عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحكام السَّلَم
هذه هي المحاضرة السابعة عشرة في هذه المادة، مادة عقود المعاوضات المالية، وقد وصلنا في المنهج إلى عقد السلم، وسوف أتحدث معكم في هذه المحاضرة والمحاضرة القادمة إن شاء الله عن أحكام السلَم؛ عن تعريفه، وحكمه، والحكمة منه، وأركانه، وشروطه، والأحكام المتعلقة به.
تعريف السَّلَم
نبدأ أولًا: بتعريف السلم في اللغة مأخوذ من التسليم والإسلام، ويقال: السلم، ويقال: السلف، قلنا: مأخوذ من التسليم والإسلاف، ويقال: أسلم في الشيء، وسلّم وأسلف، بمعنى واحد.
قال بعض أهل اللغة: إنّ السلم هو لغة أهل الحجاز، والسلف بالفاء لغة أهل العراق، ولكن يرد على هذا قول النبي : من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم [1].
والنبي يتكلم بلغة الحجازيين، وأيضًا قبل ذلك في القرآن قول الله تعالى: بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24]، ولهذا فالصواب أن السلم والسلف بمعنى واحد في لغة أهل الحجاز، وفي لغة أهل العراق، وإن هذا التفريق الذي قاله بعض أهل اللغة غير صحيح.
يُطلق عليه سلمًا وسلفًا في لغة أهل الحجاز وفي لغة أهل العراق، وسُمي سلمًا لتسليم رأس المال في مجلس العقد، وسلفًا لتقديم رأس المال الذي هو الثمن، مرة أخرى سُمي سلمًا لتسليم رأس المال في مجلس العقد؛ لأن هذا أحد الشروط التي ستأتي، ولا بد من تسليم رأس المال في مجلس العقد، وسلفًا السلف بمعنى التقديم لتقديم رأس المال الذي هو الثمن.
أما تعريفه اصطلاحًا عند الفقهاء: فهو عقد على موصوف في الذمة، مؤجل، بثمن مقبوض في مجلس العقد، نأتي لشرح التعريف:
- عقد على موصوف: أي: أنه لا بد أن يقع العقد على موصوف غير معين، فلا يصح السلم في الشيء المعين، إذ لا حاجة للسلم فيه، ما دام حاضرًا، فيمكن أن يُباع بيعًا، لا يصح أن يقول أنه يعقد عقد سلم على سيارة موجودة الآن أمامه، لا أحد يشتريها، ولا داعي للسلم.
- في الذمة: احترازًا من الموصوف المعين، كأن يقول: أسلمت إليك كذا ريال بالسلعة المعينة في المكان الفلاني، والتي صفتها كذا وكذا، فهذا لا يصح السلم فيه، ولو كان موصوفًا؛ لأنه موصوف معين، وليس موصوفًا في الذمة.
- مؤجل: قولنا: في التعريف مؤجل، أي أنه لا بد في السلم من التأجيل، لو كان السلم حالًا لم يصح في قول بعض الفقهاء، وفي المسألة خلاف، سنتكلم عنه إن شاء الله، عندما نتكلم عن شروط السلم، بثمن مقبوض في مجلس العقد.
- قولنا في التعريف بثمن مقبوض في مجلس العقد: هذا القيد لا بد منه، أي أنه لو لم يقيد الزمن في مجلس العقد لكان من قبيل بيع الدين بالدين، وهذا لا يجوز، وهذا أيضًا أحد الشروط لصحة السلم، وسنتكلم عنه إن شاء الله تعالى بالتفصيل.
أذكر صورة يتضح بها المقصود من السلم: يأتي رجل لآخر ويعطيه عشرة آلاف ريال نقدًا، يأتي إليه مثلًا في شهر رمضان يعطيه عشرة آلاف ريال نقدًا، ويقول خذ هذه عشرة آلاف ريال، أعطيك هذه العشرة آلاف ريال سلمًا على أن تعطيني بها مائة كيلو تمر، من مثلًا نوع السكري، تأتي لي بها في شهر مثلًا رجب من العام المقبل يعني وقت صلاح أو بدو صلاح ثمار النخيل، فهذه صورة السلم، يعطيه عشرة آلاف ريال في رمضان نقدًا، ويقول: على أن تعطيني مائة كيلو تمر من نوع كذا، في وقت كذا، هذا هو معنى السلم، وهذا لا ينطبق فقط ولا يختص بالتمر، وإنما حتى في غيره؛ ولذلك سيأتينا في عقود التوريد أنه يدخل فيها السلم، مثلًا شخص صاحب محل يُعطي آخر مليون ريال على أن يورد له سلعًا بمواصفات معينة بعد مثلًا ستة أشهر، خذ هذا المليون ريال على أن تورد لي هذه البضاعة بالمواصفات التالية؟ هذا يُعتبر سَلَمًا؛ ولهذا السلم يدخل في عقود التوريد، كما سيأتي إن شاء الله بيانه.
