الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(16) سنن الأفعال- من قوله “وسنن الأفعال وتسمى الهيئات.”
|categories

(16) سنن الأفعال- من قوله “وسنن الأفعال وتسمى الهيئات.”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

سنن الأفعال

ننتقل بعد ذلك إلى التعليق على “السلسبيل في شرح الدليل”، كنا قد وصلنا إلى سنن الأفعال.

قال المؤلف رحمه الله:

وسنن الأفعال، وتسمى “الهيئات”.

بعد أن انتهى المؤلف من سنن الأقوال؛ انتقل للكلام عن سنن الأفعال، ذكر جملةً منها:

رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام

أولًا قال:

رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام.

وهذا محل اتفاقٍ كما قال ابن المنذر: “لم يختلف أهل العلم في أن النبي كان يرفع يديه عند افتتاح الصلاة”.

مواضع رفع اليدين

وقد وردت السنة برفع اليدين في الصلاة في أربعة مواضع:

  • الموضع الأول: عند تكبيرة الإحرام.
  • الموضع الثاني: عند الركوع.
  • الموضع الثالث: عند الرفع منه.
  • الموضع الرابع: عند القيام من التشهد الأول.

المؤلف قال:

مع تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه.

فذكر ثلاثة مواضع، وهذه محل اتفاقٍ، والموضع الرابع محل خلافٍ، وهو عند القيام من التشهد الأول، والقول الراجح: أنه تُرفع معه اليدان، فرفع اليدين إذنْ عند الركوع، وعند الرفع منه، سنةٌ عند جمهور الفقهاء، خلافًا للحنفية الذين خصوا رفع اليدين بتكبيرة الإحرام، رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام متفقٌ عليه عند الجميع، كما قال ابن المنذر.

أما عند الركوع والرفع منه فعند الجمهور، خلافًا للحنفية، والصحيح: هو قول الجمهور؛ لحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في ذلك [1]، وحديث مالك بن الحويرث  أيضًا [2].

صفة رفع اليدين في الصلاة

طيب، ما صفة رفع اليدين؟ ورد في ذلك صفتان:

  • الصفة الأولى: إلى حَذو مَنكِبيه.
  • والصفة الثانية: حيال أذنيه.

إذنْ الصفة الأولى: إلى حَذْو مَنكِبيه، هكذا: الله أكبر.

الصفة الثانية: يرفعهما حيال أذنيه، يعني: إلى فروع أذنيه هكذا: الله أكبر.

فعندنا صفتان: الصفة الأولى: إلى حذو منكبيه هكذا، والصفة الثانية: إلى فروع أذنيه هكذا، وقد وردت السنة بهذا وهذا، والأفضل أن يفعل هذا تارةً، وهذا تارةً، تارةً يكون رفع اليدين إلى فروع الأذنين، وتارةً يكون إلى المنكبين، وتكونان مضمومتي الأصابع ممدودةً هكذا: الله أكبر.

والحكمة من رفع اليدين قيل: تعظيم الله ؛ فيجتمع التعظيم القولي والفعلي، والتعبد لله بذلك، كأنك تُعظِّم الله بهذا الرفع.

وقيل أيضًا: رفعهما إشارةٌ إلى رفع الحجاب بين الإنسان وبين ربه، وهذا لعله خاصٌّ بتكبيرة الإحرام، يعني: حين تكبيرة الإحرام، عندما ترفع يديك هكذا؛ كأنك رفعت الحجاب بينك وبين الله، فأصبحت في مقام المناجاة، والأقرب: أن كِلَا المعنيين مرادٌ.

وحَطُّهما عقب ذلك.

أي: يسن حط يديه بعد رفعهما لتكبيرة الإحرام أو للركوع أو للرفع منه -يعني: لرفع يديه- يحطهما هكذا، فلا يرفع يديه ثم لا يحطهما، لا، وإنما يحطهما بعد الرفع.

ويستحب أن يكون رفع اليدين موافقًا للتكبير؛ فيرفعهما عند ابتداء التكبير، ولا يخفضهما إلا عند انتهائه، عندما يقول: الله أكبر، هكذا، يكون التكبير مصاحبًا لرفع اليدين، بعض الناس تجد أنه يكبر ثم يرفع يديه، يقول: الله أكبر، ثم يرفع يديه، هذا خلاف السنة، أو يرفع يديه ثم يقول: الله أكبر، هذا أيضًا خلاف السنة، السنة أن يكون التكبير مقارنًا لرفع اليدين: الله أكبر.

وضع اليمين على الشمال في الصلاة

ووضع اليمين على الشمال في الصلاة.

فرضًا كان أو نفلًا، وهذا هو قول جمهور الحنفية والشافعية والحنابلة، خلافًا للمالكية.

كيفية وضع اليمين على الشمال في الصلاة

وقد ورد ذلك على عدة صفاتٍ؛ أبرزها ثلاث صفاتٍ:

  • الصفة الأولى: أن يقبض كوع يسراه بيمينه، والكوع: هو العظم الذي يلي الإبهام؛ لحديث وائل بن حُجرٍ [3]، هكذا، هذه الصفة الأولى.
  • الصفة الثانية: وضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى من غير قبض هكذا؛ لحديث سهل بن سعدٍ  [4].
  • الصفة الثالثة: وضع اليد اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، هكذا؛ لحديث وائل بن حُجرٍ [5].

فهي ثلاث صفاتٍ:

إما أن يقبض كوع يسراه بيمينه.

أو يضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى.

أو يضع اليد اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد كالقابض لها هكذا.

والأفضل أن يأتي بهذه السنن كلها.

هناك طريقة يفعلها بعض العامة، وهو قبض المرفق، يعني: هكذا، هذا لا أصل له.

وجَعْلهما تحت سرته.

أي: يضع يديه تحت سرته، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وقولٌ أيضًا للحنفية، واستدلوا بما رُوي عن علي بن أبي طالبٍ قال: “من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة [6]، وهذا الأثر أخرجه أبو داود والدارقطني، لكنه ضعيفٌ لا يصح.

القول الثاني: أنه يضعهما على صدره، أو تحت صدره، ولكن فوق سرته، وهذا هو مذهب الشافعية؛ لحديث وائل بن حجرٍ [7]، وأيضًا هذا الحديث ضعيف لا يصح.

وبهذا تبين أنه لم يثبت عن النبي شيءٌ في تحديد موضع اليدين؛ ولهذا قال ابن المنذر: “وقال قائلٌ: ليس في المكان الذي يضع عليه اليد خبرٌ عن النبي ؛ فإن شاء وضعهما تحت السرة، وإن شاء فوقها”.

قال ابن القيم: “اختُلف في موضع الوضع، فعنه فوق السرة، وعنه تحتها، وعنه أبو طالبٍ: سألت أحمد: أين يضع يده إذا كان يصلي؟ قال: على السرة أو أسفل، وكل ذلك واسعٌ، إن وضع فوق السرة أو عليها أو تحتها”، وهذه هي طريقة أهل الحديث.

إذنْ نقول: لم يثبت شيءٌ عن النبي في تحديد موضع اليدين؛ فإن شاء وضعهما تحت السرة، وإن شاء فوق السرة، وإن شاء على السرة، وإن شاء تحت الصدر، الأمر في ذلك واسعٌ، ولم يثبت في تحديد الموضع شيءٌ عن النبي .

النظر إلى موضع السجود

ونظره إلى موضع سجوده.

أي: إن السنة: أن ينظر إلى موضع السجود؛ لأن ذلك أخشع للمصلي، وأكف لبصره، قالوا: إلا في حال السجود، فيكون النظر إلى سبابته؛ لحديث عبدالله بن الزبير  [8]، لكن هذا الحديث أخرجه أحمد، وهو ضعيفٌ.

وقال ابن سيرين: كانوا يستحبون أن ينظر الرجل في صلاته إلى موضع سجوده، هذا هو الأقرب والله أعلم، أنه لا يُستثنى من ذلك شيءٌ، وأن المصلي في صلاته ينظر إلى موضع السجود من حين أن يكبر تكبيرة الإحرام إلى أن يسلم، وإذا كبَّر هكذا؛ لا ينظر إلى الأعلى ولا أمامه؛ وإنما ينظر إلى موضع السجود طيلة صلاته.

والقول الراجح: أنه لا يُستثنى أيضًا حال جلوس التشهد؛ لأن حديث ابن الزبير  ضعيفٌ.

واستَثنى بعض الفقهاء من يصلي في المسجد الحرام، قالوا: إنه ينبغي أن ينظر إلى الكعبة؛ لأنها قبلة المصلي، ولكن هذا الاستحسان لا دليل عليه، والصواب: أن المصلي في المسجد الحرام كغيره، ينظر إلى موضع سجوده، بل إن النظر إلى الكعبة ربما أشغل المصلي عندما ينظر للطائفين ونحو ذلك.

أما رفع النظر إلى السماء، والنظر إلى السماء: فهذا قد ورد النهي عنه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: لينتهينَّ قومٌ يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجع إليهم [9]، متفقٌ عليه.

التفريق بين القدمين حال القيام

وتفرقته بين قدميه قائمًا.

يعني: يرى المؤلف أنه يسن أن يفرِّق بين قدميه وهو قائمٌ، والقول بأن هذا سنةٌ محل نظرٍ، الأقرب أن يقال: إن المصلي يقف معتدلًا، فلا يفرق بين قدميه تفرقةً كبيرةً؛ بحيث يكون ما بين قدميه واسعًا، ولا يُلصق ما بين قدميه، وإنما يقف وقوفًا معتدلًا؛ لأنه لم يرد في ذلك شيءٌ عن النبي ، فيقف الوقوف المعتدل، من غير أن يفرق بين قدميه ولا أن يُلصق بينهما.

وقال بعض الفقهاء: إن السنة هي المراوحة بين القدمين إذا طال قيامه، ويريدون بالمراوحة: أن يعتمد المصلي في قيامه تارةً على الرجل اليمنى، وتارةً على الرجل اليسرى، ورُوي في ذلك أثرٌ عن ابن مسعودٍ لكنه ضعيفٌ، والصواب أن المراوحة بين القدمين ليست بسنةٍ.

قَبْض ركبتيه بيديه مفرَّجَتَي الأصابع

وقبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في ركوعه.

