logo

الفرق بين الرؤيا والحُلْم

مشاهدة من الموقع

جاء في "الصحيحين" عن أبي سلمة قال: كنت أرى الرؤيا فتُمرضني -وفي روايةٍ: أثقل من الجبل- فذكرت ذلك لأبي قتادة فقال: كنت أرى الرؤيا فتُمرضني، فذكرت ذلك للنبي  فقال عليه الصلاة والسلام: الرؤيا من الله، والحُلْم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يحب؛ فلا يُخبر به إلا من يحب، وإذا رأى أحدكم ما يكره؛ فليتفُل عن يساره ثلاثًا، وليستعذ بالله من شر ما رأى، ومن شر الشيطان، ولا يُحدِّث بذلك أحدًا، فإنها لا تضره [1].

فهذا إرشادٌ من النبيِّ للإنسان إذا رأى في منامه ما يحب أو ما يكره؛ فإنه إذا رأى ما يحب؛ فهذه رؤيا، وتُفيد إما البِشارة أو النِّذَارة، وينبغي ألا يُخبر بها إلا من يحب، أو يُخبر بها مُعبِّرًا حاذقًا؛ لأنه لو أخبر بها إنسانًا حاسدًا أو حاقدًا؛ فربما عبَّرها على الوجه المكروه، والرؤيا تحتمل عدة احتمالاتٍ، والمعبِّر الحاذق يحملها على أفضل هذه الاحتمالات؛ كما في الحديث: الرؤيا على رِجل طائرٍ، فإذا عُبِّرت؛ وَقَعَت [2].

وإذا رأى الإنسان في منامه ما يكره؛ فهذا حُلْمٌ من الشيطان، فالمطلوب منه: أن يتفُل عن يساره، وأن يستعيذ بالله من شرِّ ما رأى، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وألا يُحدِّث بها أحدًا، وجاء في روايةٍ: يتحوَّل إلى الجنب الآخر [3]، وأيضًا في روايةٍ: أنه يقوم ويتوضأ ويُصلِّي ركعتين [4]

وبهذا -أيها الإخوة- نعرف الفرق بين الرؤيا والحُلْم:

  • فالرؤيا تكون فيما يحب الإنسان، وفيما لا يكره، يعني من الأمور المباحة.
  • وأما الحلم فيكون فيما يكره الإنسان.

فإذا رأيت في منامك شيئًا مزعجًا؛ فهذا حُلمٌ وليس رؤيا، وإذا رأيت في منامك شيئًا محبوبًا، أو شيئًا ليس بمزعجٍ؛ فهذه رؤيا، وعلى ذلك يكون التفريق بين الرؤيا والحُلْم.

وبهذا نعلم أن ما يراه الإنسان في منامه ينقسم إلى ثلاثة أقسامٍ: 

  • القسم الأول: حديث نفسٍ، ويُسمى "أضغاث أحلامٍ"، وهو الشيء الذي يتحدث به الإنسان في نهاره ويراه في منامه، فهذا لا عبرة به. 
  • والقسم الثاني: الرؤيا، وهي من الله ، ومن علاماتها: أنها لا تكون في الأشياء المزعجة أو المكروهة، وإنما تكون فيما يحب الإنسان، أو في الأمور المباحة، وأيضًا تكون واضحةً؛ بحيث يتذكرها الإنسان تمامًا، ولا تكون طويلةً. 
  • والقسم الثالث: الحُلْم، ومن علامته: أنه يكون في الأشياء المزعجة والمحزنة. 

فإذا رأيت في منامك شيئًا تكرهه، أو شيئًا مزعجًا، أو شيئًا محزنًا، فهذا حُلمٌ من الشيطان؛ وعلى هذا نقول: "أضغاث أحلامٍ"، أو ما يراه الإنسان في نهاره فيراه في المنام، هذا لا عبرة به. 

الرؤيا: من الله ، هذه ينبغي ألا يُخبر بها إلا من يحب، أو يُخبر بها المُعبِّر الحاذق، وهي تُفيد البشارة أو النذارة فقط، ولا يُستفاد منها أحكامٌ شرعيةٌ. 

وأما الحُلْم: فهو من الشيطان، وهو يكون في الأشياء المزعجة والمحزنة، هذا الحلم ينبغي ألا يتحدث به الإنسان، بل يتفُل عن يساره ثلاثًا، ويستعيذ بالله من شرِّ ما رأى، ويستعيذ بالله من الشيطان، ويتحول عن جنبه الذي نام عليه إلى الجانب الآخر، وإن تيسر أن يقوم ويتوضأ ويُصلِّي ركعتين؛ كان هذا أكمل وأحسن. 

وبهذا -أيها الإخوة- نعلم أن ثلثي ما يراه الإنسان في منامه ليس برؤيا، يعني إما أن يكون حديث نفسٍ، وإما أن يكون حلمًا من الشيطان، الرؤيا فقط في حدود الثلث؛ ولذلك ينبغي للإنسان ألا يتعلق بالمنامات؛ لأن بعض الناس كثير التعلق بالمنامات، ما إن يرى في منامه شيئًا؛ إلا وينشغل بالبحث عن مُعبِّرٍ، وماذا يُراد بهذه الرؤيا؟ طيب، هل هي أول الرؤيا؟ ثلث ما يراه الإنسان ليس برؤيا، الرؤيا فقط في حدود الثلث.

فالرؤيا تكون في الأمور المحبوبة، أو في الأمور المباحة، وأما الأشياء المزعجة فهذه من الشيطان، كل شيءٍ فيه إزعاجٌ، أو كل شيءٍ فيه حزنٌ، أو كل شيءٍ فيه مكروهٌ، فهذا حلمٌ من الشيطان ليس برؤيا، لا تتحدث به، استعذ بالله منه ومن الشيطان ولا يضرك.

وإنما فقط الثلث -ثلث ما تراه في منامك- هذا هو الذي قد يكون رؤيا، ومع ذلك تعبيرها يُفيد الظن ولا يُفيد القطع، والله تعالى قال عن يوسف ، الذي أعطاه علم التعبير، وَقَالَ يعني يوسف  لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف:42]، فإذا كان يوسف  قال ذلك على سبيل الظن؛ فما بالك بغيره؟ فالرؤيا تُفيد الظن ولا تُفيد القطع، وإنما هي للبشارة أو للنذارة.

^1 رواه البخاري: 7044، ومسلم: 2261، بنحوه.
^2 رواه أبو داود: 5020، والترمذي: 2278، وابن ماجه: 3914، وأحمد: 16227، بنحوه.
^3 رواه مسلم: 2262، وأبو داود: 5022، وابن ماجه: 3909.
^4 رواه مسلم: 2263، والترمذي: 2280.
مواد ذات صلة