عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تتمة صور من المعاملات المصرفية
هذه هي المحاضرة السادسة عشرة لهذه المادة، مادة عقود المعاوضات المالية، كنا قد وصلنا في مفردات المنهج إلى صور من المعاملات المصرفية، وتكلمنا في المحاضرات السابقة عن جملة من هذه الصور، ولعلنا نختم في هذه المحاضرة بالحديث عن بطاقات الائتمان، لعلنا نختم الحديث عن الصور، أو صور المعاملات المصرفية بالحديث عن بطاقات الائتمان.
بطاقات الائتمان
البطاقات جمع بطاقة، وبطاقة بمعنى ورقة، والبطاقة كلمة عربية فصيحة، قد جاء ذكرها في السنة الحديث المشهور الذي يُسمّى حديث البطاقة، والائتمان لم يرد في اصطلاحات المتقدمين، وإنما ورد في اصطلاح الفقهاء المعاصرين، والائتمان ترجمة للمصطلح الإنجليزي (credit) هذه بطاقات الائتمان تُسمّى (credit).
تعريف بطاقة الائتمان
عُرفت بتعريفات من أحسنها: أنها أداة دفع وسحب يصدرها مصرف تجاري أو مؤسسة مالية، تُمكّن حاملها من الشراء بأجل على ذمة مصدرها، ومن الحصول على النقد اقتراضًا من مصدرها، أو من غيره بضمانه وتمكنه من الحصول على خدمات خاصة؛ هذا هو تعريف بطاقات الائتمان.
نعيد مرة أخرى: تعريف بطاقة الائتمان: هي أداة دفع وسحب نقدي، يصدرها مصرف تجاري أو مؤسسة مالية تُمكّن حاملها من الشراء بأجل على ذمة مصدرها، ومن الحصول على النقد اقتراضًا من مصدرها، أو من غيره بضمانه، وتمكنه من الحصول على خدمات خاصة.
أقسام بطاقات الائتمان
تنقسم بطاقات الائتمان عند المعاصرين إلى قسمين:
- بطاقات الائتمان المغطاة.
- وبطاقات الائتمان غير المغطاة.
سوف نتحدث عن هذين القسمين جميعًا.
القسم الأول: بطاقات الائتمان المغطاة
أولًا إذا قلنا: مغطاة ما المقصود بالغطاء؟ الغطاء يراد به الرصيد، فمعنى مغطاة يعني يُوجد رصيد يقابل استخدام هذه البطاقات، وغير مغطاة لا يُوجد رصيد يقابل استخدام هذه البطاقات، يعني: هذا باختصار المقصود بهذا المصطلح المغطى وغير مغطى الغطاء المقصود بغطاء الرصيد، المغطاة يعني يُوجد رصيد يقابل استخدامها، غير مغطاة لا يُوجد رصيد في بطاقات الائتمان المغطاة، يشترط مصدر البطاقة على حاملها أن يُودع لديه مبلغًا من النقود في حساب مصرفي، ولا يستخدمها في مشتريات تزيد عن قيمة المبلغ المودع.
أنواعها
من أبرز بطاقات الائتمان المغطاة، بطاقات الصرف الآلي، وهي نوعان:
- بطاقات الصرف الآلي الداخلية التي تؤدي وظائفها داخل دولة واحدة.
- وبطاقات الصرف الدولية التي يستطيع حاملها أن يستخدمها في معظم دول العالم، ومن أمثلتها بطاقة فيزا إلكتروني التابعة للفيزا، وماستر كارد تابعة لشركة ماستر كارد.
حكمها
بطاقات الصرف الآلي الداخلية بطاقات السحب الفوري، هذه لا إشكال في جوازها، فهي تجوز؛ لأن المستخدم لها في الحقيقة إنما يسحب من رصيده، وحينئذٍ لا حرج في استخدامها باتفاق العلماء المعاصرين، فأنت عندما تستخدم بطاقة الصراف الآلي في الداخل إنما تسحب الحقيقة من رصيدك؛ ولهذا لا إشكال في جوازها.