حكم السَّلَم
السلَم جائز بالإجماع، وقد نقل الموفق ابن قدامة الإجماع على جوازه، ونقل ابن هبيرة اتفاق الأئمة عليه، ويدل لجوازه قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أشهد أنّ السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه، وأذن فيه، ثم قرأ هذه الآية، وقد جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، هذا هو الدليل من السنة، قال: قدم رسول الله المدينة، وهم يسلفون بالثمار السنة والسنتين، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم [2]، وفي صحيح البخاري عن عبدالله ابن أبي أوفى قال: كنا نسلف على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزبيب والتمر [3].
اذًا لا إشكال في جوازه، والعلماء مجمعون على جوازه.
الحكمة من مشروعية السَّلَم
وأما الحكمة من مشروعيته، ففيه في الحقيقة توسعة على الناس، وجوازه من محاسن الشريعة الإسلامية، إذ إن فيه توسعة ورفعًا للحرج؛ ولذلك يسمى السلَم بيع المحاويج؛ لأنه لا يلجأ له إلا من كان محتاجًا، فيه مصلحة للطرفين، للمُسَلِّم وهو المشتري، والمُسلَّم إليه وهو البائع.
فالمُسلِّم الذي هو المشتري ينتفع بالسلَم، وذلك بشرائه للمُسَلَّم فيه وهو المبيع بأقل من قيمته الحاضرة، إذ أنه قد جرت عادة الناس بأن يكون ثمن المُسَلّم فيه أقل من بيع الحاضر، يعني في مثالنا السابق مثلًا قلنا: مائة كيلو تمر من نوع كذا، في وقت كذا، لو بيعت في وقتها لربما كان ثمنها أكثر من عشرة آلاف ريال، ربما كان ثمنها خمسة عشر ألفًا، لكن نظرًا لتقديم رأس المال مقدمًا، وكونها أتت بطريق السلَم نجد أنه يحصل فيها نوعًا من التخفيض للثمن، وبيع هذا الشيء بأقل من قيمته، فهو إذًا ينتفع بالمبيع بأن اشتراه بأقل من قيمته.
وأما المُسلّم إليه الذي هو البائع، فإنه ينتفع بالسلَم؛ وذلك بحصوله على الثمن الذي هو رأس مال السلَم مقدمًا، يعني: يحصل على السيولة مقدمًا، فينتفع بها، ويقضي حوائجه منها، ففيه إذا مصلحة للطرفين، هذا يستفيد من تقديم رأس المال له، وهذا يستفيد من الرخص الذي يحصل عليه بسبب ذلك.
هل السَّلَم على وفق القياس أو خلافه؟
جمهور أهل العلم على أن السلَم على خلاف القياس؛ لأنه بيع معدوم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم: إن السلَم وفق القياس، وليس على خلاف القياس، وكما أنه يجوز في البيع أن يكون الثمن مؤجلًا في الذمة، فكذلك المثمن، وكذا فإنه ليس داخلًا في نهي النبي عن بيع الإنسان ما ليس عنده [4].
إذ المقصود بنهيه عن بيع عين معينة ليست عنده، بل ملك للغير، فيبيعها، ثم يسعى في تحصيلها، بينما هذا هو بيع شيء موصوف في الذمة.
فإذا قلنا على وفق القياس، أو على خلاف القياس، ماذا يعني هذا المصطلح؟ هل هو مخالف للقياس العقلي؟ كذلك أيضًا لأصول القواعد الشرعية، أو ليس كذلك؟
فبعض أهل العلم يقول: إنه على خلاف القياس، ولكن الصحيح على أنه وفق القياس، بل بعض أهل العلم كابن القيم يرى أن جميع الأحكام كلها على وفق القياس، وليس هناك شيء قد شرع على خلاف القياس، وذكرت هذه المسألة؛ لأنها تُوجد كثيرًا في كتب الفقه.