السنة عند الركوع: أن تكون يداه مفرَّجتَي الأصابع، هكذا عند الركوع، وهذا بخلاف السجود، تكون مضمومة الأصابع، وأيضًا السنة في الركوع: أن يضع كفيه على ركبتيه كالقابض عليهما، وهذا هو الذي استقرت عليه السنة، وقد كانت السنة قبل ذلك التطبيق: وهو أن يضع المصلي بطن كفه على بطن كفه ويضعهما بين ركبتيه أو فخذيه وهو راكعٌ، وقد نُسخ هذا كما جاء في “الصحيحين” عن مصعب بن سعد بن أبي وقاصٍ، قال: “صليت جنب أبي فطبَّقت بين كفيَّ، ثم وضعتهما بين فخذيَّ، فنهاني أبي وقال: كنا نفعله فنهينا عنه، وأُمِرنا أن نضع أيدينا على الركب” [10]، متفقٌ عليه، فهذا يدل على أن التطبيق منسوخٌ، وقد كان ابن مسعودٍ  يفعله، وخفي عليه النسخ، ولكن كما قال سعد بن بن أبي وقاصٍ : “كنا نفعله فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب”.

مدُّ ظهره في الركوع

أيضًا من السنن:

ومد ظهره فيه، وجعل رأسه حياله.

أي: أن يكون المصلي مستويًا حال الركوع، فيكون الظَّهر والرأس سواءً، ويكون الظَّهر ممدودًا مستويًا؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله إذا ركع لم يُشْخِص رأسه ولم يُصَوِّبه، ولكن بين ذلك” [11]، وكذلك أيضًا في حديث أبي حُميدٍ الساعدي قال: “ثم هصر ظهره” [12]، هصر ظهره: يعني ثناه في استواءٍ بين رقبته وظهره، فهذه هي السنة: أن يكون ظهره مستقيمًا فلا يرفعه ولا يخفضه، لا يحني ظهره ولا يرفعه، وكما وصفه وابصة بن مَعبَدٍ  قال: “رأيت رسول الله يصلي، فكان إذا ركع؛ سوَّى ظهره حتى لو صُبَّ عليه الماء لاستقر” [13]، هذا ضعيفٌ من جهة الإسناد، أخرجه ابن ماجه، لكن معناه يتفق مع الأدلة الأخرى.

فإذنْ السنة في الركوع: أن الإنسان يمد ظهره، ويجعل رأسه بحيال ظهره، فلا يُقوِّس الظهر ولا يحنيه، لا يخفضه ولا يرفعه، وإنما يكون مستويًا بحيث لو صُبَّ عليه ماءٌ لاستقر، والسنة: أن يجعل رأسه حال الركوع محاذيًا لظهره، لا مرتفعًا عنه ولا منخفضًا.

تقديم اليدين أو الركبتين في السجود

والبداءة في سجوده بوضع ركبتيه ثم يديه.

هذه مسألةٌ خلافيةٌ بين الفقهاء: هل الأفضل عند السجود أن يقدم ركبتيه، أو يقدم يديه؟ قولان مشهوران:

  • القول الأول: أن الأفضل تقديم الركبتين، وهو قول الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، قال الترمذي: إن العمل عليه عند أكثر أهل العلم.
  • القول الثاني: أن الأفضل تقديم اليدين على الركبتين، وهو مذهب المالكية، ورواية عند الحنابلة.

وقد رُوي في ذلك أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ منها: حديث وائل بن حُجْرٍ : “رأيت النبي إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه” [14]، عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وحديث أبي هريرة : إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل [15]، وجميع ما رُوي في هذه المسألة لا يثبت من جهة الصناعة الحديثية.

وعلى ذلك فالأقرب -والله أعلم- أن المصلي مخيرٌ؛ إن شاء قدَّم ركبتيه على يديه، وإن شاء قدَّم يديه على ركبته، يختار ما هو الأيسر والأرفق به؛ لأن جميع الأحاديث المروية في ذلك ضعيفةٌ لا تصح، وقد ورد عن عمر بن الخطاب أنه كان يقدِّم ركبتيه على يديه، لكن هذا ورد من فعل عمر، ويحتمل أن عمر إنما فعل ذلك لكونه الأرفق والأيسر، الأرفق بالمصلي أن يقدم ركبتيه على يديه؛ لأن ركبتيه تصلان للأرض قبل يديه، وقد يكون لبعض الناس الأرفق أن يقدم يديه، خاصةً إذا كان عنده آلام في ركبته، أو كبير السن، أو نحو ذلك، فربما يكون الأرفق أن يعتمد على يديه، فيقدم يديه ثم ركبتيه، فالأمر في هذه المسألة واسعٌ.

إذنْ نقول: جميع الأحاديث المروية في تقديم الركبتين على اليدين، أو اليدين على الركبتين؛ لا يثبت منها شيءٌ من جهة الصناعة الحديثية؛ وعلى ذلك: فالأمر في هذه المسألة واسعٌ؛ إن شاء قدم ركبتيه على يديه، أو قدم يديه على ركبتيه، والأفضل أن يختار ما هو الأرفق به والأيسر له.

تمكين الأنف مع الجبهة في السجود

ثم جبهته وأنفه.

أي: بعد وضع يديه وركبتيه يضع جبهته وأنفه على موضع سجوده، لكن لو سجد المصلي على جبهته دون أنفه؛ فيرى بعض الفقهاء أن صلاته لا تصح، ولكن أكثر أهل العلم ذهبوا إلى أن صلاته صحيحةٌ؛ لأن الأنف لم يرد ذكره في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، حديث ابن عباسٍ قال: أُمِرت أن أسجد على سبعة أعظمٍ: الجبهة واليدين.. إلى آخره [16]، ولم يقل: الأنف، إنما قال: الجبهة، فقط، ولم يرد للأنف ذكرٌ في هذا الحديث، وهو الأصل في إيجاب السجود على الأعضاء السبعة؛ فعلى هذا: لو سجد على جبهته دون أنفه؛ فصلاته صحيحةٌ على القول الراجح، ولكن ماذا لو كانت المسألة بالعكس؛ سجد على أنفه دون جبهته؟ فلا تصح صلاته؛ لأن الجبهة عضوٌ مقصودٌ في السجود، وقد جاء النص عليه في حديث ابن عباسٍ السابق: أمرت أن أسجد على سبعة أعظمٍ، وذكر الجبهة.

إذنْ: سجد على جبهته دون أنفه؛ فصلاته صحيحةٌ، أما إذا سجد على أنفه دون جبهته؛ فصلاته لا تصح.

تمكين أعضاء السجود من الأرض

وتمكين أعضاء السجود من الأرض.

أي: أن السنة أن يُمكِّن أعضاء السجود من الأرض، لكنه لو لم يمكنها لأجزأ ذلك، وقد جاء في حديث رفاعة بن رافعٍ  أن النبي قال للمسيء صلاته: إذا سجدت فمكِّن لسجودك [17].

ومباشرتُها لمحل السجود، سوى الركبتين فيُكره.

أي إن السنة مباشرة جميع أعضاء السجود السبعة لمحل السجود للأرض من غير حائلٍ، فلو لم تباشر أعضاء السجود؛ فإن ذلك مُجزئٌ، إلا بالنسبة للجبهة، وقد سبق القول بأن السنة أن تباشر الأرض إلا عند الحاجة، لا بأس أن يضع الإنسان شيئًا يقي به جبهته من شدة الحر، أو شدة البرد، أو الشوك، أو نحو ذلك، أما الركبتان فلا تُكشفان، ولم يقل أحدٌ من أهل العلم أن السنة كشفهما لأجل مباشرتهما للأرض، بل إن هذا مكروهٌ؛ ولهذا قال المؤلف: “فيُكره”، يعني: يُكره أن يكشف ركبتيه لأجل مباشرتهما الأرض أثناء السجود.

المجافاة عند السجود

ومجافاة عضديه عن جنبيه.

أي إن السنة: أن يجافي المصلي عضديه عن جنبيه عند السجود، وأن يبالغ في ذلك، وقد وصف الصحابة  حال النبي عند السجود، جاء في حديث عبدالله بن بُحَيْنة أن النبي كان إذا صلى فرَّج بين يديه حتى يُرى بياض إبطيه [18]، متفقٌ عليه، وجاء في حديث ميمونة رضي الله عنها: “كان النبي إذا سجد لو شاءت بَهْمةٌ أن تمر بين يديه لمرت” [19]، يعني: لو شاءت الشاة الصغيرة أن تمر بين يديه لمرت؛ من شدة مبالغته عليه الصلاة والسلام في المجافاة، فالمصلي إذا كان إمامًا أو منفردًا السنة أن يبالغ في المجافاة، يعني: عندما يسجد هكذا يبالغ في المجافاة قدر الإمكان، أما إذا كان مأمومًا فإنه إذا بالغ في المجافاة فسيؤذي مَن عن يمينه وعن يساره؛ ولذلك فإنه إذا كان مأمومًا؛ يجافي بالقدر الذي لا يؤذي به من يصلي بجانبه.

المبالغة في المجافاة عند السجود سنةٌ في حق الإمام والمنفرد، وأما بالنسبة للمأموم: فإن المأموم يجافي بالقدر الذي لا يؤذي به من عن يمينه وشماله، وبعض الناس إذا كان مأمومًا تجد أنه يبالغ في المجافاة، فيؤذي مَن عن يمينه وعن شماله، فيريد أن يطبق سنةً؛ فيقع في أمرٍ محرم؛ لأن المجافاة مستحبةٌ، وأذية المؤمنين محرمةٌ؛ ولذلك فإذا كان مأمومًا فإنه يجافي بالقدر الذي لا يؤذي من عن يمينه وعن يساره.

صفة وضع القدمين في السجود

وتفريقه بين ركبتيه.

أي إن السنة عند السجود: أن يفرق بين ركبتيه، فلا يضمهما.

وإقامة قدميه، وجعل بطون أصابعه مع الأرض مفرقةً.

أي: أنه يُلصق قدميه بالأرض، ويجعل أصابعهما مفرقةً مستقبلةً القبلة، لكن هل يُلصق قدميه أثناء السجود، أو يفرق بين قدميه؟ قولان لأهل العلم:

  • القول الأول: أن الأفضل هو التفريق بين القدمين عند السجود، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
  • والقول الثاني: أن السنة هو ضم القدمين أثناء السجود، وهذا هو القول الراجح، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله ليلةً فالتمسته، فوقعت يدي” -هذا هو موضع الشاهد- “على بطن قدميه” -يدٌ واحدةٌ على بطن قدميه- “وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك [20]، رواه مسلمٌ.

