الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(38) أحكام الحيض- جملة من المسائل
|categories

(38) أحكام الحيض- جملة من المسائل

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

تكلمنا في الحلقة السابقة عن بعض المسائل المتعلقة بالحيض، ونستكمل الحديث بذكر جملةٍ أخرى من المسائل.

وقبل أن نبتدئ بذكر هذه المسائل، أُذكِّر بأهمية العناية بـهذه المسائل، وأن تتفقَّه النساء فيها؛ وذلك لعظيم ما يترتب عليها من الأحكام؛ وذلك من جهة صلاة المرأة وصيامها، وما يرتبط بذلك من أحكام العدَّة والطلاق، وغير ذلك من الأحكام الشرعية؛ ولهذا ينبغي للمرأة أن تتفقَّه في أحكام ومسائل هذا الباب.

حكم حيض الحامل

الكلام عن مسألة حيض الحامل:

الغالب أن المرأة إذا حملت انقطع الدم عنها، قال الإمام أحمد رحمه الله: “إنـما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم، فإذا رأت الحامل الدم، فإن كان قبل الوضع بزمنٍ يسيرٍ كاليومين أو الثلاثة، ومعه طلقٌ فهو نفاس، أما إن كان قبل الوضع بزمن كثيرٍ، أو قبل الوضع بزمنٍ يسير، ولكن ليس معه طلق، فليس بنفاس”.

ولكن: هل يكون هذا الدم حيضًا تثبت له أحكام الحيض، أو يكون دم فسادٍ لا يُحكم له بأحكام الحيض؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين مشهورين:

  • فمنهم من قال: إن الحامل لا تحيض، وما يخرج منها من دمٍ، فإنه يكون دم فسادٍ، ولا تترتب عليه أحكام الحيض، وإنـما يكون حكمها حكم الطاهرات.
  • وقال بعض الفقهاء: هو حيضٌ إذا رأت الحامل الحيض، وكان على وجه المعتاد في حيضها فهو حيضٌ، وهذا هو الأقرب في هذه المسألة -والله تعالى أعلم-، فالحامل إذا رأت الحيض، وكان على الوجه المعتاد، فالأصل أنه حيض؛ وذلك لأن الأصل فيما يصيب المرأة من الدم أنه حيضٌ، إذا لَـم يكن له سببٌ يـمنع من كونه حيضًا، وليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله  ما يـمنع حيض الحامل.

وهذا مذهب مالك والشافعي، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، قال رحمه الله: “وحكاه البيهقي روايةً عن الإمام أحمد، بل حُكي أنّ الإمام أحمد رجع إلى هذا القول”.

الطوارئ على الحيض

أيها الأخوة المستمعون، وبعد ذلك ننتقل للكلام عن الطوارئ على الحيض:

وهي أنواعٌ، نذكر ما تيسر منها في هذه الحلقة؛ فمنها:

أولا: الزيادة أو النقص

مثل: أن تكون عادة المرأة ستة أيامٍ فيستمر بـها الدم إلى سبعة، أو تكون عادتـها سبعة أيامٍ فتطهر لستة.

ثانيًا: التقدمٌ أو التأخُّر

مثل: أن تكون عادتـها في آخر الشهر، فترى الحيض في أوله، أو تكون عادتـها في أول الشهر فتراه في آخره، وقد اختلف الفقهاء في حكم هذين النوعين.

والصواب: أن المرأة متى ما رأت الدم فهي حائض، ومتى ما طهرت منه فهي طاهر، سواءٌ زادت عن عادتـها أم نقصت، وسواءٌ تقدمت أم تأخَّرت؛ وذلك لأن الله ​​​​​​​ قد علَّق الحكم على وجود هذا الأذى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]، فمتى ما وجد هذا الأذى، فإنه يكون حيضًا، وتترتَّب عليه الأحكام الشرعية.

ودم الحيض قد يجتمع وقد يفترق لدى بعض النساء، فمن النساء من يكون دم الحيض عندها متقطعًا، يأتيها يومٌ ثم ينقطع أيامًا ثم يعود.

فنقول: العبرة والمعوَّل عليه هو وجود هذا الأذى، فمتى ما رأت هذا الأذى فهو دم حيضٍ، ومتى ما طهرت منه فإنـه لا يكون دم حيضٍ، وتكون قد طهرت، وترتَّب على ذلك أحكام الطهر.

وهذا القول هو مذهب الشافعي، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقوَّاه صاحب “المغني”، قال: “ولو كانت العادة معتبرةً على الوجه المذكور في المذهب -يعني: مذهب الحنابلة- لبيَّنَه النبي لأمته، ولَمَا وسعه تأخير بيانه؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وأزواجه وغيرهنَّ من النساء يحتجن إلى بيان ذلك في كل وقت، فلم يكن ليُغفِل بيانه، وما جاء عنه ذكر العادة ولا بيانـها، إلا في حق المستحاضة لا غير”.

ثالثًا: الصفرة أو الكدرة

بحيث ترى المرأة الدم أصفر كماء الجروح، أو تراه متكَّدِرًا بين الصفرة والسواد، فهذا إن كان في أثناء الحيض أو متصلًا به قبل الطهر، فهو حيضٌ، تثبت له أحكام الحيض، وإن كان بعد الطهر فليس بـحيض؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: “كنا لا نعد الصُّفْرَة والكُدْرة بعد الطهر شيئًا” [1]، رواه أبو داود بسندٍ صحيح.