بم ينعقد السَّلَم؟
السلَم نوع من البيع، السلَم في الحقيقة يُعتبر نوعًا من البيع، ويصح بألفاظ البيع، ويصح كذلك بلفظ السلَم وبلفظ السلف، ويصح كذلك بكل لفظ يدل عليه، حتى لو لم يقل هذا سلم، أو هذا سلف، أو هذا البيع، ومثلًا أعطاه مبلغًا مقدمًا، على أن يأتي له بسلعة ما يمكن انضباطه بالوصف في وقت معين، هذا يعتبر سلَم حتى وإن لم يقل هذا بيعًا، أو هذا سلَم، أو هذا سلف، وسبق أن ذكرنا قاعدة في أول هذه المادة، أول محاضرة من هذه المادة، وهي أن العقود تنعقد بكل لفظ أو فعل دالًا عليه.
أركان السَّلَم
- المُسَلِّم الذي هو المشتري.
- والمُسلَّم إليه الذي هو البائع.
- والمُسلَّم فيه، يعني الشيء الذي يسلم فيه.
- والصيغة، هذه هي أركان السلم: المُسَلِّم، والمُسلَّم إليه، والمُسلَّم فيه، والصيغة.
شروط صحة السَّلَم
أما بالنسبة لشروط صحة السلَم، فيشترط السلَم:
أولًا: شروط صحة البيع التي تكلمنا عنها في المحاضرة السابقة؛ لأنه نوع من البيع، فيشترط جميع شروط صحة البيع مثلًا التراضي أول الشروط التراضي، فلا بد من التراضي بين المُسلِّم والمُسلَّم إليه، وإلا لما صح السلَم، وهكذا بقية الشروط.
إذًا أولًا: يشترط لصحة السلَم جميع شروط صحة البيع، ويضاف لذلك أيضًا شروط خاصة بالسلَم، نتكلم عنها فيما يأتي.
- الشرط الأول: أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته، كالمكيل والموزون والمذروع، ونحو ذلك، أما ما لا يمكن ضبط صفاته، فلا يصح السلم فيه؛ وذلك لأنه يختلف كثيرًا فيفضي إلى المنازعة بين الطرفين، وقد علم من أصول وقواعد الشريعة سد كل ما يفضي إلى المنازعة والخصومة بين الناس، فإذًا لا بد أن يكون المُسلَّم فيه مما يمكن ضبط صفاته.
حكم السَّلم فيما لا يمكن ضبط صفاته
إذا كان مما لا يمكن ضبط صفاته، فإنه لا يجوز السلَم فيه، الحقيقة عندما نتكلم يعني مما ذكروا مما لا يمكن ضبط صفاته، الجلود مثلًا، والرؤوس وغيرها؛ لأنها تختلف، فلا يمكن ضبطها، لكن عندما نتأمل كتب الفقه نجد أن فقهاء المتقدمين ذكروا أمثلة لما لا يمكن ضبط صفاته في زمنهم، وفي وقتنا الحاضر، أصبح يمكن ضبط صفاتها بدقة متناهية؛ وذلك بسبب التقدم الصناعي والسبب التقدم التكنولوجي الذي يعيشه العالم اليوم، فعلى سبيل المثال كثير من الفقهاء المتقدمين يمنعون من السلَم في الأواني، يعني: لو رجعت مثلًا للروض المربع، تجد أنه ينص صاحب الروض يقول: وكذا الأواني مختلفة الرؤوس والأوساط في القماقم والأصطال الضيقة الرؤوس لاختلافها، يعني وتجد الكثير من كتب الفقه هذه العبارة أو قريبًا منها، فيمنعون من السلَم في الأواني؛ لماذا؟
قالوا: لأن الأواني تختلف، ولا يمكن ضبطها؛ لكونها تصنع يدويًّا في زمنهم، فلا يمكن ضبط صفاتها، كيف يُسلّم في أواني؟ ما يُمكن ضبط صفاتها، لكن في الوقت الحاضر الأواني تصنع آليًا، يمكن ضبط صفات الأواني بدقة متناهية؛ وذلك بمعرفة نوعها ورقمها والشركة المصنعة لها، والبلد أيضًا المصنَّعة فيه، معرفة هذه الأوصاف، يمكن ضبطها بدقة متناهية.
