حياتك -أيها الإنسان- في هذه الدنيا فرصةٌ واحدةٌ، غير قابلةٍ للتعويض، وغير قابلةٍ للمغامرة، أعطاك الله الحياة في هذه الدنيا، وأخبرك بأن مُقامك في هذه الدنيا في اختبارٍ وامتحانٍ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2]، وأقام الحجة وأنذَر وأعذَر.
فنحن نعيش -أيها الإخوة- في هذه الدنيا في اختبارٍ وامتحانٍ، وقد وُكِّل بكل واحدٍ منا ملكان عن يمينه وعن شمالِه يكتبان كل أقواله وأعماله، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، ثم بعد ذلك -بعدما يأتي الأجل- تنتقل من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، ومن دار العمل إلى دار الجزاء والحساب، وتُحاسَب على جميع أعمالك في الدنيا: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47].
مصيرك -أيها الإنسان- بعد مماتك إما في الجنة أو النار، وما بعد الموت من دارٍ، إلا الجنة أو النار، إما السعادة الأبدية، وإما الشقاوة، ويُحدِّد هذا المصير أعمالك في هذه الدنيا؛ فينبغي لنا -أيها الإخوة- أن نغتنم ما تبقى من أعمارنا في هذه الدنيا فيما يُحقِّق لنا السعادة الأبدية بعد مماتنا.
حياتك -أيها الإنسان- في هذه الدنيا فرصةٌ واحدةٌ، لا تُغامر فيها، أمور الدنيا يمكن أن تُغامر فيها وتخسر وتفشل وتُعوِّض، يعني مثلًا: لو فشلت في صفقةٍ تجاريةٍ؛ يمكن أن تُعوِّض، لو في اختبار مثلًا مدرسةٍ أو جامعةٍ وأخفقت؛ يمكن أن تُعوِّض؛ أمور الدنيا قابلةٌ للتعويض، لكن حياتك لا تُغامر فيها، لا تجعلها مجالًا للمغامرة، هي فرصةٌ واحدةٌ.
إن نجحتَ في هذا الاختبار العظيم الذي نخوضه الآن ونحن أحياء؛ سعدت السعادة الأبدية في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71]، فيها من النعيمِ فوق ما يتخيله العقل البشري، أو تكون الدار الآخرة النار التي يقول عنها النبي : ناركم هذه التي تُوقِدون يعني في الدنيا جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنم، قالوا: يا رسول الله، إن كانت لكافيةً، قال: إنها فُضِّلت عليها بتسعةٍ وستين جزءًا [1].
فنحن الآن -أيها الإخوة- في دارٍ يتمناها الأموات، لا زال باب العمل مفتوحًا، لا زال باب التوبة مفتوحًا، لا زال بالإمكان التدارك؛ فينبغي أن نتدارك ما تبقى من أعمارنا فيما ينفعنا بعد مماتنا.
| ^1 | رواه البخاري: 3265، ومسلم: 2843. |
|---|