ورواه البخاري بدون قولها: “بعد الطهر” [2]؛ لكنه ترجم له بقوله: باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في “فتح الباري”: “يشير بذلك إلى الجمع بين حديث عائشة المتقدم في قولها: «حتى ترينَ القَصَّة البيضاء» وبين حديث أم عطية المذكور في الباب: بأن ذلك -أي حديث عائشة- محمولٌ على ما إذا رأت الصفرة والكدرة في أيام الحيض، وأما في غيرها فعلى ما قالت أم عطية”.

وحديث عائشة الذي أشار إليه الحافظ هو ما علَّقه البخاري جازمًا به قبل هذا الباب: “أن النساء كُنَّ يبعثن إليها بالدِّرَجَة، بكسر الدال، وفتح الراء والجيم، قال ابن بطَّال: كذا يرويه أصحاب الحديث، وضبطه ابن عبد البر في “شرح الموطأ” بالضم ثم السكون: الدُّرْجَة: وهو شيءٌ تحتشي به المرأة لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء؟ فيها الكرسف -أي: القطن- فيه الصفرة، فتقول عائشة: لا تعجلنَ حتى ترين القَصَّة البيضاء”.

والقصة البيضاء: ماءٌ أبيضٌ يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض.

والحاصل بالنسبة للصفرة والكدرة: أن ما تراه المرأة من الصفرة أو الكدرة في زمن الحيض أو قبله أو بعده متصلًا به، فحكمه حكم الحيض، وأما ما تراه من الصفرة أو الكدرة بعد الطهر، فإنـها لا تعد شيئًا.

رابعًا: تقطُّعٌ في الحيض

بحيث ترى يومًا دمًا، ويومًا نقاءً، ونحو ذلك، فهذا له حالان:

  • الحالة الأولى: أن يكون هذا مع الأنثى دائمًا كل وقتها، فهذا دم استحاضة يثبت لمن تراه حكم المستحاضة، وسوف نُفصّل الكلام عن أحكام المستحاضة في وقتٍ لاحقٍ إن شاء الله تعالى.
  • الحال الثانية: ألا يكون مستمرًا مع الأنثى، بل يأتيها بعض الوقت، فيكون لها وقتٌ تطهر فيه، ووقتٌ يأتيها الحيض، فقد اختلف العلماء في النقاء: هل يكون طهرًا، أو ينسحب عليه أحكام الحيض؟

فمذهب الشافعي في أصح قوليه: أنه ينسحب عليه أحكام الحيض، فيكون حيضًا؛ وذلك لأن القصَّة البيضاء لا تُرى فيه؛ ولأنه لو جُعِل طُهْرًا؛ لكان ما قبله حيضة، وما بعده حيضة، ولا قائل به، وإلا لانقضت العدة القرء بخمسة أيام؛ ولأنه لو جُعِل طُهْرًا لحصل به حرجٌ ومشقةٌ بالاغتسال وغيره كل يومين، والحرج منتفٍ في هذه الشريعة، ولله الحمد.

والمشهور من مذهب الحنابلة أن الدم حيضٌ، والنَّقاء طُهْرٌ، إلا أن يتجاوز مجموعهما أكثر الحيض، فيكون الدم المتجاوز استحاضة، وقال الموفق ابن قدامة رحمه الله في كتابه “المغني” قال: “يَتوَجَّه أن انقطاع الدم متى ما نقص عن اليوم فليس بطُهْر، بناءً على الرواية التي حكيناها في النفاس، أنَّـها لا تلتفت إلى ما دون اليوم.

قال الموفق: وهذا هو الصحيح إن شاء الله؛ لأن الدم يجري مرةً، وينقطع أخرى، وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعةً بعد ساعة حرجٌ ينتفي بقول الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، ولأننا لو جعلنا انقطاع الدم ساعةً طُهْرًا، ولا تلتفت إلى الدم بعده لأفضى ذلك إلى ألا يستقر لها حيض.

فعلى هذا: لا يكون انقطاع الدم أقل من يومٍ طُهْرًا، إلا أن ترى ما يدل عليه، مثل أن يكون انقطاعه في آخر عادتـها، أو ترى القصَّة البيضاء”.

وكلامه رحمه الله قولٌ وسطٌ بين القولين؛ ولعله الأظهر في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

والحاصل: أن الإفرازات التي تراها المرأة من الصُّفْرَة والكُدْرَة والرطوبة، إن كانت زمن الحيض، أو متصلةً به قبله أو بعده؛ فهي حيضٌ، أما إن كانت بعد بالطهر؛ فإنـها لا تعد شيئًا.

بم يثبت طهر المرأة؟

والحاصل كذلك: أن المرأة يثبت طُهْرها:

  • إما بأن ترى القصَّة البيضاء، وهي علامةٌ لانتهاء الحيض، وابتداء الطهر، قال مالكٌ: “سألت النساء عنه، فإذا هو أمرٌ معلومٌ عندهنَّ يعرفنه عند الطهر”.
  • والأمر الثاني الذي يثبت به طهرها: انقطاع الدم يومًا كاملًا.

حينئذٍ نقول: إن المرأة تطهر بأحد هذين الأمرين: إما بأن ترى القصة، وإما بأن ينقطع الدم عنها يومًا كاملًا، فمتى حصل لها واحدٌ من هذين الأمرين، فإنه يكون قد حصل لها الطهر في هذه الحال.

أيها الإخوة، هذا ما اتسع له وقت هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خيرٍ في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 307، وابن ماجه: 647، والنسائي: 368.
^2 رواه البخاري: 326.
مواد ذات صلة