وبذلك نقول: إنه لا إشكال في صحة السلم في الأواني، فلا يأتي أحد ويقرأ في كتب الفقهاء المتقدمين ويقول: الفقهاء قالوا: إنه لا يصح السلم في الأواني، نقول: صحيح، لا يصح السلَم في الأواني في زمن أولئك الفقهاء الذين كتبوا هذه الكتب؛ لأنه لا يمكن ضبط صفاتها في زمنهم، لكن في وقتنا الحاضر يمكن ضبط صفاتها بدقة متناهية، بل إنني أقول: إن كثيرًا من الصناعات في الوقت الحاضر يمكن ضبطها؛ ولذلك هذا يعني الشرط يعني ربما يكون في وقتنا الحاضر ما لا يمكن ضبط صفاته محدود؛ لأن كثيرًا من الأشياء تصنع آليًا في المصانع، ويمكن ضبط صفاتها، التصنيع اليدوي قلّ في الوقت الحاضر، فيمكن إذًا ضبط صفاتها، يمكن ضبط صفات كثير من الأشياء في الوقت الحاضر، فانتبهوا أيها الإخوة لهذا الشرط.
ما أمكن ضبط صفاته جاز السلَم فيه، وما لا فلا
لكن نحن نأخذ قاعدة نقول: إن ما أمكن ضبط صفاته جاز السلَم فيه، وما لا فلا، خذ هذه قاعدة، فعندما تجد في كتب الفقه لا يصح السلَم بكذا وكذا وكذا؛ لأنه لا يمكن ضبط صفاته، فانتبه لا تأخذ هذا الكلام على إطلاقه، لا يمكن ضبط صفاته، يعني به المؤلف في زمنه، لكن في وقتنا الحاضر، لا بد أن نعيد النظر هل يمكن ضبط صفاته أو لا؟ كثير من الأشياء في وقتنا الحاضر أصبح يمكن ضبط صفاتها؛ ولذلك يتغير الحكم، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، هذه قاعدة معروفة عند الأصوليين، الحكم يدور مع علته، فالعلة هي مسألة ضبط الصفات، بغض النظر عن الصور؛ ولذلك يعني ينبغي التنبه لهذه المسألة، إذًا نقول: إنه ما أمكن ضبط صفاته جاز السلَم فيه، وما لا فلا.
أيضًا يذكرون الجواهر واللؤلؤ ونحوها يقولون: هذه لا يصح السلَم فيها؛ لأنها تختلف اختلافًا متباينًا بالصغر والكبر، ولا يمكن ضبطها، لكن في الوقت الحاضر أصبح يمكن ضبطها؛ لأنها الآن تُصنّع آليًا، يعني هي تُؤخذ يعني مادة خام، ثم تصنّع، كذلك أيضًا كلام الفقهاء عن الجواهر أيضًا وقوله: إنه لا يصح السلَم فيه في وقتهم لكن في وقتنا الحاضر، نقول: إنه يصح السلَم فيها.
هل يصح السَّلَم في الحيوان؟
الحيوان، فالحيوان الموجود في وقتنا هو الموجود في جميع الأوقات، ما يختلف، لا تدخله الصناعة كما هو معلوم، هل يصح السلَم فيه أو لا يصح؟
الحيوان هل يقال: إنه يمكن ضبط صفاته في الجملة فيصح السلَم فيه؟ أو يقال: إنه لا يمكن ضبط صفاته على وجه الدقة، فلا يصح السلم فيه؟
هذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء، فالجمهور على أنه يصح السلَم في الحيوان، وقد نص على هذا الإمام أحمد في رواية الأثرم، وروي عن عدد من الصحابة منهم ابن مسعود وابن عباس وابن عمر .
بعض الفقهاء ذهبوا إلى عدم صحة السلم في الحيوان، وهو مذهب الحنفية إذًا المسألة فيها خلاف، على رأيين:
- قول بأنه يصح السلَم في الحيوان، وهذا هو مذهب الجمهور، وقلنا: إنه نقله الأثرم عن الإمام أحمد، وروي عن عدد من الصحابة ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضي الله عنه أنه يصح السلم في الحيوان.
- القول الثاني: إنه لا يصح السلَم في الحيوان، وهذا هو مذهب الحنفية.
