logo

قصة الأبرص والأقرع والأعمى

مشاهدة من الموقع

جاء في الصحيحين عن النبي أنه ذكر قصة لثلاثة نفر من الأمم السابقة:

أحدهم: أبرص.

والآخر: أقرع.

والثالث: أعمى.

أراد الله أن يبتليهم، فأرسل الله إليهم مَلَكًا في صورة رجل.

فأتى الأبرصَ؛ فقال: أيُّ شيء أَحَبُّ إليك؟ قال: أن أُعطى جلدًا حسنًا، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس، فمسح على جلده فشفاه الله تعالى، وأُعطيَ جلدًا حسنًا. قال: فأيُّ المال أَحَبُّ إليك؟ قال: الإبل، فأُعطيَ ناقةً عُشَراء، فأنتجت؛ فأصبح له وادٍ من الإبل.

ثم إنه ذهب للأقرع؛ وقال: أيُّ شيء أَحَبُّ إليك؟ قال: أن يذهب عني هذا القَرَع، وأُعطى شعرًا حسنًا، فمسح على رأسه فأُعطيَ شعرًا حسنًا. قال: فأيُّ المال أَحَبُّ إليك؟ قال: البقر، فأُعطيَ بقرةً حاملًا، فأنتجت؛ فأصبح عنده وادٍ من البقر.

ثم إنه ذهب للأعمى؛ قال: أيُّ شيء أَحَبُّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليَّ بصري فأُبصر الناس، فمسح على عينيه فأبصَر وذهب عنه العمى. قال: فأيُّ المال أَحَبُّ إليك؟ قال: الغنم، فأُعطيَ شاةً، فأنتجت؛ فأصبح عنده وادٍ من الغنم.

ثم إن المَلَك أتى إلى كل واحد منهم في صورته وهيئته؛ فأتى إلى الرجل الأبرص في صورة رجل أبرص فقير، وقال: إنه قد انقطع بي السفر، فلا بلاغ إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك جلدًا حسنًا، وأعطاك مالًا عظيمًا، أن تعطيني واحدة من الإبل التي عندك أتبلَّغ بها في سفري، فقال هذا الرجل: إنما ورثته كابرًا عن كابر، جحد نعمة الله عليه! قال: أريد منك واحدة من الإبل، عندك وادٍ من الإبل! قال: الحقوق كثيرة، فرفض ولم يُعطه شيئًا، قال: إن كنتَ كاذبًا فصيَّرك الله إلى ما كنتَ عليه قبل ذلك.

ثم إنه ذهب إلى الأقرع في صورته وهيئته -يعني: في صورة رجل أقرع فقير-، فقال: إني قد انقطع بي السفر، فلا بلاغ لي إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك شعرًا حسنًا، وأعطاك مالًا عظيمًا، أن تعطيني بقرة واحدة مما عندك أتبلَّغ بها في سفري، قال: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر، فجحد نعمة الله عليه! قال: أريد منك واحدة من البقر، قال: الحقوق كثيرة، وأبى، قال: إن كنتَ كاذبًا فصيَّرك الله إلى ما كنتَ عليه قبل ذلك.

ثم إنه ذهب إلى الأعمى في صورته وهيئته -يعني: في صورة رجل أعمى فقير-، وقال: إنه قد انقطع بي السفر، فلا بلاغ لي إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رَدّ عليك بصرك، وأعطاك مالًا عظيمًا، أن تعطيني واحدة من الغنم، فقال الأعمى: قد كنت أعمى فرَدّ الله عليَّ بصري، وكنت فقيرًا فأغناني الله، فخذ منها ما شئت، فوالله لا أَجْهَدك على شيء تأخذه، خذ منها ما شئت، فقال: أمسِك عليك مالك؛ فإنما ابتُليتم، وقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبَيك[1].

فانظروا -أيها الإخوة- إلى هذه القصة العظيمة التي قصَّها علينا النبي ، وحصل فيها الاختبار العظيم لهؤلاء الثلاثة.

الأول والثاني -الأبرص والأقرع- جحدا نعمة الله، وكل واحد منهما قال: ورثت هذا المال كابرًا عن كابر، فدعا عليهما بأن يردّهما الله تعالى إلى ما كانا عليه، فسُلبت منهما النعمة، وعادا إلى ما كانا عليه. أما الرجل الأعمى فقد نجح في هذا الاختبار العظيم، وتذكَّر نعمة الله عليه.

فهذا يدل -أيها الإخوة- على خطورة جحود النعم، وأن المسلم لا يجحد نعمة الله عليه، وإنما يعترف بها، ويُقِرّ بها، ويحمد الله تعالى ويشكره عليها، ولا يقول كما قال الأبرص والأقرع: إنما ورثتُه كابرًا عن كابر.

وكذلك أيضًا إذا أتى إليك فقير، وأنت قد أغناك الله ، فينبغي أن تَمُدّ له يد العون والمساعدة، خاصةً إذا كان هذا الفقير منقطعًا أو حاجته شديدة أو ماسَّة، وأنت مقتدر قد أغناك الله ، فينبغي أن تساعده وأن تَمُدّ له يد العون.

فينبغي لك -أخي المسلم- أن تجعل هذه القصة نُصْبَ عينيك، وأن تستحضر دومًا عظيم نعم الله عليك، والحذر كل الحذر من أن تجحد نعمة الله عليك، وإذا أتى إليك سائل فينبغي أن تترفَّق معه، وأن تساعده إذا كنت تستطيع، وإذا كنت لا تستطيع فأن تقول له قولًا كريمًا.

^1 بنحوه رواه البخاري: 3464، ومسلم: 2964.
مواد ذات صلة