جدول المحتويات
- تتمة مفطِّرات الصيام
- أثر الإبر على صحة الصيام
- حكم بخار الأكسجين للصائم
- حكم استعمال منظار المعدة للصائم
- حكم خلع السن أثناء الصيام
- أثر استعمال الفرشاة أو المعجون على الصيام
- أثر لصقات منع الحمل على الصيام
- حكم استعمال البنج أو المخدر أثناء الصيام
- أثر استعمال السواك المعطَّر على الصيام
- هل حَقْن الدم يُفسد الصوم؟
- حكم الجماع في نهار رمضان، والآثار المترتبة عليه
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم: (مجالس الفقه).
(مجالس الفقه) برنامجٌ يُذاع عبر أثير "إذاعة القرآن الكريم" نتدارس فيه شيئًا من المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة التي يكثر السؤال عنها ويحتاج إلى معرفتها المسلم، يصحبنا في هذا البرنامج فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين، فباسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا بكم.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: أحسن الله إليكم.
تتمة مفطِّرات الصيام
شيخنا، في حلقةٍ ماضيةٍ وما قبلها كنا ولا يزال الحديث عن المسائل المتعلقة بباب الصيام، ووصل بنا الحديث إلى ذكر شيءٍ من المفطِّرات التي يكثر السؤال عنها، ولعل مما يُسأل عنه أيضًا في هذا الباب: ما يتعلق بالإبر، هل استعمال الإبر حال الصيام مفسدٌ للصوم؟
أثر الإبر على صحة الصيام
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فسبق في حلقةٍ سابقةٍ أن ذكرنا ضابط ما يحصل به التفطير للصائم، وأن القول الراجح هو ما ذكره الإمام ابن تيمية رحمه الله من أن الضابط: هو ما كان منصوصًا عليه أو في معنى المنصوص؛ وعلى ذلك: عندما ننظر لهذه الإبر التي يأخذها الصائم وقت الصيام؛ إن كانت هذه الإبر مغذِّيةً؛ فهذه في معنى المنصوص عليه، في معنى الأكل والشرب، فيَفسُد بها الصوم؛ لأنها تقوم مقام الطعام والشراب؛ ولذلك نجد أن بعض المرضى يستغنون بالمغذيات عن الأكل والشرب، وربما يبقون مددًا طويلةً وهم على هذه المغذيات، لا يأكل ولا يشرب، لكنه يعيش على هذا المغذِّي؛ وهذا دليلٌ على أن هذا المغذِّي وهذه الإبر المغذِّية تقوم مقام الطعام والشراب، فهي مفسدةٌ للصيام.
كذلك أيضًا هناك نوعٌ من الإبر في معنى الإبر المغذِّية: وهي ما تُسمى: إبر (الفيتامينات)، إبر (الفيتامينات) هذه قد تُعطى لبعض الناس، خاصةً عندما يكون عنده ضعفٌ، أو عنده دُوَارٌ، أو نحو ذلك، فبعض المستشفيات والمستوصفات يُعطون هذا الشخص إبرةَ (فيتامينات) لأجل التنشيط والتقوية ونحو ذلك، إبر (الفيتامينات) أيضًا تُفسد الصوم؛ لأنها في معنى الإبر المغذية؛ ولذلك يجد الإنسان أثرها، عندما يُعطاها؛ يجد خفةً ونشاطًا وتأثيرًا أيضًا على مستوى السكر ونحو ذلك.
أما إذا كانت الإبر غير مغذيةٍ، يعني مجرد إبرٍ علاجيةٍ فقط، فهل هذه تُفسد الصوم أم لا؟
قياس أصول بعض الفقهاء أنها تُفسد الصوم؛ لأن عندهم: أن كل ما نفَذَ للجوف فإنه مفسدٌ للصوم، وبعض العلماء المعاصرين فرَّق بين ما يعطَى عبر الوريد، وما يعطى عبر العضل، فقال: ما يعطى عبر الوريد يُفسد الصوم، وما يعطى عبر العضل لا يفسد الصوم.