ووجه الدلالة: أن قول عائشة رضي الله عنها: “فوقعت يدي على بطن قدميه”، يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان راصًّا لقدميه أثناء السجود؛ إذ إن اليد الواحدة لا تقع على القدمين إلا وهو راصٌّ لهما، وقد جاء مصرحًا بهذا في رواية ابن خزيمة: “فوجدته ساجدًا راصًّا عقبيه مستقبلًا بأطراف أصابعه القبلة” [21].

إذنْ القول الراجح: أن السنة للمصلي عند السجود أن يرصَّ بين قدميه.

صفة وضع اليدين حال السجود

ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطةً مضمومة الأصابع.

أي إنه في السجود يسن له: أن يضع يديه حذو المنكبين مضمومةً مبسوطة الأصابع هكذا، وهذا بخلاف الركوع كما سبق، فإنه في الركوع تكون مفرَّجة الأصابع، ويدل لذلك حديث وائل بن حُجرٍ [22].

رفع يديه أولًا في قيامه إلى الركعة

ورفع يديه أولًا في قيامه إلى الركعة.

يعني: عندما ينهض من السجود؛ فالسنة أن يرفع يديه أولًا، وهكذا عند قيامه إلى الركعة التالية، يرفع يديه أولًا.

صفة النهوض من السجود للقيام

وقيامه على صدور قدميه، واعتماده على ركبتيه بيديه.

أي إنه إذا أراد أن ينهض للركعة التالية؛ فإنه يقوم على صدور قدميه ويعتمد على ركبتيه، وقد رُوي في ذلك حديث أبي هريرة في “الترمذي”، ولكنه حديثٌ ضعيفٌ، وجاء في حديث وائل بن حجرٍ  أيضًا، قال: “رأيت رسول الله إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه” [23]، لكنه أيضًا حديثٌ ضعيفٌ، فما رُوي في ذلك كله ضعيفٌ.

بوَّب البخاري في “صحيحه” لهذه المسألة قال: “باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة”، ثم ساق بسنده عن مالك بن الحويرث  في صفة صلاة النبي ، قال: “وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية؛ جلس واعتمد على الأرض ثم قام” [24]، فهذا يؤكد رجحان القول الآخر، وهو أن الأفضل الاعتماد باليدين على الأرض عند النهوض للركعة الثانية.

فعندما يريد أن يقوم للركعة الثانية؛ هناك قولان:

  • القول الأول: أنه يعتمد على ركبتيه وينهض على أصابع قدميه.
  • القول الثاني: أنه يعتمد على الأرض وينهض.

والقول الثاني هو القول الراجح؛ لحديث مالك بن الحويرث ، وهو في “صحيح البخاري”، وبوب عليه البخاري بقوله: “باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة”.

فإذنْ القول الراجح عند القيام للركعة التالية: أن يعتمد بيديه على الأرض، وأما القول بأنه يعتمد على ركبتيه وينهض على صدور قدميه، فهذا قولٌ مرجوحٌ.

الافتراش في الصلاة

والافتراش في الجلوس بين السجدتين وفي التشهد الأول.

أي إن السنة في الجلوس بين السجدتين وفي التشهد الأول: أن يكون المصلي مفترشًا، ومعنى الافتراش: أن يجعل رجله اليسرى تحت مقعدته كأنها فراشٌ له، ويُخرج رجله اليمنى من الجانب الأيمن ناصبًا لها، كما دل لذلك حديث أبي حميدٍ [25]، وحديث عائشة أيضًا [26]، رضي الله عنهما.

التورك في التشهد الثاني

والتورك في الثاني.

أي: يستحب أن يتورك في التشهد الثاني، والتورك فيه أقوالٌ كثيرةٌ، والقول الراجح فيه: أن التورك يُشرع في التشهد الثاني من كل صلاةٍ ثلاثيةٍ أو رباعيةٍ.

إذن القول الراجح في التورك: أنه يُشرع في التشهد الثاني من كل صلاةٍ ثلاثيةٍ أو رباعيةٍ؛ وعلى ذلك: فالتورك يُشرع في التشهد الأخير من صلاة المغرب، ومن صلاة العشاء، ومن صلاة الظهر، ومن صلاة العصر، ولا يشرع في التشهد من صلاة الفجر، ولا يشرع في أي صلاةٍ ثنائيةٍ من ركعتين، إنما يُشرع في التشهد الأخير من كل صلاةٍ ثلاثيةٍ أو رباعيةٍ.

طيب، ما معنى التورك؟ التورك: ورد له صفاتٌ؛ أشهرها ثلاث صفاتٍ:

  • الصفة الأولى: أن تكون رجله اليسرى تحت ساقه اليمنى، ويُلصق مقعدته بالأرض، وينصب رجله اليمنى، وهذه أشهر الصفات.
  • الصفة الثانية: هي كالصفة الأولى، لكن لا ينصب الجهة اليمنى، وإنما يفرشها، أي: يُخرج رجله اليسرى من تحت الساق اليمنى، ويلصق مقعدته بالأرض، ويفرش رجله اليمنى.
  • الصفة الثالثة: أن يُلصق مقعدته بالأرض، ويجعل رجله اليسرى بين فخذه وساقه، انتبه! الصفة الثالثة: أن يُلصق مقعدته بالأرض، ويجعل رجله اليسرى بين فخذه وساقه، وهذه تطبيقها صعبٌ، لكن قد يكون تطبيقها سهلًا على من كان خفيف اللحم، هذه وردت في “صحيح مسلمٍ” [27]، لكن سمعت شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله يقول: الأقرب أنها غير محفوظةٍ، هي في “صحيح مسلمٍ”، لكن الشيخ رحمه الله قال: الأقرب أنها غير محفوظةٍ، وأيضًا صفتها فيها صعوبةٌ في تطبيقها، لكن يظهر أن من كان خفيف اللحم ليس تطبيقها صعبًا؛ فعلى هذا: تكون هذه الصفات الثلاث للتورك.

وضع اليدين على الفخذين بين السجدتين وفي التشهد

ووضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع بين السجدتين، وكذا في التشهد، إلا أنه يقبض من اليمنى الخنصر والبنصر، ويحلق إبهامها مع الوسطى، ويُشير بسبابتها عند ذكر الله.

وذلك لحديث عبدالله بن الزبير وهو في “صحيح مسلمٍ”: “كان رسول الله إذا قعد يدعو؛ وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بأصبعه السبابة، ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى، ويُلْقِم كفه اليسرى ركبته” [28]؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما أيضًا في هذا [29]، وفي روايةٍ: “عقد ثلاثةً وخمسين”.

ولا يشير بالسبابة إلا في التشهد الأول والتشهد الأخير، أما في الجلسة بين السجدتين فلا يشير بالسبابة، وإنما يضع يديه على فخذيه هكذا، وقد رُوي في ذلك حديثٌ عن النبي عليه الصلاة والسلام في “مسند الإمام أحمد”، لكنه ضعيفٌ، وسمعت شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله يقول: إنه حديث شاذٌّ، والمحفوظ: أن الإشارة بالسبابة إنما تكون في التشهد الأول، أو في التشهد الأخير.

إذنْ في الجلسة بين السجدتين يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى مبسوطة الأصابع، ولا يشير بالسبابة، إنما تكون الإشارة بالسبابة في التشهد الأول، وفي التشهد الأخير.

كيفية الإشارة بالإصبع في التشهد

طيب، كيف تكون الإشارة بالإصبع في التشهد؟ ورد ذلك على عدة صفاتٍ:

الصفة الأولى: ما أشار إليه المؤلف من أنه يقبض الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويشير بالسبابة؛ لحديث وائل بن حجرٍ ، فهذا هو الخنصر: الأصبع الصغير، يقبض الخنصر، والبنصر: الإصبع الذي بجواره، ويحلق الإبهام -هذا هو الإبهام- مع الوسطى هكذا، ويشير بالسبابة، إذنْ هذه الصفة الأولى، انتبهوا -يا أيها الإخوة ويا أيتها الأخوات- هي مشروعةٌ لكل مصلٍّ.

فإذنْ الصفة الأولى: يقبض الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويشير بالسبابة هكذا.

طيب، الصفة الثانية: يقبض جميع أصابعه إلا السبابة هكذا، ويشير بالسبابة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، والأفضل أن يأتي بهذه الصفة تارةً، وبهذه الصفة تارةً على طريقة هذا الحديث، حتى يأتي بالسنة على جميع وجوهها.

إذنْ عندنا صفتان لقبض الأصابع في التشهد:

  • الصفة الأولى: أن يقبض الخنصر مع البنصر، ويُحَلِّق الإبهام مع الوسطى هكذا، ويشير بالسبابة.
  • الصفة الثانية: أن يقبض أصابعه كلها، ويشير بالسبابة هكذا، والأفضل التنويع بين الصفتين؛ فيأتي بهذه تارةً، وبهذه تارةً؛ حتى يأتي بالسنة على جميع وجوهها.

وقد اختلفت الروايات في كيفية تحريك السبابة، ففي حديث عبدالله بن الزبير : “وأشار بأصبعه” الحديث السابق، “وأشار بأصبعه السبابة”، وفي حديث وائلٍ : “ورفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها” [30].

فهذه الروايات تدل على أن الإشارة بالسبابة إنما تكون عند الذكر والدعاء؛ ولأن التحريك إنما يكون إذا وجد له سببٌ، وهو الذكر والدعاء؛ وعلى ذلك: فالسنة: أن المصلي يرفع إصبعه السبابة ويحنيها قليلًا، ويحركها عند ذكر الله ، السنة: أن المصلي في التشهد الأول والتشهد الأخير يرفع أصبعه السبابة، ويثنيها قليلًا هكذا طيلة التشهد، ويحركها عند ذكر الله، فإذا قال: التحيات لله حركها، وإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله حركها، وإذا قال: اللهم، حرَّكها، فيحركها عند الدعاء، أو عند ذكر الله ، وهذا اختاره جمعٍ من المحققين من أهل العلم، واختاره شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله.

كيفية التسليم من الصلاة

والْتِفاته يمينًا وشمالًا في تسليمه.

“الْتِفاته” يعني: أن الالتفات يكون مع التسليم، هذا مستحبٌّ، لو قال: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، صح ذلك، لا كونه يلتفت هذا مستحبٌّ، فعندما يسلم يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، هكذا، فالالتفات مع التسليم من السنن.

نية الخروج من الصلاة

ونيته به الخروج من الصلاة.

أي: يستحب أن ينوي به الخروج، لو لم ينوِ به الخروج؛ لا تبطل الصلاة؛ لأن هذا من السنن، هذا في الحقيقة تحصيل حاصلٍ؛ لأن الإنسان إذا سلَّم لا بد أن ينوي الخروج من الصلاة.

