الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو الدرس الثالث في المفطرات المعاصرة، وسأتحدث معكم، في هذا الدرس عن أثر استخدام المناظير على صحة الصيام، وسأتحدث أيضًا عن أثر شُرب الدخان على صحة الصيام.
أثر استخدام المناظير على صحة الصيام
أما بالنسبة للمناظير، فأشهرها منظار المعدة، ومنظار المعدة يُدخل عن طريق الفم؛ وذلك لأمرٍ يحتاجه الطبيب في المعدة، إما لسبب قرحة المعدة، أو بسبب أمرٍ آخر، يحتاج الطبيب إلى إدخال هذا المنظار عن طريق الفم، ومنظار المعدة لو أُدخل من غير أن يحتف به أمورٌ أخرى، فهذا لا يُفسد الصيام؛ لأنه ليس أكلًا ولا شربًا، وليس بمعنى الأكل والشرب، وإنما هي آلةٌ تُدخل عن طريق الفم، لاستكشاف ما في المعدة، أو لقيام الطبيب ببعض الإجراءات المتعلقة بذلك، فهو ليس من المفطرات المنصوص عليها، وليس بمعناها.
لكن الإشكال هنا أن هذا المنظار أحيانًا بل في الغالب يصحبه أمورٌ ربما تكون هي السبب في إفساد الصيام، فهذا المنظار منظار المعدة، حتى لا يجرح المريض عند إدخاله عن طريق الفم، يُدهن هذا المنظار، فيوضع عليه مادةٌ دهنية، وأيضًا حتى لا تعيق المخاط ونحوه، لا يعيق الكاميرا التي تكون في هذا المنظار، يصحب هذه المنظار أنبوبةٌ ينفذ منها ماءٌ للتنظيف، فيصحب إذًا هذا المنظار، منظار المعدة، أمران:
- الأمر الأول: المادة الدهنية التي تُسهل دخوله.
- والأمر الثاني: هذا الماء الذي ينظف ما أمام الكاميرا، من المخاط ونحوه، أو البلغم، أو نحو ذلك.
ولذلك هذان الأمران هما المؤثران في التفطير، فإذا صحب منظار المعدة ماءٌ أو هذه المادة الدهنية، أو كلا الأمرين، فإن هذا المنظار يكون مفطرًا للصيام، ويكون مفسدًا للصيام، ليس لكونه منظارًا، وإنما بسبب ما اقترن به من هذه الأمور المفسدة للصيام، المادة الدهنية، لا شك أنها من الطعام، وكذلك أيضًا الماء، هو أصل الشراب، فإذًا إذا احتف بهذا المنظار الماء، أو المادة الدهنية، فإنه يفسد الصيام، ويحصل التفطير للصائم بذلك.
أما لو افتُرِضَ أن هذا المنظار أُدخل جافًا من غير أن يحتف به شيءٌ آخر، لا ماءٌ ولا مادةٌ دهنية، فإن هذا المنظار لا يُفسد الصيام، يعني بعض الأطباء مثلًا قد يكون عنده فقهٌ في هذه المسألة، ويقول للمريض: أنا أُدخل منظار المعدة من غير حاجةٍ لاستخدام المادة الدهنية، ومن غير حاجةٍ أيضًا استخدام الماء لتنظيف ما أمام الكاميرا، إذا كان كذلك هذا لا يُفسد الصيام، لكن لو احتف به مادة دهنية، واحتف ماءٌ لتنظيف الكاميرا التي في المنظار، فيفسد الصيام بذلك، هذا فيما يتعلق بمنظار المعدة.
وأما بالنسبة للمناظير الأخرى، فإنها لا تُفسد الصيام، فالمنظار مثلًا الذي يكون عن طريق فتحة الشرج مثلًا، أو عن طريق أي موضع آخر من مواضع البدن، هذه لا تُفسد الصيام؛ لأنها ليست أكلًا ولا شُربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب.
أثر شرب الدخان على الصيام
وأما بالنسبة لشرب الدخان، أولًا: شرب الدخان، الذي هو التبغ، هذا محرم؛ لأنه مضرٌ بالصحة، وقد أجمع الأطباء على ضرره، جميع الأطباء اتفقوا على أن شرب الدخان مضرٌ بالصحة، وكما قال ابن تيمية رحمه الله: “لا يتفق عقلاء بني آدم إلا على ما كان حقًا”؛ وإذا كان الدخان مضرًّا، فإنه يكون محرمًا.
وأما بالنسبة لأثره على الصيام، فإنه مفسدٌ للصيام، ولا يُقال: بأنه مجرد دخان، وأنه يترتب على ذلك أن استنشاق البخور يُفسد الصيام، نقول: هو ليس مجرد دخان، وإنما دخانٌ مصحوبٌ بمواد أخرى، من أبرزها مادة النيكوتين، ومواد أخرى مصاحبة؛ ولذلك هو دخانٌ لكن معه مكوناتٌ أخرى، هذه المكونات هي السبب في إفساد الصيام، فهو أيضًا ليس مجرد دخانٍ يستنشقه الإنسان، وإنما هو دخانٌ محمّلٌ بمادة النيكوتين، وبمواد أخرى أيضًا، فمجموع هذه المواد يجعل له جرمًا، ويكون مفسدًا للصيام، فيكون بهذا شرب الدخان يكون مفسدًا للصيام.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.