والقول الذي عليه أكثر العلماء المعاصرين، وهو القول الراجح: أن الإبر العلاجية غير المغذية لا تُفسد الصوم؛ وذلك لأنها ليست أكلًا ولا شربًا، وليست بمعنى الأكل والشرب؛ ولذلك من يُعطَى هذه الإبر العلاجية لا يجد نفس الأثر عندما يعطى الإبر المغذية، لا يجد أثر الغذاء عليه، إنما هو دواءٌ، إنما هي إبرةٌ علاجيةٌ يُعطاها، فهو دواءٌ أُدخل عن طريق هذه الإبر.
المقدم: أحسن الله إليكم، حتى لو كانت في الوريد علاجيةً لا تُفطر؟
الشيخ: هذا على القول الراجح، وإن كان بعض العلماء المعاصرين قال: إذا كانت في الوريد تُفسد الصوم، لكن نتمسك بالأصل: وهو صحة الصوم، وتصحيح عبادة المسلمين ما أمكن، والقول بأن هذه الإبر تُفسد الصوم لم يتضح؛ لأنها ليست أكلًا ولا شربًا، وليست بمعنى الأكل والشرب؛ وعلى ذلك فالقول الراجح: أن الإبر العلاجية غير المغذية كلها لا تُفسد الصوم.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم، مما يتصل بذلك، وهو حديثٌ كان في السابق ولا يزال: إبر لقاح (كورونا)، هل هي مفسدةٌ أو مؤثرةٌ على الصوم؟
الشيخ: لقاح (كورونا) هو من نوع الإبر العلاجية غير المغذية؛ ولذلك لا تُفسد الصوم، ولا بأس بها.
المقدم: أحسن الله إليكم.
حكم بخار الأكسجين للصائم
شيخنا، سبق وأن ذكرتم حكم بخاخ الربو، مما يتصل به أو هو قريب منه ويحتاجه بعض من يُصاب بالكتمة ونحو ذلك: بخار الأكسجين، هل هذا مفسدٌ للصوم؟
الشيخ: بخار الأكسجين هو في معنى بخاخ الربو، وسبق في حلقةٍ سابقةٍ أن فصَّلنا الكلام عن بخاخ الربو، وذكرنا أنه لا يُفسد الصوم؛ كذلك أيضًا بخار الأكسجين لا يُفسد الصوم؛ وذلك لأن معظمه يذهب للرئتين، وما قد يذهب منه إلى المعدة شيءٌ يسيرٌ جدًّا، وأقل مما يذهب إلى المعدة من ملوحة الماء التي تبقى بعد المضمضة في الوضوء، وهي يسيرةٌ ومعفوٌّ عنها بالإجماع؛ فكذلك ما قد يذهب من هذا الأكسجين إلى المعدة معفوٌّ عنه؛ لأنه يسيرٌ جدًّا، وهو أقل من أثر ملوحة الماء التي تبقى بعد المضمضة في الوضوء، والتي هي معفوٌّ عنها بالإجماع.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.
حكم استعمال منظار المعدة للصائم
شيخنا، أيضًا مما يُسأل عنه: استعمال منظار المعدة إذا كان المرء صائمًا؟
الشيخ: لو أن هذا المنظار سيدخل إلى المعدة من غير أن يصحبه شيءٌ من دُهنٍ أو ماءٍ أو غيره؛ فإنه لا يُفسد الصوم؛ لأنه مجرد منظارٍ أُدخل للمعدة، ثم أُخرج منها، فلا يُفسِد الصوم، ليس أكلًا ولا شربًا، ولا في معنى المنصوص عليه، إذا كان مجرد إدخالٍ لهذا المنظار إلى المعدة ثم إخراجه، من غير أن يصحبه شيءٌ؛ فلا يُفسد الصوم، لكن الواقع أن منظار المعدة تصحبه أشياء، يصحبه مواد، وهذا مؤثِّرٌ، فيصحبه دهنٌ، هذا المنظار يُدهَن؛ حتى لا يحصل التجريح لمن يُعمَل له هذا المنظار، أيضًا يصحب هذا المنظار في الغالب أنبوبٌ فيه ماءٌ لتنظيف ما قد يقع أمام كاميرا التصوير التي في المنظار، فإن هذا المنظار يكون معه كاميرا للتصوير، وهذه هي الفائدة من هذا المنظار، فهذه الكاميرا قد يحجبها