هذا ذِكرٌ لنوعٍ من نعيم الجنة، وهو ما أعد الله فيها من الأشجار العظيمة والظل الوارف، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بأن في الجنة شجرةً، شجرة في الجنة، قيل: إنها شجرة طُوبَى، ولكن هذا لا دليل عليه، النبي عليه الصلاة والسلام قال: شجرة، هذه الشجرة من عظمتها أنه يسير الراكب في ظلها مئة سنةٍ لا يقطع ظلها، وليس أي راكبٍ، وإنما جاء تفسير ذلك في الرواية الأخرى: الراكبُ الجَوَادَ المضمَّر السريع، يعني: لو كان يركب على فرسٍ مضمَّرٍ، والمضمَّر: الذي ضُمِّر ليشتد جريه، وهو أسرع ما يكون من الخيل، يعني: يسير هذا الراكب بسرعةٍ كبيرةٍ مئة سنةٍ لا يقطع ظل هذه الشجرة.
إذا كان هذا وصفًا لشجرةٍ من أشجار الجنة؛ فما بالك بنعيمها؟! شجرةٌ واحدةٌ من أشجار الجنة يسير الراكب على الجواد المضمَّر السريع مئة سنةٍ لا يقطع ظلها، هذا وصفٌ لشجرةٍ واحدةٍ من أشجار الجنة، وهذا يدل على عظيم نعيم الجنة، وعظيم ما أعد الله لأهلها، مئة سنةٍ وهو يسير، ما يستطيع أن يقطع ظلها، سبحان الله! ما هذه الشجرة؟! شجرةٌ عظيمةٌ، وهذا وصفٌ لشجرةٍ واحدةٍ فقط من أشجار الجنة.
قال النووي رحمه الله: المراد بظلها: كَنَفُها وذَرَاها، وهو ما يستر أغصانها، وإنما قال النوويُّ ذلك؛ لأن الجنة ليس فيها شمسٌ، فكيف يكون هناك ظلٌّ؟! ولكن هذا محل نظرٍ، والصواب: أننا نُثبت الظل على حقيقته؛ كما أخبر النبي ، كما هو ظاهر النص، ولا يُستبعد ذلك، ولا يلزم أن يكون هناك شمسٌ؛ حتى يكون هناك ظلٌّ، قد يكون هناك ظلٌّ يخلقه الله ، قد يكون هناك ظلٌّ لإسفارٍ يكون لأهل الجنة، فإنه قد ورد في بعض الآثار أن هناك نورًا يكون من تحت العرش لأهل الجنة، فالله تعالى أعلم، يعني: لا داعي لهذا التأويل، وأن المقصود بظلِّها: "كَنَفُها وذَرَاها"، هذا تأويلٌ لا دليل عليه، والأحسن: أن نُثبت الظل كما أخبر به النبي ، ونظير ذلك: قول النبي : سبعةٌ يُظلهم الله تعالى تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله [3]، بعض العلماء استشكل كيف يكون لله ظلٌّ؛ فالله تعالى لا يكون فوقه شمسٌ، ولا فوقه أي شيءٍ؟!
نقول جوابًا عن ذلك:
أولًا: قيل: إن المقصود: ظلُّ عرشه، وقد جاء هذا في رواية سعيد بن منصورٍ [4]، وقيل: إنه ظلٌّ يخلقه الله ، والله تعالى أعلم، لكن نؤمن بأن هناك سبعة أصنافٍ من البشر يُظلهم الله ، كيف يكون هذا الظل؟ ما مصدره؟ ما حقيقته؟ الله أعلم؛ لأن أحوال الآخرة تختلف عن أحوال الدنيا، تختلف اختلافًا كبيرًا، فلا تُقاس أمور الآخرة بالدنيا؛ هكذا أيضًا نقول فيما ذَكَر النبي عليه الصلاة والسلام في ظل هذه الشجرة.
نقول: الحديث على ظاهره، هو ظلٌّ، ولا نُؤوِّل ذلك، لا نقول: إن المقصود: كَنَفُها وذَرَاها؛ لأن هذا التأويل لا دليل عليه، إنما نُثبت هذا الظل كما ذكره النبي .