الورع في اللسان شأنه عظيمٌ؛ ولهذا قال الفضيل بن عياضٍ: أشد الورع: الورع في اللسان، وعلق على هذا الحافظ الذهبي قال: هكذا هو، فقد ترى الرجل ورعًا في مأكله وملبسه ومعاملته، وإذا تحدث؛ يدخل عليه الداخل من حديثه، فإما أن يتحرى الصدق فلا يكمل الصدق، وإما أن يصدق فينمِّق حديثه؛ ليُمدح على الفصاحة، وإما أن يُظهر أحسن ما عنده ليُعظَّم، وإما أن يسكت في موضع الكلام؛ ليُثنَى عليه، وأشد من ذلك: أن يقع في الغيبة أو في السخرية، أو في الهمز أو اللمز، أو نحو ذلك من آفات اللسان [1].
ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يَكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم، لما سأل معاذٌ النبيَّ قال: يا رسول الله، إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم [2].
فعلى المسلم أن يجاهد نفسه في أن يتكلم بكلامٍ محرمٍ، وأنْ يكون ورعًا في كلامه، بعيدًا عن القذف، وعن السخرية، وعن الغيبة والنميمة، ونحو ذلك من آفات اللسان، وإذا تأملنا في أكثر الذنوب والخطايا؛ نجد أن مصدرها اللسان، كما قال عليه الصلاة والسلام: وهل يَكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم، فمن أحكم القبضة على لسانه؛ فقد وُقي شرًّا عظيمًا.
وبعض الناس مبتلًى بآفات اللسان، إذا تكلم؛ لا يتكلم إلا بالقبيح من القول، وإذا كتب؛ لا يكتب إلا القبيح من القول، فهذا عليه أن يجاهد نفسه، وأيضًا أن يلجأ إلى الله في أن يهديه لأحسن الأخلاق.
فمن الأدعية العظيمة: اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت [3]، أخرجه مسلمٌ في “صحيحه” من حديث عليٍّ ، هذا الدعاء ينبغي أن يحرص عليه المسلم كثيرًا: اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، فإن الأخلاق هبةٌ من الله للإنسان، وقد يتخلق الإنسان بالأخلاق الكريمة إذا جاهد نفسه على التخلق بها؛ ولذلك فمن الأدعية النافعة العظيمة أن تدعو الله بهذا الدعاء: اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت.