logo

تزكية النفس بالمُحاسبة

مشاهدة من الموقع

المحاسبة -أيها الإخوة- أصلٌ عظيمٌ ذكره الله ​​​​​​​ وأمر به في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

قال أهل العلم: هذه الآية أصلٌ في مُحاسبة النفس: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ.

ولذلك -أيها الإخوة- تجدون أن الإنسان الذي تنعدم عنده المُحاسبة مُستمرٌّ في لَهْوٍ، وفي غفلةٍ، ومُستمرٌّ فيما هو فيه، يعني: لا تتغير أحواله، تجد أنه تَمُرُّ عليه المواسم تِلْوَ المواسم وهو على حاله.

بينما الإنسان الذي عنده جانب المُحاسبة تجد أن نفسَه تَزْكُو وتَسْمُو، وتجد أن حاله كل عامٍ أحسن من العام الذي قبله.

فلا بد -أيها الإخوة- إذن من مُحاسبة النفس، وَلْنَقْتَدِ بالسلف الصالح؛ فقد أخرج الإمام مالكٌ في "الموطأ" بسندٍ صحيحٍ: أن أبا بكرٍ كان يُمْسِك بلسانه ويقول: "إن هذا أَورَدَني الموارد" [1]، يعني: من شدة مُحاسبته لنفسه.

وكان عمر إذا جَنَّ عليه الليل ضرب قدميه بالدِّرَّة، وقال: "يا نفس، ماذا عملتِ اليوم؟ يا نفس، ماذا قَدَّمْتِ لغدٍ؟"[2].

وكان ابن مسعودٍ إذا غربت الشمس قال: "هذا يومٌ غَرَبَتْ شمسُه، نقص به عمري، واقترب به أجلي"[3].

وهكذا نجد -أيها الإخوة- أن السلف الصالح كانوا على عنايةٍ كبيرةٍ بهذا الجانب، فلا بد إذن أن يكون للمسلم جانبٌ كبيرٌ من مُحاسبة النفس، خاصةً مع تجدد المواسم، مثل: هذه المواسم الفاضلة؛ لأن النفس -أيها الإخوة- بطبعها تميل إلى الهوى، فتحتاج إلى نَهْيٍ، كما قال ربنا ​​​​​​​: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [النازعات:40].

تأمل قوله ​​​​​​​: وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۝ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40- 41].

فالنفس تحتاج إلى نَهْيٍ؛ لأنَّها بطبعها تنجرف للهوى، فتحتاج من الإنسان إلى حزمٍ وعزمٍ وقوةٍ، وهي كما يقول القائل كالطفل:

النَّفس كالطفل إنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ على حُبِّ الرَّضاع، وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ [4]

أرأيتَ الطفل عندما يُتْرَك يرضع يستمرُّ في الرضاع، وعندما يُفْطَم عن الرضاع يبكي ويتألَّم يومًا أو يومين، ثم بعد ذلك يَنْفَطِم؟

هكذا النفس تمامًا، فالنفس إذا رَأَتْ منكَ حزمًا وعزمًا وقوةً فإنها تنقاد لك، لكن إذا رَأَتْ منك تَرَدُّدًا وتكاسلًا فإنها تقود الإنسان إلى الهوى؛ ولذلك تأمَّلوا هذه الآية: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۝ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40- 41].

^1 رواه مالكٌ في الموطأ: 12.
^2 إحياء علوم الدين للغزالي: 4/ 404.
^3 موارد الظمآن لدروس الزمان لعبد العزيز السلمان: 3/ 30.
^4 البيت للبوصيري، ينظر: "ديوان البوصيري" ص191.
مواد ذات صلة