وتقوم هذه البطاقات مقام المصارفة يدًا بيد؛ ولهذا مر معنا فيما سبق عندما تكلمنا عن مسائل الربا، أنه يجوز أن يشترى عن طريقها الذهب والفضة، ونقلنا فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، أنه يجوز أن يشترى الذهب والفضة ببطاقات الصرف الآلي؛ وذلك لأنها تقوم مقام المقابضة يدًا بيد، وتكلمنا أيضًا في حينها أن بطاقات الفيزا لا يجوز أن يشترى بها الذهب والفضة لوجود التأجيل فيه.
حكم السحب بهذه البطاقة من غير جهاز مصدرها
هنا مسألة مُتعلّقة أيضًا هذا النوع من البطاقات، حكم السحب بهذه البطاقة من غير جهاز مصدرها، كأن يكون للعميل مثلًا حساب في مصرف وأعطاه بطاقة صراف آلى، هل يجوز أن يستخدم هذه البطاقة عن طريق جهاز صراف آخر؟
من العلماء من منع من هذا، وأكثر العلماء على الجواز، ومن منع، قال: بأن يعني حامل البطاقة إذا سحب بها من غير جهاز المصرف الذي يتبعه، أو الذي يُوجد حسابه لديه، فإنه سيؤخذ من المصرف عمولة، وتؤول المسألة إلى قرض جر نفعًا، ولكن الذي عليه أكثر العلماء المعاصرين أنه لا بأس باستخدام هذه البطاقة من غير جهاز مصدرها؛ لأن صاحب البطاقة في الحقيقة إنما يسحب من حسابه من رصيده الخاص، ولا يسحب من حساب البنك الآخر؛ ولهذا يعني هو لو أنه سحب بهذه البطاقة من جهاز قريب من فرع البنك الذي يتبعه، لكن الجهاز جهاز بنك آخر، لو كان في رصيده خمسة آلاف ريال وسحبها، ثم ذهب مباشرة للفرع الذي يتبعه، وطلب منه خمسة آلاف ريال، لقال: ما عندك رصيد ليس في حسابك رصيد، هذا دليل على أنه إنما يسحب هذا العميل من رصيده، وليس من حساب البنك الآخر، هو يسحب في الحقيقة من رصيده، والعمولة التي تكون هي تكون أولًا: عندنا هنا في المملكة بين البنوك، والعميل لا يُؤخذ منه شيء، ثانيًا: هي رسم خدمة؛ ولأن هذه الأجهزة لها كلفة، وتحتاج إلى نفقات، تستأجر المكان الذي يوضع فيه وصيانته إذا تعطلت ومصاريف الكهرباء والهاتف، وغير ذلك، فهذا الرسم هو رسم خدمة في الحقيقة، ولا بأس به، ثم هو رسم مقطوع أيضًا لا يزيد بزيادة المبلغ المسحوب، وبهذا يتبيّن أنه لا بأس أن يسحب الإنسان من أي جهاز من أجهزة الصرف الآلي، سواء كان هذا الجهاز يتبع البنك الذي حسابه فيه، أو جهاز بنك آخر، كل هذا لا بأس به.
أما ما علّل به المانعون من أنها تؤول إلى قرض الذي جر نفعًا، فهذا مبني على تصور غير دقيق، بنوه على أن الإنسان إذا سحب بهذه البطاقة سحب من حساب البنك الآخر، وهذا غير صحيح، ولا يسحب من حساب البنك الآخر، وإنما يسحب من حسابه هو، لكن عن طريق جهاز يتبع لذلك في البنك؛ ولهذا فنقول: إنه لا بأس أن يسحب الإنسان ببطاقة الصرف الآلي من أي جهاز، إذًا بطاقات الائتمان المغطاة الأمر فيها واضح، والحكم ظاهر، وهو الجواز، ولا إشكال فيها.
