عناصر المادة
المقدم: حياكم الله مستمعينا الكرام إلى هذه الفقرة الأسبوعية “زدني علمًا”، مع معالي الشيخ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة في جامعة الإمام، حياك الله يا شيخ سعد.
الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: أهلًا ومرحبًا بك، شيخ سعد الأذكار هي حصن للمسلم في يومه وليلته، نريد أن نتحدث طبعًا نبدأ بفضل هذه الأذكار، ومسألة أيضًا فيها: هل هي بذاتها محصنة، أم يجب على المسلم أن يستشعر أثناء ترديدها أنه يدعو الله ؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فضيلة الذكر وما أعده الله من ثواب
فإن الذكر من أفضل الأعمال، بل إن الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى لما سُئل عن أفضل الأعمال بعد الفرائض، قال: هذا مما يختلف باختلاف أحوال الناس، ولا يمكن فيه جواب جامع مفصل، ولكن مما هو كالإجماع عليه بين العلماء أن ملازمة ذكر الله أنها من أفضل الأعمال.
وذكر الله تعالى قد رتب عليه الأجر العظيم، والثواب الجزيل، مع كونه عملًا يسيرًا، لا يكلف الإنسان شيئًا كثيرًا، أضرب لهذا مثالًا: جاء في صحيح مسلم: عن سعد بن أبي وقاص : أن النبي قال يومًا لأصحابه: أيعجز أحدكم أن يكسب في اليوم ألف حسنة قالوا: يا رسول الله كيف يكسب ألف سنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له بها ألف سنة، أو يحط عنه بها ألف خطيئة [1].
مجرد أن يقول: سبحان الله، سبحان الله يكررها مائة مرة، كم تأخذ من الوقت ومن الجهد؟ ومع ذلك يكسب عليها ألف حسنة، عندما يسبح مائة تسبيحة، يسبحها على أي حال، سواء أكان قائمًا، أو قاعدًا، أو مضطجعًا، أو في السيارة، أو في أي مكان، ومع ذلك يكسب ألف حسنة.
وهذا يدل على أن المسألة هي مسألة توفيق من الله ، وأن طرق الخير كثيرة ومتنوعة، فأقول: الذكر ورد فيه من الأجور العظيمة، والثواب الجزيل ما لم يرد في غيره.
الأذكار حصن المسلم
وهناك أذكار يتحصن بها المسلم، إذا قرأ هذه الأذكار في الصباح وفي المساء، فإنها تكون بإذن الله تعالى حصنًا حصينًا له من وقوع المكروه، على سبيل المثال: قراءة المعوذتين: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ؛ هاتان السورتان كما يقول ابن القيم تضمنتا الاستعاذة بالله تعالى من جميع الشرور التي في الدنيا، أي شر في الدنيا يخطر في بالك قد تضمنته هاتان السورتان، قد تضمنت الاستعاذة بالله منه، أي شر، فسبحان الله كيف أن الله تعالى جمع جميع الشرور التي في الدنيا، جمع الاستعاذة بالله تعالى من جميع الشرور التي في الدنيا في هاتين السورتين على وجازة ألفاظهما.
يعني هما في المصحف نصف صفحة تقريبًا، ما يكلف الإنسان يعني قراءتها أكثر من دقيقة، وربما أقل من دقيقة، ومع ذلك هي تحصن المسلم بإذن الله ، فيعني هذا على سبيل المثال.
مثلًا: من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم؛ لم يضره شيء [2]، ومن نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء [3].
قال القرطبي: “جربتها طيلة عمري، فلم يصبني شيء، ونسيتها ذات مرة، فلدغتني عقرب”؛ فانظر إلى أثر هذه الأذكار في تحصين المسلم.
والأصل أن الأذكار تحصن صاحبها إذا كانت مصحوبة بذكر القلب، أن يجتمع ذكر اللسان مع ذكر القلب، لكن ذكر القلب والاستحضار قد لا يتأتى للإنسان في كل حين، يعني النفس لها إقبال وإدبار، والنفس يعتريها ما يعتريها من الضعف من المرض، من الكسل، من الفتور، فقد لا تتأتى حالة الكمال والصفاء للنفس البشرية.
المطلوب من المسلم تجاه الأذكار
ولذلك مطلوب من المسلم أن يأتي بهذه الأذكار على أي حال، سواء في حال الصفاء، أو حتى في حال يعني في غير حال الصفاء، في حال مثلًا الفتور، في حال الكسل، في حال المرض يأتي بهذه الأذكار لا يدعها أبدًا، فإنها بإذن الله تعالى تحصن المسلم من الشرور التي في الدنيا.
فإذا أردنا أن ندخل في تفاصيل هذه الأذكار يعني سيتسع قد تحتاج منا وقتًا طويلًا، لكن أقول باختصار: هذه الأذكار في مجموعها هي تحصن المسلم من الشرور التي في الدنيا؛ لأن الإنسان يعيش في هذه الحياة، وتعتريه شرور كثيرة، يعتريه مثلًا الشيطان المس مثلًا، والله تعالى يقول: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27] الجن الذين يروننا ولا نراهم.
يعتريه العين، العين حق، كذلك أيضًا: السحر أيضًا، والله تعالى قال: مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102] فالسحر له أثر، حتى في التفريق بين المرء وزوجه.
كذلك يعني شرور كثيرة تعتري الإنسان في هذه الحياة، بعضها قد تكون ظاهرة، وبعضها قد لا تكون ظاهرة، فالمسلم إذا تحصن بهذه الأذكار، فإنها تكون بإذن الله تعالى حصنًا حصينًا له من هذه الشرور.
المقدم: الهدف المادي يا شيخ سعد لا بأس به عندما يستهدف الإنسان فقط أن يقول هذا الذكر حتى لا يصيبه هذا الشيء.
التشريك في النية
الشيخ: هذه المسألة يسميها العلماء مسألة التشريك في النية، يعني أن يريد الإنسان بهذا الذكر التقرب إلى الله ، ويريد فائدة دنيوية في تحصين نفسه من الشرور، هذه المسألة لا بأس بها، الصحيح من أقوال أهل العلم: أن التشريك في النية لا بأس به في مثل هذه الأمور.
وأدلة هذا كثيرة، منها قول الله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [نوح:10-12] فذكر الله تعالى الأموال، وذكر البنين، ورتبها على الاستغفار.
أيضًا قول النبي : من قتل قتيلًا له عليه بينة، فله سلبه [4]، مع إن إخلاص النية مطلوب في الجهاد إلى غير ذلك، وهذا يدل على أن مسألة التشريك في النية أنها لا بأس بها، وإن كان المطلوب هو أن تخلص النية لله .
لكن الرياء يحبطها، لكن التشريك في النية بين إرادة الثواب من الله ، وإرادة أمر من أمور الدنيا، الصحيح أنه لا حرج فيه.
المقدم: نعم، الحمد لله، شكر الله لكم هذه الكلمات معالي الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، شكرًا لك شيخنا.
الشيخ: وشكرًا لكم، وللإخوة المستمعين.
المقدم: نلتقي بكم إن شاء الله الأسبوع القادم إلى ذلكم الحين تقبلوا تحيات زميلي الذي يشاركنا دائمًا في تسجيل هذه الفقرة الزميل عثمان بن عبدالكريم الجويبر، فله منا كل الشكر والتحية.