الحلم من مكارم الأخلاق، ويكاد يُجمِع أربابُ الأخلاق والسلوك على أن الحلم هو سيد الأخلاق، بل إن بعض العلماء فسَّر حسن الخلق بالحلم وترك الغضب، ورُوي ذلك عن الإمام أحمد، أنهم قالوا: ما حسن الخلق؟ قال: الحلم وترك الغضب؛ لأن الحليم يستطيع أن يتحكم في مشاعره، ويتحكم في كلماته، ويتحكم في تصرفاته؛ فيكون حسن الخلق، أما الإنسان الغضوب الذي هو سريع الغضب، وشديد الغضب، هذا يكون سيئ الخلق؛ فشدة الغضب ترتبط بسوء الخلق، والحلم يرتبط بحسن الخلق.
فالحلم هو سيد الأخلاق، والحلم هو من الأخلاق العظيمة؛ ولذلك لما وصف الله تعالى إسماعيل قال: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ [الصافات:101]، اختار الله تعالى من مكارم الأخلاق الحلم، مع أن فيه صفاتٍ أخرى، إسماعيل فيه عدة صفاتٍ في مكارم الأخلاق، لكن الله اختار منها الحلم فقط، وفي الآية الأخرى: بِغُلَامٍ عَلِيمٍ [الحجر:53]، العلم والحلم هما أفضل صفتين في الإنسان.
فالحلم من الأخلاق الكريمة العظيمة، ومَن جُبِل على شدة الغضب؛ ينبغي أن يدرب نفسه على الحلم؛ حتى يكون حليمًا؛ لأن الحلم منه ما هو جِبِلِّيٍّ، ومنه ما هو مكتسبٌ؛ ولذلك لما قال النبي لأشج بن عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة، قال: يا رسول الله، أَجُبِلت عليهما، أم تخلقت بهما؟ قال: بل جُبلت عليهما، قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحبه الله ورسوله [1].
فقد يولد بعض الناس حليمًا، لكن حتى لو لم تُجبل على صفة الحلم؛ بإمكانك أن تكون حليمًا، بتدريب النفس، والتدريب يكون بالتدريج؛ مثلًا تقول: هذا اليوم من ساعة كذا إلى ساعة كذا لن أغضب مهما كان السبب، في اليوم الثاني اجعلها ساعتين، في اليوم الثالث أربع ساعاتٍ، في اليوم الرابع ست ساعاتٍ، وهكذا ستجد نفسك مع مرور الوقت قد أصبحت حليمًا، واكتسبت صفة الحلم.
ويتأكد هذا بالنسبة لطالب العلم، لا يليق بطالب العلم أن يكون سريع الغضب، وشديد الغضب؛ لأن شدة الغضب وسرعة الغضب ترتبط بسوء الخلق؛ ولهذا كان الليث بن سعدٍ يقول لأصحاب الحديث: تعلموا الحلم قبل العلم.
فالحلم يُتعلم؛ كما أن العلم يتعلم، إنما العلم بالتعلم؛ كذلك إنما الحلم بالتحلم، بإمكان الإنسان أن يصبح حليمًا إذا درب نفسه على الحلم.
^1 | رواه مسلم: 17. |
---|