بعض الشوائب، فيُوضع مع هذا المنظار أنبوبٌ فيه ماءٌ لتنظيفه؛ فعلى هذا يصحب هذا المنظار دهنٌ وماءٌ، فإذا كان هذا المنظار يصحبه هذا الدهن وهذا الماء المصاحب؛ فيفسُد الصوم، ليس لأجل إدخال هذا المنظار، ولكن لأجل الأمور المصاحبة له من الدهن ومن الماء، لكن لو أن مثلًا طبيبًا قال: أنا أستطيع أن أُدخل هذا المنظار للمعدة من غير أن يصحبه شيءٌ لا من دهنٍ ولا من ماءٍ ولا من أي شيءٍ آخر؛ نقول: الصوم صحيحٌ، لا يفسد الصوم، لكن هذا حسب إفادة المختصين متعذِّرٌ، والمنظار حتى يكون فاعلًا؛ لا بد أن يصحبه ماءٌ لتنظيف كاميرا هذا المنظار، ويصحبه أيضًا دهنٌ؛ لأجل التيسير على المريض حتى لا يكون فيه تجريحٌ له.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم هذا الجواب.
حكم خلع السن أثناء الصيام
أيضًا شيخنا مما يُسأل عنه: خلع السن في النهار أو أثناء الصيام؟
الشيخ: خلع السن في أثناء الصيام، وهكذا أيضًا ما يقوم به أطباء الأسنان من حشوة السن، وكذلك أيضًا قلع العصب ونحو ذلك، هذه كلها لا تُفسد الصوم، لكن لو صحب هذه الأمور أشياء من دمٍ ونحوه، فينبغي للصائم -بل يجب على الصائم- أن يلفظها وألا يبتلعها، والدم الذي يخرج مع قلع السن هو دمٌ يسيرٌ في الغالب.
المقدم: لا يأخذ حكم الحجامة؟
الشيخ: لا يأخذ حكم الحجامة، دمٌ يسيرٌ إن خرج، وتقدمت الآن عمليات تصليح أو معالجة الأسنان في الوقت الحاضر تقدمًا كبيرًا، أحيانًا أو في كثيرٍ من الأحيان لا يخرج دمٌ أصلًا، إن خرج دمٌ؛ فهو دمٌ يسيرٌ لا يُؤثِّر على صحة الصوم، إنما الدم الذي يؤثر على صحة الصوم هو الدم الكثير الذي في معنى دم الحجامة؛ فعلى ذلك: الدم المصاحب دمٌ يسيرٌ لا يُفسد الصوم، ما قد يخرج أثناء معالجة السن وأثناء قلع السن، هذه أشياء يلفظها الإنسان، إذا لفظها؛ فلا أثر لذلك على صحة الصوم؛ وعلى ذلك: فمعالجة الأسنان بالحشو وبقلع العصب وبالخلع هذه كلها لا تُفسد الصوم، لكن ينبغي لمن يقوم الطبيب بمعالجة سِنِّه أن يلفظ هذه الأشياء التي تكون في فمه، وألا يتعمَّد ابتلاع شيءٍ منها، ولو قُدِّر أنه ابتلع شيئًا بغير اختياره وبغير إرادته أو بطريق الخطأ؛ فصومه صحيحٌ.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.
أثر استعمال الفرشاة أو المعجون على الصيام
أيضًا شيخنا مما يتعلق بالأسنان: استعمال الفرشاة أو المعجون بالنسبة للصائم؟
الشيخ: استخدام الفرشاة والمعجون للصائم لا يُفسد الصوم، أما بالنسبة للفرشاة: فهي في معنى السواك، بل هي تُعتبر سواكًا؛ لأن السواك اسمٌ لما يُستاك به، أفضل ما يكون بعود الأراك، والفرشاة أيضًا مما يُستاك به، فالفرشاة لا تُفسد الصوم، وهذا ظاهرٌ، لكن المعجون المصاحب لاستخدام الفرشاة يجب على الصائم أن يلفظه بعد استخدامه، فإذا لفظه فالصوم صحيحٌ؛ لأن هذا المعجون هو أشبه بالمضمضة، وهي لا تُفطر الصائم ولا تُفسد الصوم بالإجماع؛ فكذلك هذه الفرشاة؛ وعلى ذلك: إذا كان الصائم يريد أن يستخدم الفرشاة مع المعجون ويلفظ المعجون؛ فنقول: لا بأس بذلك، ولا يفسد الصوم.
