أول شبهة وقعت في الخليقة: شبهة إبليس، حينما اعترض على ربه لمَّا أمره الله تعالى بالسجود لآدم ، قال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف: 12]، اعترض على ربه بالرأي فقدَّم الرأي على النص، والله تعالى أمره بالسجود لآدم لكنه قدم رأيه وعقله وفهمه على أمر الله له، فقال: كيف أسجد لآدم وأنا أفضل منه؛ لأنك خلقت آدم من طينٍ وخلقتني من نارٍ؟!
وبزعمه أن النار أشرف وأفضل من الطين، مع أن هذا غير مسلمٍ، وناقشه ابن القيم وبعض أهل العلم وقالوا: ليس بصحيحٍ ما فهمه إبليس من أن النار أشرف وأفضل من الطين [1].
لكن إبليس اللعين فهم هذا واعترض على الله وقال: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا [الإسراء:61]، فكان إبليس هو أول من اعترض برأيه على النص؛ قدَّم الرأي على النص وقدم العقل على النص؛ ولذلك فالذين يقدمون الرأي والعقل على النصوص فيهم شَبَهٌ من إبليس.
ثم إن تقديم الرأي على النص مخالفٌ لمقتضى العبودية؛ فإن مقتضى عبودية العبد لربه: الاستسلام لله سبحانه، أن يُسلِّم وجهه إلى الله، وأن يستسلم لله ، وينقاد لحكم الله ورسوله، سواءٌ علم الحكمة أو لم يعلمها؛ لأنه على يقينٍ بأن الله تعالى عليمٌ حكيمٌ، لا يأمر بشيءٍ إلا لحكمةٍ، ولا ينهى عن شيءٍ إلا لحكمةٍ، فأمره ونهيه حكمة الحكم وغاية الحكم.
أما مَن كان لا يعمل من النصوص إلا بما وافق رأيه وما وافق هواه؛ فهذا ليس عبدًا لله، وإنما هو عبد لهواه: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الفرقان:43].
نعم، بعض الناس قد يتخذ إلهه هواه؛ وذلك بأن يقدم هواه على كل شيءٍ، حتى على النصوص من الكتاب والسنة.
ولهذا -يا أخي المسلم- إذا جاء النص من القرآن أو جاء النص من السنة الصحيحة؛ فيجب الاستسلام لذلك، وألا يعترض المسلم على ذلك برأيٍ أو بفهمٍ أو بعقلٍ، وإنما يستسلم لحكم الله ورسوله؛ لأن تقديم الرأي على النص وتقديم العقل على النص، مَن يفعل هذا ففيه شَبَهٌ بإبليس اللعين الذي قدَّم رأيه على النص، أمره الله بالسجود لآدم فقدم رأيه وقال: كيف يسجد الفاضل للمفضول، وخلقتني من نار وخلقته من طينٍ؛ فكانت نتيجة ذلك: أن الله لعنه وطرده.
^1 | بدائع الفوائد لابن القيم (4/ 139). |
---|