الالتفات في التسليم في الصلاة

وتفضيل الشمال على اليمين في الالتفات.

يعني: إذا سلم عن شماله؛ يلتفت أكثر، يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، أكثر؛ لحديث سعد بن أبي وقاصٍ  قال: “كنت أرى رسول الله يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده” [31].

القول الثاني في المسألة: أن السنة: أن يلتفت عن يمينه وعن يساره الْتفاتًا متساويًا؛ فإنه قد جاء في حديث ابن مسعودٍ : “كان رسول الله يسلم عن يمينه حتى يبدو بياض خده، وعن يساره حتى يبدو بياض خده” [32] أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد، وهو حديثٌ صحيحٌ.

وهذا هو القول الراجح، أنه يلتفت عن يمينه وعن يساره الْتفاتًا متساويًا، فيقول هكذا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، هكذا، يلتفت عن يمينه وعن يساره التفاتًا متساويًا، أما القول بأنه يلتفت عن يساره أكثر فهذا إنما بُنِيَ على حديث سعدٍ ، وهو صحيحٌ، في “صحيح مسلمٍ”، لكنه ليس بصريحٍ، قال: “يسلم عن يمينه وعن شماله حتى أرى بياض خده”، فليس فيه تصريحٌ بأنه يزيد عن شماله أكثر، بينما حديث ابن مسعودٍ صريحٌ في أن الالتفات عن اليمين وعن الشمال يكون متساويًا.

مكروهات الصلاة

انتقل المؤلف بعد ذلك، بعدما انتهى من الكلام عن الأركان والشروط والواجبات والسنن؛ انتقل إلى الكلام عما يكره في الصلاة وعما يبطلها، فنأخذ ما تيسر مما يكره في الصلاة، ونستكمل الكلام عنها وعن مبطلات الصلاة في الدرس القادم إن شاء الله.

مقصود الفقهاء بالكراهة: ما يُثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله، فالمكروه عكس المستحب.

الاقتصار على الفاتحة

يكره للمصلي اقتصاره على الفاتحة.

لأن السنة أن يقرأ سورةً بعد الفاتحة في صلاة الفجر، وفي الركعتين الأوليين من صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وعلى ذلك يكون اقتصاره على الفاتحة فقط مكروهًا، لكن الصلاة صحيحة؛ لأن قراءة سورة بعد الفاتحة من سنن الصلاة، وليس من واجباتها، أو من أركانها.

تكرار الفاتحة في الركعة الواحدة

وتكرارها.

أي: يكره تكرار الفاتحة في الركعة الواحدة؛ لأن هذا لم ينقل؛ ولأنه قد يجر للوسواس؛ ولأن من يفعل ذلك غالبًا يكون عنده وساوس، فإذا قرأ الفاتحة ثم قرأ ثانيةً؛ سيجر ذلك إلى قراءة ثالثةٍ ورابعةٍ وخامسةٍ، وهكذا، لكن لو كان التكرار لسببٍ، ولم يكن لأجل الوسوسة؛ فلا بأس؛ كأن يشك في إسقاط آيةٍ من الفاتحة، أو إسقاط حرفٍ أو أكثر من الفاتحة، هنا لا بأس من التكرار، يعيد قراءة الفاتحة من جديدٍ؛ لأن قراءة الفاتحة ركنٌ من أركان الصلاة، أو يكون التكرار لفوات وصفٍ مستحبٍّ، كما لو قرأ الإمام الفاتحة سرًّا في الصلاة الجهرية، أو جهر بالصلاة السرية، هنا لا بأس بأن يعيدها على صفتها التي وردت في السنة.

الالتفات في الصلاة بلا حاجةٍ

والْتِفاته بلا حاجةٍ.

الالتفات في الصلاة بلا حاجةٍ من مكروهات الصلاة، وقد نُقل الإجماع على ذلك؛ نقله ابن عبدالبر وغيره، وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها: هو اختلاسٌ يختلسه الشيطان من صلاة العبد [33]؛ ولأن في الالتفات إعراضًا عن الله، والمصلي قد قام في مقام المناجاة لله ؛ ولهذا جاء في حديث الحارث: فإذا صليتم فلا تلتفتوا؛ فإن الله ينصب وجهه لعبده في صلاته ما لم يلتفت [34].

وقول المؤلف: “بلا حاجةٍ”، يُفهم منه: أنه إذا كان التفاته لحاجةٍ لم يكره، ومن ذلك: ما جاء في حديث عثمان بن أبي العاص، قال: أتيت النبي فقلت: يا رسول الله، إن الشيطان قد لبَّس عليَّ صلاتي حتى لا أدري ما أقول، قال: ذاك شيطانٌ يقال له: خِنْزَبٌ، فإذا أحسسته فاتفل عن يسارك ثلاثًا، وتعوذ بالله منه، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني» [35]، رواه مسلمٌ، ومعلومٌ أنه لن يتفل عن يساره إلا إذا الْتفت، وسيلتفت هكذا ويتفل عن يساره، فهذا التفاتٌ لحاجةٍ.

ومن الالتفات لحاجةٍ: أن تكون امرأةٌ مثلًا وبجوارها صبيٌّ تخشى عليه؛ فتلتفت لكي تراه، يعني: يلعب ويعبث، وتلتفت لكي تراه، هذا لا بأس، لو كان الإنسان يصلي وسمع صوتًا عاليًا، والتفت؛ لكي يرى مصدر الصوت، لا بأس، إذا كان التفاته لحاجةٍ؛ إذنْ لا بأس به.

طيب، إذا كان الالتفات لغير حاجةٍ ومتعمدًا، هل يُبطل الصلاة؟

الجواب: أنه لا يبطل الصلاة، وإنما غاية ما فيه أنه مكروهٌ.

تغميض العينين في الصلاة

وتغميض عينيه.

أي: يُكره للمصلي تغميض عينيه، فالنبي لم يكن في صلاته يغمض عينيه، هنا عده المؤلف مكروهًا، وقال بعضهم: إنه من فعل اليهود، لكن هذا ليس عليه دليلٌ ظاهرٌ.

وبعضهم قال: إنه غير مكروهٍ؛ قالوا: لأنه ليس هناك دليلٌ على الكراهة، ولم يثبت أنه من فعل اليهود.

هناك قولٌ ثالثٌ ذكره ابن القيم وجمعٌ من المحققين: وهو القول بالتفصيل؛ وهو: إن كان تغميض العين يُعين على الخشوع في الصلاة؛ فلا بأس به، أما إذا كان يفعله الإنسان على سبيل العبث، ولم يقصد من ذلك إعانته على الخشوع؛ فهذا مكروهٌ، وهذا هو القول الراجح والله أعلم.

ابن القيم رحمه الله قال: إذا كان فتح العينين لا يخل بالخشوع؛ فهو أفضل، وإن كان يحول بينه وبين خشوعه؛ لِمَا في قبلته من الزخرفة والتزويق، أو غيره مما يشوش عليه قلبه؛ فهنا لا يكره التغميض، والقول باستحبابه -يعني: باستحباب التغميض- في هذه الحالة أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة.

القول الراجح في حكم تغميض العينين في الصلاة: أن تغميض العينين في الصلاة إذا كان يُعين الإنسان على تحقيق الخشوع في الصلاة؛ لا بأس به وليس بمكروهٍ، أما إذا كان يفعله المصلي على سبيل العبث؛ فهذا مكروهٌ.

حَمْل ما يشغله عن الصلاة

وحمل مُشْغِلٍ له.

أي: يُكره أن يحمل المصلي ما يُشغله في الصلاة؛ لأن هذا يؤثر على خشوعه، ومن ذلك حمل الهاتف الجوال، لكن يمكن أن يحمل الهاتف الجوال ويغلقه أو يجعله على الصامت، أما إذا تركه مفتوحًا يستقبل اتصالات؛ فإنه قد يأتيه اتصال ويشغله ويشغل من حوله من المصلين؛ فيكون هذا مكروهًا.

وقول المؤلف: “حمل مشغل له”، يشمل حمل الصبي، الصبي إذا حمله الإنسان فإنه ينشغل به، وقال بعض أهل العلم: إن حمل الصبي في الصلاة ليس بمكروهٍ؛ لأن النبي فعله؛ كما في حمله لأُمامة بنت أبي العاص، بنت بنته، في صلاة العصر وهو يؤم الناس [36]، فلو كان مكروهًا؛ لكان النبي أبعد الناس عنه، ولأن المرأة قد تحتاج إلى حمل صبيها، لا يكون معها أحدٌ، وصبيها إذا لم تحمله يبكي مثلًا، ويكون متعلقًا بها، فحمله في هذه الحال لا يكون مكروهًا، فهذا هو الأقرب والله أعلم، أن حمل الصبي ليس بمكروهٍ، لكن ينبغي ألا يفعله الإنسان إلا عند الحاجة.

افتراش ذراعيه ساجدًا

وافتراش ذراعيه ساجدًا.

أي: يُكره للمصلي أن يفترش الذراعين أثناء السجود؛ لحديث أنسٍ أن النبي قال: اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب [37]، متفقٌ عليه، وكما ذكرنا أن السنة مجافاة الذراعين قدر المستطاع، وكان هذا هو هدي النبي عليه الصلاة والسلام.

العبث في صلاته

والعبث.

أي: يكره العبث في صلاته، سواءٌ كان العبث بشماغه أو بغترته، أو بلحيته أو بساعته، أو بالهاتف الجوال، أو بغير ذلك؛ لأن العبث ينافي الخشوع، ولِمَا فيه من الاستهانة بالصلاة، ولأن هذا العبث يمنع العضو الذي يُعبث به عن فعل ما هو مسنونٌ في الصلاة، وقد رُوي في ذلك حديث أبي هريرة  أن النبي رأى رجلًا يعبث في صلاته فقال: لو خشع قلب هذا؛ لخشعت جوارحه [38]، ولكن هذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ لا يصح، وإنما أوردته للتنبيه على ضعفه، ولأن بعض الفقهاء يوردونه في كتبهم.

التخصُّر في الصلاة

والتخصر.

“التخصر” معناه: وضع اليد على الخاصرة، والخاصرة: هي ما فوق رأس الوَرِك المستدِقُّ من البطن، هذا؛ لحديث أبي هريرة قال: “نهى النبي أن يصلي الرجل مختصِرًا” [39] متفقٌ عليه، يعني: يُكره أن يضع المصلي يديه هكذا في الصلاة وهو يصلي، هذا مكروهٌ.

