كل من ادعى علم الغيب؛ فهو كاذبٌ، لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه؛ كما قال سبحانه: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن:26-27]، وقد انقطع الوحي بموت النبي ، فمن ادعى علم الغيب؛ فهو كذابٌ أَشِرٌ.
ولهذا فالذين يذكرون أنه سيقع كذا وكذا في المستقبل، هؤلاء كذابون، ورسول الله -الذي هو أكرم البشر على الله تعالى- يقول الله تعالى له: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188]، هذا وهو رسول الله، أكرم البشر وأفضل الأنبياء والرسل، لا يعلم الغيب، فما بالك بغيره؟!
هذه عقيدة المسلم، ينبغي أن تكون راسخةً لدى كل مسلمٍ ومسلمةٍ في أنه لا يعلم الغيب إلا الله، وهؤلاء الذين يدَّعون علم الغيب يذكرون أمورًا تحتمل احتمالاتٍ، وأحيانًا توافق هذه الاحتمالات القدَر فيقع ما ذكروه، لكن هذا إنما وقع مصادفةً.
وهذا كما أخبر النبي عن الكُهَّان أنهم يكذبون مئة كذبةٍ، ويَصْدُقون مرةً واحدةً [1]، وينسى الناس المئة كذبةٍ ويقولون: أليس قال كذا ووقع كذا.
فلا يجوز تصديق هؤلاء الدجالين، كل من ادعى علم الغيب؛ فهو كذابٌ، وهو دجالٌ، ولا يجوز تصديقه؛ الأمور المستقبلية لا يعلمها إلا الله سبحانه.
ولهذا قال : وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا [لقمان:34]، ولم يبق شيءٌ بعد النبوة إلا المبشرات، قالوا: يا رسول الله، وما هي المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له [2].
معنى ذلك: أنه لا يمكن معرفة علم الغيب وما يقع في المستقبل، لكن عن طريق الرؤيا يمكن أن تُعبَّر للإنسان بما قد يقع له في المستقبل، ومع ذلك هذا التعبير ظنيٌّ وليس قطعيًّا.
ولهذا قال الله تعالى عن يوسف : وَقَالَ -يعني يوسف- لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف:42]، يوسف الذي أعطاه الله علم التعبير، ومع ذلك ظنَّ!
فتعبير الرؤى إنما يفيد الظن، ثم أيضًا الرؤيا إنما تُفيد البِشارة أو النِّذارة؛ يعني تبشيرًا أو إنذارًا، ولا يؤخذ منها أحكامٌ ولا يُبنى عليها أمورٌ.
فهذا هو الطريق الوحيد فقط الذي يمكن أن يَعرف به الإنسان ما يكون في المستقبل، عن طريق تعبير الرؤيا فقط، وهذا أيضًا على سبيل الظن وليس على سبيل القطع، وما عدا ذلك فكل من ادعى علم الغيب؛ فهو كذابٌ أَشِرٌ.