قال سفيان الثوري رحمه الله: التشديد كلٌّ يُحسِنه، إنما العلم الرُّخَص عن الثقات [1].
وهذه المقولة مقولةٌ عظيمةٌ من هذا الإمام؛ فالتشديد كلٌّ يُحسنه، لا يصعب على الإنسان أو على أي طالب علمٍ أن يقول: هذا الشيء حرامٌ، ويغلق الباب، فكل يحسنه، إنما الرخصة المنضبطة بالضوابط الشرعية التي تَصدر عن راسخٍ في العلم وعن ثقةٍ، فهذا هو العلم، إنما العلم: الرخصة عن الثقات، وفي لفظٍ: عن الثقة.
فهذا هو العلم الحقيقي؛ ولذلك فالمنهج الصحيح في الفتيا: هو الاعتدال من غير تشدُّدٍ ولا تساهلٍ، وأن يسير المفتي على حسب ما يقتضيه الدليل من الكتاب والسنة.
وأحيانًا بعض الأدلة تشدد في مسألةٍ من المسائل؛ فينبغي التشديد فيها، والأدلة أحيانًا تجعل في المسألة سَعَةً؛ فينبغي عدم التشديد فيها، وأن يُجعل للناس فيها سعةٌ، فيدور الحكم مع الدليل من الكتاب والسنة.
والتشديد يُقابله التساهل، فكما أن التشديد على الناس غير مقبولٍ؛ فكذلك أيضًا التساهل غير مقبولٍ، فيوجد مقابل التشديد من يتساهل ولا يكاد أيضًا يُفتي بالمنع، إنما دائمًا أو أكثر الفتوى: "يجوز"، وهذا في مُقابَلة من يكون أكثر الفتوى عنده حرامًا.
وإنما المنهج الصحيح: هو الاعتدال، وأن يُسار مع الدليل، ومع تشديد الأدلة يشدد في المسألة، وإذا جَعلَت الأدلةُ المسألة فيها سَعَةٌ؛ لا يشدد فيها؛ فمثلًا: النمص، وهو إزالة شعر الحاجب أو إزالة بعضه؛ طلبًا للتجمل، هذه المسألة ورد فيها لعنٌ من الشارع [2]؛ فينبغي التشديد فيها؛ لأن اللعن لا يكون إلا على كبيرةٍ.
في المقابل: المعاملات، الأصل فيها الحل والإباحة، فلا نمنع ونقول: إن هذه المعاملة حرامٌ، إلا بدليلٍ واضحٍ من الكتاب أو السنة، وإلا فالأصل في المعاملات الحل والإباحة.