logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(17) فصل فيما يبطل الصلاة- من قوله “يبطلها ما أبطل الطهارة.”

(17) فصل فيما يبطل الصلاة- من قوله “يبطلها ما أبطل الطهارة.”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

اللهم آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.

مبطلات الصلاة

انتقل المؤلف بعدما تكلم عن مكروهات الصلاة إلى مبطلاتها فقال:

ما أبطل الطهارة

يبطلها ما أبطل الطهارة.

وعلى ذلك: تبطل الصلاة بجميع نواقض الوضوء التي تكلمنا عنها في درسٍ سابقٍ بالتفصيل، جميع نواقض الوضوء تبطل بها الصلاة، وعبَّر المؤلف عن ذلك بقوله: ما أبطل الطهارة؛ وذلك لأن الطهارة شرطٌ لصحة الصلاة، فما يُبطل الطهارة يُبطل الصلاة، ومن ذلك مثلًا المثال الذي ذُكر في “السلسبيل”: أن يصلي وقد انتقضت منه مدة المسح على الخفين بعد انقضاء المدة، فتكون طهارته غير صحيحةٍ، وإذا لم تصح طهارته؛ لم تصح صلاته.

كشف العورة عمدًا

ثم قال المؤلف:

وكشف العورة عمدًا.

ستر العورة معلومٌ أنه من شروط صحة الصلاة كما سبق، فكأن المؤلف يقول: إذا تخلف هذا الشرط؛ بطلت الصلاة، لو أن المؤلف عمم العبارة وقال: تبطل الصلاة بفقد شرطٍ من شروط صحة الصلاة السابقة؛ لكان أحسن من أن يأتي لكشف العورة، ثم أيضًا سيأتي لاستقبال القبلة فيخص بعض الشروط، هذا غير مناسبٍ، فلو أن المؤلف عمَّم العبارة وقال: تبطل بفقد شرطٍ من شروط صحة الصلاة السابقة؛ لكان هذا أحسن في العبارة وأجود وأشمل، لكن يبقى كلام البشر يعتريه ما يعتريه: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82].

إذنْ كشف العورة قال: “وكشف العورة عمدًا”، هذا أحد شروط صحة الصلاة، ستر العورة، عدم تحقق هذا الشرط يبطل الصلاة؛ وذلك بكشف العورة، وقد سبق الكلام عن شرط العورة وحدودها بالنسبة للرجال والنساء والصبيان، تكلمنا عنها كلامًا موسعًا، فإذا انكشفت العورة عمدًا؛ بطلت الصلاة؛ لأن ستر العورة هو أحد شروط صحة الصلاة، هذا إذا كان عمدًا؛ ولهذا استدرك المؤلف فقال:

لا إنْ كَشَفها نحو ريحٍ فسترها في الحال، أوْ لا وكان المكشوف لا يفحش في النظر.

استثنى المؤلف مسألتين:

  • المسألة الأولى: أن يكون الانكشاف يسيرًا، فإن هذا لا يبطل الصلاة.
  • المسألة الثانية: أن يكون الانكشاف كثيرًا في زمنٍ يسير.

إذنْ المسألة الأولى: أن يكون الانكشاف يسيرًا في زمنٍ طويلٍ.

والثانية: أن يكون الانكشاف كثيرًا في زمنٍ يسيرٍ، ففي كلتا المسألتين لا تبطل الصلاة، أما الانكشاف اليسير للعورة أثناء الصلاة ولو في الزمن الطويل؛ فالمؤلف هنا قرر أنه لا يُبطل الصلاة، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو مذهب الحنفية.

والقول الثاني: أنه مبطلٌ، وهو مذهب الشافعية.

والقول الثالث: قول المالكية بالتفريق بين الانكشاف اليسير للعورة المغلظة، والانكشاف اليسير للعورة المخففة، فالانكشاف اليسير للعورة المغلظة يُبطل الصلاة، والانكشاف اليسير للعورة المخففة لا تبطل به الصلاة.

من قالوا بأن الانكشاف مبطلٌ: استدلوا بعموم الأدلة الدالة على اشتراط ستر العورة، والتي سبق الكلام عنها، ومن فرّق بين المغلظة والمخففة: حملوا ما ورد من أدلةٍ تدل على أن الانكشاف اليسير لا يبطل الصلاة على العورة المخففة، وأما العورة المغلظة فتُبطل؛ لعموم الأدلة.

والقول الراجح: هو القول الذي قرره المؤلف، وهو المذهب عند الحنابلة: أن الانكشاف اليسير غير مبطلٍ للصلاة مطلقًا، ولو في الزمن الطويل، ولو كان طيلة الصلاة؛ لما جاء في “صحيح البخاري” عن عمرو بن سلمة  أن النبي قال له ولمن معه: إذا حضرت الصلاة؛ فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنًا، فلما حضرت الصلاة نظروا -وكانوا وقَّافين عند كلام الله ​​​​​​​ وكلام رسوله – فلم يكن أحدهم أكثر قرآنًا مني، يقول عمرو بن سلمة : لِمَا كنت أتلقى الركبان، كان يتلقى الركبان فيستمع ويحفظ، قال: فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ستٍّ أو سبع سنين، يعني: كان صبيًّا مميِّزًا، وكانت عليَّ بردةٌ كنت إذا سجدت؛ تقلَّصَت عني، فقالت امرأةٌ من الحي، يعني: من النساء اللاتي يصلين خلف الرجال: ألا تغطون عنا است قارئكم -وفي روايةٍ: عورةَ قارئكم [1]، يعني: هذا الإمام تخرج عورته إذا سجد، فقالت: غطوا عنا عورة قارئكم- قال: فاشتَرَوا لي قميصًا عُمَانِيًّا، فما فرحت بشيءٍ فرحي بذلك القميص [2]، أخرجه البخاري في “صحيحه”.

سبحان الله! صبيٌّ كان يحفظ من الركبان، فكان أحفظهم قرآنًا؛ فقدموه، ما عنده إلا هذه البردة التي تتقلص عنه إذا سجد، امرأةٌ من النساء قالت: وارُوا عنا عورة قارئكم، لأن النساء كن يصلين خلف الرجال مباشرةً، ما كان هناك سواتر، فكان النساء يصلين خلف الرجال، فالنساء ربما رأين هذا الصبي وهو يسجد، وينكشف جزءٌ من عورته، فاشتَرَوا له هذا القميص، ففرح به فرحًا عظيمًا.

الشاهد: أن عمرو بن سلمة  كان يصلي بقومه في عهد النبي الله ، وقد انكشف جزءٌ من عورته؛ ولهذا قالت المرأة: “غطوا عنا عورة قارئكم”، ولم يُنقل أن النبي أنكر عليه وأمره بإعادة الصلاة، وما كان النبي عليه الصلاة والسلام يُقِرُّه يعتبر حجةً؛ لهذا قال جابرٌ : “كنا نعزل والقرآن ينزل” [3].

قد يقال: إن عمرو بن سلمة كان صبيًّا مميِّزًا، وعورة الصبي ليست كعورة الكبير كما سبق، فربما يكون هذا الانكشاف في القَدْر الذي يُتسامح فيه في عورة الصبي، لكن يجاب عن ذلك بأن الغرض من ذكر هذه القصة: هو بيان أن هذا الانكشاف كان شائعًا عندهم؛ لأن غالب الصحابة فقراء، وغالب ثيابهم لا تخلو من خروقٍ أو فتوقٍ، والاحتراز من ذلك صعبٌ؛ فيعفى عنه كما يعفى عن اليسير من النجاسة ويسير الحرير ونحو ذلك، هذا هو القول الراجح، وهو العفو عن يسير ما انكشف من العورة.

