الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو الدرس الثالث من الوحدة الثانية في مفطرات الصيام المعاصرة، وأتحدث معكم في هذا الدرس عن الحقن، والإبر العلاجية، وأيضًا عن أثر التخدير على صحة الصيام؟
حكم الحقن والإبر العلاجية
أما بالنسبة إلى الإبر والحقن العلاجية فهذه محل خلاف بين العلماء فمنهم من قال:
- إنها تفسد الصيام؛ وذلك لأنه يصحبها استخدام كمية من المياه، ومن المواد العلاجية، وتنفذ إلى الجسم، فتكون مفسدة للصيام.
- والقول الثاني: وهو قول أكثر العلماء المعاصرين أن هذه الحقن والإبر العلاجية أنها لا تفسد الصيام، ولو كانت مصحوبة بما ذُكر؛ وذلك لأنه لا ينطبق عليها ضابط ما يحصل به التفطير، وضابط ما يحصل به التفطير كما بينا ذلك في دروس سابقة، هو أن يكون من المنصوص عليه، أو في معنى المنصوص عليه.
وإذا تأملنا واقع هذه الإبر العلاجية وهذه الحقن نجد أنها ليست بطعام ولا شراب، وليست في معنى الطعام ولا الشراب، وليست في معنى المنصوص عليه، والأصل هو صحة الصيام، ولا نعدل عن هذا الأصل إلا بشيء واضح، ولا نستطيع أن نفسد صيام عباد الله إلا بأمر واضح، ودليل من كتاب الله أو من سنة رسوله ، أو أمر واضح حتى نقول لهذا الإنسان: إن صيامك غير صحيح، وإلا نتمسك بالأصل وهو صحة الصيام، فهذه الإبر العلاجية لا ينطبق عليها الضابط الذي ذكرنا، وبناء على ذلك: فهي لا تفسد الصيام، والصيام معها صحيح سواء أكانت إبرًا أو حقنًا.
حكم إبرة الأنسولين للصائم
ومن ذلك: إبرة الأنسولين التي يستخدمها مريض السكر فهذه لا تفسد الصيام؛ لأن ما يحقن به هذا المريض ليس طعامًا ولا شرابًا، وليس في معنى الطعام ولا الشراب، ولا يستطيع المريض أن يستغني به عن الطعام والشراب، والأصل هو صحة الصيام.
لكن أنبه هنا إلى أن الإبر المغذية هذه تفسد الصيام؛ وذلك لأنها تقوم مقام الطعام والشراب، ويستطيع المريض أن يستغني بها مدة طويلة عن الطعام والشراب، فهي مفسدة للصيام.
أثر التخدير على الصيام
وأما ما يتعلق بالتخدير: فالتخدير لا يخلو إما أن يكون تخديرًا موضعيًّا، أو تخديرًا كليًّا.
أما إذا كان التخدير موضعيًّا، بحيث لا يفقد الإنسان معه شعوره، ولكن يحقن بمادة التخدير، فهل هذا التخدير يفسد الصيام؟ بناء على التأصيل الذي ذكرت في مقدمة الدرس لا يفسد الصيام؛ لأن ما يحقن به هذا الذي يراد تخديره تخديرًا موضعيًّا ليس بطعام ولا شراب، وليس في معنى الطعام ولا الشراب، وليس في معنى المنصوص عليه، وبناء على ذلك فإن التخدير الموضعي لا يفسد الصيام.
وأما التخدير الكلي: ففيه أمران:
- الأمر الأول: ما يحقن به هذا الذي يراد به تخديره.
- والأمر الثاني: أن هذا المخدر يفقد شعوره.
أما بالنسبة للأمر الأول: فيرجع للتأصيل الذي ذكرت في بداية الدرس، وأن هذه المواد التي يحقن بها هذا الذي يراد تخديره لا ينطبق عليها ضابط ما يحصل به التفطير، فليست بطعام ولا شراب، وليست في معنى الطعام ولا الشراب، وليست في معنى المنصوص عليه، لكن يبقى النظر في فقد الشعور، وفقد الإحساس بالنسبة لهذا المخدر، وهذه المسألة يمكن تخريجها على صيام المغمى عليه، فالمغمى عليه إذا أغمي عليه جميع النهار فإن صيامه غير صحيح، في قول أكثر أهل العلم، وهو القول المرجح عند كثير من المحققين من أهل العلم؛ وذلك لأن الصيام إمساك بنية، والنية هنا غير موجودة؛ لكونه فاقدًا للشعور، بناء على ذلك: المغمى عليه إذا أغمي عليه جميع النهار فصيامه غير صحيح، ويلزمه القضاء.
كذلك أيضًا الذي يخدر تخديرًا كليًّا، ويستوعب التخدير جميع النهار، فصيامه غير صحيح، ويلزمه قضاؤه، تخريجًا على صيام المغمى عليه.
أما إذا كان التخدير الكلي لا يستوعب جميع النهار، وإنما يفيق جزء من النهار، سواء كانت الإفاقة في أوله أو في وسطه أو في آخره، فالصيام صحيح.
ولهذا قال كثير من الفقهاء: أن المغمى عليه إذا أفاق جزء من النهار فصيامه صحيح، فتخرج أيضًا هذه المسألة على مسألة المغمى عليه إذا أفاق جزءًا من النهار، وحيث أن القول المرجح في صيام المغمى عليه إذا أفاق جزء من النهار أن صيامه صحيح، فنقول كذلك في التخدير الكلي الذي لا يستوعب جميع النهار، وإنما يفيق معه الإنسان جزء من النهار، نقول: إن صيامه صحيح، والغالب في التخدير الكلي أنه لا يستوعب جميع النهار، ويفيق المخدر جزء من النهار حتى لو لم يفق إلا دقيقة من أول النهار، أو من آخره فصيامه صحيح.
خلاصة الكلام في هذه المسألة: أن من يراد تخديره إذا كان التخدير موضعيًّا؛ فالصيام معه صحيح، أما إذا كان كليًّا فإن كان شاملًا لجميع النهار؛ فصيامه غير صحيح، ويلزمه القضاء، أما إن كان لا يشمل جميع النهار ويفيق جزء من النهار، سواء في أوله أو في وسطه أو في آخره؛ فالصيام معه صحيح.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.