أثر لصقات منع الحمل على الصيام
المقدم: هناك نوعٌ من أنواع موانع الحمل التي يستعملها بعض النساء: وهو ما يُعرف بـ"اللصقات"، تُوضع على الجسد، فهل هذه لها أثرٌ في الصوم؟
الشيخ: هذه اللصقات التي يستخدمها بعض النساء لمنع الحمل ليس لها أثرٌ على الصوم، ولا تُفسد الصوم، وليس لها علاقةٌ بإفساد الصوم، وإنما أثرها يكون على الطهارة عند الغسل الواجب؛ كالغسل من الحيض ومن الجنابة، فهذه اللصقات لو نُزعت أثناء الغسل -كما يقول المختصون- بطل مفعولها، فلا بد أن تستمر، فإذا اغتسلت المرأة وعليها هذه اللصقات -اغتسلت غسلًا واجبًا؛ كغسل الحيض أو الجنابة- نقول: الذي يظهر -والله أعلم- أن حكمها حكم الجبيرة، فتمسح المرأة على هذه اللصقات ولا حرج عليها، كأنها وضعت لصقات جروحٍ، أو كأن عليها جبيرةً، فتمسح عليها وطهارتها صحيحةٌ.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم هذا البيان.
حكم استعمال البنج أو المخدر أثناء الصيام
شيخنا، مما يتصل بخلع السن ونحوه، وهو أوسع من ذلك: استعمال البنج أو المخدر، هل هو مؤثِّرٌ على الصوم؟
الشيخ: استعمال البنج ليس مؤثِّرًا على الصوم، ولا يُفسد الصوم، إلا إذا أُغمي على الصائم، وسبق أن ذكرنا في حلقةٍ سابقةٍ حكم أو أثر الإغماء على الصوم، وقلنا: إن كان الإغماء جميع النهار ولم يُفِق جزءًا منه؛ لم يصح الصوم، ويلزمه القضاء، أما إن أفاق جزءًا من النهار ولو زمنًا يسيرًا؛ فإن صومه صحيحٌ، وهكذا أيضًا بالنسبة للبنج، لكن أُنبِّه هنا على أنه إذا كان هناك بَنْجٌ، وأفاق جزءًا من النهار؛ نقول: إن صومه صحيحٌ بشرط: ألا يكون قد أُعطِيَ أشياء أخرى؛ لأنه أحيانًا يصحب البنج إعطاؤه مغذِّياتٍ، وقد ذكر لي بعض الأطباء ذلك، يقولون: عندما يُعطَى البنج؛ يصحبه أحيانًا أن يُعطَى أدويةً أو مغذِّياتٍ أو نحو ذلك، فإذا كان سيُعطى مع هذا البنج أدويةً أو مغذِّياتٍ أو نحو ذلك؛ فيفسُد الصوم لأجل هذه الأشياء المضافة، لكن لو قُدِّر أنه فقط يُبنَّج ويغمى عليه، أو لا يفيق جزءًا من النهار، وليس جميع النهار؛ فصومه صحيحٌ، أما إذا كان لم يُفِق جميع النهار؛ فصومه غير صحيحٍ، ويلزمه القضاء.
المقدم: إذنْ البنج الجزئي هذا لا يفسد الصوم، أما الذي يكون معه إغماءٌ: إن كان مستوعبًا لجميع النهار؛ فيفسد، وإلا فلا.
الشيخ: نعم، أولًا: البنج الذي لا يَفقد الإنسان معه الوعي، هذا لا يفسد الصوم قولًا واحدًا.
البنج الذي يذهب معه الوعي جزءًا من النهار: هذا أيضًا لا يُفسد الصوم، بشرط: أن يكون ذلك مقتصرًا على البنج ولا يصحبه مواد أخرى من مغذِّياتٍ ونحوها.
