logo
الرئيسية/مقاطع/أحسن الطرق في حكاية الخلاف

أحسن الطرق في حكاية الخلاف

مشاهدة من الموقع

فائدةٌ: أحسن الطرق في حكاية الخلاف:

قال ابن كثيرٍ حول تفسير قول الله تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف:22]: "اشتملت الآية الكريمة على الأدب، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا؛ فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوالٍ، ضعَّف القولين الأولين، وسكت عن الثالث؛ فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلًا؛ لرده كما ردهما".

فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه على الصحيح منها، وتبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته.

فأما من حكى خلافًا في مسألةٍ ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقصٌ؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكي الخلاف ويُطلِقه ولا يُنبِّه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقصٌ أيضًا"[1].

هذه الفائدة استنبطها الحافظ ابن كثيرٍ رحمه الله في "تفسيره" عند تفسير قول الله تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف:22] عن أصحاب الكهف، وأن الناس اختلفوا فيهم، وذكر الله تعالى في هذا الخلاف ثلاثة أقوالٍ:

القول الأول: ثلاثةٌ رابعهم كلبهم. 

والقول الثاني: خمسةٌ سادسهم كلبهم، وأبطل الله تعالى هذين القولين بقوله: رَجْمًا بِالْغَيْبِ [الكهف:22]. 

ثم ذكر الله تعالى القول الثالث: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف:22]، وسكت؛ فدل ذلك على أنه هو الصواب.

فيستفاد من هذه الآية: أن من أراد أن يعرض لمسألةٍ فيها خلافٌ وفيها أقوالٌ: أن يستوعب الأقوال والخلاف في تلك المسألة، ثم ينبه على الصحيح منها، ويُبطل الباطل، ويَذكر فائدة الخلاف وثمرته.

ولهذا الله تعالى ذكر في هذه المسألة ثلاثة أقوالٍ، ونبَّه إلى بطلان القول الأول والثاني بقوله: رَجْمًا بِالْغَيْبِ، وسكت عن الثالث؛ وهذا يقتضي أنه هو الصواب.

فهذه هي أحسن الطرق في ذكر الخلاف: أن تذكر الأقوال، وتبين الصحيح منها، وتبطل الباطل منها.

أما من حكى خلافًا ولم يستوعب الأقوال؛ فيعتبر عرضًا ناقصًا؛ إذ قد يكون الصواب في القول الذي تركه، وهكذا أيضًا من يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهذا أيضًا ناقصٌ.

ولذلك تجد أن بعض الناس عندما يذكر أقوال العلماء في مسألةٍ من المسائل؛ بعضهم يقول: "أكتفي بالقول الراجح"، هذا عرضٌ ناقصٌ؛ لأنه قد يكون الراجح في خلاف ما ذكرت، وفي خلاف ما رجحته.

وبعضهم يذكر الخلاف ولا يرجح، وإنما يذكر أقوالًا مرسلةً من غير ترجيحٍ، وهذا العرض أيضًا ناقصٌ؛ بل لا بد من بيان الصحيح من الضعيف، وهذه هي الفائدة من عرض الخلاف: أن تعرض الأقوال، وتبين الصواب، وتبين القول الضعيف.

فهذه الآية فيها إشارةٌ لهذا المعنى، فسبحان الله العظيم! انظر لعظمة القرآن الكريم، حتى في مثل هذه المسائل بيَّن الله الطريقة المثلى لعرض الخلاف، وهي: أن تستوعب الأقوال، وتبين الصواب، وتبين الباطل أو الضعيف.

فانظر كيف أن الله حكى خلاف الناس في هذه المسألة، وذكر الثلاثة أقوال!: ثلاثةٌ رابعهم كلبهم، القول الأول، خمسةٌ سادسهم كلبهم، القول الثاني، أبطل الله هذين القولين، وبيَّن وجه البطلان بقوله: رَجْمًا بِالْغَيْبِ [الكهف:22]، ثم ذكر الله تعالى القول الثالث: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف:22]، يعني أيضًا أتى بالواو وسكت، وهذا فيه إشارةٌ إلى أن هذا القول هو القول الصواب.

إذنْ الطريقة المثلى والصحيحة في ذكر الخلاف: أن تستوعب الأقوال، وتبين القول الصحيح أو القول الراجح، وتبين الأقوال الباطلة أو الضعيفة، هذه هي أحسن الطرق في حكاية الخلاف.

^1 مقدمة تفسير ابن كثير (1/ 10-11).
zh