يبقى النظر في حد اليسير: حد اليسير -المرجع في ذلك إلى العرف- ما لا يفحش في النظر، والكثير: ما فَحُش في النظر، والمرجع في ذلك إلى العرف والعادة، الناس في عرفهم وعادتهم يقولون: هذا كثيرٌ، ويقولون: هذا قليلٌ، يعني: لو أتى مثلًا خمسة أشخاصٍ، قال ثلاثةٌ أو أربعةٌ منهم: هذا كثيرٌ، إذنْ يعتبر كثيرًا حتى لو لم يُجْمِعوا، قال مثلًا ثلاثةٌ أو أربعةٌ منهم: هذا يسيرٌ، يعتبر يسيرًا حتى لو لم يُجمِعوا، فما يراه الأغلبية هو الذي يدل على العرف.

قد يُحتاج لهذه المسألة في الوقت الحاضر للمحرم بالحج أو العمرة؛ فأحيانًا ينزل الإزار أسفل السرة ويرتفع الرداء؛ فينكشف جزءٌ يسيرٌ من العورة، فهذا الانكشاف لا يضر على القول الراجح؛ لأنه انكشافٌ يسيرٌ، حتى لو كان هذا الانكشاف طيلة الصلاة، فالانكشاف اليسير حتى وإن كان في الزمن الطويل لا يضر على القول الراجح.

أما بالنسبة للانكشاف الكثير في الزمن اليسير؛ كمحرم مثلًا كان يصلي ثم سقط إزاره فانكشفت العورة المغلظة، لكن بسرعةٍ أخذ الإزار وستر عورته مثلًا، هذه صورة المسألة، هذا انكشافٌ كثيرٌ في زمنٍ يسيرٍ، فهو محل خلافٍ، كالخلاف السابق، والقول الراجح: أنه لا يؤثر على صحة الصلاة، وأن الصلاة معه صحيحةٌ، وهو قول الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة؛ قياسًا على الانكشاف اليسير للعورة، فكما أن الانكشاف اليسير في الزمن الطويل لا يبطل الصلاة؛ فكذلك الانكشاف الكثير في الزمن اليسير لا يبطل الصلاة؛ بجامع أن كلًّا منهما يشق التحرز منه، ولأنه انكشافٌ عارضٌ حصل رغمًا عن الإنسان بلا تقصيرٍ منه؛ فيعفى عنه.

وقد مثَّل المؤلف لذلك بأنْ تَكْشِفه الريح مثلًا، وكما ذكرنا في المحرم الذي يسقط إزاره فيرفعه مباشرةً، فصلاته صحيحةٌ.

فنَخلُص من هذا: إلى أن ستر العورة شرطٌ، لكن يُعفى عن الانكشاف اليسير في الزمن وإن طال، ويعفى كذلك عن الانكشاف الكثير في الزمن اليسير.

الانحراف الكبير عن القبلة

أيضًا من مبطلات الصلاة، قال:

واستدبار القبلة حيث شُرط استقبالها.

“واستدبار القبلة”، لو أن المؤلف قال: والانحراف الكبير عن القبلة، لكان أحسن من التعبير بالاستقبال والاستدبار؛ التعبير بالانحراف أشمل، يشمل الاستقبال والاستدبار، ويشمل كذلك الانحراف الكثير من غير استقبالٍ واستدبارٍ، فلو أن المؤلف عبَّر بهذه العبارة؛ لكان أجود، لو قال: الانحراف الكبير عن القبلة، لكان أحسن، ونحن الآن نستدرك على المؤلف، ونقول: لو قال كذا؛ لكان أحسن، ويبقى الناس بشرًا، ربما لو صَنَّف أحدٌ مصنفًا؛ لأتى من يستدرك عليه، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، والناقد بصيرٌ.

قال: “واستدبار القبلة حيث شُرط استقبالها”، أي: أن استدبار المصلي القبلة يُبطل الصلاة؛ لأنه أخل بشرطٍ من شروط صحة الصلاة، هو استقبال القبلة، لكن قول المؤلف: “حيث شُرط استقبالها”، أي: حيث كان استقبالها شرطًا، أما إذا لم يكن شرطًا؛ فيُعفى عن ذلك؛ لأن استقبال القبلة قد يعفى عنه في مواضع؛ كما في شدة الخوف، وصلاة النافلة في السفر، لكن إذا استدبر القبلة حيث شُرط استقبالها؛ فإن صلاته تَبطل.

وأيضًا يضاف لذلك الحالة التي أشرنا إليها: ما لو لم يستدبرها لكن انحرف عن جهة القبلة انحرافًا كبيرًا؛ كأن تكون جهة القبلة مثلًا إلى الغرب، فانحرف إلى الشمال أو إلى الجنوب، فهذا الانحراف انحرافٌ كبيرٌ، إنما الذي يُعفى عنه الانحراف اليسير؛ الذي لا يخرج عن الجهة، يعني: الجهة جهة الغرب، لكن انحرف إلى الشمال الغربي أو الجنوب الغربي مثلًا، هذا لا يضر، انحرافٌ يسيرٌ لا يضر، أما لو انحرف انحرافًا كبيرًا، بحيث أصبح بدل أن يكون مستقبلًا للغرب يكون مستقبلًا للشمال، فهذا صلاته لا تصح، أو يكون مستقبل الجنوب، أو يكون -من باب أولى- مستقبل الشرق، هذا صلاته لا تصح.

فإذن: يضاف لعبارة المؤلف أيضًا: الانحراف الكبير عن القبلة؛ ولذلك قلت: لو أن المؤلف عبَّر بالانحراف الكبير عن القبلة؛ لشمل المسألة التي ذكرها، والمسألة التي أضفناها.

وبمناسبة الاستدراك على المؤلف، نحن استدركنا عليه الآن أكثر من مرةٍ، يعني: في النية -إن شاء الله- وضع متنٍ فقهيٍّ معاصرٍ، يعني: الفقهاء السابقون كانوا قد وضعوا متونًا على عدة مناهج، وفي النية -إن شاء الله- أن نضع متنًا فقهيًّا معاصرًا، وأضع له منهجًا، وإن شاء الله تعالى نشرحه في مثل هذا الدرس بإذن الله .

اتصال النجاسة به إن لم يُزِلها في الحال

قال أيضًا في مبطلات الصلاة:

واتصال النجاسة به إن لم يزلها في الحال.

“واتصال النجاسة به”، يعني: بالمصلي، “إن لم يزلها في الحال”؛ وذلك لأن اجتناب النجاسة شرطٌ من شروط صحة الصلاة كما سبق، يعني: كأن المؤلف الآن أخذ بعض شروط الصلاة وقال: إن فوات هذه الشروط يُبطل الصلاة، لو أنه عبَّر بتعبيرٍ عامٍّ، وهو أن تخلُّف شرطٍ من شروط صحة الصلاة يُبطلها؛ لكان هذا أحسن، يأتي بهذه العبارة العامة، ثم بعد ذلك يُمَثِّل، يكون هذا أجود وأحسن، ونحن الآن نتعقب المؤلف، وربما أيضًا بعد تصنيف المتن الفقهي يأتي من يتعقبنا في ذلك، هذه سنة الله في البشر.