طيب ما الحكمة من ذلك؟ قيل: إن هذا فعل اليهود، وهذا مرويٌّ عن عائشة رضي الله عنها كما في “البخاري”، وقيل: إنه من فعل المُتكبرين، المتكبرون هم الذين يضعون أيديهم هكذا، وقيل: إن إبليس لما أُهبط إلى الأرض؛ أهبط متخصرًا، لكن هذا لا دليل عليه، وقيل: إنه راحة أهل النار، وهذا أيضًا لا دليل عليه، والأقرب -والله أعلم كما قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله- هو قول عائشة رضي الله عنها، أنه من فعل اليهود.

التَّمَطِّي في الصلاة

والتمطي.

أي: يُكره التَّمَطِّي، ومعنى التمطي: التمدد للاسترخاء؛ لأنه يُخرجه عن هيئة الخشوع، ويدعو للكسل؛ ولهذا لو وقف الإنسان على باب سلطان من السلاطين؛ تجد أنه لا يتمطى؛ لأنه يَعتبر أن هذا سوء أدبٍ معه.

يُكره أن يفتح فمه، أو يضع فيه شيئًا

وفتح فمه، ووضعه فيه شيئًا.

يُكره للمصلي أن يفتح فمه في الصلاة؛ لأن هذا يعني نوع من العبث، ويُذهب الخشوع، أو يضع في فمه شيئًا، ويأخذه ويعبث به؛ لأن هذه الحركة أيضًا هي عبثٌ، وتمنع كمال النطق بالحروف، لكن إذا تثاءب الإنسان فإنه يكظمه ما استطاع، السنة للإنسان إذا تثاءب: أن يكظمه ما استطاع؛ لقول النبي : إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع؛ فإن الشيطان يدخل [40]، رواه مسلمٌ، فإذا غلبه فتح الفم، أحيانًا يكظم، لكن ما يستطيع، فينفتح فمه، فإنه يضع يده على فيه هكذا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: العطاس من الله، والتثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه، يكظم، لكن إذا ما استطاع؛ يضع يده على فيه هكذا، قال: وإذا قال: آه آه، فإن الشيطان يضحك من جوفه [41]، رواه الترمذي، إذا قال الإنسان: آه، هكذا أثناء التثاؤب، فالشيطان يضحك عليه، لا تجعل نفسك أضحوكة للشيطان، اكظم ما استطعت، وإن لم تستطع؛ ضع يدك على فيك.

طيب، بعض الناس عند التثاؤب يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هذا لم يثبت، لم يرد في هذا شيءٌ صحيحٌ عن النبي عليه الصلاة والسلام، الأقرب أنه لا يُشرع التعود عند التثاؤب، ولكن من فعله لا يُنكر عليه؛ لأن هذا قد قال به بعض أهل العلم، وربما أخذوه من قول النبي عليه الصلاة والسلام: التثاؤب من الشيطان، فيستعيذ بالله من الشيطان عند التثاؤب، لكن الأقرب للسنة عدم التعوذ عند التثاؤب.

إذنْ هل يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، عند التثاؤب؟ نقول: لم يرد في ذلك شيءٌ، ولهذا الأفضل ألا يفعل ذلك، لكن مع هذا لو تعوذ فلا بأس؛ لأن النبي أخبر بأن التثاؤب من الشيطان.

استقبال المصلي للصور

واستقبال صورةٍ.

أي: يُكره أن يستقبل المصلي أثناء صلاته صورةً؛ لأنها قد تشغل المصلي وتلهيه، ويدل لذلك: أن النبي صلى في خميصةٍ له لها أعلامٌ، فلما انصرف قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهمٍ، وائتوني بأنبجانية أبي جهمٍ؛ فإنها ألهتني عن صلاتي آنفًا [42].

والإنبجانية: كساءٌ غليظٌ ليس له أعلامٌ؛ والخميصة: لها أعلامٌ؛ ولهذا قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهمٍ؛ لأن لها أعلامًا، وائتوني بإنبجانية أبي جهمٍ؛ يعني لأنها ليس لها أعلامٌ، يعني هذا لأجل أن النبي عليه الصلاة والسلام نظر لها نظرةً فأشغلته، سبحان الله! يعني: النبي عليه الصلاة والسلام كان يخشع في الصلاة خشوعًا تامًّا، لكن لما أُتِيَ بخميصة أبي جهمٍ؛ نظر لإعلامها نظرةً خاطفةً، فأشغلته شيئًا يسيرًا عن كمال الخشوع، سبحان الله! فقال عليه الصلاة والسلام: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهمٍ، فكيف بمن يكون منشغلًا معظم صلاته؟! الله المستعان! فهذا يدل على عناية النبي عليه الصلاة والسلام بكمال الخشوع، وأنه يُكره أن يكون أمام المصلي ما يشغله؛ ولذلك ينبغي في المساجد ألا يكون فيها زخرفةٌ تشغل المصلين، ولا يكون في السجَّاد الذي يوضع في المساجد زخرفةٌ، ينبغي أن يكون خاليًا من النقوش ومن الزخارف.

من ذلك أيضًا: أن يصلي وأمامه التلفاز؛ فإنه قد يشغله، هو في معنى أن يصلي وأمامه صورةٌ، بل التلفاز أشد في الإشغال، فيُكره أن يصلي وأمامه التلفاز مفتوحًا؛ لأنه لا بد أن يشغله، فالتلفاز يوضع فيه صورٌ متحركةٌ، فسوف ينشغل بذلك المصلي، ويؤثر هذا على خشوعه في الصلاة، فنقول له: إما أن تجعل التلفاز خلفك، وإما أن تُطفئ التلفاز.

استقبال ما يشغل المصلي

ووجه آدميٍّ ومتحدثٍ.

أي: يُكره أن يكون بين يدي المصلي آدميٌّ أو من يتحدث؛ لأن ذلك ربما شغله عن الصلاة، وقد رُوي في ذلك حديثٌ، لكنه ضعيفٌ: لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث [43]، لكن إذا كان الذي أمام المصلي لم يشغله؛ فإنه ليس بمكروهٍ.

ونائمٍ.

أي: يكره أن يصلي ويكون بين يدي المصلي نائمٌ؛ لأنه ربما شغله، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يكره أن يصلي الإنسان وبين يديه نائمٌ، خاصةً عند الحاجة، كما يكون مثلًا أحيانًا في الحرمين، أحيانًا يكون الإنسان في مصلاه، ويكون الذي أمامه نائمٌ، وهو يريد أن يتنفل، فالقول الراجح: أنه لا يكره؛ لأن عائشة رضي الله عنها كانت تنام معترضةً بين يدي النبي وهو يصلي من الليل، فإذا سجد غمزها فقبضت رجليها، فإذا قام بسطتهما [44]، ولو كان ذلك مكروهًا؛ لما فعله النبي .

القول الراجح إذنْ: أنه لا يكره ذلك، إلا إذا شغل المصلي.

ونارٍ.

أي: يُكره أن يكون أمامه نارٌ؛ لأن في هذا تشبهًا بالمجوس عبدة النار؛ وبناءً على ذلك: لو كان أمام المصلين نارٌ؛ فإنهم يتقدمون ويجعلون النار خلفهم، أو أنهم يضعون بينهم وبين هذه النار حائلًا، وتزول بذلك الكراهة، أو أنهم يطفئون النار.

في الشتاء عند شدة البرد يوجد في بعض المساجد مدافئ أمام المصلين، هل يُكره وضع المدفأة أمام المصلين؟

المدفأة في الحقيقة كهرباء وليست نارًا؛ ولهذا لو وضعت عندها ورقةٌ؛ نجد أنها لا تشتعل، لو كانت نارًا لاشتعلت، ولا تسمى نارًا في عرف الناس؛ وعلى هذا: لا بأس بوضع المدفأة أمام المصلين من غير كراهةٍ، لكن هناك أنواعٌ من المدفأة الغازية يَظهر منها نارٌ ولهبٌ، فهذه يُكره أن تكون أمام المصلي.

إذنْ المدفأة التي لا يظهر منها نارٌ ولا لهبٌ، هذه لا يُكره أن تكون أمام المصلين، أما إذا كانت مدفأةً يظهر منها لهبٌ ونارٌ؛ فهذه يُكره أن تكون أمام المصلي.

الأجهزة التي تقتل البعوض هذه ليست نارًا، وإنما تَقتل البعوض ونحوه من الحشرات بطريق الصعق الكهربائي، فهذه لا بأس بها؛ لأنها ليست نارًا حتى يقال: لا يعذِّب بالنار إلا ربُّ النار [45]، وإنما تَقتل بالصعق بالكهرباء.

الجمر الذي يوضع عليه البَخور هل يعد نارًا؟

هذا فيه تفصيلٌ؛ إذا كان هذا الجمر قد خَمَد؛ فلا حرج، أما إذا كان مُتَّقِدًا؛ فالظاهر أنه نارٌ، فينبغي عدم وضعه أمام المصلي؛ لأن نار المجوس لا تكون دائمًا مشتعلةً، بل تارةً تكون نارًا، وتارةً تكون جمرًا.

وما يُلهيه.

أي: يُكره استقبال المصلي ما يلهيه ويشغله عن صلاته؛ لأن ذلك ينافي الخشوع أو يضعفه، وهذه القاعدة: أن كل ما أشغل المصلي وألهاه؛ فيُكره أن يستقبله المصلي.

مس الحصى وتسوية التراب

ومس الحصى، وتسوية التراب بلا عذرٍ.

أي: يُكره مسُّ الحصى وتسوية التراب أمامه، إذا كان يصلي مثلًا على ترابٍ، كما لو كان في البرية ونحوها، فيُكره له أن يمس الحصى، وأن يسوي التراب حين يسجد؛ لأن ذلك نوعٌ من العبث، قد جاء في حديث مُعَيقيبٍ  قال: سألت رسول الله عن مس الحصى في الصلاة، قال: إن كنت لا بد فاعلًا فواحدةً [46]، رواه البخاري ومسلمٌ، وجاء عنه أيضًا: في الرجل يسوي التراب حيث يسجد؟ قال: إن كنت فاعلًا فواحدةً [47]، لكن لو كان ذلك لعذرٍ؛ كأن يكون في موضع سجوده شوكٌ، أو حصًى، أو نحو ذلك، فلا بأس بتسوية التراب، لكن تكون مرةً واحدةً لا يكررها؛ لقوله: إن كنت فاعلًا فواحدةً.

التروُّح بمِروحةٍ بلا حاجةٍ

وتَرَوُّحٌ بمِروحةٍ.