البنج الذي يفقد معه الوعي جميع النهار: هذا الذي يُفسد الصوم ويلزمه القضاء.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.
أثر استعمال السواك المعطَّر على الصيام
شيخنا، هناك نوعٌ من السواك يسمى بـ: "السواك المعطَّر"، ويُباع أحيانًا في بعض المراكز أو الصيدليات ونحوها، ما حكم استعماله؟ هل يُفسد الصوم؟
الشيخ: أولًا: السواك غير المعطر الذي يكون بعود الأراك ونحوه، هذا ليس له أثرٌ على الصوم، ولا يُفسد الصوم بل يستحب للصائم أن يستاك به -هذا على القول الراجح- ولا يُكره.
أما السواك المعطَّر -وهذا موجودٌ لدى بعض الصيدليات والمحلات، يكون السواك معطَّرًا- فإن كان الذي سيستاك به سيلفظ ريقه بعد السواك؛ فلا يفسد صومه، وهو كمعجون الأسنان الذي تكلمنا عنه قبل قليلٍ، أما إذا كان سيبتلع الريق بعد تنظيف الأسنان بالسواك المعطَّر، إذا كان سيبتلع الريق؛ فيفسُد صومه، لماذا؟ لأن هذا العطر مادةٌ لها طعمٌ، وتُشبه بعض المأكولات أو المشروبات من بعض الوجوه؛ ولهذا من أراد أن يستاك؛ فينبغي أن يستاك بسواكٍ غير معطَّرٍ، وإذا استاك بسواكٍ معطَّرٍ؛ فيجب عليه أن يلفظ ريقه وألا يبتلعه، وإلا فسد صومه.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.
هل حَقْن الدم يُفسد الصوم؟
أيضًا شيخنا مما يسأل عنه كذلك في باب المفطرات: حَقْن الدم، هل يُفسد الصوم؟
الشيخ: حقن الدم يُفسد الصوم؛ لأن الدم هو غاية الغذاء؛ فعلى ذلك: حقن الدم يُفسد الصوم، لكن عند الحاجة لو أن أحدنا احتاج أن يُحقَن بدمٍ؛ فلا بأس بذلك، لا بأس أن يُحقَن بهذا الدم، ويقضي هذا اليوم بعد رمضان، والله تعالى يقول: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، وهذا الذي احتاج إلى حقن الدم هو مريضٌ، أو في حكم المريض، فلا بأس أن يُحقَن بهذا الدم، لكن يَفسد صومه، ويجب عليه أن يقضي ذلك اليوم.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم.
حكم الجماع في نهار رمضان، والآثار المترتبة عليه
شيخنا، من المفطرات، بل عدَّه الفقهاء أنه أعظم المفطرات: الجماع في نهار رمضان، فلو بينتم لنا حكمه الشرعي، وما الآثار التي تترتب على هذا الفعل فيما لو وقع فيه الصائم؟
الشيخ: الجماع في نهار رمضان هو أعظم المفطرات، كما أنه في الحج أعظم المحظورات؛ ولهذا في الحج إذا وقع قبل التحلُّل الأول؛ فسد به النُّسُك، ومن جامع في نهار رمضان عالمًا مختارًا، وكذلك أيضًا إذا جُومعت المرأةُ عالمةً بالحكم مختارةً؛ فإنه أولًا: هذا العمل هذا محرمٌ ومن كبائر الذنوب، ويترتب عليه أمور؛ يترتب عليه أولًا: فساد الصوم، ويترتب عليه أيضًا: وجوب قضاء ذلك اليوم الذي فسد فيه الصوم، ويترتب عليه أيضًا: الكفارة المغلَّظة، وهي عتق رقبةٍ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، فيترتب عليه أيضًا: الإثم العظيم؛ ولذلك فعليه التوبة، على من وقع في ذلك التوبة إلى الله ، لاحِظ أن هذه الأمور كلها مترتبةٌ على ارتكاب هذا المُفسِد؛ ولذلك فهو أشدُّ مفطرات الصوم، والمرأة في ذلك كالرجل، بل في كثيرٍ من الأحيان يكون السبب في وقوع هذا الجماع المرأة؛ وذلك لأن المرأة لو أنها ابتعدت عن هذا الرجل ولم تتهيأ له؛ فإنه في الغالب لن يحصل هذا الأمر، وأيضًا بعض الناس تدَّعي أنها مُكْرَهةٌ، مع أن الإكراه الذي لا يترتب عليه شيءٌ هو الإكراه المُلجِئ؛ بحيث لا يكون لها أي اختيارٍ، أما مجرد أنه طلبها، أو رفع الصوت عليها، أو نحو ذلك؛ هذا لا يُعَدُّ إكراهًا، كان الواجب على المرأة أن تقوم من الفراش، وأن تبتعد عن هذا الرجل، وأن تَعِظه وأن تنهره ونحو ذلك، لكن كونها تُطاوعه وتقول: أنا غير راغبةٍ، تقصد بالإكراه: أنها غير راغبةٍ، هذا لا يُعتبر إكراهًا، فعليها ما على الرجل من أحكامٍ.