القسم الثاني: بطاقات الائتمان غير المغطاة
ننتقل للقسم الثاني: وهو بطاقات الائتمان غير المغطاة، وعرّفها المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، بأنها مستند يعطيه مصدره أي البنك المصدر لشخص طبيعي أو اعتباري، وهو حامل البطاقة بناء على عقد بينهما، يمكنه من شراء السلع أو الخدمات، ممن يعتمد المستند، وهو التاجر دون دفع الثمن حالًا لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ويكون الدفع من حساب المصدر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع، بعد فترة محددة من تاريخ المطالبة، وبعضها لا يفرض فوائد.
ومن أمثلتها: بطاقات الفيزا والمستر كارد، هذه البطاقة تُمكّن حاملها من أنه يُمكّن أن يسحب نقدًا في حدود سقف معين، ولو لم يكن لديه رصيد، فهو الآن يستطيع أن يستخدم هذه البطاقة، ويسحب عن طريقها نقدًا، ويشتري بها، من غير أن يكون في حسابه رصيد.
لو تأملنا التعريف: مستند يعطيه مصدره يعني البنك لحامل البطاقة، يعني قال: شخص طبيعي أو اعتباري بناء على عقد تعاقد بينهما يُمكّنه من شراء السلع، إما أن يشتري بها سلعًا دون دفع الثمن حالًا، وكما ذكرنا بطاقات الائتمان غير المغطاة، لا يكون في حساب حاملها رصيد؛ ولتضمنه التزام المصدر بالدفع، يعني: مصدر البطاقة يلتزم بالدفع، ويكون الدفع من حساب المصدر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية، يعني يعود البنك الذي هو مصدر بطاقة على حامل البطاقة في مواعيد دورية، وبعضها يفرض فوائد ربوية، وبعضها لا يفرض.
أطرافها
البطاقات الائتمانية غير المغطاة تجمع أطرافًا، لا تزيد على خمسة:
- الطرف الأول: المنظمة العالمية، وهي التي تملك العلامة التجارية للبطاقة، وتشرف عليها وعلى إصدار البطاقات وفق اتفاقيات مع البنوك المصدرة، ومن أشهر هذه المنظمات العالمية منظمة فيزا، ومنظمة ماستر كارد، ومنظمة أمريكان إكسبريس.
- الطرف الثاني: مصدر البطاقة، وهو البنك أو المؤسسة التي تصدر البطاقة بناء على ترخيص معتمد من المنظمة العالمية بصفته عضوًا فيها، وتقوم بالسداد وكالة عن حامل البطاقة.
- الطرف الثالث: حامل البطاقة، وهو العميل الذي صدرت البطاقة باسمه.
- الطرف الرابع: قابل البطاقة، وهو التاجر أو صاحب المحل الذي يتعاقد مع مصدر البطاقة، بتقديم السلع والخدمات التي يطلبها حامل البطاقة.
- الطرف الخامس: البنوك الأخرى قد تدخل طرفًا، وقد لا تدخل كبنك التاجر الذي يستلم مستندات البيع من التاجر، ويقوم بمتابعة تسديد البنوك الأخرى والديون المترتبة على استخدام البطاقة، مقابل رسوم يأخذها من التاجر، هذه الأطراف قد تزيد وقد تنقص حسب تعامل البنك المصدر، وحامل البطاقة والتاجر، طيب ما حكم إصدار بطاقات الائتمان غير المغطاة؟
ما حكم إصدارها؟
بطاقات الفيزا والبطاقات غير الائتمانية عمومًا قد تتضمن شرطًا ربويًا؛ لأن هذه البطاقات تمكن حاملها من أن يأخذ عن طريقها مبلغًا ماليًا، ولو لم يكن في رصيده شيء، وفق سقف معين.