التَّرَوُّح معناه: أن يروح الإنسان عن نفسه بمروحةٍ هكذا، أو بشماغه هكذا، وهو في الصلاة، يريد بذلك التبرد، فهذا معدودٌ من العبث، إلا إذا كان هناك حاجةٌ شديدةٌ؛ كحرٍّ شديدٍ يُذهب الخشوع، فلا بأس به بقدر ما يزيل شدة الحر، وفي وقتنا الحاضر مع وجود المكيفات والمراوح الكهربائية في المساجد لا حاجة لهذا الأمر، لكن نفترض أنه كان في مكانٍ شديد الحرارة، وشدة الحر تُذهب الخشوع فلا بأس بأن يُروِّح مثلًا بغترته أو شماغه هكذا، حتى يزيل الحر، فإذا كان لحاجةٍ؛ فلا يُكره، أما إذا كان لغير حاجةٍ؛ فإنه مكروهٌ.

فرقعة الأصابع

وفرقعة أصابعه.

يعني: يكره له أن يفرقع أصابعه؛ لأنه نوعٌ من العبث، الذي يُفرقع أصابعه هذا يعبث، وقد رُوي في ذلك حديثٌ لكنه ضعيفٌ: لا تُفقِّع أصابعك وأنت في الصلاة [48]، أخرجه ابن ماجه، لكنه حديثٌ ضعيفٌ.

تشبيك الأصابع

وتشبيكها.

أي: تشبيك الأصابع في الصلاة مكروهٌ، ويكره كذلك لمن خرج من بيته إلى الصلاة؛ لحديث كعب بن عجرة  أن النبي قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدًا إلى المسجد؛ فلا يُشبِّكنَّ بين أصابعه؛ فإنه في صلاةٍ [49]، أخرجه الترمذي وأحمد بإسنادٍ جيدٍ، وهذا يدلُّ على أنه يُكره تشبيك الأصابع عند الذهاب للمسجد، ومن باب أولى أنه يُكره أثناء الصلاة، أما بعد الصلاة فلا يكره؛ لقصة ذي اليدين؛ لما أتى النبي وصلى بهم إما صلاة الظهر أو العصر، صلى بهم ركعتين، ثم قام إلى خشبةٍ، وشبَّك بين أصابعه واتكأ عليها كأنه غضبان -هكذا، فوضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه إذنْ هكذا- فقام رجلٌ يقال له: ذو اليدين -كان في يديه طولٌ- فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: لم أنسَ ولم تقصر قال: بلى يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: أصدق ذو اليدين؟، كان في الصحابة أبو بكرٍ وعمر وأكابر الصحابة ، لكن هابوا أن يكلموه، قالوا: نعم يا رسول الله، صليت ركعتين، ثم قام وصلى ركعتين، ثم سجد للسهو [50].

الشاهد: أنه عليه الصلاة والسلام بعدما صلى ركعتين؛ قام إلى خشبةٍ واتكأ عليها، وشبَّك يده اليمنى على اليسرى، واتكأ عليها هكذا؛ فأخذ العلماء من هذا: أن تشبيك الأصابع بعد الفراغ من الصلاة لا بأس به؛ على ذلك نقول: تشبيك الأصابع في الصلاة له ثلاث حالاتٍ:

  • الحالة الأولى: أن يكون عند الذهاب للمسجد، أو عند وجوده في المسجد قبل إقامة الصلاة، فيكره تشبيك الأصابع.
  • الحالة الثانية: أن يكون أثناء الصلاة، فيكره تشبيك الأصابع كذلك.
  • الحالة الثالثة: أن يكون بعد الفراغ من الصلاة، فلا بأس به من غير كراهةٍ.

أما ما عدا هذه الأحوال فلا يكره، يبقى الأمر على الإباحة، بعض العامة يعتقد أنه عند عقد النكاح لا يشبك بين أصابعه، وهذا لا أصل له.

مس اللحية

ومسُّ لحيته.

لأن هذا من العبث؛ فيكون مكروهًا، كذلك مسُّ ساعته أو غترته أو لباسه، فنضع في هذا قاعدةً؛ وهي: أن كل فعلٍ ينافي الخشوع في الصلاة فهو مكروهٌ.

حكم الخشوع في الصلاة

لكن هذا يقودنا إلى معرفة حكم الخشوع في الصلاة:

الخشوع في الصلاة: هو حضور القلب والتذلل، وأن يعقل المصلي ما يقول، فالخشوع في الصلاة مستحبٌّ وليس واجبًا، وحكي إجماع العلماء على ذلك، حكاه النووي وغيره، ويدل لذلك قول النبي كما في حديث أبي سعيدٍ : إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراطٌ؛ حتى لا يسمع التأذين، فإذا قُضي النداء أقبل، حتى إذا ثُوِّب بالصلاة أدبر، حتى إذا قُضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك؛ فَلْيَبْنِ على ما استَيقَن، وليسجد سجدتين [51]، فهنا وصف النبي عليه الصلاة والسلام حالة المصلي هذه أنه قد بلغت به الوساوس إلى هذه الدرجة؛ أنه لا يدري كم صلى، ومع ذلك أمره بالسجود فقط، ولو كان الخشوع واجبًا؛ لأمره بإعادة الصلاة.

وعلى هذا: فالصلاة التي لا يخشع فيها المصلي من أولها إلى آخرها لا تُشرع إعادتها، لكن ليس له من الأجر إلا مقدار ما عَقَل منها، الصلاة التي لا يخشع فيها المصلي من أولها إلى آخرها لا يُشرع له إعادتها؛ لأنها صلاةٌ مكتملة الأركان والشروط والواجبات، لكن ليس له من أجر صلاته إلا بمقدار ما عقل منها؛ فإن عقلها كاملةً؛ كان له الأجر كاملًا، إن عقل النصف؛ كان له نصف الأجر، إن عقل الثلث؛ كان له ثلث الأجر، إن عقل العشر؛ كان له عشر الأجر، وهكذا، لكن قلنا: إنه لا تشرع إعادتها؛ لأنها صلاةٌ مكتملة الأركان والشروط والواجبات، وبرئت الذمة، ولأنه عليه الصلاة والسلام ذكر حالة الرجل الذي لا يدري كم صلى، يعني: بلغت به الهواجس والوساوس إلى هذه الدرجة، ومع ذلك لم يأمره بإعادتها، وإنما أمره بسجود السهو.

الصلاة التي يعقلها المصلي كاملةً يعني: يخشع فيها خشوعًا كاملًا، هذه أجرها عند الله عظيمٌ جدًّا، حتى قال بعض أهل العلم: إنها تُكفِّر كبائر الذنوب، وورد في هذه الصلاة قول النبي عليه الصلاة والسلام: أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مراتٍ، هل يَبقى من درنه شيءٌ؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فكذلك الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا [52]، رواه مسلمٌ، فهل يبقى من درنه شيءٌ؟ لو أن نهرًا يغتسل به كل يومٍ خمس مراتٍ، لا يَبقى من وسخه شيءٌ، لا كثيرٌ ولا قليلٌ، هكذا الصلوات الخمس، إذا خشع فيها خشوعًا كاملًا تُذهب جميع الذنوب، لكن الصلاة التي لم يخشع فيها الإنسان خشوعًا كاملًا، من أول تكبيرة الإحرام إلى أن سلَّم وهو في هواجس ووساوس.

بعض أهل العلم يقول: إنه لا يثاب عليها مطلقًا، لكن الأقرب -والله أعلم- أنه يثاب، لكن يؤجر عليها أجرًا بقدر قراءة القرآن، ونحو ذلك؛ لأنه لا بد أن يقرأ فيها القرآن؛ يقرأ الفاتحة، يقرأ سورةً بعدها، وقراءة القرآن يثاب عليها الإنسان ولو من غير تدبرٍ؛ ولذلك النبي في حديث عمارٍ  قال: إن الرجل لينصرف وما كُتب له إلا عُشر صلاته، ثم ذكر أجزاءً أكبر من العُشر، قال: تُسعها، ثُمنها، سُدسها، خُمسها، رُبعها، ثُلثها، نصفها [53]، فذكر أقل ما يثاب عليه، وهو العُشر؛ لأنه لا بد أن يقرأ الفاتحة، ويقرأ سورةً بعدها.

والظاهر: أنه سيثاب على هذه الصلاة، حتى لو لم يعقل منها شيئًا، لكن ليس ثوابهم مثل ثواب من عقلها، أو عقل أكثرها، فهذه الفائدة ذكرتها في “السلسبيل”، ثم قلت: وهذه فائدةٌ عزيزةٌ لم أرَ أحدًا نبه عليها.

والخشوعُ في الصلاة هو روح الصلاة، وهو لُبُّها، وهو المقصود الأعظم منها، وقد قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]، فعلى المسلم أن يحرص على تحقيق الخشوع في الصلاة، وإن يجاهد نفسه على ذلك.

طيب، إذنْ -أيها الإخوة- نكمل -إن شاء الله- حتى نقف على مبطلات الصلاة، فنكمل، ما بقي معنا تقريبًا إلا القليل، حتى نصل إلى موقف من مبطلات الصلاة.

كف الثوب والشعر

وكفُّ ثوبه.

أي: يكره في حق المصلي أن يكف ثوبه، قد ورد النهي عن ذلك في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: “أُمِر النبي أن يسجد على سبعة أعضاءٍ، ولا يكفَّ شعرًا ولا ثوبًا” [54]، وجاء عن عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما أنه رأى عبدالله بن الحارث يصلي ورأسه معقوصٌ من ورائه، فقام يَحُلُّه، فلما انصرف أقبل إلى ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: ما لك ورأسي؟ قال: إني سمعت رسول الله يقول: إنما مَثَل هذا، مَثَل الذي يصلي وهو مكتوفٌ [55]، رواه مسلمٌ.