فإذنْ يترتب على هذا الجماع..، طبعًا نقصد بالجماع: الجماع الذي يكون معه إيلاجٌ، كما يقول الفقهاء: الحشفة فأكثر؛ لأن بعض العامة قد يفهم من الجماع..، وهذا قد حصل لبعض المستفتين، يأتي ويقول: إنه جامع أهله في نهار رمضان، وعندما يُستفسَر منه فإذا به يقصد المباشرة، فالمباشرة وما دونها غير داخلةٍ في هذا، إنما الجماع الذي يحصل معه الإيلاج تترتب عليه هذه الأمور:
- أولًا: الإثم، وعليهما جميعًا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى.
- ثانيًا: يجب عليهما أيضًا قضاء ذلك اليوم.
- ثالثًا: إمساك بقية ذلك اليوم أيضًا.
- رابعًا: الكفارة المغلظة، وهذه الكفارة: عتق رقبةٍ، ولا يوجد رقابٌ الآن، الرِّق انقرض في جميع دول العالم الآن، وأصبح ممنوعًا رسميًّا في جميع دول العالم، بل مجرَّمًا، ومن يفعل ذلك يُلاحق من قِبل المنظمات الدولية ونحوها، فالرِّق انقرض في العالم.
المقدم: حتى الدعاوى الموجودة الآن؛ ما يقال: إن هناك في البلد الفلاني يوجد..
الشيخ: لا، كل هذا لم يثبت، (وجود رِقٍّ شرعيٍّ) هذه مجرد دعاوى، وبعضها قد يكون غير شرعيٍّ، فالرق الآن انقرض؛ ولذلك فمن عليه كفارةٌ مغلظةٌ؛ يَعدِل مباشرةً لصيام شهرين متتابعين، ومن كان قادرًا على صيام شهر رمضان؛ فهو في الحقيقة قادرٌ على صيام شهرين متتابعين؛ ولذلك بعض العامة عندما يقال: عليك صيام شهرين متتابعين؛ يقول: لا أستطيع، وهو بقوله: لا أستطيع، يريد أن عليه مشقةً، والمشقة لا بد منها؛ لأن الذنب عظيمٌ، المشقة لا بد منها؛ ولذلك ينبغي للمفتي أن يسأله ويقول: هل أنت قادرٌ على صيام شهر رمضان؟ فإن قال: نعم؛ فيقال: معنى ذلك أنك مستطيعٌ أن تصوم شهرين متتابعين، ولا تبرأ ذمته إلا بذلك، لكن لو كان لا يستطيع أن يصوم؛ إما لمرضٍ أو لكِبَرٍ أو نحو ذلك؛ فينتقل إلى إطعام ستين مسكينًا، فهذه يُسميها العلماء الكفارة المغلظة، تكون على الجماع في نهار رمضان وتكون أيضًا على الظهار، والقتل الخطأ وشبه العمد يكون عليه عتق رقبةٍ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، لكن على خلافٍ بين الفقهاء؛ إن لم يستطع الصيام فهل يُطعِم أم لا؟ يعني هذه مسألةٌ خلافيةٌ.
