قال النووي رحمه الله في شرحه على “صحيح مسلم” من طريف أخبار أبي عثمان النَّهْدِي: “ما رُوِّيناه عنه أنه قال: بلغتُ نحوًا من ثلاثين ومئة سنةٍ، وما من شيءٍ إلا وقد أنكرتُه إلا أملي، فإني أجده كما هو” [1].
هذه المقولة نقلها النووي في شرحه على مسلم عن أحد المُعَمِّرين، وهو أبو عثمان النَّهْدِي، وقد بلغ مئةً وثلاثين عامًا، ويقول: إنه تغيرتْ عليه الدنيا كلها، وما من شيءٍ إلا وقد أنكرتُه وتغير عليَّ إلا شيءٌ واحدٌ لم يتغير عليَّ، وهو أملي، فإني أجده كما هو.
وكما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: في حبّ الدنيا، وطول الأمل [2].
فسبحان الله! قد يتبادر للذهن أن الإنسان إذا تقدم به العمر يقصر عنده الأمل، ويقلّ عنده حب الدنيا، ولكن الواقع هو العكس، الواقع هو الذي أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام وهو العكس: أنه كلما تقدم العمر بالإنسان كلما تعلق حبه بالدنيا، وكلما طال أمله في الدنيا: لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: في حبّ الدنيا، وطول الأمل.
أيضًا جاء في “صحيح مسلم” عن أبي هريرة : أن النبي قال: قلب الشيخ شابٌّ على حبِّ اثنتين: حب العيش والمال [3].
وهذا نجده في الواقع: تجد أن بعض كبار السنِّ عنده تعلقٌ شديدٌ بالمال وبالدنيا أكثر من الصغير، وأيضًا عنده تعلقٌ بالحياة وطول الأمل أكثر من الشابِّ الصغير، فهذا أمرٌ نجده في الواقع.
والمطلوب من المسلم: أنه كلما تقدم به العمر يكون إلى الله أقرب، ويزداد تعبدًا لله سبحانه، ويستشعر قُرب لقاء الله .
والإنسان لا يدري متى يَفْجَؤه الموت، لا يدري، وكم من إنسانٍ أصبح صحيحًا مُعافًى، لم يخطر بباله الموت ولو بنسبة 1%، وأمسى مع الأموات، فالإنسان لا يدري متى يَفْجَؤه الموت، وحتى إذا لم يَفْجَأه الموت ربما يَفْجَؤه مرض الموت.
ولهذا فعلى المسلم أن يكون مُستعدًّا، وأن يتزود بزاد التَّقوى.
ومتوسط أعمار هذه الأُمة كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ما بين الستين إلى السبعين، قال: أعمار أُمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم مَن يجوز ذلك [4]، يعني: الذين يتجاوزون السبعين قليلٌ بالنسبة للأُمة.