على هذا: من كان شعره طويلًا فالسنة له أن يجعل الشعر يسجد معه، وكان العرب قديمًا يطيلون شعورهم، وكفُّ الشعر في هذه الحال نوعٌ من العبث، هذا ربما أيضًا المرأة، المرأة إذا صلت وشعرها طويلٌ فلا تكف شعرها وهي تصلي، على أن المرأة الأصل أنها تستر شعرها، لا تصلي امرأةٌ إلا بخمارٍ، كذلك أيضًا ثوبه لا يكفه أثناء الصلاة، ولا أكفَّ ثوبًا ولا شعرًا [56]، يجعل الشعر والثوب يسجدان معه، فلا يكف الشماغ، لا يكف الغترة، لا يكف العمامة، فكَفُّ هذه الأشياء مكروهٌ، لكن لو كانت غترة الإنسان أو شماغه مرسلًا، ثم كفه عند السجود -يعني: هي هكذا، ثم عندما أراد أن يسجد قال بها هكذا- الظاهر أنه يدخل في كف الثوب، السنة: أن يجعل الغترة أو الشماغ يسجد معه، أما لو دخل في الصلاة والغترة أو الشماغ وراءه أو على ظهره؛ فلا بأس، يعني: دخل في الصلاة، كبَّر والغترة هكذا، كبَّر، لا حرج؛ لأن الغترة تُلبس على عدة صفاتٍ؛ منها هذه الصفة، ومنها هذه الصفة، ومنها صفاتٌ أخرى، فهذا لا يُعتبر من الكف؛ من الكف إذا كنت تصلي هكذا، ثم كففتها هكذا، هذا يدخل في النهي عن كف الثوب.

ومتى كثر ذلك عرفًا؛ بطلت.

وسيأتينا الكلام عن ضابط الحركة الكثيرة المبطلة للصلاة، سأتكلم عنها في الدرس القادم بالتفصيل إن شاء الله، نعطيكم ضابطًا للحركة التي تُبطل الصلاة.

تخصيص الجبهة بما يسجد عليه

وأن يخص جبهته بما يسجد عليه.

نص على هذا الفقهاء؛ لأن هذا أصبح شعارًا للرافضة، فهم يكون معهم حصًى أو شيءٌ يسجدون عليه، وهذا من البدع، ومطلوبٌ من المسلم أن يبتعد عن مشابهة أهل البدع.

مسح أثر السجود

وأن يمسح فيها أثر سجوده.

وأن يمسح فيها أثر سجوده، يعني: يُكره في حقه إذا سجد أن يمسح أثر السجود، قد رُوي في ذلك حديثٌ، لكنه ضعيفٌ: إن من الجفاء أن يُكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من صلاته [57]، لكن قد يقال بكراهة مسح أثر السجود في الصلاة إذا كان لغير حاجةٍ؛ لأنه عبثٌ، ليس لهذا الحديث؛ فهو ضعيفٌ، لكنه عبثٌ.

الاستناد في الصلاة

وأن يستند بلا حاجةٍ.

إن استند على جدارٍ أو على عمودٍ خلفه استنادًا يسيرًا بغير حاجةٍ؛ فيكون هذا مكروهًا؛ لأنه يزيل مشقة القيام الذي يثاب عليه الإنسان، أما مع الحاجة فلا بأس؛ لحديث أم قيسٍ بنت مِحْصَنٍ رضي الله عنها، أن رسول الله لما أسن وحمل اللحم اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمد عليه [58]، أخرجه أبو داود.

ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام كان يطيل القيام؛ ولهذا لما أسن ربما شق عليه القيام، كان تارةً يصلي قاعدًا، وربما أحيانًا اتخذ عمودًا يستند عليه.

الضابط في الاستناد المبطل للصلاة

فإذا استند بحيث يقع لو أزيل ما استند إليه؛ بطلت.

هنا استدرك المؤلف فقال: إن الاستناد بلا حاجةٍ أنه مكروهٌ، لكن قد يُبطل الصلاة، متى؟ إذا استند بحيث يسقط لو أزيل الشيء الذي استند عليه، فإذا كان يعتمد عليه اعتمادًا كليًّا، بحيث لو أُزيل هذا العمود لسقط؛ فإن صلاته لا تصح إذا كانت فريضة؛ لأنه بمنزلة غير القائم، فإنه معتمدٌ اعتمادًا كليًّا على هذا العمود.

فالضابط في الاستناد المبطل للصلاة عبَّر عنه المؤلف بقوله: “لو أزيل ما استند عليه لسقط”، أما لو اعتمد في صلاة النافلة على عمودٍ، بحيث لو أزيل ما اعتمد عليه لسقط؛ فصلاته صحيحةٌ: لماذا؟ لأن القيام في صلاة النافلة ليس واجبًا، فضلًا عن أن يكون ركنًا، وإنما هو مستحبٌّ؛ فيكون حكمه حكم القاعد، والمصلي إذا صلى قاعدًا من غير عذرٍ؛ كُتب له نصف أجر القائم، وإذا كان لعذرٍ؛ كُتب له الأجر كاملًا.

الحمد والاسترجاع في الصلاة

وحَمْده إذا عَطَس.

يعني: يُكره للمصلي أن يحمد الله إذا عَطَس؛ خروجًا من الخلاف؛ لأن بعض أهل العلم قالوا: إذا عطس فقال: الحمد لله، بطلت صلاته، قال بعض أهل العلم: إنه لا يكره، وهو مذهب الشافعية، بل قال بعضهم: إنه مستحبٌّ، وهذا هو الأقرب والله أعلم؛ وذلك لقصة معاوية بن الحكم : لما صلى مع النبي فعطس رجلٌ من القوم، فقال: يرحمك الله، قال: فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وا ثُكْلَ أُمِّيَاه! ما شأنكم تنظرون إلي؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم يصمتونني، فلما صلى رسول الله ، بأبي هو وأمي! ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، والله ما كَهَرَني، ولا ضربني، ولا شتمني، إنما قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن [59]، رواه مسلمٌ.

فهنا رواية مسلمٍ لم يرد فيها أن العاطس حمد الله، لكن جاء في رواية أبي داود: “إذ عطس رجلٌ فحمد الله، فقلت: يرحمك الله”، في سندها مقالٌ، لكن رواية مسلمٍ قد دلت على مشروعية الحمد لمن عطس بطريق الإشارة؛ لأن الظاهر أن معاوية  لم يكن يُشَمِّت العاطس حتى سمعه يقول: الحمد لله، ثم إنه جاء في حديث رفاعة بن رافعٍ  قال: «صليت خلف النبي ، فعطست فقلت: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبُ ربنا ويرضى، فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعةٌ وثلاثون ملكًا أيهم يصعد بها [60]، أخرجه النسائي، والظاهر أن رفاعة  عطس بعد الرفع من الركوع، فأتى بهذا الحمد، وأقره النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك.

وعلى هذا فالقول الراجح: أن من عطس في صلاته يُشرع له أن يحمد الله، ولا يشرع لمن سمعه أن يشمته وهو في الصلاة.

والفرق بينهما: أن حمد الله ذكرٌ لله، بينما التشميت كلام آدميٍّ، فـ”الحمد لله” ذكرٌ لله من جنس أذكار الصلاة، بينما التشميت كلام آدميٍّ، قال أبو داود في مسائله: سمعت أحمد سئل عن الرجل يعطس في الصلاة المكتوبة وغيرها؟ قال: يحمد الله ولا يجهر، قلت: يحرك بها لسانه؟ قال: نعم.

إذنْ السنة إذا عطس المصلي في الصلاة: أن يقول: الحمد لله، ولا يُشرع لمن حوله من المصلين أن يشمته، لا يشرع له أن يقول: يرحمك الله، الفرق بينهما: أن قول المصلي: الحمد لله، من جنس ذكر الله ، وأما قول من يشمته: يرحمك الله، فهذا من كلام الآدمي، والنبي عليه الصلاة والسلام أقر من عطس فقال: الحمد لله، ولم يقر معاوية بن الحكم على تشميته إياه، فقول: الحمد لله مشروعٌ لمن عطس وهو يصلي، أما تشميت الغير له فغير مشروعٍ.

أو وجد ما يسرُّه، واسترجاعه إذا وجد ما يغمه.

أي إنه إذا وجد ما يسره لا يحمد الله في الصلاة، وإذا وجد ما يغمُّه لا يسترجع في الصلاة، وإنما يجعل ذلك بعد الصلاة، فإن فعل ذلك فإن هذا مكروهٌ؛ لأن الأصل أن الصلاة يُمنع فيها من الكلام الذي هو من غير جنسها، لكن إذا مر بآيةٍ فيها سؤال الله ؛ فالسنة له أن يسأل الله من رحمته وفضله، وإذا مر بآيةٍ فيها ذكر النار؛ يستعيذُ بالله من النار، إذا مر بآيةٍ فيها ذكر الجنة؛ يسأل الله الجنة، لكن هل هذا مشروعٌ في أي صلاةٍ، أو يختص بصلاة الليل؟ الأقرب -والله أعلم- أن هذا يختصُّ بصلاة الليل؛ لأنه إنما ورد في صلاة الليل، ولم يرد في صلاة الفريضة، النبي كان يصلي بأصحابه خمس مراتٍ في اليوم والليلة، ولم يُنقل عنه ولو لمرةٍ واحدةٍ أنه فعل ذلك، ولو فعله لنقله الصحابة، قد نقلوا ما هو أقل من هذا، نقلوا اضطراب لحيته في الصلاة، فنقول: الأفضل في صلاة الفريضة أنه لا يفعل ذلك، إذا مر بآية عذابٍ؛ لا يتعوذ، إذا مر بآيةٍ فيها ذكر الجنة؛ لا يدعو بسؤال الجنة، إذا مر بآيةٍ فيها ذكر النار؛ لا يستعيذ بالله من النار، في صلاة الفريضة يسكت؛ لأن هذا لم يرد، أما في صلاة النافلة فالسنة أن يفعل ذلك، إذا مر بآيةٍ فيها ذكر الجنة؛ يسأل الله الجنة، إذا مر بآيةٍ فيها ذكر النار؛ يستعيذ بالله من النار، إذا مر بآيةٍ فيها عذاب؛ تعوذ، وهكذا، لكن مع ذلك لو فعل هذا إنسانٌ في صلاة الفريضة لا يُنكَر عليه؛ لأن الأصل: أن ما صح في النفل صح في الفرض إلا بدليلٍ.

فعلى هذا نقول: إن هذا من قبيل الجائز غير المشروع، يعني: يجوز فعله في الفريضة والنافلة، لكنه غير مشروعٍ في الفريضة، يعني: بعض الناس -خاصةً بعض كبار السن- إذا سمع آيةً مثلًا فيها عذابٌ؛ قال: أعوذ بالله من النار، فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى [الليل:14]، قال: أعوذ بالله من النار، مثلًا ورد ذكر الجنة؛ قال: أسأل الله من فضله، أسأل الله الجنة، لا ينكر عليه، لكن عند التحقيق: الأقرب للسنة أن هذا إنما يُفعل في صلاة الليل خاصةً، ولا يُفعل في صلاة الفريضة؛ لأن فعل النبي سُنَّةٌ، وتركه سنةٌ.