هنا المؤلف قال: “إن لم يُزِلْها في الحال”، وهذا يدل على أنه لو أزال النجاسة في الحال؛ لصحت صلاته، لو وقع على بدنه أو على لباسه نجاسةٌ وأزالها في الحال؛ تصح صلاته، ويدل لذلك: ما جاء عند أبي داود وأحمد بسندٍ صحيحٍ من حديث أبي سعيدٍ  أن النبي كان يصلي بأصحابه، وقد لبس نعليه، ثم في أثناء الصلاة خلع نعليه، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلَّم قال: لِمَ خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك؛ فخلعنا نعالنا، قال عليه الصلاة والسلام: إن جبريل أتاني فأخبرني بأن فيهما قذرًا [4]، فدل هذا على أن المصلي إذا علم بالنجاسة في أثناء الصلاة؛ فإنْ تمكَّن من إزالة النجاسة؛ فإنه يُزيلها ويكمل صلاته، مثلًا النجاسة على شماغه، أو على غترته، وتذكر في أثناء الصلاة هذه النجاسة؛ يُلقي الشماغ أو الغترة ويُكمل صلاته، ولو كان مثلًا يصلي داخل البيت وكانت النجاسة على ثوبه؛ إن أمكن أن يخلع ثوبه وتبقى العورة مستورةً؛ فَعَل، المقصود: أنه متى ما تمكن من إزالة النجاسة في أثناء الصلاة؛ فإنه يزيلها ويكمل صلاته من غير حاجةٍ لأن يقطعها وأن يستأنفها من جديدٍ.

مداخلة:

الشيخ: إذا لم يزلها، إذا كان جَهِل بها؛ فصلاته صحيحةٌ، وهذا مر معنا في الدرس السابق؛ تكون صلاته -على القول الراجح- إذا لم يزلها صحيحةً، وذكرنا الفرق بين ترك المأمور، وبين ارتكاب المحظور، يعني: لو صلى ناسيًا أن يتوضأ؛ فصلاته غير صحيحةٍ، ويجب عليه أن يتوضأ ويصلي، لكن لو صلوا وعلى لباسه نجاسةٌ جاهلًا بها، أو عالمًا بها، لكنه نسيها ولم يتذكر إلا بعد الصلاة؛ فصلاته صحيحةٌ، والفرق بين المسألتين: أن المسألة الأولى من باب ترك المأمور، لا يُعذر فيها بالجهل ولا بالنسيان، والمسألة الثانية من باب ارتكاب المحظور، يُعذر فيها بالجهل والنسيان.

الحركة الكثيرة في الصلاة

والعمل الكثير عادةً.

يعني: من مبطلات الصلاة: العمل الكثير عادةً من غير جنسها لغير ضرورةٍ، وهذا ما يُعَبِّر عنه الفقهاء بالحركة الكثيرة، ويضبطون الحركة المبطلة للصلاة، يقولون: الحركة الكثيرة المتوالية من غير جنس الصلاة لغير ضرورةٍ، فهذه تُبطل الصلاة، الحركة الكثيرة، والضابط في الكثرة هو العرف؛ بحيث من يرى هذا الذي يتحرك يُخيِّل إليه أنه ليس في الصلاة، إنسانٌ يتحرك حركةً كثيرةً، مَنْ يراه من بعيدٍ لا يظن أنه يصلي، يقول: هذا يعمل، ليس في صلاةٍ، فهذا هو ضابط الحركة الكثيرة.

المتوالية: طبعًا قلنا: الحركة الكثيرة، يُفهم منها: أن الحركة القليلة لا بأس بها في الصلاة، خاصةً إذا دعت الحاجة إليها، ويدل لذلك: أن النبي حمل بنت بنته أمامة بنت أبي العاص في صلاة العصر، فكان إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها [5]، هذه حركةٌ، أيضًا فتح الباب لعائشة رضي الله عنها وهو يصلي [6]، أيضًا في صلاة الكسوف تقدم فتقدمت الصفوف، وتأخر فتأخرت الصفوف [7]، فهذا يدلُّ على أن الحركة اليسيرة لا تضر، خاصةً عند الحاجة.

بعض العامة يفهم أن ثلاث حركاتٍ في الصلاة تُبطلها، وهذا لا أصل له، فالحركة إذا كانت قليلةً ولم تكن كثيرةً؛ فإنها لا تُبطل الصلاة، ولو كانت أكثر من ثلاث حركاتٍ، وعلى ذلك: لو أن مكبر الصوت أصدر صوتًا مزعجًا؛ فينبغي للإمام أن يُحركه أو أن يُقفله، يعني: يُعالج هذه المشكلة، وبعض الأئمة ربما يتحرج، يترك مكبر الصوت يُصدر أصواتًا مزعجةً وهو في الصلاة ولا يحرك ساكنًا، وهذا خطأٌ ينبغي للإمام أن يُعالج الموقف، إما بتحريك المكبر، إذا كان ذلك سيعالج المشكلة، أو بإقفال المكبر، وهذه الحركة حركةٌ يسيرةٌ للحاجة؛ فلا تضر.

ومن ذلك أيضًا: أن بعض المصلين يأتيه اتصالٌ وهو في الصلاة، فلا يُدخِل يده في جيبه ويُخرج الجوال ويُغلق الجوال، أو على الأقل يُسكت هذا الاتصال، يضعه على الصامت؛ اعتقادًا منه أن الحركة هذه تؤثر على صحة الصلاة، وهذا غير صحيحٍ، الحركة القليلة الحركة اليسيرة لا تضر ولا تُبطل الصلاة، خاصةً إذا كانت لحاجةٍ.

وعلى هذا فالموقف الصحيح هو أولًا أنك تضع الجوال على الصامت، لا تجعله مفتوحًا، لكن لو افترضنا أنك نسيت ودخلت في الصلاة وجوالك مفتوحٌ، وأتاك اتصالٌ، فالموقف الصحيح: أن تُخرج الجوال وتُغلق هذا الاتصال، وهذه الحركة حركةٌ يسيرةٌ لا تضر، وأما ما يُرى من بعض الناس: أنه يَترك الجوال يرن عدة مراتٍ، ويُزعج الناس، ويتسبب في إذهاب الخشوع عنهم، فهذا تصرفٌ غير صحيحٍ، وربما يأثم به الإنسان إذا تسبب في أذية المصلين.

إذنْ: قلنا: الحركة الكثيرة، وقلنا: الحركة القليلة، لا بأس بها، قلنا في ضابط الحركة المبطلة للصلاة: الحركة الكثيرة المتوالية، يفهم من هذا: أن الحركة الكثيرة غير المتوالية لا تبطل الصلاة، فلو أنه تحرك حركةً كثيرةً ثم توقف، ولم تكن متواليةً؛ فهذه الحركة لا تُبطل الصلاة، مثلًا يصلي في الصف الثاني، فوجد فرجةً في الصف الأول، فمشى من الصف الثاني إلى الصف الأول؛ فهذه حركةٌ كثيرةٌ، هذه لا تبطل الصلاة؛ لأنها حركةٌ كثيرةٌ لكنها غير متواليةٍ، فعلها مرةً واحدةً، ولم تتكرر منه.

الحركة الكثيرة المتوالية من غير جنس الصلاة، طبعًا من جنس الصلاة هذه هي الصلاة، الصلاة لا بد فيها من حركةٍ؛ من قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ لغير ضرورةٍ، يُفهم من هذا أنها إذا كانت لضرورةٍ، بل حتى لحاجةٍ فإنها لا تبطل الصلاة؛ لقول النبي : اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب [8]، أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد بسندٍ صحيحٍ، وقتل الحية والعقرب في الصلاة لا بد أن يكون فيه حركةٌ كثيرةٌ؛ لكنها للضرورة.

الاستناد قويًّا لغير عذرٍ

أيضًا من مبطلات الصلاة:

والاستناد قويًّا لغير عذرٍ.

