logo
الرئيسية/مقاطع/موعظة علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند زيارة القبور

موعظة علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند زيارة القبور

مشاهدة من الموقع

رُوي أن علي بن أبي طالبٍ ذهب يومًا ومعه نفرٌ من أصحابه لزيارة المقبرة -لأن زيارة المقبرة سُنةٌ؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها؛ فإنها تُذكِّركم الآخرة [1]- فلما دخل عليٌّ المقبرة ورأى القبور قال: يا أهل القبور، أمَّا الأموال فقد قُسمت، وأما الدور فقد سُكنت، وأما الزوجات فقد تزوَّجن، هذا خبرُ ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ ثم سكت والتفت لأصحابه وقال: أمَا والله لو تكلموا؛ لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى [2].

وهذه القصة المشهورة عن عليٍّ قصةٌ مؤثرةٌ، فيها العبرة؛ فعليٌّ يخاطب أصحاب القبور ويقول لهم: يا أهل القبور، يعني: يا من سكنتم القبور، وهو يريد بذلك الموعظة لنفسه ولمن معه ولمن تُنقَل له هذه القصة، وهو لا يريد خطاب أصحاب القبور حقيقةً، لكنه يريد من ذلك الموعظة بهذه الكلمات.

فيقول: "يا أهل القبور، أما الأموال" يعني: أموالكم "فقد قُسمت" يعني: اقتسمها الورثة، "وأما الدُّور" يعني: بيوتكم "فقد سُكنت"، لم تبق فارغةً، سكنها غيركم، "وأما نساؤكم فقد نُكِحت" يعني: تزوجن، وهذا قد يقع وقد لا يقع، لكن هو يتكلم عمن تزوَّجت نساؤهم، فهو يريد بذلك: أنكم -يا أصحاب القبور- قد نسيكم الأحياء، ولم يتبقَّ لكم سوى العمل الصالح؛ ولهذا قال: "أمَا إنهم لو تكلموا؛ لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى".

نعم، الميت لا يتمنى إلا عملًا صالحًا، لو قيل للأموات: تمنَّوْا؛ لما تمنوا سوى أن يرجعوا للدنيا ويعملوا صالحًا، لا يمكن أن يتمنوا أن يرجعوا للدنيا لبناء القصور، أو لتحصيل الأموال، أو لغير ذلك من الأمور الدنيوية، إنما غاية ما يريدون: أن يعملوا صالحا، حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ۝ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا [المؤمنون:99-100].

هذه هي أمنية الأموات، ونحن الأحياء، نحن في فرصةٍ يتمناها الأموات، نحن الأحياء، لا يزال باب العمل مفتوحًا، ولا يزال باب التوبة مفتوحًا، ولا يزال بالإمكان التدارك.

فينبغي لنا أن نتدارك ما تبقى من أعمارنا فيما ينفعنا بعد مماتنا.

^1 رواه أبو داود: 3235، والترمذي: 1054، والنسائي: 5651، وقال الترمذي: حسن صحيح.
^2 البيان والتبيين للجاحظ (3/ 107).
zh