أن للمجوس كتابًا، والقول بأن لهم شُبهة كتابٍ، هذا لا يصح ولا يستقيم، أهل الكتاب: هم اليهود والنصارى، فمن انتسب إلى أمةٍ يهوديةٍ أو أمةٍ نصرانيةٍ؛ فهو كتابيٌّ؛ فعلى هذا: تحل ذبائحهم، فاللحوم المستوردة من بلاد أهل الكتاب الأصل فيها الحل والإباحة؛ ولذلك جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن قومًا أتوا النبي فقالوا: يا رسول الله، إن قومًا يأتوننا بلحمٍ ولا ندري أَذُكِر اسم الله عليه أم لا؟ فقال : سمُّوا عليه أنتم وكلوه، قالت: وكانوا حديثي عهدٍ بكفرٍ [5]، رواه البخاري.

وقوله : سمُّوا أنتم وكلوه، عندما نتأمل هذا الحديث؛ يُفهم من جواب النبي لهم شيءٌ من التوبيخ؛ يعني كأنه يقال: لماذا تسألون؟! افعل ما هو مطلوبٌ منك: وهو التسمية عند الأكل، لكن لا تسأل، وإنما ينبغي لك أن تبني الأمر على الأصل: وهو الحل والإباحة، فلا تسأل: أَذُكِرَ اسم الله عليه أم لا؟ لأنك لو فتحت هذا الباب من الأسئلة؛ أيضًا تَرِد أسئلةٌ أخرى، يَرِد: هل هذا مثلًا الذي ذَبح يُصلِّي أو لا يصلي، إن كان مثلًا من المسلمين؟ هل هذه الذبيحة التي وردت هل هي مملوكةٌ أو غير مملوكةٍ؟ المهم: يُفتح سيلٌ من الأسئلة؛ ولهذا ينبغي أن يُبنى الأمر على الأصل: وهو الحل والإباحة.

قد يقول بعض الناس: إن بعض النصارى -على وجه الخصوص- أصبح كثيرٌ منهم غير متمسكين بدينهم، فهم أشبه باللادينيين أو الملاحدة.

الجواب: أنه مادام أنهم لازالوا ينتسبون إلى النصرانية؛ فهم نصارى، حتى وإن حرَّفوا وبدَّلوا ولم يتمسكوا بدينهم؛ بدليل أن الله أباح ذبائحهم مع وقوع الشرك الأكبر منهم في عهد النبي ، قال الله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ [المائدة:73]، وقال: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، ومع ذلك أباح الله تعالى ذبائحهم، فقال: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5]؛ وعلى ذلك: فذبائح أهل الكتاب الأصل فيها: الحل.

المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا، وشكر الله لكم هذا البيان والإيضاح.

حكم ذكاة الجنب

أيضًا مما يُسأل عنه ويتعلَّق بالمُذَكِّي: هل تصح ذكاة مَن كان على جنابةٍ؟

الشيخ: نعم، تصح ذكاة من كان على جنابةٍ، لا يُشترط في الذكاة الطهارة، فلا بأس بتذكية الجُنُب؛ لعموم الأدلة، وعدم وجود دليلٍ يمنع من ذلك، وهكذا لو كانت المرأة أيضًا هي التي تُذكِّي وكانت حائضًا؛ تصح تذكيتها.

المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا، وشكر الله لكم.

حكم من أدرك حيوانًا أصابه سبب الموت فذكاه

أحيانًا -شيخنا- يُدرِك الإنسانُ حيوانًا قد أصابه سبب الموت -من جرحٍ ونحوه- فيقوم ويُبادر بتذكيته، فهل هذه التذكية نافعةٌ في حِلِّ هذا الحيوان؟

الشيخ: نعم، من أدرك حيوانًا أصابه سبب الموت؛ كما لو صدمت سيارةٌ جملًا، فأتى أحد الحاضرين ونَحَره بسكينٍ فهل يَحل؟ نقول: الجواب: نعم، يحل بشرط أن يُدركه وفيه حياةٌ مستقرةٌ؛ لعموم قول الله تعالى: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ، فإن الله تعالى قال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3]، إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ يعني: ما أدركتموه وهو حيٌّ وقمتم بذكاته، لكن لا بد من التأكد من إدراكه وفيه حياةٌ مستقرةٌ.