بعض البنوك تعطي فترة مجانية للسداد دون وضع فوائد، فإن سدّد لم يحتسب عليه فوائد ربوية، وإن لم يسدد احتسب عليه فوائد ربوية، هذه الفترة تتراوح ما بين أربعين إلى خمسة وخمسين يومًا في الغالب، فإذا مرت فترة السماح المجانية بدأوا في احتساب الفوائد عن كل يوم تأخير، أما إن سدد القرض خلال فترة السداد المسموح بها فإنه لا يُؤخذ عليه فوائد، وبعض المصارف الإسلامية لا تفعل هذا، وإنما تصدر بطاقة الفيزا، وبطاقة الائتمان عمومًا، بغير هذا الشرط، لكنها لا تعطي هذه البطاقة إلا لعميل تثق في التزامه بالسداد.
وبناء على هذا نقول في الحكم: البطاقات التي تتضمن الشرط الربوي غير جائزة، وأما إذا خلت من الشرط الربوي فإنها جائزة، إذًا حكم بطاقات الائتمان غير المغطاة إذا كانت بطاقات الائتمان غير المغطاة، تتضمن شرطًا ربويًّا، بحيث إنه إذا مضت فترة السماحة المجانية احتسب على حاملها فوائد ربوية، فإنه لا يجوز إصداره، وأما إذا كانت لا تتضمن هذا الشرط الربا، وكما تفعل بعض البنوك الإسلامية، فيجوز إصدار هذه البطاقة، طيب، وقد صدر بنحو هذا قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق بمنظمة المؤتمر الإسلامي، المنبثق منظمة المؤتمر الإسلامي.
طيب قبل أن يعني نستعرض القرار؛ لماذا قلنا: إنه إذا كانت هذه بطاقات تتضمن شرطًا بدفع غرامة عن كل يوم تأخير، فإنها تكون محرمة؟ نقول: لأن حامل البطاقة لما استخدم هذه البطاقة، وليس عنده رصيد، هو في الحقيقة قد اقترض عن طريق هذه البطاقة، فأصبح هذا القرض دينًا في ذمته، فعندما يحين موعد السداد عندما تنتهي فترة السماحة المجانية يفترض أن المقرض الدائم يطالب هذا المقترض المدين يطالبه بسداد الدين، فإن لم يسدد، فإنه لا يجوز أن يحتسب عليه فوائد ربوية، إذا احتسب عليه فوائد ربوية، فإن هذا نظير ما ذكرناه في محاضرة سابقة، نظير ربا الجاهلية، ربا الجاهلية عندما يحل الدائن على المدين يأتي الدائن للمدين، ويقول: إما أن تقضي، وإما أن تربي، وإما أن تسدد لي الآن، وإما أن أنظرك مقابل زيادة، وقلت في محاضرة سابقة: إن ربا الجاهلية هو موجود الآن، ويطبق بشكل واسع في كثير من البنوك؛ ولذلك يعني احتساب ما يسمونه غرامة، وهي في الحقيقة فائدة ربوية إذا لم يسدد حامل البطاقة القرض في موعده المحدد، هذا يعتبر ربًا، ولا يجوز، يعتبر محرمًا، ولا يجوز؛ لأنه نظير ربا الجاهلية، وإما أن تقضي، وإما أن تربي.
قرار مجمع الفقه الإسلامي في بطاقات الائتمان غير المغطاة
قرار مجمع الفقه الإسلامي كان في بطاقات الائتمان غير المغطاة باعتبار أنها هي التي فيها الإشكال، وأما بطاقات الائتمان المغطاة هذه الأمر فيها واضح، قرّر فيها:
- أولًا: لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة، ولا التعامل بها إذا كانت مشروطة بزيادة ربوية.
يعني: كما قرّرنا الحكم قبل قليل، قال: جاء في قرار المجمع حتى ولو كان طالب البطاقة عازمًا على السداد ضمن فترة السماح المجاني، حتى لو كان عازمًا عن السداد ضمن فترة السماح المجاني؛ لماذا؟ لأمرين:
-
- الأمر الأول: إنه بإصدار هذه البطاقة التي تتضمن هذا الشرط الربوي قد قبل بالربا، وعندما يوقع على عقد الاتفاقية بينه وبين البنك يوقع على قبول الربا، وهذا بحد ذاته لا يجوز.
