قال عمر بن عبدالعزيز : لم أر ظالمًا أشبه بمظلوم من الحاسد[1]. يريد: أن الحاسد يُشِيع فضائل محسوده.
وكما قيل:
إذا أراد اللهُ نَشْرَ فضيلة | طُويت أتاح لها لسان حسود |
لولا اشتعال النار فيما جاورت | ما كان يُعرف طِيب عَرْف العُود |
هذه المقولة المنسوبة لعمر بن عبدالعزيز مقولة مشهورة عنه: لم أر ظالمًا أشبه بمظلوم من الحاسد. قال: يريد أن يُشيع فضائل محسوده.
أولًا: الحاسد هو في الحقيقة يُحسن إلى محسوده بإشاعة فضائله؛ لأنه يريد أن ينتقصه، فيلفت النظر إلى فضائله، وكما في قول الشاعر:
إذا أراد الله نشر فضيلة | طويت أتاح لها لسان حسود |
لولا اشتعال النار فيما جاورت | ما كان يعرف طيب عرف العود |
فيستفيد المحسود من الحاسد نشر فضائله.
وأيضًا: الحاسد يتألم عندما يرى النِّعمة على محسوده، فكأنه في الحقيقة هو المظلوم، هو ظالم بحسده، لكن بتألمه كأنه هو المظلوم.
وهذا معنى قوله: “ما رأيت ظالمًا أشبه بمظلوم”، فهذا الحاسد يعاني ويتألم، وكلما رأى نعمة على من يحسده تألم أكثر، فهو في الحقيقة ألمه أشد من ألم من يحسده، هو يحسد هذا الإنسان، لكن هذا الإنسان لن يضره إلا بإذن الله .
أما هو الحاسد فهو في قرارة نفسه يتألم وربما يصاب بالكمد، وربما أيضًا يصاب بالقهر عندما يرى النعم تتوالى على محسوده.
ولهذا؛ فعلى المسلم أن يبتعد عن صفة الحسد، فإنها صفة ذميمة، أول من اتصف بها إبليس اللعين؛ فإنه حسد أبانا آدم، وقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]. فقوله: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ يدل على حسده لأبينا آدم. واتصف بها شرار الخلق.
أما المؤمنون؛ فأثنى الله عليهم بسلامة الصدر، كما قال عن الأنصار: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا [الحشر:9]، فكون الإنسان يكون سليم الصدر هذه منقبة للإنسان.
وعلى المسلم أن يحرص على ذلك: أن يَبِيت وليس في صدره غش أو حسد لأحد من المسلمين على خير أعطاه الله إياه.
الحاشية السفلية
^1 | “اللطائف والظرائف” لأبي منصور الثعالبي: ص 140. |
---|