المقدم: أهلًا ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى هذه الفقرة الأسبوعية “زدني علمًا”، مع معالي الشيخ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حياك الله يا شيخ سعد.
الشيخ: أهلًا، حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: أهلًا ومرحبًا بك، شيخ سعد في الأسبوع الماضي عددت أسباب الطلاق، أو لنقل الأشهر من أسباب الطلاق أو أبرزها، وختمنا بالإشارة إلى موضوع الحكمة في تناولها، ونريد أن نفصل في هذه الدقائق بعلاجها، ما المطلوب لعلاج هذه الظاهرة؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فسبق الحديث عن أبرز أسباب الطلاق، وعندما يأتي الحديث عن العلاج، فمن أبرز أنواع العلاج للمشاكل الزوجية حتى لا تفضي إلى الطلاق: وجود الحوار بين الزوجين، بأن يتحاورا ويتفاهما في أسباب المشكلة بينهما.
أقول هذا لأنه في بعض الأحيان لا يجد الزوجان الوقت المناسب للحوار، يعني يهجر الزوج زوجته، وهو لا يكلمها، وهي لا تكلمه، ثم تشتد الخصومة بينهما شيئًا فشيئًا إلى أن تؤدي إلى الطلاق، لكن لو أنهما جلسا وتحاورا وتصارحا، لربما كان في ذلك حل لمشاكلهما.
وأذكر أن قاضيًا يقول: إنه أتى إليَّ رجل يريد أن يطلق زوجته، فقلت له: لا بد أن تأتي بالمرأة، فأتى بها، فلما أتى بها جعلتهما في المختصر، وبدأتهما بالحديث فهذا يقول الزوجة هي المخطئة، والزوجة تقول: هو المخطئ.
ثم يقول: أغلقت الباب، قلتُ: سأعود لكما بعد قليل، تحاورا وسأعود لكما بعد قليل، يقول: رجعتُ لهما بعد نصف ساعة، فإذا بالمشكلة انتهت تمامًا، وإذا هما يضحكان ويقولان: ما عندنا مشكلة، والزوج لن يطلق زوجته، وعادا إلى بيتهما، وإلى منزلهما بروح طيبة، وقد زالت المشكلة تمامًا، والرجل أتى للمحكمة يريد أن يطلق، ما معنى هذا؟
معنى هذا: أن هذين الزوجين لم يوجدا لأنفسهما فرصة للحوار، ما في وقت للحوار، يعني لم يطلب الزوج من المرأة الحوار، والمرأة لم تتطلب من الزوج الحوار، وإنما تأجج الخلاف بينهما وخصومة إلى أن ازدادت شيئًا فشيئًا، ووصلت بهما إلى هذه المرحلة.
لكن لما جلسا وتحاورا لمدة نصف ساعة أو أقل، زالت المشاكل التي بينهما كلها، فمن أسباب العلاج: وجود الحوار بين الزوجين، وينبغي أن يكون الحوار خاصًا بهما، لا يكون فيه تدخلات خارجية، لا من أهل الزوج، ولا من أهل الزوجة، هذا هو المطلوب في العلاج أولًا.
فإن لم يفد يعني هذا العلاج، فالله ذكر علاجًا في حال نشوز المرأة، فقال: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]؛ فذكر الله تعالى الحالة الأولى وهي الوعظ، فيعظ الرجل امرأته إذا كانت قصرت في حق زوجها، يعظها ويذكرها بالله وبعظيم حق الزوج، ونحو ذلك.
فبعض النساء تستجيب؛ لأنها تخاف الله ، قد لا ينفع الوعظ مع المرأة الناشز، فينتقل للمرحلة الثانية من العلاج، وهي الهجر في المضجع، ولاحظ أنه هجر في المضجع، يعني بينهما فقط، لا يعلم به من في البيت، ولا يعلم به الأولاد، وإنما هو خاص بين الزوجين، فإذا لم يفد هذا، يعني هذه المرحلة قد تنفع مع شريحة من النساء؛ لأن بعض النساء أصعب ما عليها أن يهجرها زوجها، فيؤثر فيها هذا الهجر.
إذا لم تنفع هذه المرحلة من العلاج، فينتقل للمرحلة الثالثة، وهي أن يستخدم شيئًا من الحزم والقسوة، والله تعالى يقول: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34] يعني: ضربًا غير مبرح، حتى إن بعض الفقهاء يشبهه يقول: بمثل عود السواك؛ لأنه ليس المقصود به الانتقام، ولا التشفي، وإنما هو رسالة يبعثها الزوج إلى هذه الزوجة الناشزة المقصرة، ويُغيّر الأسلوب معها، يعني إن كان يستخدم أسلوب اللين غير أسلوب اللين إلى أسلوب الحزم، واستخدام شيء من الخشونة، ولا ريب عند العقلاء أن استخدام الحزم إذا كان يعيد للبيت ترتيبه ونظامه أنه خير من الطلاق.
إذا لم تنفع هذه المراحل الثلاث كلها من مراحل العلاج، فينتقل للمرحلة الرابعة، وهي ما قبل الطلاق، وهي التي ذكرها الله تعالى في قوله: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35] مرحلة التدخل الخارجي من أهل الزوج، ومن أهل الزوجة.
فيأتي حكمان وينظران في أسباب المشكلة، ويسعيان للعلاج، والله تعالى يقول: إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] ولهذا ينبغي أن يكون الحكمان من الناصحين، ومن الأتقياء، ومن المريدين للإصلاح؛ لأن الله قال: إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35].
إذا لم تنفع هذه المراحل من العلاج كلها، فربما يكون الطلاق هو الحل في هذه المرحلة الأخيرة؛ ولأنه أحيانًا لا يكون هنا توافق بين الزوجين، ومهما بذلت من أسباب العلاج للمشاكل بينهما، فإن هذه المراحل العلاجية لا تعالج المشكلة.
فإذا وصلت إلى هذه المرحلة، وأصبح الاستمرار في عقد الزوجية عنتًا ومشقة لكل منهما، ولا يحقق الهدف من الزواج، فالله تعالى يقول: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130] ربما يجد الزوج زوجة توافقه، وربما تجد المرأة زوجًا يوافقها.
المقدم: نعم، شيخنا العبارة الشهيرة الطلاق أبغض الحلال، أو أبغض الحلال إلى الله الطلاق [1] ما رأيكم بها؟
الشيخ: هذه رويت في حديث عن النبي أخرجه ابن ماجه، والحديث ضعيف، ومن أهل العلم من يُحسنه، لكن الأقرب أنه ضعيف، ولا يثبت عن النبي ، وبعض أهل العلم أيضًا يتكلم في متنه، يقول: كيف يكون حلالًا، ومبغضًا عند الله تعالى؟
ولذلك نحن نقول: إن الطلاق لا يُلجأ إليه إلا عندما تستنفذ مراحل العلاج، فإذا استنفذت جميع مراحل علاج المشاكل الزوجية بين الزوجين ولم تُجْد، فيلجأ حينئذٍ إلى الطلاق.
المقدم: نعم، شكر الله لكم هذه الكلمات وهذه التوجيهات معالي الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، متحدثًا في هذه الحلقة في جزء ثانٍ عن موضوع الطلاق، ذكرنا الأسباب، وفي هذه الحلقة تطرق شيخنا إلى العلاج.
هذه تحية زميلي من التسجيل عثمان بن عبدالكريم الجويبر، والملتقى بكم في فقرتنا الأسبوع القادم إن شاء الله، نستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أبو داود: 2178، وابن ماجه: 2018. |
---|