- الأمر الثاني: أنه ربما يكون عازمًا على السداد خلال فترة السماح المجانية، لكن تعرض له عوارض، تعرض له عوارض، لا يستطيع من خلالها أن يسدد خلال فترة السماح المجانية، والإنسان لا يدري ماذا يعرض له؟
ولذلك لا يجوز إصدار هذا النوع من البطاقات، حتى ولو كان عازمًا على السداد خلال فترة السماح المجانية، وأذكر أن رجلًا أصدر بطاقة من هذا النوع، وقد ذكر لي أنه كان في حينها عازمًا على السداد خلال فترة السماح المجانية، يقول: ثم عرضت له عوارض، وطرأت عليه ظروف، لم يستطع معها أن يسدد خلال فترة السماح المجانية، فاضطر إلى دفع الربا، هذا الحكم يعني في الأصل، ومن حيث العموم، لكنني أقول: إن هناك حالات ربما تستثنى من هذا الحكم، وهي كما يوجد في بعض البلاد التي لا يوجد فيها مصارف إسلامية أو مصارف تمنح هذا النوع من البطاقات، يعني: من غير أن تتضمن شرطًا ربويًّا، ويكون إنسان مضطرًا للتعامل بهذه البطاقات، وفي هذه الحال أجاز بعض العلماء المعاصرين استخدام هذا النوع من البطاقات، بشرط أن يكون عازمًا عزمًا أكيدًا على السداد خلال فترة السماح المجانية، ويضع الآلية التي تضمن ذلك ويكون عند توقيعه الاتفاقية يعني غير قابل للربا، بل منكر للربا في هذا، أو هذا الشرط، وأنه إنما وقع على الاتفاقية بدون شرط الربا، باعتبار أن هذا الشرط لن يصل إليه، وأنه سوف يكون عازمًا على السداد خلال فترة السماح المجانية، وبالتالي هذا الشرط لا ينطبق عليه هذا الشرط، لا ينطبق عليه هذا، قد يضطر بعض الناس لمثل هذا في بعض الدول، كما ذكرت التي ربما لا يُوجد فيها مصارف إسلامية، أو مصارف تمنح بطاقات خالية من هذا الشرط، ويكون الإنسان مضطرًا لاستخدام بطاقات الائتمان.
- ثانيًا: يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شرط الزيادة الربوية على أصل الدين.
وهذا ظاهر، وهذا هو الذي تفعله كثير من المصارف الإسلامية، جاء في القرار أيضًا، ويتفرع على ذلك جواز أخذ مصدرها من العميل رسومًا مقطوعة عند الإصدار، أو عند التجديد بصفتها أجرًا فعليًّا على قدر الخدمات المقدمة منه، يجوز أخذ رسوم إصدار، رسوم خدمة، بشرط أن تكون هذه الرسوم مقابل خدمات فعليه حقيقية، وألا تكون غطاء على الفوائد الربوية، وهنا يأتي دور الهيئة الشرعية للتأكد من هذا؛ لماذا قلنا: بجواز أخذ المصرف رسوم خدمة؛ لأننا لا نستطيع في الحقيقة أن نلزم البنوك أن تخدم الناس مجانًا، ولا ترد الشريعة بمثل هذا، نقول للبنوك يجب عليكم أن تخدموا الناس مجانًا، وإلا وقعتم في المحظور؟ هذا لا يمكن، بل البنك له أن يأخذ مقابل ما يتكبده من مصاريف، له أن يأخذ مقابل الخدمة التي يقوم بها، هذه لا إشكال فيها، وكما يقال: لا يُخدم بخيل، يعني من أراد أن يُخدم لا بد من أن يبذل عوضًا، لا بد من أن يبذل مالًا، لا نستطيع أن نلزم البنوك بأن تخدم الناس بدون مقابل.