والحياةُ المستقرةُ للحيوان تُعرَف بأحد أمرين:

  • الأمر الأول: الحركة، فمتى تحرَّك الحيوان حركةً قليلةً أو كثيرةً بيدٍ أو رجلٍ أو عينٍ أو أذنٍ أو ذَنَبٍ؛ حَلَّت ذكاته؛ لأن الحركة دليلٌ على بقاء الروح؛ فالميت لا يتحرك، لكن هنا لا بد أن تكون حركةً تدل على الحياة، وليست كحركة المذبوح؛ لأن الحيوان إذا ذُبح؛ قد يتحرك أحيانًا حركةً لا إرادية، لو ذبحت خروفًا مثلًا، تجده بعد مدةٍ ربما تحرك، تحركت يده أو رجله، هذه غير معتبرةٍ، إنما المقصود الحركة التي تدل على الحياة.
  • الأمر الثاني مما تُعرف به الحياة المستقرة: جريان الدم الأحمر الذي يخرج من المذبوح عادةً، حتى وإن لم يتحرك هذا الحيوان؛ ولهذا قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "متى ذُبح فخرج منه الدم الأحمر الذي يخرج من المُذكَّى المذبوح في العادة، والذي هو ليس دم الميتة؛ فإنه يَحل أكله وإن لم يتحرك في أظهر قولي العلماء"، فالدم الأحمر دليلٌ على وجود الحياة في الحيوان، بينما الدم الأسود دليلٌ على موته، فإذا وجدتَ أن الدم الذي خرج من الحيوان أسود أو يميل للسواد؛ فهذا يدل على أنه قد مات، لكن إذا كان الدم الذي خرج دمًا أحمر؛ فهذا يدل على أنه لا زال حيًّا، لكن إذا شُكَّ في تحقُّق هذين الأمرين أو أحدهما؛ فيحرم؛ لأن الله تعالى شرط لِحِلِّها الذكاة فقال: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3]، فما شُكَّ في بقاء حياته؛ لم تتحقق ذكاته، ولأن الأصل في اللحوم الحظر والمنع إلا ما دل الدليل على إباحته، فإذا لم يغلب على الظن أنه قد ذُكِّي وهو حيٌّ حياةً مستقرةً؛ فلا يَحل أكله، أما إذا غلب على الظن وجود الحياة المستقرة، وأنه ذُكِّيَ بعد ذلك، إما بوجود الحركة أو بجريان الدم الأحمر؛ فإنه يَحل؛ لقول الله ​​​​​​​: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ.

المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم شيخنا، ونحن في هذا البرنامج مع شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، نتدارس شيئًا من هذه المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة التي يكثر السؤال عنها، وحديثنا في هذه الحلقة لا يزال في مسائل الذكاة وما يتعلق بها.

ماذا يفعل من أدرك حيوانا وعجز عن تذكيته؟

شيخنا، إذا عجز الإنسان عن التذكية؛ كأن يكون الحيوان المقصود واقعًا في بئرٍ مثلًا، وعجز عن إدراكه، أو كان هذا الحيوان متوحِّشًا، ولم يستطع السيطرة عليه وتذكيته، فكيف تكون ذكاته في هذه الحال؟

الشيخ: ما عجز عن ذكاته من الصيد والأنعام ونحو ذلك؛ كما لو وقع في بئرٍ أو كان متوحِّشًا؛ فإن ذكاته تكون بجرحه في أي محلٍّ من بدنه؛ فمثلًا: لو وقع جملٌ في بئرٍ ولم يمكن تذكيته، أو شَرَدَ مثلًا بعيرٌ وتوحَّش، أو مثلًا ضأنٌ، أو نحو ذلك، ولم يمكن إمساكه، صعد جبلًا ولم يمكن إمساكه مثلًا؛ فذكاته تكون بجرحه في أي موضعٍ من بدنه؛ ويدل لذلك حديث رافع بن خديجٍ قال: نَدَّ بعيرٌ فطلبوه فأعياهم، فأهوى رجلٌ منهم بسهمٍ فحبسه، فقال رسول الله : إن لهذه البهائم أوَابِدَ كأوابد الوحش، فما غلبكم منها؛ فاصنعوا به هكذا [6]، والحديث في "الصحيحين"، وهذا نصٌّ صريحٌ في أن ما عُجِز عن ذبحه؛ فذكاته تكون بجرحه في أي محلٍّ كان؛ وعلى ذلك: فلو فَرَّ بعيرٌ ولم يمكن اللحاق به، وكان مع رجلٍ سلاحٌ ناريٌّ؛ كبندقيةٍ مثلًا، أو مسدس، أو نحو ذلك؛ فذكاته: أن يذكر اسم الله تعالى ويُطلق عليه النار، أو مثلًا سكينٌ أو سهمٌ أو نحو ذلك.