ونكتفي بهذا القدر في التعليق على “السلسبيل”.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الآن نجيب على ما تيسر من الأسئلة.

الأسئلة

السؤال: ما الدليل على استحباب رفع اليدين في التكبير بعد التشهد الأول؟

الجواب: ورد ذلك في حديثٍ وسنده صحيحٌ، أنه عليه الصلاة والسلام كان يرفع يديه عند قيامه من التشهد الأول [61].

السؤال: ذكرتم أن كراهة الحكم الشرعي لا تثبت إلا بدليلٍ، فما الدليل على كراهة الاقتصار على الفاتحة في الصلاة؟

الجواب: الدليل أن هذا خلاف هدي النبي عليه الصلاة والسلام، النبي لم يُنقل عنه ولو لمرةٍ واحدةٍ أنه اقتصر على قراءة الفاتحة في صلاة الفريضة، إنما كان يقرأ ما تيسر من القرآن بعد قراءة الفاتحة.

السؤال: ما حكم الصلاة أمام المرآة التي تعكس صورته ومن خلفه؟

الجواب: إذا كانت المرآة تشغله عن الصلاة وتفوت الخشوع أو بعضه؛ فالصلاة أمامها مكروهةٌ، أما إذا كانت لا تشغله؛ فلا حرج.

السؤال: ما حكم شراء كتيبات التخفيضات والخصومات التي يُمكن من خلالها الحصول على تخفيضٍ في مطاعم محددةٍ؟

الجواب: التخفيض إذا كان بمبلغٍ ماليٍّ فلا يجوز، إذا كان الإنسان يشتري دفتر التخفيض بمبلغٍ ماليٍّ فإن هذا لا يجوز، سواءٌ كان كوبوناتٍ، أو كان دفترًا، أو كان بطاقاتٍ، صدر في هذا قرار “المجمع الإسلامي”، و”رابطة العالم الإسلامي”؛ أن بطاقات التخفيض وما في حكمها إذا كانت برسومٍ فإنها لا تجوز؛ لأنه قد يغنم، وقد يغرم، قد يربح، وقد يخسر، فهو قد دخل في عقد معاوضةٍ، وهو مترددٌ بين الغُنم والغُرم؛ فلا يجوز، أما إذا كان التخفيض مجانيًّا فلا بأس، إذا كانت البطاقة أو الدفتر أو نحو ذلك يُمنح مجانًا؛ فلا بأس، أما إذا كانت برسوم؛ فإنها لا تجوز.

السؤال: ما حكم إعطاء الوالدين من الزكاة؟

الجواب: ذَكَر الفقهاء أن عمودي النسب (الوالدين والأولاد) لا يُعطَون من الزكاة، هؤلاء إذا احتاجوا؛ يعطيهم الإنسان من حُر ماله وليس من الزكاة، الزكاة هي أوساخ المال؛ فلا تُعطى للوالدين ولا للأولاد.

السؤال: ما ضابط “الغارم” الذي تحل له الزكاة؟

الجواب: ضابط الغارم الذي تحل له الزكاة: هو الذي تَرَتَّب في ذمته دينٌ عاجزٌ عن سداده؛ بحيث لو أن الدائن قدَّم فيه شكايةً؛ لحُبس بسبب ذلك الدين، فهذا يُعطَى من الزكاة بقدر ما يسدد دينه، وليس كل غارمٍ تحل له الزكاة، بعض المدينين يكون عندهم قدرةٌ على السداد ولو بجدولة مرتبه أو تقسيطه، هذا لا يُعطَى من الزكاة، ويُنظر إلى دخله، وإذا كان عنده قدرةٌ على جدولة دينه؛ فلا يُعطَى من الزكاة، معظم التجار الآن يكون عليهم ديونٌ، ليس كل مدينٍ يُعطَى من الزكاة، إنما المدين الذي يُعطَى من الزكاة هو من حَلَّ عليه دينٌ وهو عاجزٌ عن سداده، فيُعطَى من الزكاة بمقدار ما يُسدد الدين.

السؤال: هل ورد عن النبي أنه كان يقرأ سورة الكهف كل جمعةٍ؟

الجواب: ورد ذلك، لكن الحديث في سنده مقالٌ، والأقرب -والله أعلم- عدم ثبوته، ولكن مع ذلك هناك من أهل العلم من قال بثبوته، ومسألة التصحيح والتضعيف من الأمور النسبية، فمن فعل ذلك فلا يُنكَر عليه، ولكن عند التحقيق: الأقرب عدم ثبوت ذلك، وأن سورة الكهف تُقرأ في أي يومٍ، ولا يختص ذلك بيوم الجمعة.

السؤال: من صلى الوتر ثلاث ركعاتٍ بسلامٍ واحدٍ، هل يجلس للتورك أو يفترش؟

الجواب: الله أعلم لم يتحرر لي فيها شيءٌ.

السؤال: إذا قام المصلي للركعة الثالثة في قيام الليل، هل يكمل أو يرجع؟

الجواب: قال الإمام أحمد: إذا قام المصلي لثالثةٍ في صلاة الليل، فكأنما قام لثالثةٍ في صلاة الفجر، الواجب عليه أن يرجع، ويسجد للسهو، إلا إذا نوى من البداية أن يجعلها ثلاث ركعاتٍ، يعني: يصلي من الليل ثلاث ركعاتٍ بتشهدٍ واحدٍ وبسلامٍ واحدٍ؛ هنا لا بأس، أما إذا حصل منه ذلك سهوًا؛ فإنه يرجع ويسجد للسهو.

السؤال: وضع لي الطبيب جبسًا، وكنت في الأيام الأولى لا أمسح على الجبس ولا أغسل ما يظهر من الأصابع؟

الجواب: عليك أن تعيد هذه الصلوات؛ لأن الطهارة ناقصةٌ، كان عليك أن تسأل، كان ينبغي عليك أن تسأل، فتعيد الآن هذه الصلوات بحسب استطاعتك، يعني: كل يوم تُصلي ما تيسر، حتى يغلب على ظنك أنك قضيتها.

السؤال: إذا أراد المسافر أن يقصر الصلاة، ثم قام للثالثة نسيانًا، فهل يرجع أم يكمل الصلاة؟

الجواب: يرجع ويسجد للسهو؛ لأنه إنما نوى أن يقصر الصلاة.

السؤال: ما هو الراجح في إزار الإحرام الذي يوجد في أعلاه مطاط، هل هو من المخيط؟

الجواب: يعني هناك صورتان:

  • الصورة الأولى: الإحرام الذي على شكل تَنُّورةٍ، يعني: يكون محيطًا من جميع الجوانب، ليس له فتحةٌ، فهذا محل خلافٍ بين العلماء المعاصرين، والقول الراجح وهو قول أكثر العلماء: أنه لا يجوز للمحرم لبسه، وأنه من المخيط.
  • الصورة الثانية: أن يكون الإحرام مفتوحًا، لكن يوضع له مطاطٌ، بحيث يستطيع عن طريق الشمع أن يفتحه، وأن يضع هذا الشمع لفتحه وإغلاقه، فهذا لا بأس به؛ لأنه فرق بين هذا المطاط وبين الكمر أو الحزام، فهذا لا بأس به، المهم في الإزار أن يكون مفتوحًا، ولا يكون محيطًا من جميع الجوانب.

ونكتفي بهذا القدر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 739، ومسلم: 390.
^2 رواه مسلم: 391.
^3 رواه أحمد: 18873.
^4 رواه البخاري: 740.
^5 رواه أبو داود: 727، والنسائي: 888.
^6 رواه أبو داود: 756، وأحمد: 875، والدارقطني: 1098.
^7 رواه ابن خزيمة: 479.
^8 رواه أبو دود: 990، والنسائي: 1275، وأحمد: 16100/ 2.
^9 رواه البخاري: 750، ومسلم: 428.
^10 رواه البخاري: 790، ومسلم: 535.
^11, ^26 رواه مسلم: 498.
^12, ^25 رواه البخاري: 828.
^13 رواه ابن ماجه: 872.
^14 رواه أبو داود: 838، والترمذي: 268، والنسائي في “السنن الكبرى”: 680، وابن ماجه: 882، وقال الترمذي: حسن.
^15 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 2635، وأبو يعلى: 6540.
^16 رواه البخاري: 812، ومسلم: 490.
^17 رواه أبو داود: 859.
^18 رواه البخاري: 390، ومسلم: 495.
^19 رواه مسلم: 496.
^20 رواه مسلم: 486، بنحوه.
^21 رواه ابن حبان: 1933، وابن خزيمة: 654، والحاكم: 832، والبيهقي في السنن الكبرى: 2719.
^22, ^23 سبق تخريجه.
^24 رواه البخاري: 824.
^27, ^28 رواه مسلم: 579.
^29 رواه مسلم: 580.
^30 رواه النسائي: 889.
^31 رواه مسلم: 582.
^32 رواه أبو داود: 996، والنسائي: 1323، وأحمد: 4280.
^33 رواه البخاري: 751.
^34 رواه الترمذي: 2863، وقال: حسن صحيح.
^35 رواه مسلم: 2203.
^36 رواه البخاري: 516، ومسلم: 543.
^37 رواه البخاري: 822، ومسلم: 493.
^38 رواه أبو نعيم في حلية الأولياء: 10/ 230.
^39 رواه البخاري: 1220، ومسلم: 545.
^40 رواه مسلم: 2995.
^41 رواه الترمذي: 2746، وقال: حديث حسن.
^42 رواه البخاري: 373، ومسلم: 556.
^43 رواه أبو داود: 694.
^44 رواه البخاري: 382، ومسلم: 512.
^45 رواه أبو داود: 2673.
^46 رواه البخاري: 1207، ومسلم: 546.
^47 رواه مسلم: 546.
^48 رواه ابن ماجه: 965.
^49 رواه الترمذي: 386، وأحمد: 11512.
^50 رواه البخاري: 482، ومسلم: 573.
^51 رواه البخاري: 608، ومسلم: 389.
^52 رواه البخاري: 528، ومسلم: 667.
^53 رواه أبو داود: 796.
^54 رواه البخاري: 809، ومسلم: 490.
^55 رواه مسلم: 492.
^56 رواه البخاري: 816، ومسلم: 490.
^57 رواه ابن ماجه: 964.
^58 رواه أبو داود: 948.
^59 رواه مسلم: 537.
^60 رواه الترمذي: 404، والنسائي: 931، وقال: حسن.
^61 رواه أبو داود: 744، والترمذي: 3423، وابن ماجه: 864.