أي: إذا استند بحيث يقع لو أزيل ما استند عليه؛ بطلت صلاته إذا كان ذلك لغير عذرٍ، أما إذا كان لعذرٍ فلا بأس؛ لأن هذا الاستناد في معنى الجلوس تمامًا، من استند استنادًا كاملًا بحيث لو أُزيل ما استند عليه لسقط، كأنه يصلي جالسًا، لا فرق بين ذلك وبين صلاته جالسًا، فإذا كان ذلك لعذرٍ؛ فهو كمن صلى جالسًا لعذرٍ؛ فلا شيء عليه، أما إذا كان لغير عذرٍ فإن هذا يُبطل الصلاة، ولكن هذا إنما هو في الفريضة فقط.

وأما في النافلة فلا يُبطل الصلاة؛ لأن القيام في صلاة النافلة ليس واجبًا أصلًا، وإنما هو مستحبٌّ، ولكن هذا يُنقص من أجر الصلاة؛ لأن المسلم إذا صلى جالسًا في صلاة النافلة مع قدرته على القيام؛ يكون له نصف أجر القائم، أما إذا كان ذلك لعذرٍ فيكون له مثل أجر القائم.

وهذه المسألة تكلم عنها المؤلف عند مكروهات الصلاة وأعادها هنا، ربما أنه نسي المؤلف، أو من باب التأكيد.

الرجوع للتشهد الأوسط بعد الاعتدال

أيضًا من مبطلات الصلاة:

ورجوعه عالمًا ذاكرًا للتشهد بعد الشروع في القراءة.

أي: إذا قام المصلي للركعة الثالثة ناسيًا التشهد الأول، وشرع في قراءة الفاتحة، فيحرم عليه الرجوع للتشهد، فإن رجع بطلت صلاته؛ لأنه قد شرع في الركن الذي يليه، وعودته إلى التشهد لأداء واجبٍ بعد شروعه في ركنٍ مبطلٌ للصلاة.

وعلى ذلك نقول: من نسي التشهد الأول وقام للركعة الثالثة فلا يرجع، فإذا شرع في الفاتحة حَرُم عليه الرجوع، فإن رجع بطلت الصلاة، وسيأتي مزيد تفصيلٍ للكلام عن هذه المسألة عند أحكام سجود السهو إن شاء الله تعالى.

تعمد زيادة ركنٍ فِعليٍّ

أيضًا من مبطلات الصلاة:

وتعمُّد زيادة ركنٍ فِعليٍّ، وتعمُّد تقديم بعض الأركان على بعضٍ.

لأن تعمد زيادة ركنٍ وتعمد تقديم بعض الأركان على بعضٍ يُخِلُّ بالترتيب، والترتيب من أركان الصلاة.

تعمد السلام قبل إتمام الصلاة

قال أيضًا:

وتعمُّد السلام قبل إتمامها.

إذا تعمَّد المصلي أن يسلم قبل تمام الصلاة؛ بطلت صلاته إذا كان ذلك عن عمدٍ؛ لأنه -على الأقل- سيتكلم في الصلاة عامدًا، والكلام عمدًا في الصلاة يبطلها.

تعمد إحالة المعنى في القراءة

أيضًا:

وتعمُّد إحالة المعنى في القراءة.

أي: قراءة الفاتحة، إذا تعمد أن يَلْحَن لحنًا يُحيل المعنى؛ بطلت الصلاة؛ لأن قراءة الفاتحة ركنٌ من أركان الصلاة، وقد سبق الكلام عن اللحن في الفاتحة، وأنه ينقسم إلى قسمين:

  • القسم الأول: لحنٌ يحيل المعنى، فهذا يبطل الصلاة.
  • وقسمٌ لا يُحيل المعنى، فلا يبطل الصلاة.

أما القسم الأول: وهو اللحن الذي يُحيل المعنى؛ فمن أمثلته كما ذكرنا: أن يقرأ: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، يقول: (أنعمتُ عليهم)، أو: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، يقول: (أَهْدِنَا)؛ لأن هذا يَقلب المعنى، فأصبح بدل الهداية هَدِيَّةً.

أما اللحن الذي لا يُحيل المعنى، فهذا لا يُبطل الصلاة؛ كأن يضم النون بدل أن يقول: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، يقول: (الرحمنُ الرحيمُ)، بدل أن يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، يقول: (الحمد لله ربُّ العالمين)، هذا لحنٌ، لكنه لا يُحيل المعنى؛ فالصلاة معه صحيحةٌ.

وهنا المؤلف قيَّد ذلك بالعمد: “وتعمُّدُ إحالة المعنى في القراءة”، ولكن المعروف من مذهب الحنابلة: أن اللحن إذا كان مُحيلًا للمعنى؛ فإنه يُبطل الصلاة، سواءٌ تعمد أو لم يتعمد، وربما يكون هذا غير مقصودٍ للمؤلف.

وإذا لحن الإمام فيجب على المأموم أن يفتح عليه، إذا كان اللحن يُحيل المعنى، فإن لم يفعل؛ بطلت الصلاة، يعني: لو وجدتَ من يلحن في الفاتحة لحنًا يُحيل المعنى؛ يجب عليك أن تفتح عليه، وإلا فانسحب، لا تُصلِّ معه، فهذه المسألة أعني مسألة اللحن في قراءة الفاتحة لحنًا يُغير المعنى هذه مسألةٌ خطيرةٌ؛ لأنه يترتب عليها بطلان الصلاة، وهذا نجده في الواقع، نجد من يصلي بالناس ويلحن لحنًا يُحيل المعنى، خاصةً من بعض العجم، أحيانًا يلحنون في الفاتحة لحنًا يُحيل المعنى، فالصلاة خلفهم لا تصح، ينبغي ألا يتقدم للإمامة إلا من كان مؤهلًا، فإذا كان يلحن لحنًا يُحيل المعنى؛ فلا تصح الصلاة خلفه.

وجود سترةٍ بعيدةٍ وهو عريانٌ

أيضًا من مبطلات الصلاة:

وبوجود سترةٍ بعيدةٍ وهو عُريانٌ.

إذا وُجدت سترةٌ بعيدةٌ وهو عريانٌ؛ هنا لا بد أن يستتر بها، وكونه يذهب إليها لأجل الاستتار بها؛ يحتاج إلى عملٍ كثيرٍ؛ فتبطل الصلاة بذلك، أما لو كانت قريبةً؛ فلا بأس أن يمشي إليها ويستتر بها.

فسخ النية، والتردد فيه، والعزم عليه

أيضًا من مبطلات الصلاة:

وبفسخ النية، وبالتردد في الفسخ، وبالعزم عليه.

هذه مسائل متعلقةٌ بالنية في الصلاة، إذا قطع النية في الصلاة؛ بطلت الصلاة، وهذا هو المراد بقول المؤلف: “بفسخ النية”.

كذلك أيضًا إذا تردد في الفسخ؛ بطلت الصلاة؛ لأنه لا بد أن تكون النية جازمةً في جميع الصلاة.

كذلك أيضًا إذا عزم على قطع النية، أيضًا هذا يُبطل الصلاة، مجرد العزم؛ لأن استدامة النية شرطٌ لصحتها، استدامة النية في الصلاة شرطٌ لصحتها، وهو استصحاب حكم النية، ما يُعبِّر عنه الفقهاء باستصحاب حكمها، ويُعبرون عن ذلك يقولون: يجب استصحاب حكم النية، ويستحب استصحاب ذكرها، استصحاب حكمها بمعنى: ألا يقطعها، واستصحاب ذكرها بمعنى: ألا يذهل عن النية، استصحاب الذكر مستحبٌّ، أما استصحاب الحكم فواجبٌ.

