الفائدة رقم 925: حفظ اللسان.
قال ابن المقفع: اعلم أن لسانك أداة مُصْلتة؛ يتغالب عليه: عقلك وغضبك وهواك وجهلك، فكل غالبٍ مُستمتِعٌ به وصارِفُه في محبته؛ فإذا غلب عليه عقلك فهو لك، وإن غلب عليه شيءٌ مِن أشباه ما سمَّيْتُ لك فهو لعدوك. فإن استطعت أن تحتفظ به وتصونه فلا يكون إلا لك، ولا يستولي عليه أو يشاركك فيه عدوك، فافعل[1].
لا زال كلام الحكماء والأدباء وقبل ذلك النصوص من الكتاب والسنة تُوصي بأن يتبين الإنسان في الكلام قبل أن يُطلقه؛ فإنه -إن كان هذا الكلام- كلامًا في مصلحته فهو له، وإلا فهو عليه.
وهنا ابن المقفع يقول: “لسانك أداة مصلتة”؛ يعني: هو كالسيف المصلت “يتغالب عليه: عقلك وغضبك وهواك وجهلك؛ إن غلب عليه عقلك” فتكلمت بما فيه مصلحة “فهو لك، وإن غلب عليه شيء من أشباه ما سميت لك”؛ يعني: من الهوى أو الجهل أو تكلمت في حال الغضب أو نحو ذلك “فهو لعدوك”؛ يعني: أنك تتكلم بكلام غير مناسب، وتبوء بإثمه في الآخرة، ويستغله عدوك عليك.
“فإن استطعت أن تحتفظ به وتصونه”؛ يعني: تحتفظ بلسانك وتصون لسانك وتحفظه “فلا يكون إلا لك”؛ يعني: لا تتكلم إلا بما ترى أن فيه المصلحة، “ولا يستولي عليه أو يشاركك فيه عدوك فافعل”؛ يعني: يريد أنك ينبغي أن تتأمل وتتبين في كلامك قبل أن تطلقه، فإن رأيت فيه المصلحة فتكلم، وإلا فاسكت.
ويدل لهذا قول النبي : إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة مِن سخط الله لا يلقي لها بالًا يهوي بها في نار جهنم. أخرجه البخاري في “صحيحه”[2].
كلمة قد يرفعه الله تعالى بها درجات عظيمة، وكلمة قد يهوي بها في نار جهنم.
وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة : أن النبي قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها؛ يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب[3].
سبحان الله! كلمة تكون سببًا لأن يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب؛ ولهذا قال بعض السلف: كم من كلام مَنَعَنِيه هذا الحديث.
وهذا يدل على أن الإنسان مسؤول عن كلامه، مسؤول عن الكلام الذي يتكلم به، وعما تكتبه أنامله، فهو مسؤول عنه في الدنيا والآخرة.
فعلى المسلم إذا أراد أن يتكلم بكلام أو أن يكتب كلامًا أن يتبين فيه: فإن رأى فيه المصلحة، وإلا أمسك.