فإذنْ ما عُجز عن ذبحه فذكاته تكون بجرحه في أي محلٍّ، ولا يُشترط أن يكون في الرقبة، في أي محلٍّ كان من بدنه.

حكم ترك التسمية عند التذكية

المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا، مما يكثر السؤال عنه الحقيقة في هذا الباب تحديدًا: النسيان، إذا نسي الذابح التسمية، فهل تَحل هذه الذبيحة؟

الشيخ: أولًا: نحن ذكرنا أن من شروط صحة الذكاة: التسمية، أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح، الله تعالى يقول: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121]، فمن تعمد ترك التسمية عند الذبح؛ لم تَحل الذبيحة، أو ذَكَرَ اسم غير الله؛ لم تحل الذبيحة، لكن إذا لم يتعمد الذابح ترك التسمية، وإنما نسيها، يعني عندما أمسك مثلًا الخروف، أو حتى عندما أُمسك مثلًا البعير أو الجمل، أو عند النحر، أو عند الذبح، ربما بعض الناس يرتبك فينسى التسمية، ويقوم بذبح الخروف أو البقرة أو ينحر الجمل وربما ينسى التسمية، فهل تَحل الذبيحة عند الذبح أو النحر مع نسيان التسمية؟

في هذا قولان للفقهاء:

  • القول الأول: أن الذبيحة تَحل في هذا الحال، مادام أنه لم يتعمد ترك التسمية، وإنما تركها نسيانًا؛ فذبيحته حلالٌ، وهذا هو الذي عليه جمهور الفقهاء، وهو الذي عليه المذاهب الأربعة: مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، بل إن ابن جريرٍ الطبري حكى الإجماع عليه، وإن كانت حكاية الإجماع لا تصح، لكن حكاية الإجماع هذه تدل على أن هذا القول هو قول أكثر العلماء، ويدل لذلك عموم الأدلة الدالة على رفع الحرج في حال النسيان؛ ومنها: قول النبي : إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه [7]، وما جاء في معناه، والبخاري -الذي يقال: إن فقهه في تراجمه- ترجم وبوَّب في "صحيحه" بقوله: "باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمدًا، قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: من نسي فلا بأس، وقال الله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121]"، قال البخاري: "والناسي لا يسمى فاسقًا"، وهذا دليلٌ على دقة استنباط الإمام البخاري؛ فإن الله تعالى لما قال: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121]؛ قال: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ؛ وهذا يدل على أن المقصود في الآية: هو من ترك التسمية عمدًا؛ لأن الناسي لا يسمى "فاسقًا" بالإجماع، فهذا يدل على أن المقصود بقوله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، على سبيل العمد.
  • وهناك قولٌ آخر لبعض الفقهاء: أن من ترك التسمية على الذبيحة عند ذبحه نسيانًا يحرم أكلها، وهذا القول روايةٌ عن الإمام أحمد، واشتهر هذا القول وتقوَّى باختيار الإمام ابن تيمية رحمه الله له، والإمام ابن تيمية، وهكذا ابن القيم، رحمة الله عليهما، إذا اختارا قولًا سبحان الله! يتقوى هذا القول -ولو كان هذا القول ضعيفًا- باختيارهم، بعض الأقوال تتقوَّى إذا اختارها عالمٌ كبيرٌ محقِّقٌ، وأصحاب هذا القول استدلوا لعدم حِل ذبيحة من ترك التسمية نسيانًا بعموم قول الله : وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، قالوا: الآية عامةٌ، وأيضًا استدلوا بعموم قول النبي : ما أنَهَر الدم وذُكر اسم الله عليه فكلوه [8]، الحديث في "الصحيحين"، قالوا: قد قَرَن في هذا الحديث بين إنهار الدم وذِكر اسم الله عليه، فكما أنها لا تَحل لو لم يتم الإنهار نسيانًا؛ فكذا إذا ترك التسمية أيضًا نسيانًا لم تَحل، بل تُرمى كالميتة، وأيضًا قالوا: إن الإنسان متى ما قيل له: إنك إذا تركت التسمية نسيانًا؛ أنها لا تَحل؛ فإنه في المرة القادمة سيهتم، ولن يترك التسمية.

والراجح -والله أعلم- في هذه المسألة هو قول الجماهير: وهو أن الذبيحة تَحل إذا ترك التسمية عليها نسيانًا، وهذا هو رأي أكثر علماء الأمة، كما ذكرنا عن ابن جريرٍ أنه حكى الإجماع عليه.