الشك في تعيين النية

أيضًا من مبطلات الصلاة:

وبشكه هل نوى فعمل مع الشك عملًا؟

إذا شك هل نوى الصلاة، أو لم ينوِ؟ فإن الصلاة تبطل؛ لأن الأصل أنه لم ينوِ، ولكن هذا في حق الإنسان السوي، غير المبتلى بالوسواس، أما المبتلى بالوسواس فلا يلتفت لهذه الشكوك، على أنه ينبغي عدم التدقيق في مسائل النية؛ الإنسان أصلًا إذا أتى للمسجد؛ فقد نوى الصلاة، وإذا توضأ نوى الصلاة؛ فلا داعي للتدقيق في النية أنه لا بد أن يقول: نويت الصلاة، في نفسه، أو ينوي الصلاة، إذا أتى المسجد فقد نوى الصلاة، وكما قال بعض أهل العلم: النية تتبع العلم، إنسانٌ توضأ وذهب للمسجد، نوى الصلاة، فلا داعي للتدقيق والتشقيق في مسائل النية، بل قال بعض أهل العلم: إنا لو كلفنا العمل بلا نيةٍ؛ لكان هذا من التكليف بما لا يطاق.

ولذلك أنصح من عنده استعدادٌ للوسواس ألا يقرأ في مسائل النية في الصلاة؛ لأنها ربما تؤدي إلى الوسواس، والوسواس يُبتلى به بعض الناس، هناك من عنده وسواسٌ في النية، وهناك من عنده وسواسٌ في الطهارة، وهناك من عنده وسواسٌ في الصيام، خاصةً في بلع الريق ونحو ذلك، وهناك من عنده وسواسٌ في الطلاق، وهذا كثيرٌ، وهناك حتى من أغرب الوساوس: رجلٌ أتى إليَّ وعنده وسواسٌ في الزكاة، ومعه قريبه، يقول: ذهبت أمواله في الزكاة، فقد يكون..، الوسواس أنواعٌ، والوسواس يأتي أناسًا دون أناسٍ، من عندهم استعدادٌ للوسواس هم الذين يكون عندهم الوسواس، ويزيد؛ ولذلك الإنسان يعرف نفسه، إذا رأى أن عنده استعدادًا للوسواس؛ فعليه أن ينتبه وأن يحذر، وإذا بدأ معه الوسواس؛ يحاول التغلب عليه بتقوية الإرادة، والتفقه في المسألة التي وقع فيها الوسواس؛ حتى يقطع الطريق على الشيطان؛ لأنه إذا استرسل مع هذه الوساوس؛ فقد تتحول للوسواس القهري، ويكون مرضًا حينئذٍ يحتاج معه إلى العلاج.

الدعاء بملاذِّ الدنيا

أيضًا من مبطلات الصلاة:

وبالدعاء بمَلاذِّ الدنيا.

وظاهر كلام المؤلف: أن هذا يشمل الفريضة والنافلة، فعلى رأي المؤلف: أن الدعاء بملاذ الدنيا وبأمور الدنيا في الصلاة يبطلها؛ كأن يقول في الصلاة: اللهم ارزقني مالًا كثيرًا، أو زوجةً صالحةً جميلةً، أو نحو ذلك؛ قالوا: لأن هذا يشبه كلام الآدميين، وكلام الآدميين لا يَصلح في الصلاة؛ لقول النبي : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الآدميين [9]، هذا هو مذهب الحنفية والحنابلة.

وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا بأس بالدعاء بأمور الدنيا في الصلاة مطلقًا، فريضةً كانت أم نافلةً، وهذا هو المذهب عند المالكية والشافعية، واستدلوا بحديث ابن مسعودٍ ، وفيه يقول عليه الصلاة والسلام: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه [10]، يعني: لما ذكر التشهد قال بعد ذلك: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه، قالوا: هذا يشمل الدعاء بأمور الدنيا وأمور الآخرة، وقالوا أيضًا: إنه لا دليل يدل على المنع، القول بأنه يشبه كلام الآدميين لا يُسلَّم؛ لأن هذا دعاءٌ ومناجاةٌ لله ​​​​​​​، فهو كسائر الأذكار التي تقال في الصلاة.

وهناك رأيٌ وسطٌ بين القولين: وهو التفريق بين الفريضة والنافلة؛ فالفريضة ينبغي ألا يدعو فيها بأمور الدنيا، وأما النافلة فلا بأس، والأمر في هذا واسعٌ، ولعل هذا هو الأقرب والله أعلم، أن يقال: إن الدعاء بأمور الدنيا لا يكون في الفريضة؛ وإنما يكون في صلاة النافلة، فإذا كنتَ في الفريضة؛ فلا تدعو إلا بأمور الآخرة فقط، أما في النافلة فادعُ بما شئت من خيري الدنيا والآخرة، سواءٌ كان ذلك في السجود، أو كان ذلك في التشهد الأخير قُبيل السلام، لك أن تدعو بما يحضرك من خيري الدنيا والآخرة.

الإتيان بكاف الخطاب لغير الله ​​​​​​​ ورسوله 

أيضًا من مبطلات الصلاة قال:

وبالإتيان بكاف الخطاب لغير الله ورسوله أحمد.

“أحمد” يعني محمدًا عليه الصلاة والسلام، يعني: كأن يقول: يرحمك الله، يقول وهو يصلي لمن بجواره: يرحمك الله، أو يقول: حياك الله، أو سلمك الله، ونحو ذلك، فإذا أتى بالخطاب بالكاف؛ هذا خطاب آدميٍّ، ومخاطبة الآدمي في الصلاة عمدًا تُبطل الصلاة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن [11]، لكن إذا كان الخطاب لله فإن هذا دعاءٌ لا بأس به: عليك توكلت مثلًا، عندما يدعو الله : تباركت، أسألك، ونحو ذلك.

كذلك أيضًا خطاب النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد الوارد في قول المصلي: السلام عليك أيها النبي، فهذا لا بأس به.

فإذنْ: إذا كان في موطن الدعاء لله سبحانه؛ فلا بأس أن يأتي بكاف الخطاب، أو كان في قول المصلي في التشهد: السلام عليك أيها النبي؛ فلا بأس بذلك، ولو أن المؤلف عبَّر بتعبيرٍ أشمل؛ لو قال: وبخطاب الآدمي؛ لكان ذلك أشمل، يشمل هذه الصورة، ويشمل غيرها من كلام الآدميين.

لكن ماذا إذا كان سهوًا أو جهلًا؟ مثلًا أنت تصلي، كلمك إنسانٌ، رددت عليه بطريق الخطأ، أو أن الإمام مثلًا يصلي وأخطأ في قراءة آيةٍ، ففتح عليه أحد المأمومين، قال: نعم، مثلًا بطريق الخطأ؛ فهذا لا يضر، إذا كان بطريق الخطأ أو السهو أو الجهل؛ فهذا لا يضر، والدليل لذلك: أن النبي لم يأمر معاوية بن الحكم بإعادة الصلاة [12]، مع أنه قد تكلم فيها وخاطب خطاب آدميين جاهلًا، فلم يأمره بإعادة الصلاة؛ لجهله.

القهقهة في الصلاة

أيضًا من مبطلات الصلاة:

وبالقهقهة.