المقدم: أحسن الله إليكم، المُجامِع في نهار رمضان يترتب على فعله أمورٌ؛ أولًا: استحقاق الإثم، وقضاء ذلك اليوم، أيضًا يُمسك بقية يومه.
الشيخ: نعم، يجب عليه أن يُمسك بقية يومه، وكذلك أيضًا الكفارة المغلظة، وقد وقع مثل هذا في عهد النبي كما جاء في "الصحيحين" عن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوسٌ عند النبي ؛ إذ جاءه رجلٌ فقال: يا رسول الله هلكتُ! قال: ما أهلكَك؟، قال: وقعت على امرأتي وأنا صائمٌ، فقال رسول الله : هل تجد رقبةً تُعتقها؟، قال: لا، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟، قال: لا، وفي روايةٍ: قال: "وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟!" [1]، لذلك قالوا: إن هذا الرجل عنده شَبَقٌ ولا يستطيع أن يصوم، فقال له النبي : هل تجد إطعام ستين مسكينًا؟، قال: لا، وفي رواية: قال: أعلى أفقَر مني يا رسول الله؟! فوالله ما بين لابَتَيْها -يعني الحَرَّتين- أهلُ بيتٍ أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي ، وقال: انتظر، قال: بينما نحن عند النبي إذ أُتِيَ بعَرَقٍ فيه تمرٌ -والعَرق: المِكْتَل- فقال : أين السائل؟، قال: أنا يا رسول الله، قال: خذه فتصدق به على أهلك، وضحك عليه الصلاة والسلام حتى بدت أنيابه [2].
هذا الرجل أتى النبي خائفًا، يقول: هلكت هلكت! ورجع وهو يضحك ومعه طعامٌ لأهله، حتى إنه جاء في بعض الروايات: أنه لما رجع؛ لَامَ أصحابه وقال: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند النبي السعة وحسن الرأي [3]؛ وهذا يدل على أن التائب ينبغي أن يُعامَل معاملةً خاصةً، وأن يُترَفَّق به، وألا يُوبَّخ ولا يُعنَّف، فلاحِظ أن النبي في هذه القصة لم يُعنِّف هذا الرجل بكلمةٍ، وإنما بيَّن له الحكم الشرعي فقط؛ وذلك لأنه أتى تائبًا، فالذي يأتي تائبًا ينبغي أن يُشجَّع على التوبة، وأن يُترَفَّق به، وألا يُعنَّف، هذا هو هدي النبي .
ودلَّت هذه القصة على أن هذه هي الكفارة لمن جامع أهله في نهار رمضان، لكن قد يَرِد سؤالٌ: وهو أن النبي أمره بالكفارة ولم يأمر زوجته بذلك؟ قيل: إنها لم تسأل، ولم يعلم النبي عن حالها، وهل هي جاهلةٌ أو غير جاهلةٍ، وهل هي مكرهةٌ أو غير مكرهةٍ، إنما أفتى من سأله فقط، وقيل: إن هذا الرجل سيَنقل هذه الفتوى لزوجته، وربما أن النبي لما رأى فقر هذا الرجل وفقر زوجته أيضًا؛ رأى أن الكفارة سقطت عنه، فمن باب أولى أنها ستسقط عن زوجته.
وبكل حالٍ: لا دلالة في هذه القصة على أن الكفارة إنما تلزم الرجل دون المرأة، بل تلزم الرجل والمرأة، كما عليه جماهير أهل العلم، لكن بشرط: أن تكون المرأة مطاوعةً عالمةً مختارةً.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم شيخنا هذا البيان.
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام هذه الحلقة، فأسأل الله أن يجزي شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان خير الجزاء، فشكر الله لكم شيخنا.
الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
المقدم: والشكر لكم أيضًا أنتم -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- على حسن استماعكم وإنصاتكم.
كما أشكر من قام بتسجيل هذه الحلقة.
إلى أن ألتقيكم في حلقةٍ قادمةٍ -بإذن الله - نستكمل فيها شيئًا من المسائل الفقهية والمسائل المتعلقة بالصيام، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.