فإذًا رسوم الخدمة، رسوم المصاريف الإدارية، هذه لا إشكال في جوازها، ثانيًا: جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد، يجوز للبنك أن يأخذ من التاجر عمولة، على مشتريات العميل؛ لماذا؟ لأن هذا يُكيّف على أنه سمسرة، كأن البنك يقول لهذا التاجر: أنا سآتي لك بعملاء عن طريق هذه البطاقة، بشرط أن تعطيني عمولة، إذا كان كذلك فلا بأس، شريطة بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد، يعني أيضًا لا بد أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد؛ لئلا يكون في ذلك نوع من التعويض من التاجر لهذا المبلغ الذي يُؤخذ منه من قبل البنك؛ لأن بعض التجار ربما أنه يحاول أن يأخذ هذا الرسم، أو هذه العمولة من العميل، وهذا لا يجوز لأن هذا قرض بين البنك وبين العميل؛ ولذلك لا بد من أن يلتزم التاجر بهذا الشرط، وهو أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد، فتُكيّف إذًا هذه العمولة التي يأخذها البنك من التاجر على أنها مقابل سمسرة. - ثالثًا: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة هو اقتراض من مصدرها، ولا حرج فيه شرعًا إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية.
السحب النقدي كما قلنا: إن هذا النوع من البطاقات يمكن حامل البطاقة من السحب النقدي وفق سقف معين، هذا السحب لا بأس به، ولو لم يكن في رصيده يعني شيء، ومكّن من السحب عن طريق هذه البطاقة لا حرج في ذلك، لكن لاحظ بهذا الشرط، وهو ألا يترتب عليه زيادة ربوية، البنوك الإسلامية وكثير من المصارف الإسلامية لا تأخذ زيادة، فإذا كان البنك يأخذ زيادة، فإن هذا لا يجوز، وجاء في قرار المجمع الفقهي، ولا يعد من قبيل الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة، وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة؛ لأنها من الربا المحرم شرعًا، كما نص على ذلك المجمع الفقهي في القرار السابق. - رابعًا: ولعلي أختم بها لا يجوز شراء الذهب والفضة والعمولات النقدية بالبطاقة غير المغطاة
وهذه المسألة أشرنا لها في درس سابق، وقلنا: إن السبب في هذا هو أن بطاقات الائتمان غير المغطاة -بطاقات الفيزا وماستر كارد- هذه فيها تأجيل، ومعلوم أنه عند بيع الذهاب بالنقد لا بد من التقابض؛ لأن العلة واحدة، كما مر معنا، علة الذهب وعلة الأوراق النقدية هي الثمنية، وإذا كانت العلة واحدة، والجنس مختلف هذه أوراق نقدية، وهذا ذهب فلا بد من التقابض؛ لقول النبي : فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد [1]، فهنا لا بد من التقابض، قلنا في بطاقات الصرف الآلي: هذه التقابض فيها ظاهر، لكن في البطاقات الفيزا التأجيل فيها ظاهر، التأجير قد يبقى أحيانًا يومًا، وأحيانًا يومين، وأحيانًا ثلاثة أيام، وربما في بعض الأحيان يصل إلى أسبوع، ومع هذا التأجيل نقول: لا يجوز بيع الذهب ببطاقات الائتمان غير المغطاة التي تتضمن آجلًا؛ لأنه اشترط التقابض، وإما التقابض الحسي أو التقابض الحكمي بين البائع والمشتري في الذهب والفضة.
بهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن أبرز الأحكام المتعلقة ببطاقات الائتمان، وأيضًا نكون قد انتهينا من صور المعاملات المصرفية التي أردنا أن نتحدث عنها.
وفي المحاضرة القادمة إن شاء الله، سوف ننتقل إلى باب جديد، وهو باب السلم وأحكام السلم.
فإلى ذلك الحين أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 1587. |
---|