“القهقهة” في الصلاة، يعني: الضحك مصحوبًا بصوتٍ عالٍ، هذه هي القهقهة، هذه تُبطل الصلاة بالإجماع؛ حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر وغيره؛ لأن القهقهة تُنافي الخشوع المطلوب في الصلاة، إذا رأيت إنسانًا يضحك وقد رفع صوته يقهقه، هل هذا إنسانٌ يصلي؟ هذا ليس في موضع صلاةٍ، الصلاة مقام مناجاةٍ للرب سبحانه، هذا الذي يقهقه كأنه أشبه بالمستهزئ، فلا تصح الصلاة مع القهقهة، أما التبسم فهذا لا يؤثر في الصلاة بالإجماع، لكن إذا كان عن اختيارٍ وقصدٍ فإنه مكروهٌ؛ لكونه من العبث، أما إذا كان بغير قصدٍ ولا اختيارٍ؛ فلا حرج عليه؛ لأن الإنسان قد يسمع أحيانًا من يتحدث بجواره وهو يصلي فيبتسم، ربما إذا تذكر حكايةً أو تذكر حديثًا مضحكًا، فيبتسم وهو في الصلاة بغير اختياره، هذا لا يضر، أما لو كان التبسم باختياره؛ فهذا مكروهٌ.

الكلام ولو سهوًا

أيضًا من مبطلات الصلاة:

وبالكلام ولو سهوًا.

إذا كان الكلام عن عمدٍ؛ فهذا يُبطل الصلاة بالإجماع، أما إذا كان سهوًا؛ فالمذهب عند الحنابلة أن الصلاة تبطل به، والقول الراجح: أن الصلاة لا تبطل به؛ لقصة معاوية [13]، وقد أشرنا لهذه المسألة قبل قليلٍ؛ فمعاوية  تكلم جاهلًا، ولم يأمره النبي بإعادة الصلاة.

رجلٌ يصلي ناداه أحد الناس: فلان، قال: نعم، وهو يصلي ناسيًا أو جاهلًا أو مخطئًا، نقول: صلاتك صحيحةٌ، لا تقطع، أكمل صلاتك.

تقدم المأموم على إمامه

أيضًا من مبطلات الصلاة:

وبتقدم المأموم على إمامه.

ما مراد المؤلف بالتقدم هنا؟ هل المراد المسابقة -مسابقة المأموم للإمام- أو أن المراد: أن يتقدم المأموم على إمامه، يعني: يقف الإمام قُدَّام إمامه؟

عبارة المؤلف تحتمل هذا وذاك، وصاحب “منار السبيل” جزم بالأول، وأن المقصود به المسابقة، لكن يبقى أيضًا الاحتمال الثاني قائمًا، وهو ظاهر العبارة.

على كل حالٍ نشرح العبارة بناءً على الاحتمالين:

أما احتمال المسابقة: فمسابقة المأموم للإمام تُبطل الصلاة إذا كانت عمدًا، إذا كانت عمدًا فإنها تبطل الصلاة، أما إذا كانت سهوًا أو جهلًا -وهو الغالب على من يسابق الإمام- فإن الصلاة صحيحةٌ ولا تبطل.

أما إذا كان مراد المؤلف بتقدم المأموم على إمامه: أن يقف قُدَّامه، يعني: يتقدم المأموم على الإمام فهذه المسألة محل خلافٍ بين الفقهاء، هل تبطل صلاة المأموم أو لا تبطل؟

القول الأول: أن صلاته تبطل، وأن المأموم إذا تقدم على الإمام؛ فصلاته تبطل، وهذا قول الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة.

والقول الثاني: أن تقدم المأموم على الإمام إن كان لغير عذرٍ؛ فإن الصلاة تبطل، أما إذا كان لعذرٍ؛ فإن الصلاة صحيحةٌ، وهذا هو مذهب المالكية؛ كأن يضيق المكان فيتقدم المأموم، كما يحصل في المسجد الحرام، وأحيانًا في المسجد النبوي، وأيضًا في المشاعر، مثل مسجد عرفاتٍ، ومسجد المزدلفة، كذلك أيضًا في بعض الجوامع التي تزدحم وتضيق بالمصلين، فيتقدم بعض الناس على الإمام، إذا كان ذلك لأجل الزحام؛ فهذا يُعتبر عذرًا، والصلاة صحيحةٌ، أما إذا كان لغير عذرٍ؛ فالصلاة باطلةٌ، وهذا هو القول الراجح، وقد اختاره الإمام ابن تيمية وجمعٌ من المحققين من أهل العلم، قال ابن تيمية رحمه الله: “هذا القول هو أعدلُ الأقوالِ وأرجحها؛ لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبًا من واجبات الصلاة في الجماعة، والواجبات كلها تسقط بالعذر”، وعلى ذلك فيما إذا كان الناس في مكانٍ مزدحمٍ، لا حرج في تقدم بعض المأمومين على الإمام.

ويلاحظ أن بعض الناس يشدد في هذه المسألة، تجد أن الإمام أو بعض الناس يقول: من يتقدم على الإمام صلاته باطلةٌ، هذا غير صحيحٍ، هذا ليس على إطلاق، إذا كان ذلك لغير عذرٍ، صحيحٌ أن صلاته باطلةٌ، لكن لو كان المكان مزدحمًا وصلى بعض الناس قُدَّام الإمام؛ فصلاتهم صحيحةٌ، إذا كان ذلك لعذرٍ؛ فصلاتهم صحيحةٌ، سواءٌ كان ذلك في المسجد الحرام، أو في المسجد النبوي، أو في أي مكانٍ يكون فيه ازدحامٌ.

بطلان صلاة الإمام

أيضًا من مبطلات الصلاة، قال:

وببطلان صلاة إمامه.

يعني عند الحنابلة قاعدةٌ: إذا بطلت صلاة الإمام؛ بطلت صلاة المأموم؛ ولذلك يقولون: “فلا استخلاف”، يعني: إذا حصل للإمام..، طرأ عليه طارئٌ وقطع صلاته؛ تبطل صلاة المأمومين خلفه، هذا هو القول الأول في المسألة.

القول الثاني: أنه إذا بطلت صلاة الإمام؛ لم تبطل صلاة المأموم، وأن الإمام يستخلف من يُكمل الصلاة بالمأمومين، وهذا هو القول الراجح في المسألة، وسبق الكلام على هذه المسألة بالتفصيل، وذكرنا أن الصحابة فعلوه لما قُتِلَ عمر ؛ لما أتى أبو لؤلؤة المجوسي وطعن عمر بن الخطاب وهو ساجد، فقام عمر وجرحه يثعب دمًا، وأخذ بيد عبدالرحمن بن عوف وقدَّمه، فأكمل عبدالرحمن بالناس الصلاة خفيفةً، صلاة الفجر، فدلَّ ذلك على مشروعية الاستخلاف إذا عرض للإمام عارض، فإذا عرض للإمام عارضٌ يعني مثلًا تذكر أنه على جنابةٍ، أو تذكر أنه ليس على وضوءٍ، أو تذكر أن على لباسه نجاسةً، أو لغير ذلك من الأسباب؛ فأراد أن ينسحب، يرجع ويُمسك بيد أحد المأمومين ويقدِّمه فيكمل الصلاة، هذا ما يسميه الفقهاء بالاستخلاف، يستخلف أحد المأمومين؛ لكي يُكمل بهم الصلاة، فهذا على القول الراجح، لا بأس به.

السلام عمدًا قبل الإمام

أيضًا من مبطلات الصلاة:

وبسلامه عمدًا قبل إمامه.

إذا سلم المأموم عمدًا قبل إمامه يقولون: تبطل الصلاة؛ لأنه تَرَك متابعة الإمام لغير عذرٍ، وهذه المسألة فيها خلافٌ، وفيها روايةٌ عن الإمام أحمد أن صلاته لا تبطل، لكن الأظهر -والله أعلم- أنها تبطل؛ وبذلك يُعلم خطأ بعض المأمومين الذين يسلمون قبل الإمام، وربما كثيرٌ منهم عن جهلٍ تجد أنه يسلم قبل أن يسلم الإمام، فهذا عند كثيرٍ من الفقهاء أن صلاتهم تبطل.

