المقدم: مرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى هذه الفقرة الأسبوعية (زدني علمًا) مع معالي الشيخ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة في جامعة الإمام، حياك الله يا شيخ سعد.
الشيخ: حياكم الله، وحيا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: توجيه شرعي في القرآن الكريم “الإعراض عن الجاهلين” ويصادف الإنسان في يومه، وفي عمله، وفي الشارع، وفي كل مكان، حتى في مواقع التواصل يعني يصادف أنواعًا شتى من هؤلاء الجاهلين، فكيف يكون هذا الإعراض عنهم؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الإنسان في تعامله مع الآخرين لا بد أن يواجه شرائح مختلفة، وعقليات متفاوتة، ومن هذه الشرائح شريحة الجاهلين، أو من يسمون بالشخصيات الصعبة الذين لا يتفاهمون، ولا يتعقلون، ويفترضون أن الحق معهم دائمًا، فيواجه هذه الطبقة من المجتمع، فكيف يتعامل معها؟
إذا واجه هذه الطبقة وتعامل معها بنفس التعامل، أو كانت ردة الفعل منه بمثل ما يواجهونه به، فإن هذا مما يسبب كثيرًا من المشاكل، وكثير من حوادث القتل والحوادث الكبيرة تجد أن سببها هو عدم إحسان التعامل مع مثل هذه الشخصيات الصعبة، وهؤلاء الجاهلين.
ما الموقف الشرعي الصحيح للتعامل مع هذه الشريحة، وهذه الطبقة من المجتمع؟
الموقف الصحيح ذكره ربنا في قوله: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان:63]، وأيضًا في قوله: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]؛ فالمطلوب هو الإعراض عن هذه الطبقة، وألا يقابل السوء بمثله، وألا يقابل الشر بمثله.
شخص جاهل تكلم عليك بكلمة نابية، أعرض عنه واتركه، فإن هذا لن يقلل من شأنك، بل وفي الوقت نفسه يحتوي الشر، ويحتوي المشكلة، لكن عندما تسمع منه هذه الكلمة، تقابل هذه الكلمة بمثلها أو أسوأ، ثم يأتي هو بكلمة أسوأ منها، ثم يتطور النقاش، وربما يتحول إلى التشابك بالأيدي، وربما يتحول إلى أمور خطيرة.
فلو أن الإنسان انسحب من البداية، وأعرض عن هذا الجاهل؛ لسلم من الشرور، وكان خيرًا له، ذكر لي أحد الإخوة يقول: كنت مرة أسير في الطريق، يقول: وإذا بشخص من الناس نزل يريد المضاربة، يقول: ولا أدري ما هو الخطأ الذي ارتكبته، لكن يبدو أنه فهم أني قد أخطأت عليه بالسيارة، يقول: فنزل وهو يريد المضاربة، فرفعت يدي واعتذرت منه، يقول: فابتسم وابتسمت، واحتوينا هذا الخلاف، يقول: ماذا لو أنني نزلت وتشابكت معه باليدين.
المقدم: أنت لما قلتَ: ورفع يده، قلتُ: الله يستر.
الشيخ: لا، يقول: لو أنني تشابكت معه، وحصلت مضاربة ربما تنتهي بالقتل، ربما تنتهي بالسجن، ربما تنتهي بأمور لا تحمد، فقلت له: إن موقفك هذا، وتصرفك هذا هو في حقيقة الأمر يعتبر شجاعة.
فالإنسان يعرض عن مثل هذه الشخصيات الصعبة، بل إن هناك مقام آخر، لكنه مقام لا يوفق له إلا ذو حظ عظيم، وهو دفع السيئة بالحسنة، كما قال ربنا : ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34]، تنقلب عداوة الذي عاداك إلى صداقة كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
لكن هذه الخصلة صعبة جدًّا على النفوس؛ ولهذا قال ربنا : وَمَا يُلَقَّاهَا [فصلت:35] يعني: وما يلقى هذه الخصلة، وهي دفع السيئة بالحسنة وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا [فصلت:35] لأنها تحتاج إلى صبر عظيم، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35] أي: ذو نصيب وافر من الأخلاق العظيمة الحسنة.
فهذه مرتبة أعلى من مرتبة الإعراض عن الجاهلين، عندنا الآن مرتبتان:
مرتبة الإعراض عن الجاهلين هذه مرتبة حسنة وطيبة، لكن أعلى منها دفع السيئة بالحسنة، لكن المهم هو ألا تقابل الإساءة بمثلها، وألا يقابل هذا الجاهل بجهله؛ لأنه إذا قابل الإنسان هذا الجاهل بجهله في الحقيقة أنه سيخسر كثيرًا، وكما يقال في المثل: لا تجادل الأحمق فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما، الناس عندما يرون أنك تتعارك مع شخص هو المخطئ وهو الجاهل، لكن ما يفرقون، فقد يخطئ الناس بالتفريق بينكما، هذا الأحمق أو هذا الجاهل أعرض عنه، أعرض عنه وتحمل واصبر.
يعني ينبغي أيضًا أن يرفع المسلم مستوى الصبر لديه، مستوى الصبر بالنسبة لهذه الشريحة، وهذه الطبقة من المجتمع، إذا تعامل الإنسان بهذا التعامل، وهو قضية الإعراض عن الجاهلين، فإنه بإذن الله تعالى يسلم من شرور كثيرة.
ولهذا نرى كثيرًا من القضايا في المحاكم، بل حتى كثيرًا من قضايا القتل، بل لا أبالغ إن قلت أيضًا: كثيرًا حتى من قضايا الطلاق، سببها عدم إحسان التعامل مع الجاهل.
يسمع الإنسان كلمة غير مناسبة، كلمة نابية، ثم بعد ذلك يغضب غضبًا شديدًا، ثم يقابل هذه الإساءة بمثلها أو أشد، ثم يحتدم الخلاف ويشتد، ثم قد يتحول إلى ما لا تحمد عقباه، لو أنه من البداية انسحب، وأعرض عن الجاهلين، لكان هذا خيرًا له، وهذه هي الشجاعة الحقيقية.
المقدم: فعلًا هو توجيه قرآني الإعراض عن الجاهلين، خاصة لمن يستمعون إلينا الآن في الصباح، وزحمة الطرقات، يجب أن يستحضر الإنسان هذا التوجيه، حتى أولًا يرتقي بنفسه وبأخلاقه، ويسلم إن شاء الله من كل هذا، شكر الله لك هذا التوجيه، وهذه الكلمات معالي الشيخ الدكتور سعد.
الشيخ: وشكرًا لكم، وللإخوة المستمعين.
المقدم: وأنتم مستمعينا أيضًا لكم التحية من زميلي في تسجيل هذه الفقرة الزميل عثمان بن عبدالكريم الجويبر، والملتقى بكم إن شاء الله في الأسبوع القادم إلى اللقاء.