logo
الرئيسية/مقاطع/كيفية تحصيل المَلَكة العلمية لطالب العلم؟

كيفية تحصيل المَلَكة العلمية لطالب العلم؟

مشاهدة من الموقع

ولذلك إذا أراد طالب العلم أن يُحصِّل المَلَكة العلمية؛ كيف يحصل الملكة؟

هل يحصلها بحفظ المتون؟

الجواب: لا؛ ولذلك نرى من يحفظ متونًا كثيرةً لم تَحْصُل لديه الملكة العلمية، إنما يُحصِّل الملكة العلمية بتحرير المسائل، خاصةً المسائل الخلافية، فالفقه هو معرفة الخلاف.

فتأخذ الفقه مثلًا من أول بابٍ إلى آخر بابٍ، وتأخذ هذه المسائل، كل مسألةٍ تنظر أقوال العلماء فيها، يمكن أن تكتبها لديك: القول الأول: كذا، والقول الثاني: كذا، واستدل أصحاب القول الأول بكذا، واستدل أصحاب القول الثاني بكذا.

ثم تنتقل لاختيارات أبرز المحققين: اختار العالم الفلاني كذا، والعالم الفلاني كذا، وتُكوِّن لك قولًا راجحًا، وتمشي على مسائل الفقه بهذه الطريق.

مثلًا: أكل لحم الإبل، هل ينقض الوضوء؟

تقول مثلًا: اختلف الفقهاء على قولين:

  • القول الأول، قول الحنابلة: أنه ينقض الوضوء.
  • القول الثاني، قول الجمهور: أنه لا ينقض.

استدل الحنابلة بكذا، واستدل الجمهور بكذا، واختار من المحققين القول مثلًا بعدم النقض: فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ، وأجابوا عن أدلة الجمهور بكذا، فتكون لك هذه المسألة، ثم المسألة التي بعدها، ثم المسألة التي بعدها، بهذه الطريقة وبهذا التحرير تتكون لديك المَلَكة، صحيحٌ أن هذه الطريقة ربما فيها شيءٌ من الصعوبة، وتأخذ وقتًا، لكنك تحمد العاقبة.

فتحرير المسائل هو سبيل التأسيس الفقهي والتأصيل؛ ولذلك أتى إليَّ أحد طلبة العلم وقال: أنا أريد أن أؤصل نفسي، كيف تنصحني؟ فدللته على بعض الكتب التي تُعنَى بالدليل، وفيها الإشارة إلى الخلاف، وأن يأخذ كل مسألةٍ ويحررها، ثم أتى إليَّ بعد مدةٍ، قال: استفدت من هذه المشورة استفادةً عظيمةً.

يعني على سبيل المثال: تأخذ مثلًا "الشرح الممتع" للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وتأخذ كل مسألةٍ تفهمها جيدًا، تفهم مثلًا مذهب الحنابلة، تعرف الخلاف فيها، الجمهور ماذا قالوا، قد لا يكون الجمهور، قد يكون مثلًا المالكية، الحنفية، الشافعية، قد يكون من غير المذاهب الأربعة، تعرف الخلاف في كل مسألةٍ، تعرف اختيار الشيخ، وتعرف أيضًا اختيارات المحققين من أهل العلم في هذه المسألة، تكتبها عندك، تُقيِّدها، ثم المسألة التي بعدها، ثم المسألة التي بعدها، وتمر على جميع أبواب الفقه، ثم تراجع، وإذا كان معك مَن تتباحث معه؛ فهو أجود؛ حتى يشجعك.

فهذه من أفضل الطرق لتحصيل الملكة، وللتأسيس الفقهي.

وأنبه هنا إلى أن طالب العلم لا يكفيه النظر في كتب الفقهاء السابقين للتأسيس الفقهي، بل لا بد أيضًا من العناية بالفقه المعاصر؛ لأن عدم العناية بالفقه المعاصر يعتبر قصورًا.

وانظر إلى برامج الإفتاء: عن ماذا يَسأل الناس، يسألون مسائل كثيرةً، عن المسائل الفقهيةٍ القديمةٍ المدونةٍ في كتب الفقه، لكن أيضًا قدرًا ليس بالقليل من الأسئلة عن المسائل المعاصرة؛ فلا بد أن يوجد لدى طالب العلم الحد الأدنى لمعرفة حكم هذه المسألة؛ مثلًا: بطاقة (الفيزا) ما حكمها؟ لا يكون عندك معرفةٌ بالحد الأدنى، التأجير مع الوعد بالتمليك، ما حكمه؟ لا بد أن يكون عندك خلفيةٌ، عندك على الأقل ما رأي "المجمع الفقهي" مثلًا، هذا الحد الأدنى.

فالمسائل المعاصرة أيضًا لا بد أيضًا أن يعتني بها طالب العلم، على الأقل الحد الأدنى، أن يضبط آراء الهيئات العلمية والمجامع الفقهية، هذا الحد الأدنى، على الأقل اضبِطْه.

لو سُئلتَ مثلًا: ما حكم التعامل بالتأجير مع الوعد بالتمليك؟ يكون عندك جوابٌ، أما أن تكون طالب علمٍ وتحفظ متونًا، وعندك عنايةٌ بكتب الفقهاء، لكن عندما تُسأل عن هذه المسألة؛ ما عندك جواب؛ فهذا يعتبر قصورًا، وهذا أيضًا قصورٌ في التأسيس والتأصيل الفقهي، يفترض أن يكون عندك الجواب.

العملات الرقمية مثلًا، يكون عندك جوابٌ، على الأقل تضبط آراء الاجتهاد الجماعي إن وُجد، فإن لم يوجد؛ فآراء كبار أهل العلم، هذا الحد الأدنى لطالب العلم.

فلا بد إذنْ من أن يكون لدى طالب العلم معرفة هذه المسائل المعاصرة وهذه النوازل.

مواد ذات صلة
zh