أو سهوًا ولم يُعِده بعده.

يعني: إذا سلم المأموم سهوًا قبل إمامه، ظن أن الإمام سلَّم فسلم المأموم؛ فيجب عليه أن يعيد السلام بعد الإمام، فإن لم يفعل؛ بطلت صلاته.

وبالأكل والشرب سوى اليسير عرفًا لناسٍ وجاهلٍ.

الأكل والشرب يُبطل الصلاة، هذا هو الأصل، كما قال ابن المنذر: “أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أكل أو شرب في الصلاة عامدًا أن عليه الإعادة”.

أما الأكل اليسير عرفًا: فإن كان ناسيًا أو جاهلًا؛ فلا شيء عليه، أما إذا كان عمدًا؛ فصلاته تبطل، هذا في صلاة الفريضة، أما في صلاة النافلة فلا بأس بالأكل والشرب اليسير عمدًا، وقد رُوي ذلك عن بعض السلف، رُوي عن ابن الزبير رضي الله عنهما أنه شرب في صلاة التطوع، ورُوي عن سعيد بن جبيرٍ، ورُوي عن طاوسٍ، وقال الخلال: سهَّل أبو عبدالله -يعني الإمام أحمد- في ذلك، لكن ينبغي ألا يُفعل ذلك إلا عند الحاجة؛ كمريض بالسكر مثلًا، وانخفض عنده السكر وهو يصلي التراويح أو التهجد، وعادةً من يكون عنده انخفاضٌ في السكر يضع في جيبه شيئًا حلوًا، فاحتاج أن يضع مثلًا هذا الشيء الحلو في فمه، وهو يصلي؛ لأجل أن يرتفع عنده السكر؛ لا حرج، لا بأس، أو أن مثلًا هذا المصلي أصابته شرقةٌ أو كحةٌ وهو يصلي، كحةٌ متواصلةٌ أو شرقةٌ، لا بأس أن يأخذ قليلًا من الماء يشربه؛ لكي تزول هذه الكحة أو الشرقة، فإذا كان ذلك يسيرًا في النافلة؛ فلا بأس.

مداخلة: بخاخ الربو.

الشيخ: أو مثلًا بخاخ الربو، احتاجه وهو يصلي فلا بأس، هذا إذا كان في النافلة، أما الفريضة فعمدًا يُبطلها ولو كان يسيرًا، وأما سهوًا فلا بأس أيضًا.

حكم بلع ما بين الأسنان من طعام

ولا تبطل إن بلع ما بين أسنانه بلا مضغٍ.

أورد المؤلف هذه المسألة ليرد بذلك على من قال من الفقهاء: إن الصلاة تبطل، وهو روايةٌ عند الحنابلة، وهو مذهب الشافعية، والصحيح: أنها لا تبطل إنْ بلع ما بين أسنانه؛ لأن هذا شيءٌ يسيرٌ، لكن المؤلف قيَّد ذلك بلا مضغٍ؛ لأنه إذا كان بمضغٍ كأنه أَكْلُ تَشَهٍّ، فإذا كان بلا مضغٍ فيُعفى عن ذلك.

حكم النحنحة في الصلاة

أيضًا من مبطلات الصلاة:

وكالكلام إن تنحنح بلا حاجةٍ.

أي: تبطل الصلاة وإن تنحنح بلا حاجةٍ، هذا هو قول الجمهور، والمشهور عند الحنابلة، وقول الحنفية والشافعية.

القول الثاني: أن النحنحة لا تُبطل الصلاة، وهذا هو القول الراجح، قال: مُهَنَّا: رأيت أبا عبدالله الإمام -يعني: أحمد- يتنحنح في الصلاة، ولأن النحنحة لا تسمى كلامًا، وقد تدعو الحاجة إليها، وجاء في حديث عليٍّ  عند أحمد والنسائي، قال: “كان لي مدخلان من رسول الله ، فإذا أتيته ووجدته يصلي تنحنحتُ فدخلت” [14]، لكن هذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ، فالنحنحة إذا كانت لحاجةٍ؛ لا بأس، أما إذا كانت لغير حاجةٍ أيضًا لا تُبطل الصلاة، وإنما غاية ما فيها أنها مكروهةٌ، النحنحة لحاجةٍ، يعني مثلًا: إنسانٌ يُنادي المصلي: يا فلان، يا فلان، قال: (إحم إحم)، لا بأس، والأفضل ألا يتنحنح، الأفضل أن يقول: سبحان الله، إذا ناداه: يا فلان، يا فلان، يقول: سبحان الله، هذا هو الأفضل، لكن مع ذلك لو تنحنح لمَّا قال: يا فلان، قال: (أحم)، فالقول الراجح أنه لا بأس بذلك، فإذا دعت الحاجة للنحنحة؛ فلا بأس بذلك، أما إذا تنحنح من غير حاجةٍ؛ فهو مكروهٌ.

طيب، هنا في “السلسبيل”، صفحة (293): بعض المأمومين إذا أطال الإمام في القراءة تنحنح هل هذا من الحاجة؟

إذا أطال الإمام إطالةً زائدةً فيعتبر هذا من الحاجة؛ لأن هذه الإطالة الزائدة قد تشق على بعض المأمومين، أما إذا كان التنحنح لإطالةٍ غير زائدةٍ، وعلى غير ما اعتاده المأمومون، فإن هذا التنحنح لغير حاجةٍ؛ فيكون مكروهًا.

إذنْ: إذا أطال الإمام إطالةً زائدةً عرفًا؛ فلا بأس بالتنحنح لتنبيه الإمام، أما إذا لم يُطل الإمام إطالةً زائدةً؛ فالتنحنح هنا مكروهٌ.

النحيب في الصلاة

أيضًا من مبطلات الصلاة:

أو انْتَحَب لا خشيةً.

النحيب معناه: رفع الصوت بالبكاء، إذا بكى في الصلاة؛ بطلت صلاته، واستثنى المؤلف ما إذا كان ذلك من خشية الله؛ لأن من الصحابة من كان يبكي في الصلاة؛ كأبي بكرٍ وعمرٍ رضي الله عنهما، كان عمر يُسمَع صوت بكائه خلف الصفوف، فالبكاء إذا غلب على الإنسان لا حرج عليه، أما إذا لم يغلب على الإنسان، بل تكلفه وكان صوته مرتفعًا ارتفاعًا كبيرًا؛ فهذا تبطل معه الصلاة، وهذا يلاحَظ في صلاة التراويح أو صلاة التهجد؛ أن بعض الناس يبكي، وأيضًا في دعاء القنوت، يبكي بعض الناس بصوتٍ مرتفعٍ، فهذا الصوت المرتفع يُبطل الصلاة، عليه أن يُخفِّض صوته، وإذا غلبه البكاء فلا حرج عليه، لكن بالقدر الذي قد غُلِبَ عليه؛ لأن بعض الناس يَظهر من حالهم أنه لا يغلبه البكاء إلى هذه الدرجة؛ يرفع صوته بالبكاء حتى يسمعه جميع من في المسجد، ومن يسمعه يقول: كأن هذا ينوح على ميتٍ، فهذا يُخشى أن تبطل صلاته، فينبغي تنبيهه، ينبغي تنبيه من يفعل ذلك.

ثم أيضًا هذا يشوش على من حوله، يعني هذا الذي الآن يرفع صوته بالبكاء تجد من عن يمينه وعن يساره قد شَوش عليهم وأزعجهم، ينبغي للإنسان إذا خشع أن يُحاول أن يكتم بكاءه، وإذا رفع صوته قليلًا بما غلب عليه لا حرج، لكن يتكلف رفع البكاء فهذا يُبطل الصلاة.