والقول الراجح في هذه المسألة هو قول الجمهور، وهو إنه يصح السلَم في الحيوان، والدليل لذلك هو حديث أبي رافع أن النبي استسلف من رجل بكرًا، فقدمت عليه إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فقال: لا أجد إلا خيارًا رباعيًا، فقال النبي : أعطه، فإن خير الناس أحسنهم قضاء [5].
وفي سنن أبي داود بسند صحيح عن عبدالله ابن عمرو رضي الله عنهما أنّ النبي أمره أن يجهز جيشًا فنفذت الإبل، فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، فكان البعير بالبعيرين، والبعيرين بالثلاثة إلى إبل الصدقة [6].
هذان الحديثان، وما جاء في معناهما يدلان على جواز السلَم في الحيوان، وهذا كما ذكرت هو المذهب عند الحنابلة، وهو المروي عن عدد من الصحابة، بل هو قول جمهور العلماء، قول الجمهور إذًا هو جواز السلم في الحيوان، وهذا هو القول الراجح في المسألة.
قد يقول قائل: هل يمكن ضبط صفات الحيوان؟ نقول: يمكن ضبطها في الجملة، يعني: الاختلاف اليسير لا يضر، فيمكن ضبطها في الجملة والسنة قد وردت بهذا؛ ولذلك فالصواب هو ما عليه جمهور العلماء من صحة السلَم في الحيوان.
ننتقل بعد ذلك إلى الشرط الثاني:
- الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهرًا، فيذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته أو قدمه وجودته أو رداءته، بعضهم يعبر ذكر الجنس والنوع، وكل وصف يختلف به الثمن ظاهرًا، إذا الشرط الثاني أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهرًا، والأشياء التي يختلف بها الثمن ظاهرًا، الجنس والنوع والقَدر والبلد والحداثة والقِدم والجودة أو الرداءة، وسبق أن تكلمنا عن معنى الجنس والنوع، وذكرنا الفرق بينهما عندما تكلمنا عن مسائل الربا، ويدل لهذا قول النبي : من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم [7].
وإنما اشترط ذلك؛ لأن المسلم فيه عوض في الذمة، فلا بد من العلم به كالثمن، إنما اشترط ذلك؛ لأن المُسلَّم فيه عوض في الذمة، فلا بد من العلم به كالثمن؛ ولأن العلم شرط في المبيع وطريقه الرؤية، أو الوصف، والرؤية هنا متعذرة فيتعين الوصف، لكن هل يجب استقصاء جميع الصفات؟
حقيقة لو قلنا: باستقصاء إنه يجب استقصاء جميع الصفات، فهذا يؤدي إلى تعذر السلَم، تعذر تسليم المسلَّم فيه؛ ولذلك قال الفقهاء: إنه لا يجب استقصاء كل الصفات؛ لأنه قد يتعذر، وقد ينتهي الحال فيها إلى أمر يتعذر معها تسليم المسلَّم فيه، وإنما يكتفى بالأوصاف الظاهرة التي يختلف بها الثمن اختلافًا ظاهرًا، بل إنه لو أستقصي جميع الصفات حتى انتهى إلى حال يندر معها وجود المسلَّم فيه بتلك الأوصاف بطل السلَم؛ لأن من شروط السلَم أن يكون المسلم فيه عام الوجود عند المحل، واستقصاء الصفات يمنع منه واستقصاء الصفات يمنع منه، إذا لا بد من ذكر الأوصاف التي يختلف بها الثمن ظاهرًا من غير استقصاء، وكما ذكرنا الأشياء التي اختلف بها الثمن ظاهرًا: الجنس النوع القدر البلد المنتج الحداثة والقدم، هذه كلها مما يختلف بها الثمن ظاهرًا، يعني في وقتنا الحاضر أيضًا ممكن مثلًا بالنسبة للصناعة الشركة المصنعة مثلًا يعني أن يكون من نوع كذا، أو البلد الذي يصنع فيه مثلًا عندما يسلم في السيارات تقول: سيارة مثلًا يابانية مثلًا نوعها كذا، وموديلها كذا، ولونها كذا، فيذكر الأوصاف التي اختلف بها الثمن ظاهرًا، فيذكر الأوصاف التي يختلف بها الثمن ظاهرًا.
إذًا هذا الشرط الأول والثاني من شروط صحة السلم، وسوف نستكمل إن شاء الله تعالى في المحاضرة القادمة، الحديث عن بقية الشروط.
والسلام ورحمة الله وبركاته.