أما الآية الكريمة، فكما قال البخاري: إن الله تعالى لما قال: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ؛ قال: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121]، والناسي لا يسمى فاسقًا بالإجماع، وقاعدة الشريعة: رفع الحرج عن الناس؛ كما قال الله تعالى عن المؤمنين: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال الله تعالى: قد فعلت [9]، والنبي قال: إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه [10]؛ وعلى هذا: فالأقرب والله أعلم: أن الذبيحة تحل إذا تُركت التسمية عليها نسيانًا؛ ولهذا قال الحافظ ابن عبدالبر لما ذكر القول الثاني، وهو: لا تحل ذبيحة من ترك التسمية ناسيًا، قال الحافظ ابن عبدالبر: "وهذا قول لا نعلمه رُوي عن أحدٍ من السلف ممن يُختلف عنه فيه، إلا محمد بن سيرين، ونافعًا مولى ابن عمر رضي الله عنهما، وهذان يَلزمهما أن يتبعا سبيل الحُجة المجتمعة على خلاف قولهما"، يعني: أن الحافظ ابن عبدالبر يرى أن هذا القولَ قولٌ شاذٌّ، وأنه يَلزم المخالفَ اتباعُ الإجماع المحكي والوارد في المسألة، وإن كانت المسألة تبقى خلافيةً، ليست محل إجماعٍ عند التحقيق، لكن الذي يظهر -والله أعلم- أن القول الراجح: ما عليه المذاهب الأربعة وأكثر أهل العلم، من أن الذبيحة تَحل إذا تُركت التسمية عليها نسيانًا.

المقدم: والكلام في التسمية يشمل التكبير كذلك؟

الشيخ: التكبير ليس واجبًا أصلًا، وإنما هو مستحبٌّ، فحتى لو تركه متعمدًا لا يُؤثِّر ولا يضر.

المقدم: أحسن الله إليكم، أحيانًا يُذكِّي الإنسان حيوانًا في داخله جنينٌ، فما حال هذا الجنين؟ وكيف تكون ذكاته؟ هل يَحل أو لا يَحل؟

الشيخ: نعم، تحصل ذكاة الجنين بذكاة أمه، وقد رُوي في هذا حديثٌ عن النبي ، وهو حديث أبي سعيدٍ : ذكاة الجنين ذكاة أمه [11]، أخرجه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي: "هذا حديثٌ حسنٌ".

وعلى هذا: إذا ذُكيت الشاة وفي بطنها جنينٌ؛ فذكاة أمه ذكاةٌ له؛ ولهذا قال ابن القيم: "ذكاةُ أمه ذكاةٌ له؛ لأنه جزءٌ من أجزائها؛ كَيَدِها ورأسها، وأجزاء المذبوح لا تفتقر لذكاةٍ مستقرةٍ، والحمل مادام جنينًا؛ فهو كالجزء منها، لا ينفرد بحكم، فإن ذُكيت الأم؛ أتت الذكاة على جميع أجزائها التي من جملتها الجنين".

لكن هنا ننبه إلى أن الجنين إذا خرج حيًّا حياةً مستقرةً؛ هنا لا بد من ذكاته إذا خرج حيًّا حياةً مستقرةً، أما إذا ذُكيت أمه فخرج ميتًا؛ فإن ذكاته تكون تبعًا لذكاة أمه؛ فيَحل أكله.

المقدم: أحسن الله إليكم شيخنا، وشكر الله لكم هذا الإيضاح، فالشكر الجزيل لشيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، شكر الله لكم شيخنا.

الشيخ: والشكر لكم وللإخوة المستمعين.

المقدم: كذلك الشكر لمن قام بتسجيل هذه الحلقة.

وإلى أن نلتقيكم في حلقةٍ قادمةٍ بإذن الله ، ومع موضوعٍ فقهيٍّ جديدٍ، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

كان معكم في إدارة هذه الحلقة: فهد بن عبدالعزيز الكثيري، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

^1 رواه البخاري: 3320.
^2 رواه البخاري: 2488.
^3 رواه مسلم: 450.
^4 رواه البخاري: 2304.
^5 رواه البخاري: 2057.
^6 رواه البخاري: 5498، ومسلم: 1968.
^7 رواه ابن ماجه: 2045، وابن حبان: 7219، والطبراني: 11274، بنحوه
^8, ^10 سبق تخريجه.
^9 رواه مسلم: 126.
^11 رواه أبو داود: 2827، والترمذي: 1476، وابن ماجه: 3193، وأحمد: 11361.
مواد ذات صلة
zh