التباكي رُوي فيه حديثٌ: إن هذا القرآن قد نزل بحزنٍ، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكُوا [15]، وإن كان هذا الحديث فيه ضعفٌ، لكن العمل عليه عند أهل العلم، يرون أنه لا بأس بالتباكي؛ لأن هذا يستدعي الخشوع، ولا يعد هذا من الرياء، وإنما يستدعي الخشوع ورقة القلب، وكما يُقال: إن حركة الإنسان الظاهرية تُؤثر على مشاعره الداخلية، يعني: إذا تباكى الإنسان أدى هذا للخشوع، فهذا إذا كان بغير رفع صوتٍ فلا بأس به، التباكي لا بأس به، حتى لو كان في صلاة الفريضة، لا بأس به.

حكم النفخ في الصلاة

أيضًا من مبطلات الصلاة:

أو نَفَخ فبان حرفان.

إذا نفخ فظهر من نفخه حرفان؛ بطلت صلاته.

والقول الثاني: أنها لا تبطل صلاته إلا إذا وصل إلى مرحلة القهقهة، فإن القهقهة مبطلةٌ للصلاة بالإجماع، أما مجرد النفخ، ومثله التنحنح والبكاء من خشية الله من غير صوت، فهذا لا يبطل الصلاة.

حكم من نعس في صلاته فتكلم

لا إن نام فتكلم، أو سبق على لسانه حال قراءته.

كيف ينام وهو يصلي؟ مراد المؤلف: النوم غير المبطل للصلاة، وهو ما يسمى بالنعاس، يعني: لا إن نعس في صلاته فتكلم، أو سبق على لسانه حال قراءته، أثناء النعاس تكلم بكلامٍ غير متعمَّدٍ، فهذا لا يُبطل الصلاة، بل حتى لو كان في غير حال النعاس، على القول الراجح، إذا تكلم ناسيًا أو جاهلًا أو مخطئًا؛ فصلاته صحيحةٌ.

والمؤلف فيما سبق قال: “وبالكلام ولو سهوًا”، أنه يُبطل الصلاة، وهنا قال: أنه إن نام وتكلم أو سبق على لسانه حال القراءة لا يُبطل الصلاة، فهذا الاختلاف يُبيِّن لك ضعف هذا القول.

والصحيح: أنه لا يُبطل الصلاة مطلقًا، سواءٌ كان في حال النعاس، أو في غير حال النعاس.

حكم من غلبه سعالٌ أو عطاسٌ، أو تثاؤبٌ أو بكاءٌ

أيضًا من مبطلات الصلاة:

أو غلبه سعالٌ أو عطاسٌ، أو تثاؤبٌ أو بكاءٌ.

نعم، هذه لا تبطل الصلاة، مما يُستثنى من ذلك ولا يبطل الصلاة؛ لأن المؤلف قال: “لا”، يعني: هذه الآن التي سيذكرها، أو التي تكلمنا عن الأمر الأول منها، هذه لا تُبطل الصلاة، “لا إن نام”، هذا لا يُبطل الصلاة، أيضًا: “لا إن غلبه سعالٌ أو عطاسٌ أو تثاؤبٌ أو بكاءٌ”، فلا يُبطل الصلاة؛ لأنه بغير اختياره، والنبي قرأ في صلاة الفجر بسورة (المؤمنون) حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون عليهما السلام أخذته سَعْلةٌ فركع [16]، يعني: أصابه سعالٌ، وهذا يدل على أنه إذا عرض للإمام شيءٌ يشوش عليه قراءته؛ فالأفضل أن يركع، ولا يتحامل على نفسه في مواصلة القراءة؛ كأن يُصاب بكحةٍ أو عطاسٍ مستمرٍّ، أو شرقةٍ، فالأفضل أن يركع الإمام، بل حتى لو أصاب بعض المأمومين، لو أصاب بعض المأمومين كحةٌ، بعض المأمومين تُصيبه كحةٌ متواليةٌ، يقوم فيكح، يكح، يكح، هنا الأفضل للإمام أن يخفف الصلاة مراعاةً لحاله، أو أصابه مثلًا نوبة عطاسٍ مستمرٍّ، بحيث إنك تشعر بأن هذا المأموم يتشوَّف لتخفيف الصلاة، فيشرع للإمام في هذه الحالة أن يخفف الصلاة؛ والدليل لذلك قول النبي : إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي؛ فأتجوز في صلاتي؛ كراهة أن أشق على أمه [17]، متفقٌ عليه، إذا كان هذا لأجل بكاء صبيٍّ، فكيف إذا كان التأثر من أحد المأمومين إما بكحةٍ أو شرقةٍ أو عطاسٍ مستمرٍ ونحو ذلك؟! فينبغي للإمام أن يراعيه وأن يخفف الصلاة.

وهذا يدل على عظمة الإسلام، ومراعاته لحقوق الإنسان، وإعطاء كل واحدٍ ما يستحقه من الكرامة والاحترام والتقدير، حتى ولو كان واحدًا، لو كان المسجد ممتلئًا فيه ألف مصلٍّ، لكن لاحظ الإمام أن أحد المأمومين يكح كحةً متواصلةً، ويتشوف لتخفيف الصلاة، يشرع له أن يخفف الصلاة مراعاةً لهذا الشخص الواحد، فهذا يدل على عناية الشريعة الإسلامية بحقوق الإنسان، وأن كل إنسانٍ له احترامه وله كرامته، وينبغي أن تُراعى مشاعره.

أيضًا مما يبطل الصلاة مما لم يذكره المؤلف: مرور المرأة والحمار والكلب الأسود بين المصلي وسترته؛ ويدل لذلك: ما جاء في “صحيح مسلمٍ” عن أبي ذرٍّ  أن النبي قال: إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل مُؤْخِرة الرحل، فإن لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود، قال: قلت: يا رسول الله، فما بال الكلب الأسود من الأحمر من الأبيض؟ قال عليه الصلاة والسلام: الكلب الأسود شيطانٌ [18].

وظاهر هذا الحديث: أن مرور هذه الثلاثة يُبطل الصلاة، فإذا مرت بين يدي المصلي وسترته؛ فيجب عليه أن يعيد تلك الصلاة، أما مرور غير هذه الثلاثة فلا يُبطل الصلاة، يعني: لو مرَّ بين يدي المصلي وسترته رجلٌ؛ فإنه لا يُبطل الصلاة، لكنه ينقص من أجرها.

ونقف عند باب سجود السهو.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 585.
^2 رواه البخاري: 4302.
^3 رواه البخاري: 5209، ومسلم: 1440.
^4 رواه أبو داود: 650، وأحمد: 11877.
^5 رواه البخاري: 516، ومسلم: 543.
^6 رواه الترمذي: 601، وأبو داود: 922، والنسائي: 1205.
^7 رواه مسلم: 904.
^8 رواه أبو داود: 921، والترمذي: 390، وأحمد: 10116، وقال الترمذي: حسن صحيح.
^9 رواه مسلم: 537، بنحوه.
^10 رواه البخاري: 835، ومسلم: 402.
^11, ^13 سبق تخريجه.
^12 رواه مسلم: 537.
^14 رواه النسائي: 1211، وابن ماجه: 3708.
^15 رواه ابن ماجه: 1337.
^16 رواه مسلم: 455، وذكره البخاري معلقا: 1/ 154.
^17 رواه البخاري: 707، ومسلم: 470.
^18 رواه مسلم: 510.
zh