عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أثر ما يدخل من الأنف على الصيام
فهذا هو الدرس الرابع في مفطرات الصيام المعاصرة، وأتحدث معكم في هذا الدرس عن منفذ الأنف، وما يدخل عن طريق الأنف، هل يحصل به التفطير للصائم أم لا؟
منفذ الأنف، الأنف منفذٌ إلى الجوف، وإن كان ليس هو المنفذ الأصلي، المنفذ الأصلي إلى الجوف، هو الفم، فالإنسان يتناول الطعام والشراب عن طريق فمه، ولكن الأنف له نفوذٌ إلى الجوف؛ ولهذا قال النبي للقيط بن صبرة: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا [1]، فأمره بالمبالغة في المضمضة والاستنشاق، هذه من سنن الوضوء، لكن النبي استثنى حالةً واحدة، وهي حالة الصيام؛ لأن الإنسان إذا بالغ في الاستنشاق فربما نفذ شيءٌ من الماء إلى جوفه، عن طريق الأنف، وهذا يدل على أن الأنف منفذٌ إلى الجوف.
ومما يُبين هذا أن المريض إذا تعذر إعطاؤه الطعام والشراب عن طريق فمه فإنه يُعطى عن طريق أنفه، ونجد من المرضى من يتعذر إعطاؤه الطعام والشراب عن طريق الفم، فتوضع ليات، ويعطى الطعام بطريقة معينة عن طريق أنفه، يُعطى الطعام والشراب عن طريق أنفه، فالأنف له نفوذٌ للجوف؛ ولهذا أحيانًا عندما يُبالغ الإنسان في الاستنشاق، يحس بأثر قطرات الماء إلى جوفه.
فنخلص من هذا إلى أن الأنف منفذٌ إلى الجوف.
هل قطرة الأنف تفسد الصيام؟
بعد ذلك نأتي للكلام عن بعض المفطرات المعاصرة، قطرة الأنف، هل تفسد الصيام أم لا؟
قطرة الأنف إذا كان ماء القطرة لا يصل للجوف، بحيث استخدم هذه القطرة في طرف أنفه، فهذه لا تُفسد الصيام، لكن لو نفذ ماء القطرة إلى جوفه، فاختلف العلماء المعاصرون في كونها مفسدةٌ للصيام، فمنهم من قال: إنها لا تُفسد، ومنهم من قال: إنها تُفسد، وهم الأكثر، وهذا هو القول الراجح: أن قطرة الأنف إذا وصل ماؤها إلى الجوف فإنها تُفسد الصيام، وإذا كان النبي يقول: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا خشية أن ينفذ شيءٌ من ماء الاستنشاق إلى الجوف، كذلك أيضًا قطرة الأنف إذا نفذ ماؤها إلى الجوف، فإنها تُفسد الصيام؛ لأنه قد نفذ هذا الماء من منفذٍ معتادٍ إلى الجوف، وعلى هذا نقول: من احتاج لقطرة الأنف، إن أمكن أن يؤجل استخدام هذه القطرة إلى الليل فهذا هو المتعين، أما إذا لم يمكن ذلك، وطلب منه الطبيب أنه يستخدم قطرة الأنف في النهار، وقال: إنه لا بد من أن يستخدمها الاستخدام الكامل، الذي يصل معه ماؤها إلى الجوف، فهنا نقول: إنه يستخدم هذه القطرة بسبب المرض، لكن يجب عليه أن يقضي هذا اليوم، فالحاصل أن قطرة الأنف إذا وصل ماؤها إلى الجوف، فإنها مفسدةٌ للصيام، وقد اختار هذا القول جمعٌ من مشايخنا، كسماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وكذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وأدلة هذا القول ظاهرة.
حكم استخدام البخاخ عن طريق الأنف للصائم
استخدام بخاخ الذي يكون عن طريق الأنف، أحيانًا عند أمراضٍ معينة، كالحساسية مثلًا، أو نحو ذلك، يحتاج الإنسان إلى استخدام البخاخ عن طريق الأنف، فهذا البخاخ لا يُفسد الصيام؛ لأنه إنما يذهب فقط لقصبة الأنف ونحوها، ولا ينفذ إلى الجوف، إلا شيءٌ يسيرٌ جدًّا، أولًا: قد لا ينفذ إلى الجوف، ثانيًا: إذا نفذ إلى الجوف منه شيء، فإنما ينفذ منه شيءٌ يسيرٌ جدًّا، هو أقل مما يبقى من أثر ملوحة الماء بعد المضمضة، فإن الإنسان إذا تمضمض للوضوء لصلاة الظهر أو العصر مثلًا، في نهار رمضان، يبقى شيء من أثر ملوحة الماء في فمه، وتختلط بريقه، وهي معفوٌ عنها بالإجماع، فما قد ينفذ من بخاخ الأنف إلى الجوف، هو أقل من أثر ملوحة الماء التي تختلط بالريق، والتي هي معفوٌ عنها بالإجماع، وعلى هذا فلا بأس باستخدام بخاخ الأنف، ولكن الممنوع استخدام قطرة الأنف، أما بخاخ الأنف فلا بأس باستخدامه.
أما قطرة الأنف إذا وصل ماؤها للجوف فإنها تُفسد الصيام؛ ولذلك لا يجوز استخدامها إلا لمن احتاج لذلك، وأوصاه الطبيب بهذا، فإنه يستخدمها، ويقضي ذلك اليوم.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أبو داود: 142، والترمذي: 788، والنسائي: 87، وابن ماجه: 407، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. |
---|